السبت 22 جمادى الأولى 1446 . 23 نوفمبر 2024

بُغض المشركين وشرح حديث: تجرونهم إلى الجنة بالسلاسل

السؤال:

ذكرتم في خطبة سابقة أن الشرك من شعب الكفر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم (أنتم خير الناس للناس تجرونهم إلى الجنة بالسلاسل) فهل يفهم من الحديث أننا نبغض الشرك لا من وقع فيه أم أننا نبغض الشرك وأهله ومن وقعوا فيه وما هو تفسير الحديث ومناسبته؟

 

الجواب: 

هذا الحديث لا علاقة له بأن الشرك من شعب الكفر، فالحديث جاء في قول الله تبارك وتعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال النبي صلى الله عليه وسلم [أنتم خير الناس للناس تجرونهم إلى الجنة بالسلاسل] حتى تفهم الحديث لا بد أن تسأل نفسك، ما هو أكبر خير ممكن أن يفعله إنسان لك؟ يكتب اسمك في شركة ويعطيك كل سنة أرباح مليون دينار؟ يبني لك بيت؟ يزوجك ابنته؟ أكبر من هذا كله أن يكون هناك إنسان يجعله الله سبباً بأن يدخلك الجنة، يأخذك ويشدك إليها، ويكون سبباً في أن يزوجك من الحور العين ويعطيك قدر هذه الدنيا وعشر أمثالها وحياة لا تنتهي، فالجنة أعظم ميراث، قدم مربع في الجنة خير من الدنيا وما فيها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لموقع صوت أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها]، وقال صلى الله عليه وسلم: [لو أن امرأة من أهل الجنة نظرت إلى أهل الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض]، بينما لو كنت ضالاً وذاهب إلى جهنم -التي لا يوجد أشر منها في الوجود لأن فيها غضب الله وسخطه وعذابه الذي لا ينتهي– وجاء من سحبك منها وأتى بك إلى الجنة، وأنت تقول له لا أريد أن آتي معك، وهو يقول لك سآخذك بالإكراه وأنقذك من هذه النار وأدخلك هذه الجنة. يكون قد فعل لك خيراً لا مثيل له. هناك ناس يأتون بالكلمة تقول لهم هذا الطريق يؤدي بك إلى جهنم، فاتق الله وآمن به وبرسوله، فيشرح الله صدره ويؤمن.  وهناك إنسان لا يأتي إلا بالتعب والإلحاح، وهناك من لا يأتي إلا بالضرب، وهناك من لا يدخل الجنة إلا بالسلاسل. ومن يفعل هذا مع غيره يكون قد صنع له أكبر معروف ومنة، لأنه تكلف حتى أتى به، على عكس الذي  يهديه الله من كلمة أو موعظة فقط. لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: [أنتم خير الناس للناس] خير الناس للناس لماذا؟ قال [تقودونهم إلى الجنة بالسلاسل] لأنهم يأتون بهم إلى الجنة ولو بسلسلة. فالمسلم الذي خرج وباع ماله وروحه في سبيل الله وجاهد أعداء الله يريد وجهه تبارك وتعالى، ولا يريد غنيمة أو أن يأخذ امرأة الكافر ولا ماله ولا أرضه، ليأسر الكافر الذي سيذهب إلى جهنم ويحاول معه ويدعوه إلى الإسلام ويرغبه بدين الله ليدخله الجنة في حين أن الكافر لا يريد هذا، ويقاتل ويحارب من أتى له بهذه النية. اليهود جاءهم دين أم لا؟ لكنهم قالوا هذا الدين لنا وحدنا ولن نجعل أحداً من غير أولاد يعقوب يراه، ونحن شعب الله المختار اختارنا الله عن دون البشر لا ندعو غيرنا. فبخلوا بهذا بل أكثر من هذا، وذلك عندما جعل الله سبحانه وتعالى هذا الدين في غيرهم حاربوه لكي لا يدخل في هذا الخير أحد ويهتدي النصارى، وقالوا إن خبز الأبناء لا ينبغي أن يعطى للكلاب. -طبعا هذا لم يقله عيسى عليه السلام- ويعنون بخبز الأبناء كرامة الله تبارك وتعالى لأبنائه الذين هم بني إسرائيل أي لا يجوز أن تصرف إلى غيرهم. وهذا نص آخر في الإنجيل أن عيسى قال لتلاميذه: اذهبوا واقرظوا بهذا الإنجيل في العالم أجمع -اقرظوا به يعني ادعوا به في العالم أجمع- والنصارى لم يكونوا على التوحيد إلا وقت قليل. وجاء بولس فغيرهم عن هذا التوحيد إلى الشرك وأصبحت دعوتهم إلى النصرانية دعوة إلى النار لأنهم ادعوا أن عيسى هو ابن الله وأنه أنزله الله من السماء وتأنس يعني كان إلها في السماء قبل الوجود ثم تأنس يعني أصبح إنسان وولد من مريم وله طبيعتين ومشيئتين وأنه عاش فينا ثم صلب، ثم قتل ثم مات، ثم حيى بعد ثلاثة أيام، ثم ذهب إلى جوار أبيه ثم سيعود ليدين الأحياء والأموات بعد ذلك. هذه عقيدتهم وهذا دينهم الذي نشروه في الناس، وأصبحت الدعوة إلى النصرانية منذ ذلك الوقت إلى هذا اليوم هي دعوة إلى النار.

النصارى بذلوا أموال ضخمة جدا في سبيل تحويل شعوب بكاملها، فأكبر دين له دعوة في الأرض هي النصرانية، وأكثر ناس ينفقون أموالهم في الدعوة هم النصارى، مليارات المليارات ينفقونها في سبيل الدعوة إلى النصرانية، واستطاعوا تحويل شعوب كاملة في أفريقيا وآسيا إلى النصرانية لكن إلى أين سيذهبون بهم؟ سيذهبون بهم إلى جهنم، فقد أخذوهم من شرك المجوسية ليجعلوهم في شرك النصارى، لكن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس من يوم ما أقامها الله سبحانه وتعالى في الأرض وهي قائمة بأمر الله تبارك وتعالى {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك} يدعون الناس إلى ماذا؟ إلى توحيد الله تبارك وتعالى وعبادته وحده، ينقذون من شاء الله تبارك وتعالى من النار الحقيقية إلى الجنة فهم خير الناس للناس. ونعود لصاحب السؤال ونقول أنه ليس هناك علاقة بين قولك وبين حديث [كنتم خير الناس للناس تجرونهم إلى الجنة بالسلاسل]، فلا يفهم من الحديث أننا نبغض الشرك لا من وقع فيه، بل يجب أن نبغض الشرك والمشرك، لكنك عندما تأتي بهذا المشرك إلى الجنة ليس لأنك تحبه فتدخله الجنة بالسلاسل وهو على حاله. بالعكس أنت أدخلته الجنة بأنك دعوته إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به، فترك الشرك الذي هو عليه ثم أصبح بهذا أهل لأن يدخل الجنة.