الجمعة 11 شوّال 1445 . 19 أبريل 2024

ألا تتعارض الهداية مع قوله تعالى: والذين اهتدوا زادهم هدى

السؤال:

أن العبد إذا جاءته الهداية فلن يهتدي إلا أن يشاء الله، ألا يتعارض ذلك مع قوله سبحانه وتعالى {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقوى من عنده}؟

 

الجواب:

لا يوجد تعارض بين هذا وهذا، لأن لا مشيئة فوق مشيئة الله تبارك وتعالى وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالله تبارك وتعالى هو الخالق وحده، وهو المتصرف في الخلق من الإحياء والإماتة، والغنى والفقر، والهدى والضلال، فلا يهتدي أحد إلا بمشيئة الله جل وعلا، ولا يضل كذلك إلا بما يشاء لا أحد يوقع مشيئة رغماً عن الله تبارك وتعالى: {من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء إن هذه تذكرة} وقول الله في آخر السورة: {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله} يعني لا مشيئة إلا بعد مشيئة الله عز وجل {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} فلا شك أن أمر العبادة كلها راجع إلى مشيئة الله تبارك وتعالى ولا أحد يوقع مشيئته رغما عنه سبحانه وتعالى. قال الله تبارك وتعالى: {ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا} وقال: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم} وقال عن الكفار: {ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل} فالأمر كله لاشك أنه راجع إلى الله تبارك وتعالى والله حق يضع كل شيء في نصابه سبحانه وتعالى لا يضع الهداية إلا فيمن يستحقها ولا يضع الضلال إلا فيمن يستحقها فالذي يسير في طريق الهداية الله يوفقه ويهديه سبحانه وتعالى، ومن يختار طريق الضلال يضله الله {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ويقول الله في الهداية: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} فالذي يسعى في طريق الهداية يهديه الله، والذي يسعى في طريق الضلال يضله الله {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا} أي يزيده من الضلال، وأما الذين اهتدوا {زادهم هدى وآتاهم تقواهم} ويقول في الحديث القدسي: [من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولا] فالله تبارك وتعالى يزيد كل فاعل من جنس فعله فمن كان من أهل الإحسان يزيده الله تبارك وتعالى إحساناً في عمله وتوفيقا وهداية، وإن كان من أهل الضلال يزداد في الضلال والأمر كله في النهاية واقع بمشيئة الرب تبارك وتعالى.