السبت 12 شوّال 1445 . 20 أبريل 2024

الحلقة (1) - مقدمة

تفسير الشيخ المسجل في تلفزيون دولة الكويت

إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.

أمّا بعد؛ فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي  هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وبعد ... أيها الإخوة الكرام القرآن الكريم كتاب الله –سبحانه وتعالى- المنزل على عبده ورسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- خاتم رسل الله، وهو هذا القرآن الموجود بين أيدينا المنتشر فى أقطار العالم المطبوع فى المصاحف، المبدوء بالفاتحة الحمد لله رب العالمين {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ}[الفاتحة:1]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، والمختتم بسورة الناس.

هو هذا القرآن الموجود وقد كفل الله –تبارك وتعالى- وتكفل بحفظه فقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9] وقد أجمع الصحابة على أنّ هذا هو القرآن، فقد جمعوه، وأجمعوا على أنّ هذا المجموع في المصحف، والذي وزعت نسخه فى عهد عثمان بن عفان –رضي الله تعالى عنه-، جمع في عهد الصديق في مكان واحد، ونسخ في عهد عثمان، ووزع للأمصار، وأجمع الصحابة على أنّ هذا هو القرآن المنزل على محمد -صلوات الله وسلامه عليه- لم يزد فيه حرف، ولم ينقص منه حرف، وهذا يعني أنّ من زعم أنّ هناك كتابًا لله -تبارك وتعالى- غير هذا الكتاب فهو كاذب، لأنّه يرد كلام الله –تبارك وتعالى- الذي تكفل بحفظ القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9] ثم يرد إجماع أصحاب النبي –صلوات الله وسلامه عليه- الذين شهد الله –تبارك وتعالى- لهم بالخير والفضل فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110] وقال {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ...}[الفتح:29] وقد شهد الله –تبارك وتعالى- بصدقهم وأمانتهم وعدلهم في آيات كثيرة من القرآن.

هذا القرآن كلام الله –تبارك وتعالى- أولًا هو خطاب الله المباشر منه –جل وعلا- إلى الناس جميعًا، ونعني بأنّه خطاب مباشر أنّه خطاب من الله –تبارك وتعالى- إلى النّاس كلهم، منه –جل وعلا- بدأ والمخاطب به الناس، والنبي –صلى الله عليه وسلم- قد تلقى هذا القرآن وبلغه لينذركم به ومن بلغ قال –تبارك وتعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}{قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ....}[الكهف: 1،2] وقال –جل وعلا-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، فالفرقان هو القرآن، والكتاب هو القرآن، قد أنزله الله –تبارك وتعالى- على نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- ليكون هذا القرآن نذيرًا للعالمين.

خاطب الله -تبارك وتعالى- عباده خطابًا مباشرا؛ من مثل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:21، 22]، هذا أول أمر فى كتاب الله –تبارك وتعالى- نادى الله –تبارك وتعالى- فيه الناس جميعًا فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:21] ويا أيها الناس خطاب من الله –تبارك وتعالى- إلى الناس جميعا الذين أرسل لهم هذا النبي –صلوات الله وسلامه عليه- أن يبلغهم كتاب الله –تبارك وتعالى-، يا أيها الناس تكررت في القرآن، ولا شك أنّ كل فرد منذ قام النبي بهذه الدعوة إلى آخر إنسان على سطح هذه الأرض قبل يوم القيامة هو مُنذر ومبَلّغ بهذه الرسالة.

من الخطاب المباشر كذلك؛ يا أيها الإنسان (يا أيها الإنسان) يدخل فيه كل إنسان، وقد خاطب الله –تبارك وتعالى- الإنسان باسمه؛ باسم الجنس إلى كل إنسان من مثل قوله: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ سورة مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:6-8]، وكذلك يا بني آدم من مثل قوله –تبارك وتعالى- (يَا بَنِي آدَمَ): {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأعراف:26]، {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}[الأعراف:27]، {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ...}[الأعراف:31] وهذا كثيرٌ في القرآن.

كذلك خطاب مباشر منه –سبحانه وتعالى- لعباده الذين آمنوا وهذا تكرر كثيرًا فى القرآن عند كل أمرٍ ونهي وموعظة وتذكير من مثل قوله –تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ...}[الأحزاب:9]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183] وهذا كثير من القرآن، وقد قال ابن مسعود لما سأله رجل قال له: «عظني –يعني أريد منك موعظة- فقال له: إذا سمعت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فارعه سمعك فإنه خطاب من الله –تبارك وتعالى- لك إما يأمرك بأمر وإما ينهاك عن شيء»، أي أنّ هذه أعظم موعظة تسمع {يا أيها الذين آمنوا} فتعلم أَنك داخلٌ في هذا الخطاب.

نستفيد من هذا أنّ القرآن رسالة من الله –تبارك وتعالى- موجهة لكل أحد، فكل مكلف كل من هو داخل في خطاب التكليف أعني أحد أفراد أمة الدعوة الذين أرسل إليهم النبي –صلوات الله وسلامه عليه-، فإذا وصله القرآن فقد وصلته الرسالة، ووصلته الرسالة من الله –تبارك وتعالى- رأسًا إليه، الواسطة إنما هو النبي – إنما هو الذي حمل هذا القرآن وبلغه وقد أخبرهُ الله –تبارك وتعالى- أنّ عليه البلاغ فقد قال {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} وقال: { لِيُنذِرَكُمْ بِهِ}  بالقران ومن بلغ، وقال –جل وعلا-: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان:51، 52] ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا غيرك يا محمد فيرسل الله –تبارك وتعالى- كما كان الشأن في الرسالات السابقة كل نبيّ إلى قومه خاصة، وأمّا نبينا –صلوات الله وسلامه عليه- فإنه بعث إلى الناس عامة كل الأجناس، وكل الأديان، كل من في الأرض منذ وقته وإلى قيام الساعة، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ}[الأعراف:158] فالنبي –صلوات الله وسلامه عليه- هو رسول الله إلى الناس جميعًا، القرآن المنزل إليه هو رسالة الله إلى الناس، النبي إنما قام –صلى الله عليه وسلم- بتبليغ هذه الرسالة.

أقول الدرس الذي يجب أن نأخذه من كون القرآن خطاب إلى الناس جميعًا؛ أنّ كل فرد فينا مهما كان دينه ملته جنسه لونه قد وصلته الرسالة، وصلته رسالة الله –تبارك وتعالى- بوصول القرآن إليه، ولذلك قال النبي –صلوات الله وسلامه عليه- «والله لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار».

هذا القرآن له خصائص اختص بها عن سائر الكتب -كل الكتب سواء الكتب التي أنزلها الله –تبارك وتعالى- أو الكتب التي يمكن أن تنسب إلى غير الله –تبارك وتعالى-  ككتب البشر ، أول خصيصة من خصائص القرآن الإعجاز، وذلك أنّ الله –تبارك وتعالى- أنزله كلامًا عربيًا من جنس ما يتكلم به العرب، فهو مؤلف من حروفهم الأبجدية من كلماتهم، مصوغ على نسق ما يصوغون كلامهم، بل استخدم النبي أساليبهم، أساليب العرب في البيان وفي البديع وفي تحسين الكلام، ولكنّ الله –تبارك وتعالى- قد أتى به على وجهٍ معجز من حيث الصياغة والحلاوة والطلاوة، فهو أسلوب لا يمكن أن يدانيه ولا أن يقترب منه أي أسلوب من أساليب كلام البشر، وقد جعل الله –تبارك وتعالى- هذه الصورة من صور إعجاز القرآن هي دلالة صدق النبي –صلوات الله وسلامه عليه- الدليل على صدق النبي، فإنه ما من نبي أرسله الله –تبارك وتعالى- إلا ويعطيه الله –تبارك وتعالى- دليل على صدقه، وذلك أنّ ادعاء النبوّة أمرٌ ممكن لكل أحد أن يدعي أنّه رسول الله، وقد ادعى النبوّة كثيرٌ من الكذبة، ولا يزال يدعيها وإلى يوم القيامة كما قال النبي –صلوات الله وسلامه عليه-: «لن تقوم الساعة حتى يخرج دجالون كذابون» قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي، وقد ادعى النبوّة فى عصر النبي –صلوات الله وسلامه عليه- طائفة  كمسيلمة  التميمي  وسجاح  والأسود العنسي حوالي ثلاثة ممن ادعوا النبوّة و كانوا معاصرين للنبي –صلوات الله وسلامه عليه-

الفرق بين النبي الصادق والنبي الكاذب؛ هو الدليل والبرهان الذي يقيمه الله –تبارك وتعالى- على صدق الصادق، وكذلك ما يقيمه الله –تبارك وتعالى- من الأدلة على كذب الكاذب، الكاذب لابد أن يفضحه الله –تبارك وتعالى-، والصادق يؤيده الله –تبارك وتعالى-، فما من نبي أرسله الله تبارك وتعالى من أنبيائه إلا وقد أوتي دليلًا وبرهانًا ليصدق به البشـر، كما قال –صلوات الله وسلامه عليه- «ما من نبي أرسله الله إلا وأُوتِيَ ما على مِثْله آمن البشر  وكان الذي أُوتِيتَه وحيًا أوْحَاهُ الله إليّ فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة».

الدليل الذي أعطاه الله –تبارك وتعالى- إلى النبي هو هذا القرآن، ووجه الإعجاز فيه والتحدي هو أنه كلام من جنس ما يتكلم به قوم النبي وهم العرب، وقد قيل للعرب ((إن كذَّبتم النبي في أنه رسول الله حقًا وصدقًا فعارضوه))، عارضوا دليله هاتوا قرآنًا مثل هذا القرآن، إن استطعتم أن تأتوا بقرآن مثله  {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}[الطور:34] ، حديث مثل هذا الحديث في مستوى الصياغة والحلاوة والأداء أداء المعنى يثبت حجتكم أنّ محمدًا ليس بنبي، وأما إن عجزتم عن أن تجاروا هذا القرآن، والحال  أنه بشر مثلكم، ولا يمكن أن يأتي أحدٌ بما يعجز البشر كلهم مهما كان، ما يمكن أن ينفرد إنسان فى الكون كله بأن يأتي بما يعجز عنه بقية الناس جميعًا؛ إلا أن يكون مؤيدًا من الله –تبارك وتعالى- بهذا الإعجاز، وعجزُ العرب عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن دليل - بل هو أعظم دليل على صدق النبي –صلوات الله وسلامه عليه-، وقد أخبرهم الله –تبارك وتعالى بأنهم لن يفعلوا، قال: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] في شك مما نزلنا على عبدنا من هذا القرآن وأنه رسول الله {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ... (24)}[البقرة]، فإن لم تفعلوا فيما مضى، وقد تدرج الله –تبارك وتعالى- معهم في التحدي، الأول تحداهم بأن يأتوا مثل القرآن كله {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}[الطور:34]، ثم تدرج إلى عشر سور {... قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ...}[هود:13]، مفتريات يعني مما تكذبونه ومما تأفكونه أي سورة من سور يعني الحديث، ليس التحدي بالمعنى، وإنما التحدي على الصياغة، ثم سورة مثل سور القرآن {..... قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ...}[يونس:38]، ثم المرحلة الرابعة من التحدي والتي جاءت فى آيات البقرة {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ...}[البقرة:23]، يعني مما يشبهه قريبا منه، وقد عجزوا، وقال لهم الله –تبارك وتعالى-: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} السابق، {وَلَنْ تَفْعَلُوا} في المستقبل، {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:24]، خوفهم الله –تبارك وتعالى- بما يترتب على تكذيب هذا القرآن وأنّه النّار، كما قال –جل وعلا-: {... وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ...}[هود:17]، (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) مَنْ مِن صيغ العموم (يَكْفُرْ بِهِ) أيّد (مِنَ الأَحْزَابِ) من الأمم والجماعات التي أرسل إليها النبي، من كل أمة من أي أمة وأي حزب فالنار موعده، فالنّار موعده تهديد ووعيد من الله –تبارك وتعالى- أنّ موعده النّار.

إذن؛ أول خصيصة من خصائص هذا القرآن هو أنّه كلامٌ مُعْجِز، تحدَى الله –تبارك وتعالى به العرب الفصحاء البلغاء، وهم الذين يحسنون هذه الصناعة، وقد كان العرب الأمة –لعلها- الوحيدة في العالم التي تقيم أسواق لنقد الكلام، والبحث عن أحسن أداء للكلام شعرًا ونثرًا، فهي أمة تعتني بإحسان وتحسين الكلام، وقد كان لهم فيه فنون عظيمة، ويُعنى عناية فائقة في إجادة القول نثرًا وشعرًا، فتحداهم الله –تبارك وتعالى- وهم أهل الصناعة، أن يأتوا بهذا القرآن، ثمّ بين لهم إن عجزوا فليعلموا أنّه كتاب الله –تبارك وتعالى- .

أيضًا من خصائص هذا القرآن؛ كونه من عند الله –تبارك وتعالى- حقيقة، فمن كونه من عند الله، الدليل على أنّه من عند الله حقيقة هو هذا الصياغة، ولكن هناك أدلة كثيرة تبين أنّ هذا القرآن من عند الله –تبارك وتعالى- من ذلك موضوعه وإن كان هذا ليس موضوعًا للتحدي، يعني لم يتحدَ الله العرب ولا المكذبين بالقرآن أن يصوغوا مثل موضوعات القرآن وذلك أنّ موضوعاته هذا أمر لا يقدر عليه إلا الله، والله ما تحداهم بأمر  مما يجهلونه ولا يمكن أن يصلوا إليه بأي صورة من الصور، وإنّما تحداهم الله بما هو في مكنتهم، ففي مكنتهم أن يصوغوا كلامًا حسنًا، ولكنهم لا يستطيعون أن يصوغوا كلامًا حسنًا كالقرآن، يعني فى حُسن القرآن وفي مستوى القرآن ، فهذا مجال التحدي، أما بالنسبة للمعنى فلم يتحداهم الله –تبارك وتعالى- بالمعنى، ولا شك أن معاني القرآن هى دليل على أنّ القرآن من عند الله –سبحانه وتعالى.

موضوعات القرآن كلها؛ أول هذه الموضوعات التي لا يمكن للنبي أن يكون قد أتى بها، ومن أدلة صدق النبي الكلام عن الله –تبارك وتعالى-، القرآن حديث الله –تبارك وتعالى- عن نفسه، وصف نفسه –سبحانه وتعالى- ولا شك أنّ الله لا أحد أعلم بالله من الله –سبحانه وتعالى-، ولا يعلم أحد الله –تبارك وتعالى- كما يعلم الله –عز وجل- نفسه، وصف الله –تبارك وتعالى نفسه في القرآن بأنه الله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}[الإخلاص]، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255]، لا يمكن أن يتخيل بشر بمجرد تخيله العقلي أن يتصور الإله الرب الخالق على النحو الذي صور الله –تبارك وتعالى- ووصف نفسه فيه، في هذا القرآن.

هذه عقائد الأمم حول ما يعبدون، نجد أنّ كل أمة وصفت إلهها  بمجموعة من النقائص والقصور، إما آلهة متعددة تتصارع فيما بينها، إما شمس أو قمر أو نجوم لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا غير أن تملك هذا لعابدها، تصور حتى اليهود في الرب الإله علمًا أنهم وراث دين لكن ما أثروه وما كتبوه عن الرب –سبحانه وتعالى- في توارتهم مما خلطوه وصف سيء للرب –تبارك وتعالى- أنّه يخلق فيتعب فيرتاح، أنّه يتمشى في ضوء النهار، أنّه لا يعلم ما يصنعه خلقه كمثل قوله فى الإصحاح الأول ((وخرج الرب الإله يتمشى فى ضوء النهار فسمع خشخةً (يعني في الطريق) فنادى آدم فقال له يا آدم أين أنت؟ إني سمعت خشخشتك فقال أنا هنا مختبئ خلف هذه الشجرة قال ولماذا تختبئ مني؟ فقال لأني عُريَان فقال وما يدريك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ فقال المرأة التي جعلتها معي هي التي أمرتني )) إلى آخر هذا الهذيان الذي يوصف به الرب –تبارك وتعالى- أنه إله لا يعلم ما يقع في ملكه بل ما يقع عنده في جنته وهل عصى آدم أو لم يعصِ؟ ولماذا أصبح على هذا النحو؟

أمّا القرآن؛ فإنّه جاء بوصف الله اللائق به، الله كما هو الله –سبحانه وتعالى- الله الذي خلق السموات والأرض واستوى على العرش، والذي هو المهيمن على كل هذه المخلوقات، والذي لا يغيب عنه ذرة من هذه الموجودات، لا تغيب عن علمه، وعن سمعه وعن بصره –سبحانه وتعالى- كمثل قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59]، فوصف الله –تبارك وتعالى- بما يليق به و هذا سيأتي في أثناء استعراضنا لكتاب الله –تبارك وتعالى- وتفسير آياته، نؤمن معه أنّ هذا القرآن لا يمكن أن يُفترى من دون الله، {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ......}[يونس:37]، يعني أنه لا يستطيعه البشر أن يفتروا كلامًا وأن يألفوا كلامًا مثل هذا القرآن، في موضوعاته، وموضوعات القرآن هي أحد أدلة صدق هذا الكتاب وأنّه من عند الله –تبارك وتعالى- حقيقةً وصدقًا، لهذا تفصيل وبيان في الحلقة الآتية إن شاء الله.

استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد