الخميس 24 شوّال 1445 . 2 مايو 2024

الحلقة (118) - سورة النساء 30-35

الحمد لله رب العالمين، وأصلى، وأسلم على عبد الله، ورسوله الأمين، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى  يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31] {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسألوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32] يخبر -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين أنهم إن اجتنبوا كبائر ما نهاهم الله -تبارك وتعالى- عنه كفر الله -تبارك وتعالى- عنهم الصغائر بترك الكبائر, إِنْ هذه جملة شرطية تَجْتَنِبُوا الاجتناب الترك، والبعد، تجعلوه في جنبكم معناه أن تبتعدوا عنه  كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ  فما نهانا الله -تبارك وتعالى- عنه منه أمور كبيرة، ذنوب عظيمة، غليظة، ومنه سيئات صغيرة، والكبائر لا شك أعلاها قتل النفس التي حرم الله -تبارك وتعالى- فيه أعمال ذنوب، وفيه كذلك أعمال من ترك الطاعة، الكبيرة إما أن تكون بترك طاعة من الطاعات الواجبة، وإما أن تكون بفعل معصية من المعاصي، هذا كله يدخل في باب الكبائر، قد ذكر النبي صلى الله وسلم بعضها في قوله: :"اجتنبوا السبع الموبقات، قيل وما هن يا رسول الله -قال الموبقات موبقة مؤذية-، قيل وما هن يا رسول الله قال: الشرك بالله والسحر واكل الربا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات", ولما سئل ابن عباس رضى الله تعالى عنه عن الكبائر، أسبع هي؟ قال: هي للسبعين أقرب؛ فإن هناك مثلًا قال النبي -صلوات الله وسلامه عليه- «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل: وكيف يلعن الرجل والديه يا رسول الله؟, قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه» فبين أن التسبب في سب الوالدين بأن يسب رجل رجلًا, ثم أن يكون هذا سببا في أن هذا يرد عليه؛ فهذا الساب الأول هذا ارتكب كبيرة عظيمة؛ لأنه جر السب إلى والديه وكذلك قال النبي -صلوات الله والسلام عليه-: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»، وهذا ذنب عظيم جدًا ثلاثة أي ثلاثة أشخاص يعملون ثلاث جرائم, ثم قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- في بيان هؤلاء الثلاثة قال: «الذى ينفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان، والمسبل إزاره» قال أبو ذر لما سمع هذا قال: من هم يا رسول الله قال «المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»  وجاء كذلك في ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- عائل مستكبر وملك كذاب وشيبة زان قال عائل أي فقير مستكبر, وملك كذاب وذلك أن هذا الملك لا داعية عنده إلى  الكذب, وجاء في حديث عبدالله بن مسعود -رضى الله تعالى عنه- «قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك, قلت: ثم أي؟ قال: تزاني حليلة جارك, قلت: ثم أي؟ قلت أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» أي الذنب أعظم؟ قال: الشرك بالله؛ فهذه الثلاثة: الشرك بالله، وقتل الولد وأن تزاني حليلة جارك وفى الحديث السابق قال النبي: عائل مستكبر وأشيمط زانٍ وملك كذاب؛ فالعائل المستكبر كل هؤلاء الثلاثة فعلوا معاصي مع قلة الدواعي إليها فالفقير لا داعية عنده للكبر إذا تكبر, ارتكب ذنبًا أعظم، الكبر في ذاته حرام، والأشيـمط الذى شمط والشمط هو ظهور الشيب في الرأس أو في اللحية هذا لا داعية عنده للزنا لكبره فإذا كان يشتهى ويزنى فهذا  يتعاظم ذنبه، وملك كذاب لا داعى عند الملك ليكذب لأنه ملك؛ فإن كذب فهذا من الخسة، ودناءة النفس فيعذب، كذلك ذنوب الخسة هذه الذنوب كلها العشرة هذى ذنوب الخسة فالمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان، والمسبل إزاره، وقال النبي صلى الله وسلم «رجل كان على فضل مالٍ في الفلاة يمنع منها ابن السبيل» وهو على فضل مال لكن يمنع منها ابن السبيل، قد يكون منعُه سببًا في هلاكه، أو في وصوله إلى مقترب الهلاك، والذى عاقد بيع أمير؛ فأعطاه صفقة يده لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها رضى، وإن لم يعطه منها لم يرض، الشاهد أن الكبائر كثيرة؛ فكل ذنب توعد الله -تبارك وتعالى- فاعله، أو توعد النبي فاعله بوعد الله -عز وجل- بعذاب، أو بأن الله لا ينظر إليه، لا يزكيه، عليه لعن, فهذه كلها كبائر الإثم فهذى كلها تدخل في معنى كبائر الإثم؛ فالله يقول إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ تركتم الذنوب العظيمة، الكبيرة، الغليظة التي نهاكم الله -تبارك وتعالى- عنها، ونهاكم عنها النبي -صلوات الله والسلام عليه- تُنْهَوْنَ جاء بالبناء لما لم يسم فاعله، والذى له النهى هو الله، ورسوله لأن التشريع لله -تبارك وتعالى- والرسول إنما يشرع، ويقول من عند الله -تبارك وتعالى- لا من عند نفسه، قال -جل وعلا- نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ أي أن ترك الكبائر هذا موجب عند الله -تبارك وتعالى- بأن يتجاوز عن الصغائر -سبحانه وتعالى- هذا من رحمته؛ فهذا من أبواب كفارة الذنوب، من أبواب الكفارات، والكفارات كثيرة، الموالاة بين الطاعات، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- الجمعة إلى  الجمعة الصلاة إلى  الصلاة والجمعة إلى  الجمعة ورمضان إلى  رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، وكذلك فعل الطاعات العظيمة، كما قال النبي «الإسلام يجب ما قبله والهجرة تجب ما قبلها والحج يجب ما قبله»  فهذه الطاعات عظيمة تجتث الذنوب وهنا من هذه ترك الكبائر الإنسان اذا اتقى الله -تبارك وتعالى- وترك الكبائر كافأه الله -تبارك وتعالى- وجازاه بأن يكفر عنه  صغائر الإثم {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31] وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا في الجنة هذا وعد من الله -تبارك وتعالى- أن يدخل الله -تبارك وتعالى- العبد مدخلًا كريما, سميت الجنة مدخلا كريما؛ لأنه نفيس، لا أنفس من هذا ولا أعظم  في الرحمة من أن يدخل الله -تبارك وتعالى- العبد عنده إلى جنته ودار رضوانه -سبحانه وتعال-, هذه الآية جاءت هنا حض منه -سبحانه وتعالى- وحث من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين إن يتركوا هذه  الذنوب الكبيرة التي نهى عنها، وأنه إذا فعلوا شيئًا من السيئات مع تركهم الكبائر تجاوز الله -تبارك وتعالى- لهم عن هذا الإثم؛ ثم قال -جل وعلا- {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسألوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32] وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ التمني هو الرغبة، والأمل في حصول مفقود، ما هو موجود الآن، وإنما يتمنى أن يكون حاصلًا له مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ هذا خطاب للرجال، والنساء كذلك أيضًا يشمل الأغنياء، والفقراء، والله -تبارك وتعالى- قد فضل بعض خلقه على بعض، فضلهم في الخلقة، كما فضل الرجال على النساء، الله -تبارك وتعالى- جعل الرجل في خلق أجمل من خلق المرأة سواء من القوة البدنية، القوة العقلية، القوة النفسية، ولذلك في العقود بين الرجال، والنساء كعقد الزواج جعل الله -تبارك وتعالى- للرجل من الحقوق، ومن المنزلة، والمكانة في العقد ما لا يجعله للمرأة، كعقدة النكاح، والقوامة كذلك من التكاليف الشرعية؛ فإن الله -تبارك وتعالى- كلف الرجال بالقتال، والجهاد بأن يكون هو الكاسب، وهو المنفق؛ فهذه أمور جاءت في الخلق, وتبعها كذلك أحكام تشريعية, كذلك في التصريف, فإن الله -تبارك وتعالى- جعل هذا العبد من عباده غنى، وهذا فقير، هذا قوى، وهذا ضعيف، هذا جميل، وهذا دميم هذه أيضًا حظوظ قسمها الله -تبارك وتعالى- بين عباده -سبحانه وتعالى- نهى الله -تبارك وتعالى- عباده أن يتمنى بعضهم ما أعطاه الله -تبارك وتعالى- البعض, سواء أن كان بأصل الخلقة، أو بأصل الحظ، والنصيب، أو بالتصريف؛ فإن هذا أمر من تقسيم الله -تبارك وتعالى- ومن فعل الرب -جل وعلا- ومن خلق الله -جل وعلا- تمني مجرد تمني وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ قال  -جل وعلا- لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ فمن حيث الخلقة خلق الله رجالًا، ونساء؛ فإن الله تبارك وتعالى جعل للرجل تشريعًا، وجعل له بناء على هذا التشريع نصيب من كسبه بيده؛ فشرع مثلًا عليه القتال، وفيه أجر له في هذا، شرع له بأنه الرجل يكون له قوامة، وإذا قام بحق المرأة، وقام بحق القوامة فله نصيب من هذا، النساء شرع الله -تبارك وتعالى- لهم  بناء على هذا الخلق تشريعا، في عقد النكاح، في تشريع في العبادة، جعل الله لهم الحج جهادا، حرمهن الله -تبارك تعالى- ومنعهن من جهاد حمل السيف في هذا؛ فالمرأة كذلك لها نصيب، وأجر مما اكتسبت أي من العمل الصالح، قال -جل وعلا- لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا بكسبهم حسب ما شرع الله لهم وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ثم قال -جل وعلا- وَاسألوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ارض بالحال التي جعلك الله -تبارك وتعالى- فيها، واسأل الله -تبارك وتعالى- من فضله, نمِّ هذا الأمر الذى عندك، خلقك الله رجلا فتشريع الله -تبارك وتعالى- سر فيه أوجب عليك القتال، أوجب عليك كذا، أقام عليك القوامة فما أوجبه الله سر فيه هذا بالنسبة للخلق، بالنسبة للتصريف جعلك الله -تبارك وتعالى- فقيرًا فاسأل الله من فضله، سر في طرق الكسب، واطلب فضل الله -تبارك وتعالى- ولا تتمن أنت فقير، تتمنى مكانة الغنى دون عمل، ودون سعى للكسب لمجرد التمني، لأن هذا قد يؤدى إلى  الحسد، وإلى التباغض، وإلى المقت، وإلى أن يبغض نعمة الله -تبارك وتعالى- عليه يقول رب لم خلقتني؟، لم جعلتني فقيرا، ولم تجعلني غنيًا؟، لما جعلتني رجلًا، ولم تجعلني امرأة؟، أو المرأة تقول: لما جعلتني امرأة، ولم تجعلني رجلا؟، لم لم تشرع لي من التشريعات ما شرعت للرجال؟ هذا يؤدى في النهاية إما لرفض تشريع الرب -جل وعلا- وهذا كفر، أو كراهة ما شرعه الله تبارك وتعالى, وهذا قد يؤدى إلى الكفر، وإما إلى الحسد، والتباغض، وهذا أيضا مقت، وإنما الصحيح أن يرضى العبد بما قسمه الله -تبارك وتعالى- له، وأن يسعى سائلًا الله -تبارك وتعالى- من فضله، سواء فضل الله -تبارك وتعالى-  بالثواب الدنيوي، أو بثوابه الثواب الأخروي وَاسألوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا آية عظيمة يوجه الله -تبارك وتعالى- فيها عباده أنه خلق عباده -سبحانه وتعالى- متفاضلين، كما قال -جل علا- {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ........} [النحل:71] قال نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا فالله خلق عباده -سبحانه وتعالى- متفاضلين، ذكرا، وأنثى، جعلهم كذلك متفاضلين في غنى، وفقر، مرض، وصحة، جمال، ودمامة, كل هذا من خلق الله، ومن تصريفه, يجب على العبد أن يرضى، وأن يسعى في أن يسأل الله -تبارك وتعالى- من فضله بالسعي في هذا الأمر، وبالطلب، والدعاء من الله -تبارك وتعالى- {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسألوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32] ثم قال -جل وعلا- {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء:33] الموالي جمع مولى، والمولى، والولي هو من قامت بينك، وبينه صلة يجعلك تواليه، ويجعله يواليك، والعرب تطلق المولى، والولي على الأخ في النسب، وكذلك على الحليف من يحالفك، وعلى السيد يسميه مولى، وعلى العبد يسميه مولى، والجامع بين أن يكون هذا مولى، وهذا مولى، والأخ مولى، والحليف مولى أن بين كل من هؤلاء يقوم نوع من الصلة يجعل كل منهم يوالى الآخر؛ فالأخ في النسب يوالى أخاه، والأخ الحليف يوالى حليفه، والسيد مع عبده، والعبد مع سيده؛ فالله -تبارك وتعالى- يقول: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وهي الولاية بالنسب، ما يتركه الوالدان، والأقربون؛ فهذى الولاية بالوالدين، والأقربون،  هذا يوالى الناس بعضهم بعضًا بسبب القرابة، وبسبب الأخوة، بسبب الأخوة تركه الوالدان من الإخوة الأشقاء، الإخوة لأم، والأقربون كالأعمام، والأخوال وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ والذين عقدت أيمانكم وهي الولاية بالعقد تعطيه بالعقد ليكون حليفك، أنت تحالفه، هو يحالفك، قال -جل وعلا- فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من الموالاة، والنصرة، والمحبة، يجب على كل من قامت بينهم هذه الموالاة، أن يوالى بعضهم بعضًا بالحق، وبما تعاقدوا عليه، قال -جل وعلا- إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا إن الله مشاهد لكل شيء -سبحانه وتعالى- فما عاهدته، وعقدته -أيها المؤمن- فيجب أن تلتزم به؛ فهذا جواز التحالف، والتآخي، والموالاة بهذا السبب، وكذلك الموالاة بسبب النسب، والقرابة، يجب على المؤمن أن يقوم بحقوق هذه الموالاة وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ أي في عقد الولاء فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ثم قال -جل وعلا- {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34] الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ قوامون، القوام  هو كثير القيام، جعل الله -تبارك وتعالى- الرجل قائمًا على المرأة, هذه سواء كان في حال الزوجية؛ فالرجل قيم على زوجته، وقائم بالشأن، والأب قائم على أولاده، الأخ الأكبر رجل في بيته كذلك هو قائم على أخواته، في أي موضع جعل الله فيه رجالًا، ونساء جعل الله -تبارك وتعالى- الرجال يقومون بشئون النساء، وهذه القوامة، قوامة هداية جعلها الله -تبارك وتعالى- جعل الولاية سواء في المجتمع الصغير كالأسرة، أو المجتمع الكبير كالأمة، جعل الله -تبارك وتعالى- الولاية للرجال على النساء، قال -جل وعلا- الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ثم بين الله - تبارك وتعالى- السبب في هذا الحكم، قال: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بما فضل الله بعضهم على بعض من القوة العقلية، من القوة البدنية، من القوة النفسية؛ فإن الرجل هو الأقدر على أن يكون السيد، والقوام في كل هذه المجتمعات، المجتمع الصغير مجتمع الأسرة، والمجتمع الكبير الولاية العامة ثم قال -جل وعلا- وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ في مجتمع الأسرة وهي النواة, هو في الزوج وذلك أن الله -تبارك وتعالى- فرض على الرجل أنه هو الذى يعطى المهر، وهو الذى ينفق على البيت، وينفق على الزوجة طعامًا، كسوةً، مسكنًا، كل نفقات الزوجة إنما هو واجب على  زوجها قال: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فلأنه كذلك ينفق من ماله هو الذى يكون له القوامة؛ ثم قال -جل وعلا- فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ الصالحات من النساء جمع صالحة، والصالحة التي هي  تعمل الصلاح، وهى صفة كذلك صفة نفس، وصفة فعل، قال -جل وعلا- قَانِتَاتٌ القنوت هنا بمعنى الطاعة, مطيعات، وكذلك متوفرة عن الزوج، ليست زائغة النظر، وزائغة الفكر، مشتتة عند زوجها، وعند آخرين، وإنما هي قانتة بمعنى أنها مطيعة، ومتوفرة على هذا الزوج حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ تحفظ الغيب، الغيب هنا الغيب الإضافي، وهو ما يكون في شئون بيتها، وشئون زوجها من هذه الأمور غائبة عن الناس لا يدري عنها الآخرون؛ فشأن زوجها، معاشرته، طعامه، منامه، شرابه، أسراره، هذا الغيب الذي هو سر البيوت تحفظ هذا؛ فلا تنشر هذا يمينا، ويسارًا حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ وقال -جل وعلا- بِمَا حَفِظَ اللَّهُ أن هذا الأمر لا شك أنه بتوفيق الله، ورعايته -سبحانه وتعالى- فمن وفقها الله -تبارك وتعالى- إلى  هذا الأمر، كان هذا  منه, من فعلت هذا كان بتوفيق الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا- بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ثم قال -جل وعلا- وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ النشز هو المرتفع من الأرض، والنشز من الأرض هو المرتفع، ومعنى نشوزهن ارتفاعهن على أمر الزوج، وعلى خدمته وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ والخوف هنا علم، وقوع فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ هذه طرق المعالجة المرأة التي تنشز، وتتعالى على أمر زوجها، إما تخافون بالوقوع، وإما تخافون ظهور بوادر هذا الأمر، والظن أن  هذا التصرف سيكون فيه تماد، وفيه ارتفاع من المرأة عن طاعة زوجها، وعن خروجها من سيطرته، وقوامه، بدأ الله تبارك وتعالى يبين العلاج؛ فذكر ثلاث درجات، قال: فَعِظُوهُنَّ والوعظ كلام مباشر، فيه تذكير، فيه نهي عن هذا النشز، وعن إساءة الخلق، فيه حض، فيه ترغيب، ففيه ترغيب، وترهيب؛ فكله معنى الوعظ فَعِظُوهُنَّ أمر آخر قال -جل وعلا- وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ترك فراش الزوجة, وهذا أمر الوعظ نوع من لفت النظر، والتذكير, وهذا أول الأمر؛ ثم الهجر في المواضع وهذا كذلك عقوبة فيها شيء من الشدة على المرأة؛ ثم قال -جل وعلا- وَاضْرِبُوهُنَّ وهذا الأعلى، والضرب بينه النبي ضرب غير مبرح، لا يقطع جلدًا، ولا يكسر عظمًا، وإنما ضرب تأديبي, ضرب للتأديب، ولإرجاع  هذه المرأة إلى  إجادة الحق؛ ثم قال -جل وعلا- فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ عند بذل، وفعل أي وسيلة من هذه الوسائل ليس المطلوب كلها، وإنما بالطاعة لو بإشارة، أشير للمرأة، أوعظت المرأة رجعت إلى إجادة الحق، قال -جل وعلا- فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا البغي الظلم، والعدوان, لا تظلموهن بأي سبيل, أي سبيل آخر بأي نوع آخر من العقوبة شدة، هجر، تضييق، أي شيء من سبل العقوبة، ألا تظلمها بأي سبيل  آخر, ما دام أنها قد أطاعت، وعادت إلى المعاشرة الحسنة، والخلق الجميل الذى يجب، وينبغي أن تكون عليه الزوجة، قال -جل وعلا- إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا إن الله كان عليًا -سبحانه وتعالى- وصف نفسه بأنه العلي،  الأعلى -سبحانه وتعالى- العلي على خلقه -سبحانه وتعالى- كبير عظيم، وفى هذا  وعيد, كذلك تهديد من الرب العلي الكبير -سبحانه وتعالى-  احذر أن يعاقبك الله -تبارك وتعالى- إن  ظلمت، أو أسأت، وأسأت التصرف في هذا الذى أعطاكه الله -تبارك وتعالى- من أن تكون قوامًا على المرأة، ثم قال -جل وعلا- {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35] وَإِنْ خِفْتُمْ هذا الخطاب للأمة، للمؤمنين، لمن حول الرجل، والمرأة الذى نشأ بينهما الخلاف وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا  بين الرجل، والمرأة، والشقاق من الشق أن يكون كل منهم في شق، التباعد، والخلاف الذى قد يؤدى إلى فرقة بينهما، قال -جل وعلا- فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ابعثوا بمعنى اختاروا، وكلفوا، أرسلوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ أهل الزوج وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا من أهل الزوجة، ووصف الله -تبارك وتعالى- لهذين بأنهما حكمان إذن ما يصدر عنهما يكون حكم، وليس مجرد  إشارة، وإرشاد، واختارهم الله -تبارك وتعالى- من الأهل؛ لأنهم سيطلعون على أسرار الرجل، والمرأة الزوج، والزوجة، وسيدلى كل بسبب الشقاق، وقد تكون هذه الأسباب، أسباب خفية، أسباب في المعاشرة، وأسباب في الحياة، ولذلك الأهل يستر بعضهم على بعض، ولم يأمر الله تبارك وتعالى بأن يختار حكام بعيدين الصلة عن الرجل، والمرأة، إنما قال: من أهله، وقال من أهلها، قال -جل وعلا- إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إن يريدا إصلاحًا أي الحكمين وذلك بأن سعوا إليه بالكلام الطيب، بالموعظة، بمعرفة أسباب  الخلاف على الحقيقة، بحل أسباب هذا الخلاف, فإن أرادا هذا وسعوا إليه، يوفق الله بينهما، يجعل الله -تبارك وتعالى- هذا طريق للتوفيق بالسعي الجميل لمحاولة الإصلاح إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا هذا بيان للرب -تبارك وتعالى- عليم، وخبير بعباده -سبحانه وتعالى- فيوفق الله -تبارك وتعالى- من أرادوا الإصلاح للإصلاح، هذه هي الحالة الرابعة، الدرجة الرابعة من أسباب علاج خلاف الذى يقع بين الزوجين، ولعل لهذه الآيات إن شاء الله حديثٌ، وبعض الأحكام نرويها إن شاء الله في الحلقة الآتية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وأصلى، وأسلم على عبدالله ورسوله محمد.