الجمعة 25 شوّال 1445 . 3 مايو 2024

الحلقة (119) - سورة النساء 36-39

الحمد لله رب العالمين، وأصلى، وأسلم على عبد الله، ورسوله الأمين، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى  يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:37] فاصل جديد في هذه السورة، سورة النساء التي علمنا أن الله -تبارك وتعالى- قد افتتحها بآية هي موضوع هذه السورة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] في معنى تقوى الله، وعبادته وحده لا شريك له، وفى معنى صلة الأرحام، مضت أحكامٌ كثيرة في هذه السورة، أحكام تتعلق باليتامى، وبالميراث، وبأحكام الأسرة في الزواج، وكنا في آخر هذه الأحكام مع قول الله -تبارك وتعالى- {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34] جمعت هذه الآية، أولًا أرست معنى القوامة، وأن الرجل هو القيم في البيت، القائم بشئون هذا البيت، المسئول عنه، "كلكم راعٍ، وكل مسئول عن رعيته فالرجل في بيته راعٍ، وهو مسئول عن رعيته"، مسئول أمام الله -تبارك وتعالى- والخطاب موجه إليه، وأمر الأسرة إقامتها على الحق كذلك هو مسئول عليه كما قال -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ففي هذا المجتمع الصغير، أول مجتمع، بل نواة المجتمع الأسرة، الرجل قوَّام، وقائم، وهو الموجه إليه الخطاب في بيته كما أن الأسرة الكبيرة، الأمة الكبيرة القوامة فيها كذلك للرجال، لما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة»  ولإجماع الأمة كلها على أن  الإمامة الكبرى إنما هي للرجال، المهم في إطار الأسرة أن الله -تبارك وتعالى- جعل الرجال قوامين، وبين لما جعل الرجال في هذه المنزلة قال: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} في الخُلُق، والخَلْق ثم قال: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ثم بين المرأة الصالحة قال: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} المطيعات حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ تحفظ سرها لبيتها، حصنها، لا تفشي سر هذا البيت إلى  خارجها؛ ثم قال: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ علوهن بما ينافى القنوت فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ هذى ثلاث درجات من درجات التقويم يبدأ بالأقل؛ ثم بأعلى منها؛ ثم بأعلى منها؛ ثم اذا اشتجر الخلاف، ولم يصبح رجل قادرًا على أن  يحتوى ما يقع من خلاف قال -جل وعلا- أي إشراك بإشراك الأهل وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا الحكمان إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا إذا أراد الحكمان التوفيق فإن الله -تبارك وتعالى- يوفقهم في المهمة التي توكل بهم, وهى محاولة التوفيق بين الزوج، وزوجه، بعد هذه السلسلة من الأحكام أقول هنا رجعت الآيات إلى فاصل جديد من الأمر بعبادة الله -تبارك وتعالى- ثم إحسان المعاشرة، والإحسان إلى كل الناس بدءً بالأقرب فالأقرب، قال -جل وعلا- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا هذا الحق الأول على العباد أن يعبدوا الله -تبارك وتعالى- وحده لا شريك له، العبادة عرّفت بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله -تبارك وتعالى- من الأقوال، والأفعال، وأصل العبادة هي الذل، والخضوع؛ فالعبد هو الذليل، المملوك، المطيع لأمر سيده، والعرب تطلق العبد بمعنى الذل, يقولون هذا طريق معبد، طريق معبد  داسته الأقدام، وعبدته؛ فليس فيه مرتفع، ومنخفض، وحفر، وإنما قد ذلل للسير فيه؛ فالعبد هذا مملوك، مذلل لسيده، ومولاه؛ فاعبدوا الله، ذلوا له لا تكون هذه العبادة إلا بالطاعة المطلقة، والرغبة والتعامل بمقتدى صفات الرب -تبارك وتعالى- فالرب أهل للتقوى يجب أن يُخاف، لأنه يؤاخذ بالذنب، ويعاقب به -سبحانه وتعالى-, يطاع؛ فالله -تبارك وتعالى- يأمر عباده -سبحانه وتعالى- خلقهم ليأمرهم، ولينهاهم، وليتعبدهم -سبحانه وتعالى- بما يشاء من الشرعة، ومن النظام, يحب؛ لأنه المنعم المتفضل -سبحانه وتعالى- يرجى ما عنده؛ لأنه الغنى، واسع العطاء؛ فيجب أن يرغب العبد فيما عنده؛ ثم العبد فقير، محتاج؛ فالعبودية هي  معاملة أيضا مع الله -تبارك وتعالى- بمقتضى أسمائه، وصفاته؛ فمقتضى اسم الرب، الإله إذن خلقه هم عبيده، مقتضى أنه شديد العقاب يجب أن يخاف، ويحذر عقوبته -سبحانه وتعالى-, هو المنان، الكريم، الذى يعطى بلا حد، وأنت العبد الفقير إذن أطلب لا بد من الطلب، من الرجاء فيما عنده، هو الغفار -سبحانه وتعالى-إذن إذا أذنبت عد إليه، واستغفره -سبحانه وتعالى- كل هذا من معانى العبودية لله -تبارك وتعالى-, أطيعوه، ذلوا له، حبوه كل الحب -سبحانه وتعالى- أرجوا ما عنده، خافوا عقابه، كل هذا من معانى العبادة، ولذلك سميت العبادة أنها كل الأقوال، والأفعال التي يحبها الله -تبارك وتعالى- يحب عباده أن يقوموا بها اللَّهَ اسم على ذات الرب -سبحانه وتعالى- لم يسم به غيره اللَّهَ يعرفه كل مخلوقاته بهذا الاسم العظيم الذى هو أعظم أسمائه -جل وعلا- التي علمنا وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا لا تشركوا بربكم شيئًا، تشركوا به إما بأن تجعلوا شيئا من مخلوقاته له صفاته، أو شيئا من صفاته، تعالى الله -سبحانه وتعالى- الله هو المتفرد بصفاته {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] الله لا كفء له، لا نظير له، لا مثل له، لا شبيه له -سبحانه وتعالى- فكل من جعل لله نظيرًا، أو شبيهًا، أو مكافئًا في ذاته، في صفاته, فهو مشرك بالله -تبارك وتعالى-, كما قالت مثلًا النصارى، عيسى إله من إله، إله يخلق عندهم، ويرزق، يحيي، ويميت، ويحاسب الخلائق، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، كل من ادعى أن لله ولدًا؛ فإنهم جعلوا هذا الولد نظير الوالد تعالى الله -سبحانه وتعالى- أن يكون له ولد، وأن يكون له جزء -سبحانه وتعالى- حتى ومن جعل له ولدًا ليس نظيره كما هو  قول مشركي العرب في الملائكة، الملائكة بنات الله، ولكنه هو يملكهم لا يملكونه، لكنهم يشفعون عند الله -تبارك وتعالى- تعالى الله -تبارك وتعالى- أن يكون له ولد، قال -جل وعلا- {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف:15] {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] لأنهم قالوا إن هذه الملائكة إناث، قال الله {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف:19] هذا أول معنى من معانى الشرك، جعلُ مخلوقٍ له ذاتُ الخالق، أو صفة الخالق، تعالى الله عن ذلك، كذلك إعطاء مخلوق حق الخالق، حقه في الطاعة، في العبادة، في الذل، في الخضوع، فالله -تبارك وتعالى- جعل أعمالًا قلبية هذه عبادة لا تليق إلا له، كالخوف، الخشية قال {........فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] قال: وإياي فاتقون لا تتقوا إلا لله، لأن الذى يملك ضر العباد، ونفعهم، هو الرب الإله -سبحانه وتعالى-, أما غير الله لا يملك ضر أحد، ولا نفعه، لا يملك أيضًا ضر نفسه، ولا نفع نفسه, فضلًا عن  أن يملكه لغيره؛ فمن أعطى حق الله لغيره يبقى أشرك بالله -تبارك وتعالى- سجد لغير الله، ذبح لغير الله، نذر لغير الله، حلف بغير الله، هذه كلها أمور اختص الله -تبارك وتعالى- بها نفسه، لا تحلف إلا بالله، لا تنذر إلا لله، لا تذبح إلا لله، لا تطف إلا ببيت الله -تبارك وتعالى-, لا تقم قيام التعظيم إلا لله الركوع له، والسجود له؛ فكل ما جعله الله -تبارك وتعالى- من أعمال، وأقوال خاصة به لا تصرف إلا له تطلق عليها  العبادة له لا يجوز أن يصرف شيء منها لغيره -سبحانه وتعالى- وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أي شيء، والشرك ظلمُ عظيمُ، هذا حق الله -تبارك وتعالى- فهذا حق الله على عباده، كما في حديث معاذ بن جبل -رضى الله تعالى عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا معاذ, أتدرى ما حق الله على العباد؟، وما حق العباد على الله؟؛ فقلت: اللهُ ورسوله أعلم, ثم قال: حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا، هذا حقهم عليه، حقهم عليه لأن هو خالقهم، ورازقهم، وهو متولى شئونهم، ومدبرهم فمن حقه -سبحانه وتعالى- على عباده الذين خلقهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا ثم قال له: أتدري ما حق العباد على الله؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا؛ فهذا قد أحقه الله على نفسه بأن من مات لا يشرك به شيئًا, أدخله الله الجنة، ولا يعذبه -سبحانه وتعالى-, فهذا أولًا حق الله على عباده وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثم بعد ذلك شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان حقوق العباد؛ فبدأ بأعظم العباد فضلًا على غيره، وهم الوالدان على الولد قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أحسنوا بالوالدين إحسانا, الأب، والأم، وقد جاءت الآيات تبين تقديم الأم على الأب في الإحسان, كما قال الله تبارك وتعالى- {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ........} [لقمان:14] فبدأ شرع بالأم مما يدل على أن الأم أيضًا مقدمة على الوالد، على الأب في وجوب تقديم الإحسان، ومعاملتهم بالإحسان، أحسنوا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أحسنوا كلمة جامعة تشمل كل معانى الإحسان لهما، من إحسان الحديث، من الطاعة، من المعاونة، من كف الأذى كل الأذى عنهم، كل هذا داخل في معنى الإحسان بالوالدين، ثم قال -جل وعلا- وَبِذِي الْقُرْبَى ذي القربى أصحاب القرابة، وأصحاب القرابة، الأولى؛ فالأولى، الإخوة، والأخوات، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، وهكذا كل الدائرة التي حول الإنسان من ذوى قرابته؛ ثم قال -جل وعلا- وَالْجَارِ الْجُنُبِ ثم قال -جل وعلا- وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى اليتامى جمع يتيم، واليتيم هو من مات أبوه دون البلوغ، وهذا قدمه الله -تبارك وتعالى- بعد وَبِذِي الْقُرْبَى لأن هذا أكثر الناس حاجة إلى العطف، والإحسان؛ فإن اليتيم الذى مات أبوه وهو دون البلوغ، وفى الغالب مثل هذا يكون من ذوى الحاجة، مهيض الجناح، مكسور؛ فهذا أوصى الله -تبارك وتعالى- به، قال وَالْمَسَاكِينِ جمع مسكين، والمسكين الفقير الذى لا يفطن له كثير من الناس، كما قال النبي «ليس المسكين هذا الطواف الذى ترده اللقمة، واللقمتان، والتمرة والتمرتان، لكن المسكين رجل لا يجد غنًى يغنيه، ولا يفطن له؛ فيتصدق عليه»  وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى الجار، جارُ وهو من ذوى القرابة, كأن يكون أخوك، وهو جارك، عمك، وهو جارك، خالك، وهو جارك؛ فيكون هنا له حقان حق القربى، وحق الجوار وَالْجَارِ الْجُنُبِ الجار الجنب، قيل الجار الجنب الملاصق بجنبك, كل ما كان الجار أقرب لك كلما كان كذلك أكثر وجوبًا في الإحسان إليه، وقيل الجار الجنب أي البعيد عنك ليس من ذوى قرابتك، أو الجار الجنب البعيد عن دارك كذلك اعتنى به، لكن المعنى الأول للجار الجنب الجار الملاصق بجنبك وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ الصاحب بالجنب, الصديق سواء كان صديق في الحضر أو صديق معك في السفر؛ فالذي يكون صاحبك بجوارك جمعكما سفر واحد، ورحلة واحدة يصبح له حق عليك, ما دام ترافقتما في الطريق، وتصاحبتما فيه, وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر المحتاج سمى ابن سبيل؛ لأنه لملازمته الطريق كان كأنه ابن له، والسبيل هو الطريق؛ فهذا المسافر، المنقطع، البعيد عن وطنه، وهو محتاج؛ ثم قال -جل وعلا- وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ما ملكت أيمانكم، هو ملك اليمين هم عبيدكم، وأرقائكم، قال -جل وعلا- {........إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] مختال متكبر الذى يختال بنفسه، الفخور بما عنده، وهذا هو المختال الفخور الذى يزدري الناس، ويحتقرهم، ويتعالى عليهم، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا ينافى الرحمة، والإحسان إلى  هؤلاء اليتامى، والمساكين، والجار القريب، والصاحب؛ لأنه بالجنب من أهل التعالي، ومن أهل الافتخار، فلا يكون فيه إحسان، وعطف، وشفقة، وتواضع لهؤلاء؛ فهذا الذى يتصف بهذه الصفة الاختيال، والفخر لا يحبه الله -تبارك وتعالى- وأعظم الله -تبارك وتعالى- يكره من الصفات في الخلق التكبر، التكبر؛ وذلك أن الكبر لا يليق إلا بالله -سبحانه وتعالى- لا يليق بمخلوق، أي مخلوق لا يليق به الكبر بل مخلوق محله التواضع، والذل لخالقه، وإلهه، ومولاه -سبحانه وتعالى- وللخلق، أما التكبر فإنه لا يكون إلا لله، الرب الإله -سبحانه وتعالى- العظيم؛ فهو الذى يليق له هذا؛ فالله من أسمائه المتكبر -سبحانه وتعالى- الكبير، المتعال هذا صفته، وهذا أمر لائق به -سبحانه وتعالى- ولقد جاء في الحديث «العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار ولا أبالى»  لا ينبغي لمخلوق أن ينازع الرب في هذه الصفة التي اختص بها والتي لا تليق إلا به -سبحانه وتعالى-, فالمخلوق الحقير، الصغير، الوضيع، الضعيف، المحتاج إلى إلهه، وخالقه، ومولاه كيف ينبغي له أن يتكبر, هذا لا يليق به لا يليق به الكبر؛ فالله يكره المختال الفخور، وإنما يحب العبد الخاشع، الذليل، الذى فيه رحمة للفقير، والمسكين، والمحتاج {........إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ........} [النساء:37] هذه أيضًا صفة من لا يقيم هذه الأمور، التي أمر الله به وهى وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا فالذي لا يقيم هذه الأمور إما مختالًا، فخورًا، وهذا بخيل الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ يبخل بنفسه ولا يكتفى هو بالبخل بل كذلك يأمر غيره بالبخل، والبخل الشح، والإمساك، وهنا عن وجوه الخير، عن وجوه الخير قد يكون مسرفًا في ماله على نفسه، ولكنه قتور، شديد التقتير، والبخل على هذه  الوجوه التي أمر الله -تبارك وتعالى- العبد أن يحسن  فيها، والى أهلها ثم وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يكتمون ما آتاهم الله من فضله، من فضله من المال، من فضله من العلم؛ فمن أعطاه الله -تبارك وتعالى- فضلًا من مال بخل به، وأمر الناس كذلك بالبخل, ثم كتمه، كتمه بمعنى أنه واراه، وستره، وإذا سئل عنه فدائما هو يظهر الفقر، وأنه ليس عنده، والحال أنه يملك، ولكنه لا ينفق في وجوه الخير، قد يدخل في هذا كذلك من يكون على علم، ويكتمه، ولا ينشره، قال -جل وعلا- {........وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:37] وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ جاحد نعمة الرب -تبارك وتعالى- وكذلك الكافر بالله -تبارك وتعالى- الكافر، المختال، الفخور، المتعال كذلك على أمر الله -تبارك وتعالى- الله يقول وَأَعْتَدْنَا بمعنى هيأنا، وجهزنا، وحضرنا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وصف العذاب هنا بأنه مهين؛ ليناسب الجرم الذى ارتكبوه، وهو العلو، والفخار، وكذلك إظهار البخل مع وجود المال، والغنى؛ فيقول الله أعددنا لهؤلاء عذابا مهينا فيه إهانة، والإهانة ذل فلا يعذب في النار هكذا بالوضع فيها، ولكن يدعوا لها دعًا، يسحب في النار على وجهه يصب على رأسه من الحميم يبكت {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] يحشر المتكبرون يوم القيامة، كأمثال الذر يطؤهم كل شيء؛ فتكون هذه صور الإهانة، صور الإهانة لهؤلاء وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ثم قال -جل وعلا- {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:38] وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ هذى صفات هؤلاء الناس الذين لا يقومون بما أمر الله -تبارك وتعالى- به من عبادة الله وحده لا شريك له من الإحسان إلى الخلق، وهذه الأصناف المذكورة من الخلق الذين يحتاجون إلى الإحسان؛ فمنهم هؤلاء أهل الرياء، فهؤلاء كذلك مبغوضون عند الله -تبارك وتعالى- مردود عليهم عملهم وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ ينفق ماله إن أنفق ماله في سبيل الله، أو في نفع أحد من هؤلاء المذكورين، فإنما يفعل هذا رئاء الناس رِئَاءَ النَّاسِ؛ ليرائي الناس، لينظر الناس عمله، كأنه يقول للناس انظروني ماذا أعمل؟، فعلت كذا، وكذا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ أي يراؤون بذلك الناس  يروا الناس ما يفعلون ثم قال -جل وعلا- وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ لا يفعلون هذا العمل الذى عملوه من أعمال  الخير التي أمر الله بها والإحسان إيمانا بالله -تبارك وتعالى- ورجاءً للثواب الذى عند الله -تبارك وتعالى- وإنما للمدحة في هذه الدنيا، وللفخر، ولأن يرى الناس عملهم ولا يبتغون بذلك وجه الله -تبارك وتعالى- وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ يوم الجزاء الذى يعطون أجرًا على عملهم هذا؛ فهم لا يرجون هذا، قال -جل وعلا- وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ما حمل هؤلاء العميان على ما يصنعونه أمر لا يفيدهم، لا ينفعهم، بل يضرهم هذا؛ لأن الشيطان قرينه، لأن الشيطان قرينه، قرينه مقترن معه؛ فالشيطان هو مقترن معه، وبالتالي هو وسوس له، هو الذى قاده إلى هذا العمل الذى يضره، ولا ينفعه وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا كأن الله تبارك وتعالى يخبرنا أن هؤلاء الذين فعلوا هذا الفعل إنما فعلوه بدافع طاعتهم للشيطان وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا أسوأ قرين يمكن أن يقترن به الإنسان، وأن يأخذه صاحبًا له؛ ثم قال -جل وعلا- {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} ة[النساء:39] سؤال يراد به التوبيخ، والتحقير من هذه من عقول هؤلاء، وألبابهم ماذا عليهم؟! ماذا يضرهم؟! ما الذى يضر هؤلاء لو آمنوا بالله، واليوم الآخر؟! لو كانوا مؤمنين بالله، هل الإيمان بالله جريمة؟! هو أمر شائن!، هو شيء يضر! هو شيء ضد الحق! هذا الحق، الله، هو خالق السماوات، والأرض، هو الرب الإله الذى لا إله إلا هو سبحانه وتعالى-, واليوم الآخر حق، يوم الجزاء سيجازى كل إنسان على عمله؛ ماذا على هذا  الكافر، المعاند، الذى يعمل للدنيا فقط، ويفتخر فيها، وإذا أنفق ينفق للرياء، والسمعة يهلك نفسه، ويبدد ماله في غير نفع له، ماذا تفيده هذه المدحة؟، وهذا الذى أخذه في هذه الدنيا؟ ما العائد عليه في النهاية؟، ما هي الثمرة التي جناها من كفره وعناده ومن إنفاقه المال على شهوة نفسه، وحظ نفسه؟ ماذا استفاد؟ أما كان الأولى أن يؤمن بالله وباليوم الآخر, وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ أنفقوا في هذه الوجوه التي أمرهم الله بالإنفاق فيها، مما رزقهم الله، مما أعطاهم الله، لن يأتوا بشيء هم خلقوه، وهم رزقوا أنفسهم به، بل الله تبارك وتعالى هو خالقه, وهو المنعم به ولم يأمرك بأن تخرج كله، أمرك بأن تخرج شيئًا منه  وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا وكان الله بهم عليما لو أنفقوا ذرة من الخير الله يعلمها، وسيحاسبهم عليها؛ فانظر الفارق الهائل بين هذا الذى آمن بالله تبارك وتعالى, وأنفق ماله ابتغاء مرضاة الله -عز وجل- ومشى في الطريق الصحيح، وهذه نهايته، وانظر هذا الذى كفر بالله -تبارك وتعالى- كان فقط فخورا بنفسه، متعاليا، أنفق المال لكن لحظ نفسه، ليمدحه الناس، وليقولوا له كريم, فأهلك نفسه، ودمر حياته، وأورد نفسه المهالك، وكان الشيطان  مصاحب له، أطاع الشيطان، عصى الرحمن سبحانه وتعالى فشتان، شتان بين أهل الإيمان، وبين أهل الكفران، أهل الإيمان المتواضعون الذين يطبقون قول الله تبارك وتعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ........} [النساء:36] ثم {........إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:37] {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ........}[النساء:38] هذى طائفة، هذى طائفة ثم قال -تبارك وتعالى- {........وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:38] وماذا عليهم هذا خطاب الرب -جل وعلا- يقول ما الذى عليك أنت، ما الذى يضيرك؟ {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} [النساء:39] {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40] إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مثقال ذرة الخير لا يظلمه الله وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً  أي حسنة يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ولهذا تفصيل إن شاء الله في الحلقة الآتية.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.