الحمد
لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى
بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
المثل الأول يقول الله –تبارك وتعالى- مثلهم أي مثل
هؤلاء المنافقين {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا
حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ
يُبْصِرُون}[البقرة:17]، المثل هو صورة حسية تُضرب لبيان أمر معنوي، وذلك أنّ
الأمور المعنوية أصعب في الإدراك وفي الفهم من الأمور الحسية، فإنّ ما يقع تحت
الحس يعني ما يبصره الإنسان ويسمعه ويدركه بحواسه الأخرى سهل الإدراك، أما ما
يعقله الإنسان بعقله، الأمور العقلية التي تتصور بالعقل وتنمو عن الحس فإنها صعبة الإدراك،
فلذلك الأمر العقلي أو الأمر المعنوي حتى يصبح قريب من الإدراك والفهم يُضرب له
مثل، فمثلا كما يقال العلم مثاله كالنور، العلم في فائدته ونفعه كالنور، نفعه
النور الحسي، فشبهه العلم هو أمر معنوي كأنه يكشف الحقائق ويُري الإنسان الحق من
الباطل بالنور الحسي الذي إذا أُطلق فإنه يبين ويوضح الأشياء للنظر.
العرب استخدمت الأمثال بل هم أكثر الشعوب استخدموا ضرب
المثل، القرآن .. أسلوب القرآن نزل بضرب الأمثال، والقرآن ملأه الله –تبارك
وتعالى- بالأمثال، ضرب الله –تبارك وتعالى- فيه الأمثال لذاته العليه -سبحانه
وتعالى- لرسول –صلوات الله وسلامه عليه- مثل للتوحيد، مثل للشرك، مثل للعالم الذي أعطاه
الله –تبارك وتعالى- علم ثم لم يعمل بعلمه، مثل اليهود الذين حملوا التوراه ثم لم
يحملوها، وبين –سبحانه وتعالى- ان هذه الامثال لا يعقلها الا العالم قال: {وَتِلْكَ
الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ
الْعَالِمُون}[العنكبوت:43]، واخبر –سبحانه وتعالى- انه لا يستحي في كلامه الكريم
وكتابه الكريم ان يضرب المثل بأي مخلوق من المخلوقات ولكن ولا ينكر من المخلوقات،
يعني الصغيرة التي يتحقرها الناس كالذباب والعنكبوت، وقال –جل وعلا- {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا
بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن
رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ
بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ
بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِين}[البقرة:26]، فالله –تبارك وتعالى- لا يستحي من ضرب المثل ولو بهذه
المخلوقات الحمار والكلب والذباب والعنكبوت وذلك لان الرب –تبارك وتعالى- انما جعل
كتابه ميسرًا للذكر، وهذه الامثال تقرب المعنى وتوضح الامر فهي من البيان، والذي
لا يستحي الرب –سبحانه وتعالى- من ذكره بل هذا من تلطفه ومن احتفائه -سبحانه
وتعالى- بعباده بان يبين لهم –سبحانه وتعالى- يعني الحق من الباطل والهدى من
الضلال والشرك من التوحيد والاستقامة من العوج، كل هذا ليوضح لهم الطريق فيقيم
بذلك الحجة بعد البيان الواضح الذي لا يترك في الحق لامثال الحجة على الكفار وكذلك
الموعظة والهداية لعباده المؤمنين.
مثلهم مثل هؤلاء المنافقون المذكورون في الآيات السابقة
كمثل الذي استوقد نارًا، رجل استوقد نارًا بمعنى انه اوقدها اوقد نارًا، فلما
أضاءت ماحوله النار لها نور تبين له ما حوله من الاشياء عرف ان هذا بجواره وادي
وان هذا شجرة وان هذا كذا وقد يرى يعني ما ينبغي من ان يحذره وما الطريق الذي
ينبغي ان يسلكه فقد اتضح له المحيط الذي هو فيه، فلما أضاءت ما حوله اي عرف ذلك، {ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ
يُبْصِرُون}[البقرة:17]، يعني اذا طفئت نار هذا المستوقد الذي اوقد ناره في ظلمة من الليل في بريه اذا ذهبت
ناره ونوره فإن بعد ذلك يعود الى الظلام الدامس ولا.. يعني يدري الطريق.
وكذلك الحال في هؤلاء المنافق في هؤلاء المنافقين فانهم
لما سمعوا الوحي سمعوا القرآن سمعوا الهداية انارت لهم الطريق عرفوا الحق عرفوا
طريق الله –تبارك وتعالى- وصراطه وعرفوا ان ثمة حساب، هناك جنة، هناك نار، ان ..
عرفوا الايمان، عرفوا النبي –صلوات الله وسلامه عليه- عرفوا الدين الذي ارسل به
النبي –صلوات الله وسلامه عليه- ثم انهم لما كفروا بسبب مرض قلوبهم، وردوا هذا
الصدق الذي عرفوه، فإن الله طمس بصيرتهم –سبحانه وتعالى- وأغلق منافذ علمهم فاصبح
حالهم كمن يعني فقد النور ورجع الى الظلمة مرة ثانية. فــ {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا
حَوْلَهُ...}[البقرة:17] أي ورأى ما فيها، طبعا في حذف يدل عليه السياق {ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ
يُبْصِرُون}[البقرة:17]، ذهب الله بنورهم يعني اشرق اولا في قلوبهم وعرفوا
به الحقائق بعد ان عرض عليهم الدين وعرفوه وتركهم الله –تبارك وتعالى- في ظلماتٍ
لا يبصرون {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ
يَرْجِعُون}[البقرة:18]، يعني أن الله –تبارك وتعالى- تركهم على هذا النحو
صم، الأصم هو الذي لا يسمع، بكم جمع ابكم والابكم هو الذي لا يتكلم، عمي والعمى
معروف وهو فقدان البصر، فهم لا يرجعون يعني الى الحق مرة ثانية لان الله قد غطى
وختم منافذ معرفتهم، غطى على أسماعهم فلا تسمع حقًا، غطى على يعني ألسنتهم فلا
تقول الحق المواطئ للقلب و... على الحقيقة الايمان، وأعمى فهو لا يبصر، فهم لا
يرجعون يعني الى الحق، هذا المثل الصحيح انه المثل انما هو للمنافقين لأن الله –تبارك
وتعالى- قال مثلهم بعد أن وصف المنافقين فقال {وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم
بِمُؤْمِنِين}[البقرة:8]، اما قول من قال من أهل التفسير ان هذا المثل
الاول انما هو في الكفار ويصدق عليه كذلك انه يعني صورة من ان .. يعني انه للكفار،
لان الكفار ظهر لهم الحق ثم لما كفروا فان الله –تبارك وتعالى- عاقبهم كما قال -جل
وعلا- {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ
بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِين}[يونس:74]،
وفي الآيه الاخرى {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا
كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِين}[الأعراف:101]،
وقال {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا
لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُون}[الأنعام:110]، ونقلب افئدتهم وابصارهم يعني قلبه، كما لم
يؤمنوا به اول مرة يعني عقوبه لانهم لم يؤمنوا بالقرآن اول مرة عندما عرض عليهم
فصدقوه وعرفوه ولكن لم يؤمنوا به ردوا الحق فان الله –تبارك وتعالى- عاقبهم فقلب
قلوبهم.
المنافقون كذلك هم كفار في الحقيقة وهم على هذا النحو
ظهرت لهم حقائق الدين ثم لما عرفوها لم يصدقوها وانما ردوها ولم يذعنوا لها عاقبهم الله –تبارك وتعالى- بأن ذهب
بنورهم الذي كان في قلوبهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، ثم ختم الله –تبارك وتعالى-
جعلهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ
يَرْجِعُون}[البقرة:18] الى الحق عقوبة لهم من الله –تبارك وتعالى- .
هذا المثل الاول واما المثل الثاني يقول الله –تبارك
وتعالى- {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ
واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِين}[البقرة:19] {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ
أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ
قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20]، او كصيب، الصيب هو المطر، سمي صيب لأنه يصيب الأرض،
كصيب من السماء والسماء العلو، فالمطر ينزل من السماء، فيه في هذا المطر جاء
مصاحبًا له فيه ظلمات ورعٌد وبرق، يعني أن
هذا المطر جاء مصاحبًا للظلمات في الليل، إما ظلمة تكون في النهار من تكاثف
الغيوم، غيوم ركامية تتكاثف فيظلم الجو ويسقط المطر بشدة، او هو مصاحب للظلمات جاء
في ظلمة ليل ورعد، معروف رعد وبرق، صوت احتكاك السحاب، والبرق هذه الشرارة التي
تنطلق في السحاب بإصتكاك بعضه ببعض، فِيهِ ظُلُمَاتٌ
وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ يعني هؤلاء المنافقون شبههم
الله –تبارك وتعالى- بقوم هم في اصحاب صيب، يعني في مطر، جاء هذا المطر مصاحبا
لظلمة والرعد والبرق، الذين في هذا المطر المصاحب له، يَجْعَلُونَ
أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ، من شدة
الصواعق النازلة من يعني هذا البرق وصوت الرعد الشديد فإن فإنهم يخافون فيجعلون
اصابعم في آذانهم يعني يدخلون اصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا صوت الرعد الذي
يزعجهم ويزلزل كيانهم، واذا اظلم ...... كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ،
كلما اضاء لهم البرق ساروا خطوة في.. مع اضاءة البرق، واذا اظلم عليهم قاموا،
قاموا اي وقفوا عن المشي وتحيروا الى اين يتجهون لانه تعود ظلمة مرة ثانية فلا يتبينون الطريق.
قال –جل وعلا- {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ
إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20]، وجه الشبه بين
المنافقين وبين اصحاب الصيب ان المنافقين .. اولا الصيب شبههه في المثل هو الدين
الذي انزله الله –تبارك وتعالى- على رسوله –صلى الله عليه وسلم- فالدين خير يفعل
في القلوب وفي النفوس فعل المطر في الارض يحيي الله –تبارك وتعالى- بيه القلوب،
بركة نازلة من السماء، وقد جاء وصف الدين بالمطر في حديث النبي –صلوات الله وسلامه
عليه- «ان مثل ما بعث لله به والهدى والعلم كثل غيث
اصاب ارضًا».
هذا الدين الذي وصف بالمطر فيه ظلمات تصاحبه وهي الشكوك
والشبهه التى تكون في قلوب الكفار، وفيه بروق من الوعد والوعيد، وفيه رعد من الفتن
والابتلائات والتهديد، فحال المنافقين في الدين حالهم انهم مصاحبون لاهل الايمان
لكنهم اذا تبين لهم شئ من الحق صاروا فيه مع اهل الايمان، واذا جاءت شبههم وشكوكهم
فانهم يبقوا متحيرين لا يعرفون الطريق، واذا جاءت التهديد والفتن والابتلائات
فانهم يخافون اشد الخوف كما كان شأن الكفار في كل فتنة وبلاء تصيب اهل الايمان فإنهم
تتزلزل قلوبهم كما وصفهم الله –تبارك وتعالى- وقال {يَحْسَبُونَ
كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}[المنافقون:4]، يحسبون
كل صيحٍة عليهم فهم دائمًا خائفون وقال –تبارك وتعالى- {فَإِذَا
جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي
يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم
بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا
فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرًا}[الأحزاب:19] {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ
الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ
أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً}[الأحزاب:20]،
فالمنافقون كانوا في كل فتنة وبلاء دائما في رعب شديد وفي خوف وانهم قبل المعارك
ينتشون ويظهرون يعني الشجاعة والقوة، واذا جاء وقت الخوف ذابوا وجبنوا وقعوا
وخافوا وتأخروا كما وصفهم الله –تبارك وتعالى- قال: {وَإِنَّ
مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ
أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا}[النساء:72] {وَلَئِنْ
أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا
عَظِيمًا}[النساء:73]، فأهل النفاق مع الدين اولا هم لم يعني يعلنوا كفرهم كالكفار
وينحازوا ويصبحوا يعني فريقًا مستقلاً عن اهل الايمان، لا، بل انما اعلنوا ايمانهم
اعلنوا اسلامهم دخلوا في المؤمنين، يريدون السلامة والخير لانفسهم بعيشهم مع
المؤمنين يتزوجون منهم، يزوجونهم، يسلمون من حرب المسلمين لهم، فيشاركونهم الدنيا
التي هي منتهى املهم وهي مطمعهم، واما الدين فله تكاليف ولا يريدون ان يتحملوا
تكاليف الدين، فان اهل الاسلام معرضون للجهاد في سبيل الله والفتن التي تأتيهم
الفتنة تلو الفتنة كما قال –جل وعلا- {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ
يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ
وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُون}[التوبة:126]، أولا يرون اولا يرى هؤلاء المنافقون
أنهم يفتنون في كل عامٍ مرةً او مرتين يعني يبتلون في كل عامٍ مرةً او مرتين بقتال
الكفار، إما ناس يغزوا اهل الاسلام، إما يغزوهم اهل الاسلام فالنبي –صلوات الله
وسلامه عليه- يعني كان يخرج من ابتلاء واختبار الى ابتلاء واختبار، فالابتلائات
التي كانت في مكة شديدة جدا ولذلك لم يدخل يعني احد من الكفار نفاقا في الاسلام،
ما كان هناك منافقون في مكة قط، وانما ظهر النفاق في المدينة بعد ان يعني ظهر
للمسلمين قوة وذلك بعد بدر، بعد معركة بدر كانت معركة يعني انتصر فيها المسلمون
انتصارًا رائعًا، فقال يعني رأس المنافقين عبد الله بن أبي: «أرى أن هذا امرًا قد
توجه» ثم دخل... أعلن دخوله في الاسلام ودخلت طوائف كثيرة، ثم بدأ النفاق ينتشر
منذ ذلك الوقت، هؤلاء المنافقون دخلوا سلما لانفسهم مع المسلمين لكنهم لا يريدون
ان يتحملوا احمال الاسلام ويجاهدوا جهاد الاسلام، ولذلك كان حالهم كما وصف الله
يعني حالهم مع المسلمين، انهم كاصحاب الصيب النازل من السماء وهذا الصيب فيه ظلمات
ورعد وبرق، يجعلون اصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت، خوف المنافقين من ..
يعني الفتن التي تصيب المسلمين والله محيط بالكافرين، يكاد البرق يخطف ابصارهم
بروق الدين وقوارعه تخطف ابصارهم، كلما اضاء لهم مشوا فيه، فكلما وجدوا فسحه مع
المسلمين ليسيروا وراحة وامن وطمأنينة ساروا فيها، واذا اظلم عليهم تلبست عليهم
الامر وجائتهم الشكوك قاموا وقفوا وتحيروا، }وَلَوْ شَاء اللّهُ
لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِير}[البقرة:20].
بعد هذا، هذه بعض مقدمة السورة ، مقدمة السورة باختصار،
ذكر الله –تبارك وتعالى- في هذا القرآن وانه لا ريب فيه، وانه هداية لاهل التقوى
الموصوفون بهذه الصفات، وان الكفار لا فائدة ترجى من إنذارهم لان الله –تبارك
وتعالى- ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على بصرهم غشاوة فلا ينفذ الايمان لهم
بسبب كفرهم لانهم ردوا الحق عندما جاءهم بعد ان عرفوه، ثم وصف الله –تبارك وتعالى-
هؤلاء المنافقين فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا
بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِين}[البقرة:8]، ثم ضرب لهم..
يعني هذين المثلين لتتضح صورتهم تمامًا ويظهر امرهم.
وأتينا الى نهاية الحلقة، ونكمل هذه الآيه وما بعدها في الحلقة الآتيه ان شاء الله، اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد .