السبت 22 جمادى الأولى 1446 . 23 نوفمبر 2024

الحلقة (127) - سورة النساء 84-89

الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله الرسول الأمين، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد قال الله -تبارك وتعالى- : {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا}[النساء:84], {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}[النساء:85], {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}[النساء:86], {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:87].

 أَمَرَ الله -تبارك وتعالى- رسوله -صلوات الله والسلام عليه- أنْ يُقَاتِل في سبيل الله, وأنه لا يكلف في الخروج إلا بنفسه فقط, فإنْ لم يطعه أحد مِن أهل الإيمان قاتل {لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ }, ثم قال له : {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} أي على القتال حرضهم؛ حثهم رغبهم خوفهم بأي سبيل ليخرجوا في سبيل الله, {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُو},  وعسى مِن الله لاشك أنها للتحقيق فإنَّ الله -تبارك وتعالى- كَاف بأس الذين كفروا وهنا مِن العبد إذا اجتمعت هذه الأسباب بأنْ أطاعك أهل الإيمان وقاموا معك كف الله -تبارك وتعالى- بأس الذين كفروا, وقد فعل الله -تبارك وتعالى- لما قام أهل الإيمان فأولًا في بدر وقالوا للنبي: (لو خضت هذا البحر لخضناه معك) وعزموا على القتال في أي مكان وتحت أمر النبي -صلوات الله والسلام عليه-, فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أَعَزَّ جنده ونصر أهل الإيمان {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}, وكف بأسهم؛ هو رده ومنعه, والبأس هو الشدة في الحرب, {الَّذِينَ كَفَرُوا}, وقلنا قد كف الله -تبارك وتعالى- هذا فقد سن اليهود أسلحتهم لاستئصال الإسلام فقتلهم الله -تبارك وتعالى-, بنوا قينقاع, بنوا النضير, بنوا قريظة, كذلك حاول الكفار مشركو العرب بكل سبيل أنْ يكسروا سيف الإسلام فلم يستطيعوا, هَزَمَ الله -تبارك وتعالى- قريش في بَدْر كانت لهم جولة في أُحد ثم رجعوا خائبين في الخندق, ثم فتح الله -تبارك وتعالى- مكة بعد ذلك, قامت هَوازِن وهي قبيلة عظيمة وأتوا بحدهم وحديدهم فكسرهم الله -تبارك وتعالى- في حٌنين.

 {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}, كذلك أراد الروم أنْ يخضضوا شوكة الإسلام حَطَّمَهُم الله -تبارك وتعالى- وغزاهم النبي في تبوك, ثم كانت غزوة مؤتة, ثم كانت بعد ذلك بعث أسامة بن زيد, ثم قام المسلمون بعد ذلك  بعد النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وغزوا الدولتين ونصرالله -تبارك وتعالى- أهل الإسلام, فكُسرَ كسرى فلا كسرى, بعده, وهلك قيصر فلا قيصر بعده, {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا},أنهم يقاتلون الله وأهل الإيمان وإنما يقاتلون مع الله -سبحانه وتعالى- الله يقاتل معهم -جلَّ وعَلا-, {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا} التنكيل: العقوبة بإنزال العقوبةَ {أَشَدُّ تَنكِيلًا} أي في أعدائه من تنكيل الكفار بأعدائه.

 ثم قال-جل وعلا-: هذا خطاب لأهل الإيمان : {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}, شفاعة؛ طلب وسميت طلب إما جلب نفع أو دفع ضر عن مَن يطلب الشفاعة, وكأن الشافع أو الذاهب إلي حاجة فإذا أخذ غيره ليكون معه يصبح شافع فسميت شفاعة مِن هذا أشفعني واطلب لى هذا الطلب من هذا المصدر, سواء كان دفع مضره أو جلب منفعة مَن يشفع عن هذا السياق الآن في سياق القتال.

 فالشفاعات هنا شفاعات في شأن القتال؛ شفاعة مؤمن في الكفار, أنْ يشفع لهم بألا مثلا يُقَاتَلُوا, أنهم إذا وقعوا تحت الأسر لا يقتلون إنما يؤخذ منهم الفدية, فهذا نوع مِن الشفاعة, فإنْ كان يشفع المؤمن شفاعة حسنة قال -جلَّ وعَلا- : {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}, الأجر والخير, {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا},  المؤمنون استشارهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد بدر في شأن الأسر فبعض أهل الإيمان كان أبى بكر قال: (يا رسول الله إنه العم والعشيرة نأخذ منهم الفدية لعل الله -تبارك وتعالى- أن يهديهم للإسلام), وقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-,  (يا رسول الله هؤلاء هم كبار الكفار نقتلهم قال ادفع إليّ فلان وادفع إلى عَلِى فلان وادفع إلى فلان فلان أي أقرباهم كل واحد يقتل قريبة مِن أهل الكفر لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك) وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- برأي أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- وبين الله -تبارك وتعالى- أنَّ هذا الرأي وإنْ كان حسن إلا إنه كان الأحسن للقتل, {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:67], {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[الأنفال:68].

وكان هذا الذي استقر عليه الأمر وأخذه المؤمنون ورضيه النبي -صلى الله عليه وسلم-  هو الخير, وهو الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- قضاءً وقدرًا لأهل الإيمان ثم تشريعًا لهم, بأن أحل لهم الغنائم وكان لهذا خير, وهؤلاء مُنَّ عليهم في غزوة بدر كان منهم بعد ذلك المسلمون الصالحون وأشياء عظيمة فالذين شفعوا هذه الشفاعة الحسنة ورضوا هذا سواء كان عمر -رضى الله تعالى عنه- أبو بكر الصديق أو هؤلاء شفعوا شفاعة حسنة كلا منهم يريد النصر للإسلام يريد الخير فهؤلاء لهم نصيب مما شفعوا فيه.

 لكن انظر الشفاعة السيئة بعد قينقاع  بنوا قينقاع نقضوا عهد النبي -صلوات الله والسلام عليه-, وخانوا الأمانة وفعلوا هذه الفضيحة بالمرأة المسلمة التي ذهبت إليهم لتشتري منهم, فكشفوا سوءتها وعورتها في السوق, وهذا نقض لعهدهم مع النبي -صلوات الله عليه وسلم- ثم أحاط بهم النبي وحاصرهم ونزلوا على أمره, جاء عبدالله بن أُبَيّ يستشفع فيهم ويقول : (لا سبعمائة ذارع تريد أنْ تحصدهم في غداه حموني مِن الأحمر والأسود اتركهم لي يا رسول الله فيقول للنبي: لا خير لك في ذلك فيقول له اتركهم لي حتى أنه جاء في آخر الأمر وضع يده في درع النبي -صلى الله عليه وسلم-) وهذا العمل نهاية الاستشفاع والاستجداء وكأني داخل عليك أرجوك أتركهم لي فلما والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم فعفا عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يستأصلهم كما كانت العقوبة اللازمة لهم بعد هذه الجريمة قاللهم النبي والنبي يقول (لا خير لك في هذا لا خير لك في هذه الشفاعة) هذه شفاعة سيئة هذه شفاعة سيئة ودافعها النفاق ودافعها أن يكون له من أولياء هؤلاء الكفار الذين أذوا الله ورسوله أن يكون له منهم أنصار وإنه يحميهم, ويقولون : {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} فالرب -تبارك وتعالى- في مجال القتال {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}, ما يترتب على هذه الشفاعة مَن الخير أراد بها وجه الله يترتب عليها خير, سيكون له نصيب منها {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} هنا قال كفل أي جزء مساوٍ للسوء الذي يأخذه ويناله المشفوع فيه, {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}, هذا تعقيب الآية أنَّ الله على كل شيء مقيت أي يطعم كل أحد بما يستحقه فهذا الذي صنع الشر يطعم منه والذي فعل الخير يكون كذلك طعمته منه, {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}, يحاسب ويأخذ كل إنسان جزاء عمله عنده.

 ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}[النساء:86], هذا مِن الله -تبارك وتعالى- توجيه لعباده المؤمنين إلي الإحسان, {وَإِذَا حُيِّيتُمْ}, أصل التحية أصلها تحيية, وهي الدعاء بطول الحياة, وكانت العرب إذا قابل إنسان أخاه منهم دعا له بطول العمر قال له: (حياك الله حياك الله) أي أطال الله حياتك, أطال الله بقاءك وذلك أنهم كانوا أي منتهي أملهم أنْ يعيش الإنسان دهره لأنه لا يرغب في حياةٍ بعد هذه الحياة, ويرى أنه إذا مات انتهى لا حياة بعد ذلك, فإذًا أمله كله أي في هذا الحياة ودعاءهم كله وتمنيات بعضهم لبعض إنما هو يقول بالرفاء والبنين, حياك الله, عِم صباحًا, عِم مساءًا, هذه تحياتهم كلها في الدنيا أما أهل الإيمان فإنَّ تحيتهم إنما هي للآخرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهذا يشمل خير الدنيا والآخرة لأنَّ أهل الإيمان يؤمنون بالآخرة بل الثواب الحقيقي والنعمة الحقيقية إنما هي في الآخرة, على كل حال قد أطلق على كل تمني مِن أحد لأحد سواء كان هذا التمني يلقيه عند اللقاء أو غيره فهذا يسمى تحية وإنْ كان هو ليس دعاء بطول الحياة أصبح لا بالتغليب أصبح تحية فالسلام عليكم ورحمة الله تحية, وكل ثناء للشخص الآخر تحية {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ},أي حياك أحدٌ بتحية, أثنى عليك تمنى لك أمنية ما, قال-جلَّ وعلا- : {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}  وجوبا يجب أن تحيي هذا بدك بالخير ينبغي أنْ تكافئه بزيادة الخير فحيوا بأحسن منها أوردوها  فهذا الأفضل, {أَوْ رُدُّوهَا} أي حَيِّيهِ بمثل ما حيَّاك به, فتكون قد رددت هذه التحية بمثلها, {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} أي سيحاسبكم الله تبارك وتعالى على كل شيء فهذا حق مَن حياك مَن حياك أصبح له حق عندك فيجب أنْ تكافئه بهذا الإحسان الذي أحسن به إليك فهذا مِن حق المسلم على المسلم {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} فإذا قال لك السلام عليكم فيجب أن تقول له : وعليكم السلام وجوبا أي شيء ثم ورحمة الله هذا الأحسن منها وبركاته أحسن فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجب أنْ تقول له : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته لأن هذه التي مثله وأحسن منها أنْ تتمنى له الخير بارك الله فيك أو جزاك الله خيرا أو تزيده منه, {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}, كان الله -تبارك وتعالى- هذا مِن صفة الرب -تبارك وتعالى-  وهل كان تفيد الاستمرار يحاسب سيحاسب عباده -سبحانه وتعالى- على كل شيء ومِن حسابه حقوق الآخرين فوجوب حق المسلم على المسلم  إذا سلم عليك أنْ ترد عليه, ما قال النبي -صلوات الله وسلامه عليك-  «حق المسلم على المسلم خمس, إذا سلم عليك أنْ ترد عليه السلام فهذا مِن حق المسلم», قال لك السلام عليكم وجب وجوب عليك أنْ ترد عليه السلام قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:87], لما قال الله-تبارك وتعالى- : {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}, أي سيحاسبنا على كل صغيرة وكبيرة على هذا النوع أي رددت السلام أم لم أرد السلام سيكون ذلك في الصحائف يقول: لك إنك في اليوم الفلاني سلم عليك فلان ولم ترد عليه السلام وتحاسب قال-جلَّ وعَلا- : {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}, إنما مِن أنزل هذا الكلام وأخبر هذا الخبر وبين لكم هذا البيان وإنه سيحاسب على كل شيء قال الله الذي {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ},  -سبحانه وتعالى- {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ},  لا إله إلا على الحقيقة لا إله إلا هو, لا إله يستحق أنْ يكون يسمى إله وله الألوهية إلا هو, أما غيره ممن يسمى إله فليس بإله قد يسميه مَن يعبده إله وليس إله على الحقيقة, فالشمس العرب كانت تسميها إلهة لكن هل هي إلهة؟ هذه تسمية ليست إله لا تستحق العبادة, {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37], والأصنام يسميها أصحابها آلهة, {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6],  لكن هل هي آلهة على الحقيقة؟ الجواب لا هي أصنام تروح أو ترجع هي أصنام, يصنعها الصانع بيديه وإنْ أعطاها حق الإله فهابها, خشيها, عظَّمها, أحبها مِن كل قلبه, سجد لها ركع لها، طاف بها، تبرك بها, طلب منها النفع رجاها أنْ تدفع عنه الضر, جعله بمعتقده وبعمله إله وأنَّ هي ليست بإله ستظل حَجَر, مهما صُنع عندها ومهما ُصنع لها ستظل صنم لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر, هي تظل على هذا لا تكون إله مهما صَنع فيها, وكذلك ملك يُعبد مَن دون الإله أعطى له حق الإله بالطاعة بالخضوع بالإنابة بالمحبة لكن هل أصبح هذا المخلوق إله على الحقيقة؟ الجواب لا  وإنْ صنعه الناس إله فهابوه وعظَّموه وقدَّروه وسجدوا له.

 فرعون قال : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, هل إله يُعبد في كل الأرض غيري أليس لي مُلك مصر وهذه الأنهار تجري مِن تحتي, {أَفَلا تُبْصِرُونَ}, {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:52], أي موسى الله يقول : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ........}[الزخرف:54], أطاعوه في عبادتهم له سجودهم له,  تعظيهم له, خشيتهم منه, هو مصدر الخير, هو الذي يدفع الضر, لكن هل هذا جعل منه إله الحقيقة كون حوله الملايين يعبدونه يهتفون باسمه ويسجدون له ويقدسونه ويقدمونه, لم يجعل هذا فرعون اله على الحقيقة بقي فرعون مخلوق هو ليس رب وإنما هو مربوب له رب يأكل, يشرب, يضعف, يعجز, يموت, وقد مات أشر ميتة؛ مات بالغرق والله -تبارك وتعالى- ولما مات استكان {........قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:90] .

قال-جلَّ وعلا- : {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:91], {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}[يونس:92], حتى ينظر إليك مَن عبدوك وأعلم انك لست الها أنهم أعطوا الألوهية في غير محلها فالذي يشرب ماء من ماء البحر والطين من طين البحر ثم ينتفخ بطنه ثم يموت ثم تلقيه الموجة على الشاطئ كيف يكون إله الإله هو الحي الذي لا يموت, {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:58], فهذا هو الله، الله يقول عن نفسه, {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}, لا إله إلا هو على الحقيقة إذ كل ما يعبد مِن دونه وكل ما يقال عن غيره إنه إله قول زور قول باطل, {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ........} ثم قال-جلَّ وعَلا- : {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[النساء:87], والله ليجمعنكم اللام الموطئة القَسَم ليجمعنكم الله -تبارك وتعالى- مؤكدا باللام ومؤكد بالنون التوكيد الثقيلة, {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} فيه لا شك في هذا اليوم ثم قال -جلَّ وعَلا-: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}, سؤال يراد به التقرير والجواب لا يمكن أنْ يكون هناك, مَن أصدق قولا مِن الله -تبارك وتعالى- فقول الله: أنه سيجمعنا إلى يوم القيامة قول صدق لاشك فيه فهذا وعيد وتهديد منه -سبحانه وتعالى- وكذلك وعد فهو لأهل والإيمان وعد هذا الخبر من الله -تبارك وتعالى- عن نفسه هو بأهل الإيمان وعد عظيم منه -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين ووعيد شديد كذلك للكفار{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:87], يفرح المؤمن بها وأنَّ هذا اليوم فيه جمع وإذًا هو لن يضيع عمله وهو مِن أهل الإحسان, {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}, وبالنسبة لأهل الكفر وأهل المعصيه هو وعيد وتهديد شديد الله {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:87], لا أحد أصدق مِن الله حديثا ثم قال -جل وعلا- معاتبا أهل الإيمان بعد ماذكر هذه الأمور مِن المنافقين مِن حال أهل النفاق حالهم خاصة في هذا الموطن العظيم والفريضة العظيمة فريضة القتال.

 قال-جلَّ وعَلا- : {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء:88], {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:89], {فَمَا لَكُمْ} عتاب مِن الله -تبارك وتعالى- يقول له الله -تبارك وتعالى- مالكم ماذا دهاكم؟ أنْ تقولوا في المنافقين فئتين تفترقوا في شأن المنافقين  كيف يعاملون فإنَّ بعض الناس قد كان يرى أنه يجب أنْ يقاتل قتال الكفار بعضهم يرى أنه يُعفَى عنهم ويصفح عنهم فالله أخبر أنهم لا ينبغي أنْ يختلفوا في شكل المنافقين وهنا يفصل الله -تبارك وتعالى- الحكم فيهم فالحكم فيه مِن الله -تبارك وتعالى-, {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} قيل إنه لما اختلف أهل الإيمان في الذين يتخلفوا عن أحد وظهر نفاقهم, وأنَّ منهم مَن رأى قتلهم ومنهم مَن رأى غير ذلك قال-جلَّ وعلا- : {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ} أي مالكم أيها المؤمنون تختلفون في المنافقين فئتين على هذا النحو قال -جلَّ وعَلا- : {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}, {أَرْكَسَهُمْ}, الرِّكس هو النُّكس والانتكاسة والنجاسة, {أَرْكَسَهُمْ}, أي قذرهم بالمعصية على هذا النحو, وركسهم بمعنى أنه جعلهم ينتكسون ويرجعون القهقرة بما نكسوا بسبب ذنوبهم التي كسبوها {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}, {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}, هذا يقطع الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان في إيمان هؤلاء المنافقين وفي هدايتهم وأنَّ ضلالهم إنما كان عقوبة لهم مِن الله -تبارك وتعالى- سؤال يراد به كذلك العتاب, {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}, لا تستطيعون هذا, فالذي أضله الله -تبارك وتعالى- لا يملك أحدًا هدايته قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}َ, مَن يضلله الله تبارك وتعالى, {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}َ, أي إلى الهداية يستحيل أنْ يكون له سبيل للهداية مادام أنَّ الله سبحانه -وتعالى- قد أغلق عليه هذا الباب, {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}َ, ثم فضح الله تبارك وتعالى هؤلاء المنافقين فقال : {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} أنَّ حقيقة هؤلاء المنافقين ليست كما يظهرونه لكم بل حقيقتهم أنهم يتمنون أنْ يكفروا أهل الإيمان كما هم كافرين, {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}, في الكفر تعودوا إلى الجاهلية وإلى الكفر مرة ثانية فالإسلام أي هذا القضية قال-جلَّ وعَلا- : {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[النساء:89], لا يحل لمؤمن أنْ يتخذ وليًا مِن هؤلاء المنافقين إلا إذا هاجر في سبيل الله لأنَّ هجرته مِن دياره إلى نصرة الله ورسوله هذا دليل إيمان فالهجرة دليل إيمان, وأنه ترك وطنه ترك أهله جاء ليتعرض للخطر فالمؤمنين في المدينه منطقه معرضه للخطر الأعداء حولهم مِن كل مكان والناس يعودونهم من كل مكان وأحيانا تضربهم العرب كلا مِن قوس واحد كما وقع في الخندق, فمِن هاجر وجاء لنصرة النبي -صلوات الله عليه وسلم- إيمانه حق, {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ}, {فَإِنْ تَوَلَّوْا}, أي بقوا في مواطنهم ولم يهاجروا في سبيل الله, تولوا عن الهجرة, {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}, فيكون شأنهم في القتال شأن الكفار قال-جلَّ وعلا- : {فَخُذُوهُمْ} أي في القتال {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم} في أي مكان تجدوهم فيه اقتلوهم فيه, {وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}, إياكم أنْ تتخذوا منهم وليًا ولا نصيرًا أي في حال السلم ففي حال السلم لا يجوز لكم  أنْ تتخذوا منهم وليًا ولا نصيًرا, وفي حال الحرب اقتلوهم مادام أنهم في صف الكفار وجب عليكم أنْ تقتلوهم فهم إنْ أظهروا إيمانهم لكنهم عاشوا مع الكفار وبقوا معهم وأصبحوا وخرجوا يقاتلونكم مع الكفار ما قيمة هنا مع قولهم أنهم مِن أهل الإيمان! قال هؤلاء كذابين قال : {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي عن الهجرة وبقوا مع الكفار,{ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:89],ثم قال -تبارك وتعالى- : {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}[النساء:90].

 هذه الآيات فيها كثير مِن الأحكام والتفصيل ولمَّا ادركنا الوقت سَنرجع هذا إنْ شاء الله إلى الحلقة الآتية, استغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب وأصلى وأسلم على عبد الله ورسوله محمد, والحمد لله ربِّ العالمين.