الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (128) - سورة النساء 89-94

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا, مَن يهده الله فلا مضل له, ومَن يضلله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله وبعد.

فيقول الله -تبارك وتعالى- : {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء:88], قال أهل العلم تأويل أنَّ الله -تبارك وتعالى- هنا قد نَعَى على المؤمنين اختلافهم في شأن المنافقين قالوا هؤلاء المنافقون منهم كانوا ناس في مكة يظهرون يأتون لأهل الإسلام ويقولون أننا مسلمون ولكنهم يكونون بعد ذلك في صفوف قريش يحاربون الله ورسوله, بعضهم قال في العرب الآخرين الذين ينتشرون في القبائل كأن منهم مؤمنون وكأن منهم أُناس يُظهرون إيمانهم ولكن يكونون في صف الكفار, وبعض أهل العلم قال إنما اختلف المؤمنون في شأن الذين  راجعوا في أُحُد مع عبدالله بن أُبي هل يقتل هؤلاء ويحاربون ويقاطعون أم ماذا يكون في شأنهم؟ فأنزل الله -تبارك وتعالى- قولهم في المؤمنين : {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}, أي اختلفتم فيهم, {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ}, أي ردهم إلى الكفر بما كفروا بالسبب الذي كسبوه هذا النفاق وهذه المعصية والتخلي عن نصرة الله ونصرة رسوله والهجرة إليه, {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}, أي هؤلاء قد عاقبهم الله -تبارك وتعالى- بأنْ أضلهم بسبب كفرهم والسؤال للأنكار أي مَن أضله الله فلا يملك أحد هدايته, {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}, أي إلى الهداية ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- حقيقة أمر هؤلاء المنافقين فقال : {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}, أي إنه في قلوبهم يتمنون أنْ يعودا المسلمون مرة ثانية إلى جريمة الكفر فيكون مثلهم في الكفر قال-جلَّ وعَلا- :  {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} لا توالوهم ولات الإيمان ولات المسلم للمسلم إلا إذا تركوا ديارهم ومعيشتهم مع الكفار وهاجروا إلى الله ورسوله في المدينة, {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي عن الهجرة, {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}, في أي مكان اقتلوهم فيه, {وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}, ليس لهم أولياء وليس لهم نصرة مادام أنهم باقون في أوطانهم ولم يهاجروا إلى الله ورسوله يظهرون الإسلام كذبًا ولم يفعلوا ما يثبتوا أنهم مؤمنين فعلا.

 قال-جلَّ وعَلا- : {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}[النساء:90], أي إلا مَن يظهر الإسلام وهم قوم عقدتم عهد معهم وكان النبي قد عقد عقود مِن المهادنات والمراجعات مع كثيرًا مِن العرب حول المدينة فهؤلاء إذا كان فيهم مَن يظهروا الإسلام وقد أعطيتم قومهم عهد فهؤلاء قال-جلَّ وعَلا- هؤلاء لا يقاتلون : {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ}, {أَوْ جَاءُوكُمْ}, أي مسلمون مِن هؤلاء وحصرت صدورهم, {حَصِرَتْ} بمعنى ضاقت وتألمت تتألم ألم شديد لأنه ليس في طوقهم أنْ يهاجروا إلى الله ورسوله, وليس في طوقهم كذلك أنْ يقاتلوا قومهم إذا قاتلتم هؤلاء إذا قاتلتم قومهم, أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ}, , قال-جلَّ وعَلا-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ}, أي غير قلوبهم وكانوا مع أقوامهم الكافرين ضدكم, {فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ}, إنْ اعتزلوا القتال مع قومهم الكفار إذا أردتم أنْ تقاتلوا قومهم  الكفار هم اعتزلوا القتال لم يساعدوا قومهم, {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}, أي ألقوا السلام إليكم وكانوا معتزلين للقتال, {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}, أي هؤلاء لا سبيل لهم إلى قتالهم مادام أنهم اعتزلوا القتال ولن يقاتلوا مع قومهم وإنْ كانوا لم يستطيعوا أنْ يهاجروا  إلى الرسول في المدينة وينضم إلى صفوف المسلمين.

 ثم قال-جلَّ وعَلا- : {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}, هؤلاء جماعة أخرى مِن المخادعين هؤلاء منافقون مخادعون, {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ}, أي مِن هؤلاء, {يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ}, فيأتوا إلى النبي والمسلمين ويقولون نحن مؤمنون, ولكنهم مازالوا في أوطانهم مع قومهم الكافرين, {وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}, كذلك يظهروا قومهم أنهم معهم وأنهم ليس مع النبي وأنهم لم يؤمنوا فيلعبون لعبة النفاق الكذب على أهل الإسلام وكذلك إظهار أنهم مع قومهم, {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}, يأمن أهل الإسلام, {وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}, بأنْ يظهروا أنهم معهم على كفرهم ومعهم مع النبي -صلوات الله والسلام عليه- قال-جلَّ وعَلا- : {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا}, {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ}, وهي أنه إذا حارب المسلمون قومهم, {أُرْكِسُوا فِيهَا}, وقفوا في صف قومهم ضد المسلمين وأُركسوا بمعنى أنهم سقطوا ورجعوا مرة ثانية إلى الفتنة, والركس بالجوع والرجيع, {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا}, قال-جلَّ وعَلا-: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ}, أي عند قتالكم لقومهم, {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} ألقوا السلم بمعنى أنهم  يسالموكم مسالمة تامة ويظهروا السلم ولا يكون عونا ونصرة لقومهم عليكم ويكفوا أيديهم اي عن حرضكم, {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} هؤلاء أمر الله -تبارك وتعالى- بأنْ يأخذوا أنْ يقتلوا {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}, أي قَدَرتُم عليه أي وقت تقدر عليهم فقتلهم حتى لو بعد القدرة عليهم وإنْ أظهروا الإسلام وقالوا أنهم مسلمون لكن فعلهم هذا وكونهم يقفون في صف الكفار ضد المسلمين المرة تلو المرة هذا دليل على أنهم منافقون وليسوا مخلصين وصادقين في إيمانهم.

 قال-جلَّ وعَلا-: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}, هؤلاء المشار إليهم هؤلاء المخادعون يلعبون كما يقال على الحبلين, {وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} أي أباح الله -تبارك وتعالى- قتلهم وجعل لكم عليهم سلطان حجة قاهرة أنهم يستحق القتل مبينا بيِّن واضح بالتالي إذا قتلتموهم فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يحاسبكم أنكم قتلتم مسلمين وإنما قتلتم منافقين عريقين في النفاق لعبوا هذا العب ولم يخلصوا لله ورسوله واولئك جعلنا لكم الذي جعل هذا الله -تبارك وتعالى- لأن الله هو الذي يشرع لعباده -جلَّ وعلا- ثم في هذا السياق بين الله -تبارك وتعالى- تعظيم أنْ يقتل المؤمن المؤمن قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}, ما كان ما يصح ولا يستقيم وهنا ليس الصيغة صيغة النفي البعيد أنَّ هذا لا ينبغي أنْ يكون بتاتا عن المؤمن يقتل مؤمن يتعمد قتله قال -جلَّ وعلا -: {إِلَّا خَطَأً} أي إلا يقتله خطئا والخطأ هو أنْ لا يقصد قتله, وإنما يقتله بغير عمد وبغير قصد منه أي يكون يضرب سهما بدلا مثلا صيد فيعترض هذا غصب عنه رغما عنه فيضربه وصور القتل الخطأ صور كثيرة, ويدخل فيها كذلك إلا هو شبه العمد وهو أنْ يدفعه عنه لا يريد قتله فيقتل بذلك يصيبه شيء يقع على شيء مثلا حاد أو كذا فيقتل بذلك, أو يضربه مثلا بعصا مما لا يقتل عادة أو يلقي عليه حصى ونحو ذلك فيكون فيها مقتله, {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}, أنْ يكون مخطأ في إنقاذه.

 قال-جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}, هذه كفارة المؤمن الذي يقتل مؤمنًا بطريق الخطأ, قال-جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}, أي يجب عليه أنْ يحرر رقبة مؤمنة الرقبة وهو العبد سواء كان ذكرا أو أنثى وسمي رقبة مِن باب إطلاق الجزء على الكل فيسمى العبد رأس, رقبة, وهنا القيد الذي في هذه الرقبة أنْ تكون مؤمنة, فلابد أنْ تكون هذه الرقبة مؤمنة خرج بهذا أنْ يُعتق رقبة كافرة فإذا كان هذا العبد أو الأَمَة كافره فإنها لا تجزى في كفارة القتل الخطأ بل يجب أن تكون مؤمنه هذه وأحده  قال-جلَّ وعَلا : {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}, وعليه كذلك أنْ يدفع دِية مسلمة إلى أهله دية هذا القتل دية مؤمن مائة مِن الإبل, قيل إذا كان مِن هذا الإبل وإلا قيمتها مِن الذهب والفضة أي قيمة الإبل في الوقت الذي وقع فيه القتل, أي وقت يقع فيه هذا القتل يُقيَّم المائة مِن الإبل بالذهب هذه أنْ تكون دية تُسَلَّم إلى أهله, وأهله مِن ورثته أو أولياء الدم هؤلاء يسلم لهم الدين, فالكفارة هنا عتق رقبة ودين مسلمة إلي أهله قال-جلَّ وعَلا- : {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} إلا أنْ يصدَّقوا أي عن القاتل يقولون هذا قتله عن طريق الخطأ ولم يكن متعمد ونحن لم نقبل الدية نتصدق بها عن القاتل, وقول الله : {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}, فيها حث على ترك الدية وشيء منها؛ لأن الله ذكرها أنَّ هذا الفعل يكون مِن باب الصدقة والصدقة فيها أجر قال : {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}, ويصدقوا هنا أي غير محدد يصدق بالدية كلها أو ببعضها, ثم قال جلَّ وعَلا : {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ},أي إذا كان هذا المؤمن الذي قتل خطأ {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ}, مِن قوم كفار محاربين لأهل الإسلام لكن هذا الشخص مسلم يعيش في وسطهم, {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}, إذا يكون فيه فقط أنْ تحرر رقبة مؤمنة وليس هناك دية لأنَّ الدية هذه ستعطى لكفار محاربين لا يستحقون أنْ تُعطَى لهم دية لأنَّ أهله كفار محاربون ومعادون للإسلام فيعتق هذا الشخص المسلم الذي قتل هذا المؤمن يعتق رقبة فقط ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}, لكن إنْ كان هذا المؤمن الذي قتل خطأ مِن قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق أي قوم كفار لكنهم معاهدين لأهل الإسلام بينهم وبين أهل الإسلام عهد فهؤلاء يكون أيضًا تُعْتَق رقبة عن القتيل هذا القتيل المؤمن تُسَلَّم الدية كذلك إلى قومه, وإنْ كانوا كفار لكن هؤلاء كفار غير محاربين وإنما هم مسالمين وبينهم وبين المؤمنين عهد, {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}, قَدَّمَ الله -تبارك وتعالى- الدية هنا قال : {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}, قال-جلَّ وعَلا- : {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}  هذه الرقبة لله عليه عتق لله, وعليه أنْ يصوم شهرين متتابعين لله, والتتابع إذا حصل فيه لا يقطعه إلا العذر أي إذا كان معذورًا كأنْ تكون مثلًا امرأة فتحيض إذا أفطرت في وقت الحيض كذلك تستمر بعد ذلك ولا يعتبر هذا انقطاع وكذلك الرجل إذا بدأ وشرع في صيام الكفارة التي هي الشهرين فجاءه مِن السفر غير مقصود أو مَرِض فإنه يفطر ثم يتم بعد ذلك فمَن لم يجد قال -جلَّ وعَلا- : {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}.

 قال-جلَّ وعَلا- : {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ}, أي هذه الكفارة بالعتق أو بالبديل عنه وهو الصوم يفعله توبة مِن الله عليه, أي إنه إذا فعل ذلك فإنه قد يكون قد كَفَّرَ أي السيئة التي وقعت منه بقتله مؤمنًا خطأ, قال-جلَّ وعَلا  {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}, {عَلِيمًا} بتشريع ما يصلح لعباده -سبحانه وتعالى- {حَكِيمًا}, يضع الأمور في نصابها -سبحانه وتعالى- فهذا مِن حكمته -جلَّ وعَلا- فكأن  هنا وجوه الحكمة في هذا التشريع  أنْ جعل الله -تبارك وتعالى- عتق الرقبة مكان القتل الخطأ لأنه كأنه قتل نفس فيحيي نفس والعتق أحيا نفس الرقبة إذا كانت في الملك تكون كأنها شبه ميتة فكان عندما يرفع عنها يد الملك وتصبح حرة هذا نوع مِن عتق هذا كأنه أحياه فهذه نحيه كذلك الصوم الصوم كفارة لذنب, ورجوع إلى الله -تبارك وتعالى- ثم هذه الأمور مِن الدية فيه نوع من المواساة لِمَن قتل خطأ في رفق بهذا الشخص الذي قتل خطأ الخطأ غير العمد بالنسبة لِحِفْظِ العهود فالله -تبارك وتعالى- يأمر إذا كان المؤمن مِن قوم معاهدين يكون لهم حق أنْ يمكن له الدية, أما المحاربين محارب هذا ناس محاربين للإسلام فالمؤمن الذي قتل خطأ المؤمن يؤدي ما عليه نحو حق الله -تبارك وتعالى- الذي هو الصوم, وأما أعطاهم الدية لقومه الكفار المحاربين يكون بهذا قوة على أهل الإسلام لا يعطون ذلك أمر هذه أحكام عظيمة لا شك أنها أحكام حكيمة مِن تنزيل الحكيم العليم -سبحانه وتعالى-, {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}, ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- إثم قتل العَمْد فقال -جلَّ وعلا- : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93], قال أهل العلم لا يوجد وعيد في القرآن على معصية دون الشِّرك كهذا الوعيد أعظم وعيد جعله الله على هذا الذنب دون الشك أقل مِن الشرك لذلك قال أهل العلم قتل النَّفْس المؤمنة وهو أعظم ذنب بعد الشَّرك بالله- تبارك وتعالى-, قال-جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}, {مَنْ} من صيغ العموم, {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}  جزاؤه عند الله -تبارك وتعالى- جزائه قتل العَمْد هذا التعمد إنما هو قصد فيقتله وهو يريد قتله, ويصر على هذا إلى أنْ يقتله, {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}, وجهنم هذه الدار العظيمة في الكراهية والشِّدة والبؤس لأهلها عياذا بالله مقر العذاب الأليم, {خَالِدًا فِيهَا}, أي باقِ فيها بقاء لا انقطاع له, {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} هذا إعلان وإخبار مِن الله -تبارك وتعالى- أنَّ الله قد غضب عليه أي بهذه الفعلة العظيمة النكرة في الإثم, {وَلَعَنَهُ} طرده مِن  رحمته, {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وأعد له عذابًا عظيمًا في الآخرة وبمعنى أعد أي هيأ أوجد له في الآخرة عياذا بالله عذابًا عظيمًا في النار فهذه جمع هذا الوعيد كله في آية واحدة وعلى جريمة واحدة, {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}, وهذا مِن تفظيع وتغليظ إثم قَاتِل النفس العَمْد وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : «لا يزال المؤمن في فسحة مٍن دينه مالم يصب دمًا حرامًا», فالدم الحرام أي يضيق الحال جدًا على المؤمن وتصبح التوبة منه ضيقة جدًا لأنها تتعلق بحق الله, هذا والله هدد هذا التهديد وكذلك تتحقق بحق العبد وهذا العبد قد قتل وراح, ويطالب بحقه يوم القيامة لذلك كان القتل قتل النَّفْس التي حَرَّمَ الله وهي المؤمن قتله أمر عظيم جدًا, ثم بعد ذلك شرع الله -تبارك وتعالى- يُبيِّن للمؤمنين أحكام القتال وأنه يمكن أنْ يقع منهم قتل مؤمن وهم في القتال بغير التَّبيُن فقال -جلَّ وعَلا- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}, ضربتم عدوكم يعني خرجتم للجهاد وضربتم في سبيل الله ضربتم الأرض وصِرْتُم إلى عدوكم لتقاتلوا, {فَتَبَيَّنُوا}, تبينوا مَن تقاتلوه ومَن تقتلوه حتى لا تقتلوا إلا كافرا محارب ولا تقتلوا مؤمن قد يكون موجود بين ظهر هؤلاء الكفار أو يسلم حتى ولو في المعركة أو تحت السيف فلو تبينوا أن تقتلوا مؤمنا, {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}, لا تقولوا لمن القى إليكم السَّلام فسلم لكم, وقال أنا مسلم, ونحن مسلمون مهما كان لا تقولوا لست مسلم أنتم كفار وحاربتمونا وفعلتم وفعلتم بل مدام أعلنوا في أي وقت قبل المعركة أثناء المعركة, بعد المعركة أنه مسلم يجب الكَّف عنه ورفع السيف عنه,{وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}, أي تقتلوه ِمن أجل سلبه أو مِن أجل غنيمته, مِن أجل ما يخلفوا تبتغون عرض الحياة الدنيا بقتلكم مؤمن يلقي إليكم السلام ويعلن أنه مِن أهل الإسلام, قال جلَّ وعَلا : {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}, عند الله مغانم كثيرة مغانم كثيرة ستأتيكم بجهادكم في سبيل الله, وقتلكم كفار أصليين يغنمكم الله -تبارك وتعالى- ويرفكم أموالهم وديارهم وأموالهم فليس لهذه المعركة تخوضونها نهاية المطاف بل طريق الفوز والنجاح والغنائم أمامكم كثيرة وكذلك مغانم في الآخرة والجنة أكبر غنيمة, {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ}, يُذَكِّرُ الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان أنهم كانوا قبل هذا كانوا كفار وأنَّ مَن دعاهم الى الإيمان ربما هم آمنوا تحت السيف كذلك تحت السيوف غيرهم أو بدعوة غيرهن, وكذلك بصبر أهل الإيمان السابقين على دعوتهم, {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ}, أي كفارًا, {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} فمَنَّ الله عليكم بالإيمان والإسلام فلا إذًا تتعجلوا بقتل هؤلاء الذين يرفعون أيديهم ويعلنون إسلامهم وتردون عليهم هذا الاستسلام لكم وهذا الإسلام تعاملونهم بما سبق مِن عهدهم وعمرهم أنهم كفار فالله يذكر أهل الإيمان كنتم كذلك كنتم كفار قبل هذا, {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}, {فَتَبَيَّنُوا}, فتبينوا أي تثبتوا تثبتًا حقيقًا عندما تقاتلون وتقتلون يجب عليكم أنْ تتبينوا ولا تضعوا السيف إلا فيمن تعلم إنه كافر حقيقي يستحق القتل والقتال, {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}, يخبرهم الله إنه خبير بكل عملهم وهذا تحذير ووعيد مَن الله -تبارك وتعالى- أنْ يظن الإنسان إنه إذا فعل شيء في السر أو في الخفاء لا يعلمه الله بل الله -تبارك وتعالى- خبير أي إنه عليم بدقائق الأمور وبخفاياها -سبحانه وتعالى- هذا معنى الخبرة, وجاء في الحديث أنَّ النبي نهى لما نزلت هذه الآيات ونهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُقتَل أي رجل وهو في أثناء المعركة يعلن إسلامه فقال له: أحد الصحابة يا رسول الله أرأيت إنْ جاء رجل مِن الكفار فقطع إحدى يدى السيف ثم لاذ مني بشجرة يقول: فلما أدركته علوته بسيفي لاذ مني بشجرة فلما علوته بالسيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله أأقتله يا رسول الله؟ فقال له النبي: لا تقتله قال يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي بالسيف وإنه قال: لا إله إلا الله عندما علوت بالسيف فقال له النبي: لا تقتله فإنْ قتلته فإنه بمنزلتك قبل أنْ تقتله, وإنك بمنزلته بعد أنْ تقتله وإنْ قتلته وكذلك فإنه بمنزلتك قبل أنْ تقتله وانه بمنزلتك قبل أن تقتله فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: لا تقتله  حتى لو إنه قطع يديك بالسيف ولاذ منك بالشجرة ولما علوته بالسيف قال: لا اله إلا الله يجب أنْ تكفى عنه, يجب أنْ تكفى عنه وقول النبي: لو قتلته كنت أنت بمنزلته قبل أنْ تقتله قبل أنْ يقول كلمته قبل ما يقول كلمتك كان كافر ثم تحول الي هذا وهو يصبح يعني بمنزلتك قبل أن تقتله وبمنزلتك قبل أن تقتله كان مؤمنا أي بعد أن قتلته لم تكن كذلك.

 وكذلك حديث أسامه بن زيد -رضى الله تعالى عنه- إنه كان في معركة وأن رجل قتل سبعه من المسلمين ثم  انطلق في إثره أبو قتاده وأسامه بن زيد -رضى الله تعالى عنه- يقول: فلما أدركاه قال: أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أن محمد -رسول الله- يقول: انا أبو قتاده فرجعت عنه وأما أسامة فضربه برمحه فوقع يعني في ظهره حتى سقط يقول فلما رجعنا  ذكرت ذلك الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكروا له الحادثة فقال: النبي لأسامة أقتلته بعد أنْ قال: لا إله إلا الله فقا ل يا رسول الله إنما كان متعوذا ما قال:  قال لا إله إلا الله لأنه أسلم وإنما هذا قتل سبعة من المسلمين ثم هرب وأتبعناه وأدركناه ورأى أنهه مقتول قال: اشهد أنَّ لا إله إلا الله فقال له النبي: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ وظل يكرر عليه أقتله بعد أن قال: لا إله الا الله وما تفعل بلا اله الا الله يوم القيامة قال:  يا رسول الله استغفر لي فيكرر عليه النبي وما تفعل بلا إله الا الله يوم القيامة أمام الله -عزَّ وجلَّ- ماذا تفعل عندما يحاججك بلا إله إلا الله وقتلته بلا إله إلا الله وفي هذا الوعيد هو {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}, يقول: (تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومي هذا) أي يقول لهم أسامة تمنيت أنى ما كنت أسلمت إلا بعد الحادثة فهذا أمرا عظيم.

 نقف عند هذا, واستغفر الله لي ولكم – مِن كل ذنب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.