الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله
الآمين و على آله ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
يقول: -الله تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]، {الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ
أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22]
هذا أول أمر في كتاب الله بحثت ترتيب المصحف أول
الأوامر هو هذا الأمر يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمُ وهذه
الآية تضمنت دعوة النبي صلوات الله وسلامه عليه كلها إجمالًا لهذه الدعوة بل هذه
دعوة الرسل جميعًا وهي دعوة الناس إلى عبادة الله الذي لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
قال: -جلَّ وعلا- {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ
رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]
هذه خلاصة دعوة الرسل وقال: -تبارك وتعالى- {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا
أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف:45] أي أنّ كل رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- فإنما دعا إلى
عبادة الله وحده لا شريك له.
قال: -جلَّ وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[الأنبياء:108] هذا الذي يوحى إليّ أنّ الله هو الإله الواحد الذي لا
إله إلا هو -سبحانه وتعالى- فالله : -تبارك وتعالى- تولى بنفسه في القرآن خطاب
الناس جميعًا الذين أرسل إليهم النبي صلوات الله تعالى وسلامه عليه وقال: « يا
أيها الناس » خطاب للناس اعبدوا ربكم اعبدوه ذلوا له اخضعوا له استسلموا له أطيعوه -سبحانه وتعالى- لأنّ العبادة
هي كمال الذل وقوة طاعة الله -تبارك وتعالى- مع كمال الذل والخضوع فالعبد لا يسمى
عبد إلا لأنه مملوك لسيده ذليل عنده مأثور عنده هذا في لغة العرب والله -تبارك وتعالى-
يريد من العباد أن يسلموا له ويصدّقوا خبره –سبحانه وتعالى- وأن يستجيبوا لأمره
-تبارك وتعالى-.
العبادة اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله -تبارك وتعالى- ويرضاه
من الأقوال والأفعال والدين الذي بُعث به النبي صلوات الله وسلامه عليه أعماله صالحة
طيبة بضعٌ وستون شعبة أو بضعٌ وسبعون شعبة.
كما قال النبي: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة
الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان».
وأما المنهيات فإنّ الله -تبارك وتعالى- نهى عن كل ظلم
قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90] كل هذا داخلٌ في معنى
العبادة اعبدوا الله ربكم إلهكم ثم وصف هذا الرب -جل وعلا- فقال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} الخلق في اللغة بمعنى التقدير والتصوير ويأتي أيضًا في
اللغة بمعنى الإيجاد من العدم فإنّه فعل الله -تبارك وتعالى- وحده -سبحانه وتعالى-
فإنّ الله هو الخالق وحده لا خالق إلا هو { اللَّهُ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ما في ذرة موجودة من العدم إلا والله أوجدها
–سبحانه وتعالى- ثمّ عن تشكيل الخلق تصوير الخلق بناء المخلوقات ما هي عليه هذا
فعل الله -تبارك وتعالى- { الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين } { هو
الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار6:8] أما البشر فإنّه إذا نُسب الخلق إلي البشر فإنما يقدره
شيء كأنما يخلقون من القماش والأدوات يصنعون منها مصنوعات بأيديهم فهذا صناعة
البشر سمي هذا التقدير خلق لكن البشر لا شك أنّ خلقهم ومصنوعاتهم مناسبة لقدراتهم
وعملهم ثمّ إنها كذلك من فعل الله -تبارك وتعالى- لأنّ أقدارهم على ما يفعلون إنّما
هو من الله -تبارك وتعالى- {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96] يعني والذي تعملون هو كذلك هو في النهاية هو خالقه لأنه
هو الذي خلق الإنسان وأعطاه هذه القدرة وأعطاه الموهبة ليخلق ليصور ليعمل ليبني
ليهندس فخلق الإنسان هو أيضًا في النهاية راجع إلى الله هو خالقه -سبحانه وتعالى-
فالله هو الذي خلقك قال: {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]
يعني هو خالق الذين من قبلكم آبائكم وآباء آبائكم كل الذين من قبلكم يعني الذي
خلقهم هو الله -تبارك وتعالى- هذا تعريف الرب الإله الذي يُعبد -سبحانه وتعالى-
فإن الذي خلقك وأبرزك من العدم إلي الوجود هو الذي يستحق أن تعبده أمّا إذا عبدت
غيره فلا شك أنك ساويت من لا يخلق بمن يخلق {أَفَمَنْ يَخْلُقُ
كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[النحل:17] كيف يعبد بعد
ذلك أي موجود غير الله -تبارك وتعالى- وهو لم يخلق شيء فإذا عبدت الشمس والقمر
والنجوم والكواكب والبشر وغيرهم كل هذه بذاتها موجودات لم توجِد شيء فنداء من الله
-تبارك وتعالى- أنّ الذي أُمروا أن يعبدوه هو خالقهم وهو خالق آبائهم -سبحانه وتعالى-
خالق الذين من قبلهم ثمّ بين الله -تبارك وتعالى- لما يعبدوه فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يعني العبادة من أجل التقوى
تتقون أصل التقوى هي الخوف الذي يبعث الخائف على أن يجعل وقاية وحماية له بينه
وبين الذي يخافه كمن يسير في طريق شائك فيتقي الشوك فيقوم ينتبه يرفع ثوبه فينظر
هنا هناك فيضع قدمه في هذا المكان فيقول: اتقي يعني سار في الطريق هذا فأتقى الشوك
أو يقول: اتقيت النار بمعني جعلت وقاية بيني وبينها ابتعدت عنها، اتقيت المطر
بمظلتي جعلت حماية بيني وبين المطر حتي لا يبلني، اتقيت البرد بمعطفي فالخوف من البرد دفعني أن أجعل وقاية بيني وبين
الذي أخافه.
وهنا
لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ التقوى هنا لله -سبحانه وتعالى- يعني
أن تجعلوا بينكم وبين العقوبة التي تنتظركم من الله -تبارك وتعالى- إن لم تعبدوه
وقاية فتتقون تخافون الله -تبارك وتعالى- بأن تكون هذه العبادة حماية لكم ووقاية
لكم من عذاب الله تبارك وتعالى- والتقوى هي أعلى منازل العبودية لأنّ الذي يخاف
الله -تبارك وتعالى- هو الذي عرف حقيقة الرب وآمن به -تبارك وتعالى- وذلك أنّه
الإله الرب العظيم سبحانه وتعالى الذي يؤَخذ بالذنب ويعاقب به وعوقبته ليست كعقوبة
أحد {ولا يوثق وثاقه أحد} وهو أهل لأنه يُتقى -سبحانه وتعالى- هو أهل التقوي وكذلك
هو أن يغفر -جلَّ وعلا- إذن العبادة للتقوى وهذه الغاية والهدف هذه العبادة أن
تتقوا ربكم -سبحانه وتعالى- فتكون هذه العبادة وقاية لكم وحماية لكم من عذاب الرب
-جلَّ وعلا-.
ثم
بين الله -تبارك وتعالى- شرح بعد الإجمال تفصيل ما صنعه الرب -تبارك وتعالى-
لعباده قال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا
لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22] يعني
ربكم الذي يناديكم ويأمركم بعبادته وحده لا شريك له جعل لكم الأرض فراشا بسط لكم
بسط الفراش أنظر لهذه الأرض التي نعيش عليها مهدها الله -تبارك وتعالى- وجعلها
الله كالبساط الممدود وهذا تمهيد وتيسير لسكنى الإنسان على هذه الأرض.
{وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} والبناء هو الأمر الحكم القائم وقد أقام الله
-تبارك وتعالى- بناءًا قويًا أمر الله -تبارك وتعالى- أن ننظر فيه ولا شك أنّنا لا
نعلم كيفية حقيقة هذا البناء كما قال: -جلَّ وعلا-: {وَالسَّمَاءَ
بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47]
{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}
يعني بقوة، وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ يعني
قد وسعناها توسعة عظيمة وهذه التوسعة لا يمكن لعقل الإنسان أن يبلغها وأن يدركها
كما قال -تبارك وتعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ
طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ
هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}[الملك3:1
{طِبَاقًا}طبقة فوق طبق { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ
مِنْ تَفَاوُتٍ}
ما في تفاوت يعني قوة وضعفً في خلق الله -تبارك وتعالى- {فَارْجِعِ الْبَصَرَ
هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور}يعني هل تري من تشقق وخلل.
{ثُمَّ ارْجِعِ
الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك:4] يعني
مرة تلو المرة، {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِير}
يعني يعود البصر بصرك إليك خاسئًا يعني زليل
وهو حسير عاجز أن يصل إلى أبعاد هذه السماء البعيدة على النحو الذي خلقه الله -تبارك
وتعالى- هذا أمر عظيم بديع كبير لا يدركه عقل إنسان وقد ترقى الإنسان في علمه كان
الأول ينظر إلي السماء بالعين المجردة، ثم وُفق للمنظار المقرب لها، ثم استطاع أن
يرتفع بهذا المنظار لشيء، ثم استطاع أن ينصب مناظيره فوق أقمار يديرها حول هذه
الأرض، ثم نصب هذه المناظير على قريب إلي كواكب أخرى حتي تنقل لها وكل هذا مع هذا
التقدم الدائم والوصول إلي أبعاد أبعد إلا أنه بقي نظر الإنسان حسيرًا يرجع إليه
عاجزًا إلى البعد النهائي إلى هذا الخلق فالله جعل السماء بناءًا محكمًا لكن
كيفيته وسعته لا شك فوق عقولنا لكننا نحس ذلك ونري أنّ هذه القبة العظيمة التي ضرب
الله -تبارك وتعالى- فوق هذه الأرض.
{وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً}[البقرة:22] أيضاً هذا من ربوبيته -سبحانه وتعالى- من معاني
صفة الرب أنّه خلق الأرض على هذا النحو مستوية لتسكن عليها أظلكم بهذه السماء
العظيمة وأنزل من السماء من العلو ماء المطر وهذا به الحياة لا حياة للأرض إلا
بهذا الماء بإنزال الماء إلي هذه الأرض، {وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30]
فحياة الإنسان والحيوان والنبات ودورة هذا الإنسان يعيش على الحياة على النبات
والحيوان لا يكون إلا بالمطر فهذا رزق الله النازل من السماء إلى الإنسان.
{اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ
مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ
بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنهَارَ}[إبراهيم:32] ثمرات
جمع ثمرة وهنا ثمرات جنس يعم كل ما ينتجها الله تبارك وتعالى من هذه الثمرات رزقً
لكم رزق منه -سبحانه وتعالى- كل ما يتموه الإنسان رزق فطعامه رزق لكم، يعني أن هذا
الفعل كله من أجلكم بسط الأرض علي هذا النحو رفع السماء علي هذا النحو وإنزال
المطر علي هذا النحو من أجلكم أيها الناس رزق لكم.
قال
-جلَّ وعلا-: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا
لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22] فعلي
هذا إياكم أن تجعلوا لله أن لا تجعلوا الجعل هنا معني الاعتقاد لأن الجعل في اللغة
تأتي معني خلق، وتأتي بمعني سير، وتأتي معني اعتقد، وتأتي بمعني شرع، فجعل بمعني خلق
جاءت في القرآن كقول الله -تبارك وتعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1] وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ بمعني
أنه خلق الظلمات والنور -سبحانه وتعالى-، وأما جعل بمعني اعتقد فهذا كثير في
القرآن كقول الله -تبارك وتعالى-: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ
إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:19] يعني
أنه اعتقدُ أنهم إناث والحال أنهم ليسُ إناث وإنما هم ملائكة جنس علي هذا النحو
خلق الله تبارك وتعالى لا يصفون ذكورة ولا انوثة أما نسبة أنهم أُناث هذا من
اعتقاد الكفار وظن الكفار فيهم كما قال -تبارك وتعالى-: {الَّذِينَ هُمْ
عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ
وَيُسْأَلُونَ} وتأتي
جعل بمعني ان شرع كما نقول مثلاً أتأتيت زيداً فجعل يقول كذا وكذا فهنا جعل هنا
جعل بمعني اعتقد {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا}
يعني فلا تعتقدوا أن لله أنداداً أنداداً جمع ند وهو المثيل والنظير والمعاند ندٍ
له يعني أنه نظير له وقسيمه الله لا ند له لا في ذاته ولا في صفاته وا في أفعاله
-سبحانه وتعالى- وبالتالي في حقوق فذات الله غير ذوات المخلوقين الله ليس كمثله
شيء -سبحانه وتعالى- وهو السميع البصير صفات الله -تبارك وتعالى- ليس كصفات
المخلوقين ليس كسمع المخلوق وبصره قد يوصف المخلوق أنهم سميع بصير الإنسان يسمع
ويبصر لكن سمع الإنسان وبصره ليس كسمع الله -تبارك تعالى- وبصره هذا سمع الله
وبصره لا يُقم بذ اته فالله من
معاني سمعه -سبحانه وتعالى- أنه لا تختلط عليه الأصوات ويسمع هو الرب الإله
المستوي علي عرشه دبيب النملة السوداء علي الصفات الملساء في الليلة الظلماء يسمع
ذلك -سبحانه وتعالى- لا يغيب عن سمعه شيء ولا تختلط عليه الأصوات انظر هؤلاء الناس
بلغاتهم الشتي بكلً يناجي ربه ويتكلم مع الله -تبارك وتعالى- كل هذه الأصوات لا
تختلط علي الله، فالله يسمع ما تكلم به أحد ويعلم ما تكلم به أحد بل يعلم ما يوسوس
به في نفس {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ
وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ
إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7] فالله
لا ند له لا في ذاته، ذواته لا تشبه ذوات خلقه سبحانه وتعالى ولا في صفاته وفي
اسمائه -سبحانه وتعالى- وكذلك في أعماله فالله تفرد بعمل ليس ؟؟؟؟ فالخلق خلق الله ؟؟؟؟ فتبارك الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ
أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:14] الله
الذي يخلق الإنسان علي هذا النحو.
ماذا
يخلق الإنسان ؟ الإنسان إذا خلق يخلق جره يخلق
سيارة يخلق كرسي يخلق خشب فيقدر بالقماش بالحجر بالشجر فلكنه لا يخلق حي كما قال:
-جلَّ وعلا- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ
اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ
مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73] فلو اجتمع أهل الأرض علي أن
يخلقوا ذباب؟ ما خلقوا ذباب ! بل علي أن يوجدوا زره من العدم لا يستطيعون أن
يوجدوا زره أن يخلقوا بره حبة قمح شعيرة لا يستطيعون لو كل ما في السموات والأرض
فالله خالق كل شيء -سبحانه وتعالى- {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} لا
في ذاته ولا في صفاته
سبحانه وتعالى ولا في أفعاله أن يقتص بها -سبحانه وتعالى- لا يشبه الله -تبارك وتعالى-
وبالتالي في حقوقه.
فتعبدُ
حق حقه هنا أن يُعبد حق هذا الإله الذي هو خلقك وخلق هذا الكون ووضع الكون في هذا
الأرض أن تعبده خلقك لعبادته إذن فاعبدوه، أن تعطي هذه العبادة لغيره أي صورة من
صور العبادة التي أراد الله لنفسه -سبحانه وتعالى- إذا اعطيت لغيره يبقا عطيته
جعلت ند لله جعلته نِد في حق من حقوقه عليه أن تعبده وحده لا شريك له فإن سجدت
لغيره خفت غيره كما تخاف من الله، أحللت، حرمت، التحريم والتحريم حق الله -تبارك وتعالى-
هو فقط له أن يحل أحد {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا
تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ
مَنْ يُنِيبُ}[الشورى:13] فالله المشرع يشرع لعباده ما
أشاء فمن أحل، حرم، عبد غير الله بأي صورة من الصور فجعل لله نِدً -تبارك وتعالى-.
ومن
لطيف التفسير في الآية أن ( بن عباس رضي الله عنهما ) يبين أن مجرد ذكر فضل لمخلوق
غير الله تبارك الله وتعالى من أن تجعل لله ِندً فلو قولت: مثلاً لولا البط لسرق
اللصوص بيتنا البارحة" يبقا اتخذت ند لله وذلك نسبت الفضل لغير الله -تبارك وتعالى-.
والحال
أن الفضل كله لله والنعمة كلها من الله -تبارك وتعالى- فإذا كان البط قد صاح في
الليل معلناً أن هنا غريب وهذا من عادت البط إذا كان في البيت ثم دخل غريب من آخر
فيقيم يصيح البط فلما يصيح ينتبه يعني أهل الدار أن لص دخل فيقوموا يمسكوا اللص أو
يفر اللص منهم.
فإذا
قال الإنسان فالصباح لو البط يعني في بيتنا لسرق اللصوص بيتنا البارحة يبقا معناها
جعل لله نِدَ وذلك أنه نسب الفضل لغير الله كان المفروض أن يقول لولا الله -تبارك
وتعالى- هيأ هذا المخلوق البط أن يصيح فينتبه إلي اللص ليسرق بيتنا يعني البارحة
فيعلم أن هذا الفضل لله إنما هو من فضل الله -تبارك وتعالى- فالله
هو الذي اعطي البط هذه الخاصية علمه هذا عندما تنسب أي شيء فضل ينبغي أن تعرف لا
تنسبه إلا السبب الذي جاءت منه انسبه إلي مسبب الأسباب -سبحانه وتعالى- كما قال: -النبي
صلوات الله والسلام عليه- لا مرة وهو بالحديبية صلوا المسلمون صلاة الصبح في أثر
مطر مطر فالليل ثم لما قام الليل صلي المسلمون صلاة الصبح ما طلع فالليل.
لما
النبي انتهي من صلاة الصبح أتدرون ما قال: ربكم البارحة طبعاً العباد قالوا:
للرسول ما ندري ماذا قال الله -تبارك وتعالى- ماذا أوحي إليك البارحة؟ فقال: النبي
أصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما الذين قالوا: «مطرنا بفضل الله ورحمته فهو
مؤمن بي كافر بالكوكب وأما الذين قلوا مُطرنا بنوء كذا ونوء كذا فهو كافر بي مؤمن
بالكوكب».
فقالهم:
الله أوحي إلي في إثر هذا المطر مطر ينزل والناس تنسبه إلي اله -تبارك وتعالى- وتعالى
من هذا فعله -تبارك وتعالى- وأنه هو الذي أنزل عليه مطر وهذا رحمته وهذ فعله.
وناس
يقولون: أن لكوكب الفلاني التقي بهذا واقترن الكوكب هذا بالكوكب هذا إذن سقط المطر
نتيجة ذلك فهذا نسب المطر إلي ظاهرة من هذه الظواهر ونسي أن الله -تبارك وتعالى-
لو كان هذا الأمر علي صحيح أيضاً نسي أن الله هو الذي يعني سبب هذه الأسباب
-سبحانه وتعالى- فالشاهد أن هذا من أتخاذ الأنداد فلا تجعلوا لله نداً في كل ما
يخص الرب تبارك وتعالى الله لا ند له لا في ذاته، ولا في معاني أسمائه، ولا في
صفاته، ولا في افعاله وبالتالي في حقه -سبحانه وتعالى- في عباده من جعل شيء من حقه
-سبحانه وتعالى- لغيره فقد اتخذ له ند من دون الله {فَلا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنتم
تعلمون أن الله لا ند له أو لا فيتخذوا هذه الأنداد يعني حالة كونكم عالمين بانكم
تتخذوا هذه الأنداد فعلي هذا المعني يكون يعني إذا الإنسان فل هذا غافل جاهل لعله
يكون معذور وعلي المعني الأول وأنتم تعلمون يعني وأنتم تعلمون أن الله -تبارك وتعالى-
لا ند له في خلقه فإن إقرار الخلق بالضرورة الملجأة الملحة أن الله -تبارك وتعالى-
لا خالق معه -سبحانه وتعالى- فجميع العالم بوجه عام يقرون لأن الله هو خالق -سبحانه
وتعالى- وخالق هذا الكون والذين يدعون بأن هناك خالق غير الله فهذه مكابرة.
كما
قال: "نمرود" «يوماً
أنا أحيي وأُميت»
و"قال فرعون": {وَقَالَ فِرْعَوْنُ
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي
يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى
إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[القصص:38] دعي
الألوهية وأدعي أن خلق أو رزق أو الإماته دعي أن سارة أن عيسي إله من إله يخلق
ويرزق ويحيي ويميت يقال أنه إله من إله بمعني أن كل صفة الرب فيه بل هو الرب أعلي
الله عن ذلك علو كثيراً.
كابر
يعني مكابرة من يفعل هذا فهو مكابر فأنتم تعلمون يعني انه لا ند لله -تبارك وتعالى-
لأن الله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ
أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22] هذه
الآية هي أول الأمر هي خلاصة الرسالة خلاصة رسالة النبي صلوات الله وسلم أنه مرسل
لعبادة الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما يعبد من دون الله والاعتراف لله تبارك وتعالى
أنه الإله خالق السموات والأرض وأنه هيأ لعباده كل هذا الخلق وذلك ليقوموا بعبادته
وحده لا شريك له.
نكتفي
اليوم بهذا استغفر الله ليّ ولكم من كل ذنب -وصلي الله وسلم علي عبده ورسوله-.