السبت 19 شوّال 1445 . 27 أبريل 2024

الحلقة (130) - سورة النساء 102-104

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده الرسول الأمين، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد فيقول الله -تبارك وتعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- : {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}[النساء:102], في الحلقة الماضية شرحنا صور صلاة الخوف كما جاءت في هذه الآية وكما بَيَّنها النبي -صلوات الله والسلام عليه- بعمله وخلاصة ذلك أنَّ الله -تبارك وتعالى- يقول لرسوله : {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَك}, هذه أول صورة مِن صور الصلاة فيُقَسم الجماعه إلي قسمين طائفة تقوم منهم معك قال -جلَّ وعَلا- : {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ }, هذا الصف الثاني إذا ركع النبي يركع مَن معه جميعًا وأما عند السجود فيسجد الصف الأول فقط مع النبي -صلى الله عليه وسلم-, ثم في الركعة الثانية يتبادولون السجود فالذين سجدوا في الركعة الأولي لا يسجدون في الركعة الثانية وإنمايقفون بإيذاء العدو هذا إذا كان العدو في القبلة هذه الصورة الأولى, الصورة الثانية قال الله-تبارك وتعالى- : {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}, وهذا تقسيم الجيش إلي قسمين؛ قِسْم يصلى مع النبي -صلوات الله وسلامه عليه- يصلون معه ركعة كاملة ثم يثبت النبي قائمَا ثم يكملوا الذين صلوا هذه الركعة يكمل كل واحد منهم ركعة لنفسه ثم يعود ليقف في وجوه العدو هذا إذا كان العدو في غير جهة القبلة, ثم يأتي الآخرون فَيَصُفُّونَ خَلْفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أنْ تَخْرُج الجماعة الأولى القِسْمِ الأول مِن المسلمين الذين صلوا مع النبي ركعة وصلى كل منهم لنفسه ركعة فيجدوا النبي قائما مازال قائما في الصلاة يلتحقون به يصلوا معه ركعة, ثم يثبت النبي جالسًا ثم هم كلهم يكمل لنفسه ركعة ثم إذا أحس النبي أنهم قد أتموا ركعتهم سَلَّمَ بهم -صلوات الله وسلامه عليه- فيكون للنبي ركعتان ولكل جماعة لكل طائفه مِن الطائفتين ركعة مع النبي وركع وحده, {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}, جميعًا قال -جلَّ وعَلا- : {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} أي أنَّ الله شرع لكم هذه الصلاة على هذه الصوره وذلك أنَّ الكفار ينتظروا فرصة فيها غفلة منكم وانشغال بالصلاة, {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}, فإذا انشغلتم بالصلاة ربما استغلوا هذه الفرصة, {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}, أي في الحرب فيستأصلوكم, قال جلَّ وعَلا {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}, أي لم يُرَخِّص الله -تبارك وتعالى- بوضع الأسلحة عنهم والأسلحة ربما يكون فيها شىء ثقيل كالدروع والبيضة التي على الرأس والسيف والرمح فلم يرخص الله أنْ يضعوا أسلحتهم إلا فقط إذا كان فيه مطر وفيه أذى أنْ يرتفعوا وأنْ يسجدوا ويقوموا بالسلاح أو المريض, ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}, أي في كل الأوقات في وقت الصلاة وغير وقت الصلاة, {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}, خُتِمَت هذه الآية بهذه الخاتمة لبيان أنَّ هؤلاء الكفار لا يتركوا فرصة للمسلمين لِيُصَلُّوا ليعبدوا ربهم -تبارك وتعالى- بالصلاة بل يهاجموهم في هذا الوقت الذي هم فيه بين يدي الله -تبارك وتعالى- يعبدونه مجرمون هذا مِن تمام إجرامهم فلذلك الله -تبارك وتعالى- تهددهم بأنه أعد لهم عذابًا مهينًا يهينهم إهانة حسية وإهانة معنوية يهان بالتقريع والتبويخ والتانيم ويهان كذلك إهانة حسية بالدفع والدز مِن النار والضرب على الرأس وصَب الحميم فوق رأسه وغير ذلك مما ذكره الله -تبارك وتعالى- مِن سُبُل وطرق إهانة الكافر في النار عياذا بالله, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ }[النساء:103], أي كونوا في كل أوقاتكم ذاكرين لله -تبارك وتعالى- وليس ذكركم لله إنما هو في وقت الصلاة فقط, {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ }, وذِكْرُ الله -تبارك وتعالى- إنما يكون باللسان وبالقلب المواطِئ اللسان, ويكون بالجُمَل الطيبة التي فيها الثناء على الله كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوه إلا بالله ولا إله إلا الله وحده صَدَق وعده ونَصَر عبده وأعز جنده وهَزَم الأحزاب وحده مِن هذه الكلمات التي فيها ذِكْر وثناء على الله -تبارك وتعالى- تسبيح وتحميدا لله -عزَّ وجلّ- {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا}, حال كونكم قائمين, {وَقُعُودًا}, حال كونكم قاعدين, {وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} وهذا في كل الأحوال وهذا معناه في كل الأحوال لأنَّ الإنسان حالته ليلًا ونهارًا إما قائمًا او قاعدًا أو على جنبه, ثم قال -جلَّ وعَلا- {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ}, أي مِن العدو كنتم مطمئنين غير خائفين, {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}, أقيموها؛ أدوها على وجهها الأكمل طمأنينة وخشوعًا بركوعها وسجودها وانصرافًا إليها فصلاة الطمأنينة غير صلاة الخوف لأنَّ هذه صلاة خوف وصلاة الخوف يكون فيها القلب مشغولًا بالعدو الذي أمامكم في القبلة فيكون فيها شىء مِن الشُّغل بحال الخوف فالله -تبارك وتعالى- قال: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ}, أي كنتم في حال الأمن والطمأنينة, {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}, {كِتَابًا}, كتابا أي فريضة, {مَوْقُوتًا}, أي أنها مؤقتة بمواقيت وقد حدد الله -تبارك وتعالى- هذه المواقيت التي هي مواقيت الصلوات الخمسة لنبيه -صلوات الله والسلام عليه- فمنذ فرض الله -تبارك وتعالى- الصلوات الخمس على النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وكان هذا في المعراج عندما عُرِجَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء السابعة وخاطبه الله -تبارك وتعالى- وأخبره بأنه فَرَضَ عليه وعلى أُمَّتِهِ خمسين صلاة في اليوم والليلة, ثم مازال النبي يتردد إلى الله -تبارك وتعالى- ويطلب منه التخفيف حتى جعلها الله -تبارك وتعالى- خمسة ثم قال : (يا محمد خمسٌ في العمل وخمسون في الأجر لا يبدل القول لدي) فكان مِن رحمته وإحسانه -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين أنْ جعل  الصلاة خمَس صلوات في اليوم والليلة, ولكنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل أجرها بخمسين صلاة كما الفريضة التي فرضها الله -تبارك وتعالى- في أول الأمر على أُمَّةِ الإسلام, في صبيحة يوم الإسراء نَزَلَ جبريل ظهرًا على النبي -صلوات الله والسلام عليه- فصلى به الظهر عند الزوال عندما زالت الشمس عند كَبِدِ السماء, ثم أنْ جاء العصر صلى بها العصر في أول وقتها عندما أصبح ظل كل شىء مثله, ثم جاءه في المغرب فعَلًّمَهُ الوضوء وصلَّى به المغرب عندما سقط قُرْص الشمس تمامًا أو الغروب, وأتاه في صلاة العشاء فصلى به العشاء عندما غاب الشَّفق الأحمر, ونَزَلَ صبيحة اليوم الثاني فصلى به الفجر عندما بدأ أول ضوء مِن الفجر الصادق, ثم جاءه الظُّهْر وهذا في اليوم الثاني فصلى به الظُّهر قريبًا مِن وقت العصر الذي هو بعد أنْ قارب أنْ يكون ظِل كل شيء مثله, وجاءه في وقت العصر نَزلَ في وقت العصر فصلى به العصر عندما أصبح ظِل كل شيء مثلين, وجاءه في وقت المغرب فصلى به المغرب في نفس الوقت عندما غرب قُرص الشمس, ثم جاءه في العشاء بعد أنْ مضى ثُلُثُ الليل فصلى به العشاء في هذا الوقت, ثم أتى به في اليوم الثالث صلاة الفجر فصلى به الفجر بعد أنْ أسفر الجو جدا, ثم قال له : (يا محمد الصلاة بين هذين الوقتين), أي بين الوقتين الوقت الأول الذي صلى به في اليوم الأول في أول الوقت وصلى به في اليوم الثاني في آخر الوقت, وقال له : (الصلاة بين هذين الوقتين) فإذا المواقيت خمس وكل صلاة قد وُقِّتَت بميقات محددة بدءً ونهاية وقد عَلَّمَهَا جبريل النبي -صلوات الله وسلامه عليه- ولذلك لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها, مَن ترك الصلاه حتى يذهب وقته فقد ذهبت منه الصلاة وليست ثمة وسيلة لاستدراكها ولذلك قال -صلوات الله والسلام عليه- : «من ترك صلاة العصر فكأنما أُوْتِرَ أهله وماله» قال : «مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله», وقال : «مَن أدرك ركعة مِن  العصر قبل أنْ تغرب الشمس فقد أدرك العصر, ومَن أدرك ركعة مِن الصبح قبل أنْ تشرق الشمس فقد أدرك الصبح », أي لا يدرك الصلاة إلا في وقتها وهذا إلا لِمَن له عُزر ولن يعزر الله -تبارك وتعالى- في تأخير الصلاة عن وقتها  المُقَدَّر شرعًا إلا النائم والناسي فقط كما قال -صلى الله وعليه وسلم-: «مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك », مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فليصلها أمر منه -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكرها ثم قال النبي: لا كفاره لها إلا ذلك ليست لها كفارة إلا هذا فقول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}, أي أنها فريضة مؤقتةٌ بوقت كل الصلاة مِن الصلوات الخَمْس أي جعل الله -تبارك وتعالى- لها وقت محدوًدا تبدأ فيه الصلاة وتنتهي إليه, فإذا صليت صلاة بعد وقتها سقطت باطلة كَمَن صَلَّى الظُّهر قبل الزوال هذا لا شك إنه صلاة باطل, كذلك كمن صلى المغرب قبل غروب الشمس ومَن صلى العشاء مثلا قبل غروب الشمس فهذا لا شك كل مَن صَلَّى صلاة قبل وقتها المقدر شرعا فهي صلاة باطلة, في الجمع بين صلاتين هذه جاءت رخصة ليجمع المسلم بين الصلاتين, وقد جمع النبي بين الظُّهر والعصر وذلك لتقارب وقتهما فوقتهما واحد, وبين المغرب والعشاء وأما صلاة الصبح فإنها لا تجمع مع صلاة أخرى وإنما هذا وقتها مستقل تصلى في وقتها فلا تُجْمَع لها مع الصلاة التي قبلها التي هي العشاء ولا الصلاة التي بعدها التي هي الظُّهر, جمع النبي -صلوات الله والسلام عليه- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر فكان يجمع في السفر -صلوات الله والسلام عليه- أحيانا عندما يَجِدُّ به السفر إذا جَدَّ به المسير جمع بين الصلاتين, وأما إذا كان مسافرًا ونازلًا في مكان ماكث فيه يوم أو أكثر فإنَّ النبي كان يُصَلِّى كل صلاة في وقتها كما فعل في مِنَى في الحج فإنه كان يقصر الصلاة لكنه كان يُصَلِّى كل صلاة في وقتها فكل صلاة الفجر في وقته الظهر في وقته العصر في وقته والمغرب في وقته العشاء في وقته علمًا بأنَّه كان يُصَلِّى صلاة مسافر, فكان مِن سُنَّةِ النبي أنه إذا كان مسافر يقصر الصلاة ويَجْمَعُ إذا جَدَّ به السفر أي إذا كان ماشيًا في السفر, أما إذا قام في مكان ما ليوم مثلًا فإنه يُصلى كل صلاةٍ مِن الصلوات الخمس في وقتها -صلوات الله والسلام عليه- فهذا الجمع الجمع للسفر وقد يكون الجمع كذلك لبعض الأعذار الأخرى كالمريض مثلا يجمع, أو المرأة إذا كان بها مثلا استحاضة أو رجل به سَلَس بول أو نحو ذلك نعم مِن المرض وكذلك الخوف مَن في خوف شديد, في برد شديد, في ريح شديدة, كذلك وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا في الحَضَر أحيانًا في غير خوف ولا مطر وقيل لابن عباس لمَ جَمَعَ النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: (أراد ألَّا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ), أي حتى يَشْرَع لهم رخصة فإذا أُحْرِجُوا حَرَجًا ما استطاعوا أنْ يَجْمَعُوا بين الصلاتين, إذًا الجمع بين الصلاتين هو رخصة أكيده في السفر لِمَن جَدَّ به السفر, وكذلك رخصة في مطر شديد ولأهل الفِقْه تفصيل في هذا فبعضهم يرى أنه لابد أنْ يكون مطر ومطر ليل وفيه ضَرَر فهذا هو الذي يُبِيح الجمع بين الصلاتين, أو برد شديدة أو ريح شديدة أو نحو ذلك أو مرض أو نحو ذلك مما هو فيه حَرَج ومشقة على المسلمين.

 {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103], فريضة مؤقته بوقت فيجب أنْ تحافظوا على هذا الوقت ولذلك قيل بأنَّ الله تبارك وتعالى فَرَضَ الصلاة في هذا الوقت لا يقبلوها في أي وقت أي لا يقبلها مِن العبد إذا أدَّاهَا في وقتها, أي ليست دَيْن والإنسان له أنْ يؤديه في أي وقت لا هذه عبادة مؤقته بوقت لا تقبل إلا في وقتها؛ كصيام شهر رمضان فإنه لا يقبل ألا في شهر رمضان فَمَن أراد أنْ يصوم في شهر آخر فإنه لا يقبل منه بل إنه مَن أفطر متعمدًا مِن رمضان لا يُجْزِئُه وإنْ صام الدهر, وكذلك إذا أراد أنْ يصلى مثلًا صلاة الفجر وقت الظُّهر أو صلاة العشاء مثلا في اليوم الثاني ورأى أنها مجرد أمانة في الذِّمة ويصليها في أي وقت يشاء بدون عُذر يمنعه مِن الصلاة وهو العُذر القَهْرِي ولا عذر إلا في النوم والنسيان فقط, أما المرض فإنَّ المريض يصلى على حاله على أي صورة كانت صلِ قائما, قال النبي : «فإنْ لم تستطع فقاعدًا فإنْ لم تستطع فعلى جنب », فيصلى المريض على حاله, كذلك مِن فقد شرطًا مِن شروط الصلاة يصلى مَن فقد الوضوء الماء فيتيمم, مَن فَقَدَ القِبْلَة لا يعرف القِبْلَة وجاء وقت الصلاة يجتهد ويصلى إلى الجِهَة التي يتحرى ويظن أنها جهة القبلة, بل مَن فقد ستر العورة كانوا في بَحْر مثلا وأشرفوا على الغرق ضاعت ثيابهم كُسِرَت سفينتهم أرفهوا إلى مكان, إلى جزيرة وهم لا يملكون ثيابًا يُصَّلُّوا على حالهم مريض مُشْفِي كذلك على صورته التي هو عليها, فالصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا فريضة مؤقته بوقتها لابد أنْ تُؤَدَّى في هذا الوقت وإلا لا يقبلها الله -تبارك وتعالى-كما قال النبي: في ترك الصلاة؛ صلاة العصر, «مَن ترك صلاة العصر فكأنما أُوْتِرَ أهله وماله», ومعنى أُوْتِرَ أهله وماله بقي وترًا وهلك أهله وماله وقال النبي بالنَّصِ «مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله», لا شك أن العمل عمله كله كل عمله الذي عمله في الإسلام يفقده وليس عمله في هذا اليوم هذا بل عمله في العمر كله بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم- : «فكأنما أوتر أهله وماله», فجريمة تأخير الصلاة عمدَا جريمة كبرى, {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103].

 ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ}, الوَهَن الضعف والتكاسل عن الجهاد في سبيل الله, الله يقول : {لا تَهِنُوا}, لا تضعفوا, {فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ}, وهم الكفار, ابتغائهم أي طلبهم وحربهم, {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ}, مِن الحرب والجهاد تألمون ففي الحرب جراحة ومشقات وتَعَب وخوف ومفارقة للأهل والأوطان وقد يكون فيه شهادة, {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}, فإنهم أي الكفار, {يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}, هم يتضررون كذلك بالحرب كما تتضررون فإنهم كذلك يصيبهم الألام والجراحات وتحمل المشاق ومفارقة الأهل والأوطان لكن فرق بينكم وبينهم وهو: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ}, أنتم ترجون مِن الله مالا يرجونه ففرق بينكم وبينهم ترجون مِن الله المغفرة, الثواب, النصر والتمكين لأنَّ هذا ربكم وإلهكم وناصركم فالله معكم -سبحانه وتعالى- هذه كل أمور يرجوها المؤمن مِن ربه عندما يجاهد في سبيل الله يرجوا أنْ يرجوه الله -تبارك وتعالى- على كل عَمَل يقوم به كل خطوة يخطوها في الطريق يرجوا ثوابها مِن الله -تبارك وتعالى-, دِرهم ,دينار ينفقه في سبيل الله يرجوا ثوابهم مِن الله -تبارك وتعالى-, جرح يُجْرَحَهُ, يُكْلَمَهُ في سبيل الله يرجوا ثوابه مِن الله -تبارك وتعالى- ,شهادة يستشهد هذه درجة عظيمة وأجرٌ واسع ,كذلك يرجوا النصر والتمكين وذلك أنَّ الله قد وَعَدَ بذلك وقد وعد عباده المؤمنين وعدًا أكيد قال : {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}, قال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}[محمد:11], فالله مولاهم كذلك {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ}, مِن نَشْرِ الخير ونشر الدَّين ونشر الإسلام والفضيلة وهم لا يرجون هذا فهذا حث وتحريض مِن الله -تبارك وتعالى- لأهل الإيمان أنْ يقوموا بالجهاد في سبيله, {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ}, يا معشر المؤمنين, {فَإِنَّهُمْ}, الكفار, {يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}, ولكن, {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}, {وَكَانَ اللَّهُ}, -سبحانه وتعالى- {عَلِيمًا حَكِيمًا}, عليمًا بكل أحوالكم فلا تخافوا أنْ يُضَيِّعَ مِن عملكم الصالح شيء الأمور في نصابها فلما كلفكم بالجهاد في سبيله فهذه لحكمة عظيمة يشرعها الله -تبارك وتعالى-.

 هذا فاصل عظيم في هذه السورة؛ سورة النساء فَصَّلَ الله -تبارك وتعالى- فيه أحكام الجهاد على هذا النحو المُفَصَّل ودخل في هذا استنهاض هِمَم المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله بَيَّن لهم الله -تبارك وتعالى- أنَّ الحياة قصيرة أنَّ الإنسان مهما فر أنَّ الموت سيدركه في أي مكان يكون, قال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}, عالج الله -تبارك وتعالى- كل نقاط الضعف التي يمكن أنْ تعترى المؤمن مِن الجهاد حث الله -تبارك وتعالى- عباده على الجهاد في كل سبيل مبينَا أنَّ أهل هذا السبيل, أهل هذا الجهاد هم أهل الدراجات العُلا -سبحانه وتعالى-, حَثَّ الذين يعيشون في أوساط الكفار على أنْ يخرجوا مِن دار الكفر إلى دار الإسلام ووعدهم -سبحانه وتعالي- بإرغام الكفار والثواب العظيم عنده ثم جاء في أثناء هذا ما رَخَّصَهُ الله -تبارك وتعالى- للمؤمنين مِن أنْ يُصَلُّوا صلاة الخوف بهذه الصورة وأرشدهم بعد ذلك -سبحانه وتعالى- وحثهم على أنْ يستمروا في طريق الجهاد ولا يَهِنُوا في هذا الطريق فإنهم يرجون الثواب العظيم مِن الله -تبارك وتعالى-.

 بقى أنْ نقول في صلاة الخوف أمر وهي أنَّ صلاة الخوف التي تُصَلَّى على هذه الصورة مِن أعظم  الأدلة علي صلاة الجماعة فإنه يمكن في صلاة الخوف أنْ يصلي المسلمون جماعتين أو ثلاثة جماعات لكن هنا أوجب الله -تبارك وتعالى- عليهم أنْ يصلوا جماعة واحدة ففي كل صور صلاة الخوف أي صورة مِن الصور إلَّا حال المسايفة يجب أنْ يكونوا لهم إمام واحد وأنْ تُصَلِّي الجماعات كلها عند هذا الإمام خلف النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وجماعة تصلى, إما أنْ يصلوا كلا خلف النبي ولكن في السجود يسجد صف ويبقي صف, وإما أنْ تصلى جماعة بعض الصلاة مع النبي ثم تخرج إلي العدو ثم تأتى الجماعة الثانية التي لم تصلي فتصلي نصف الصلاة مع النبي ثم يسلم بهم -صلوات الله والسلام عليه-, فلو كان يجوز أنْ يصلى المسلمون فُرَادَى وحدهم أو جماعات متفرقة وهم جيش واحد لأباح لهم الله -تبارك وتعالى- أنْ يصلى كلا منهم صلاته وحده لكن أوجب الله -تبارك وتعالى- عليه وفي هذه الحالة حالة الخوف أنْ يصلوا خَلْفَ إمام واحد والصحيح هنا أنَّ صلاة الخوف ليست خاصة بوجود النبي بين المسلمين وإنما هي عامة فقول الله -تبارك وتعالى- : {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ}, ليس هذا خاصًا بإقامة صلاة الخوف مادام النبي موجودًا فإذا لم  يكن النبي فيهم فليصلوا صلاة الخوف كما يشاءوا لا, بل الصحيح أنَّ هذا تفصيل للنبي -صلوات الله وسلامه عليه- وهو تشريع للأمة كلها والخطاب إذا وجه إلى النبي ولم يُبَيَّن أنَّ هذا أمر خاص به لو كان هذا أمرًا خاصًا بالنبي لَبَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- أنَّ هذا الأمر هو خاص بالنبي وحده -صلوات الله والسلام عليه- كما قال -جلَّ وعَلا - لما أراد أن يشرع له تشريعًا خاصًا به : {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}, قال: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}, أنَّ هذا تشريع أن امرأة تاتي وتقول وهبت لك نفسي دون شهود ودون أنْ  تشترط مهرًا ودون ولي فإنَّ هذا الأمر إنما هو خاص بالنبي -صلوات الله وسلامه- عليه وليس تشريعًا عامًا للمؤمنين قال -جلَّ وعلا- في المؤمنين: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ}, قد علم المؤمنون ما فرضه الله عليهم في كيف يتزوجون وأنه لابد منْ زواج بشهود وبيَّن النبي أنَّه لابد مِن وَلِي ولابد مِن مهر كما أخبر الله -تبارك وتعالى- فهذا له شأن, الشاهد في القرآن أنه إذا خاطب الله -تبارك وتعالى- نبيه خطابًا ولم يذكر أنَّ هذا وأعطى حكمًا ولم يذكر أنَّ هذا الحكم خاص بالنبي يكون هذا الحكم للأمة كلها بدليل قول الله -تبارك وتعالى-: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}, فالخطاب موجه للنبي, {يا أيها النَّبِيُّ}, لكن قال:  {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}, فهو حُكْم لجميع المؤمنين, إذَا هذا الخطاب خطاب الله -تبارك وتعالى- لرسوله, {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}, في بيان صلاة الخوف هذا ليس خاصًا بوجود النبي في المؤمنين وإنما هو عام في كل جيش للمسلمين يقاتل في سبيل الله إذا خافوا مِن عدوهم فيصلوا صلاة الخوف على الصورة المناسبة للحالة التي هم فيها صورة عدوهم في القبلة عدوهم في غير القبلة كيف يمكن أنْ يصلوا لابد يتخذوا صورة مِن الصور لكن لابد أنْ يصلوا جماعة وبصورة مِن هذه الصور التي شرعها الله -تبارك وتعالى- وبيَّنها للنبي -صلوات الله والسلام عليه-.

 نقف عند هذا, استغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب وأصلى وأسلم علي عبد الله ورسوله محمد.