السبت 22 جمادى الأولى 1446 . 23 نوفمبر 2024

الحلقة (133) - سورة النساء 122-126

الحمد لله ربِّ العالمين، و الصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه ومَن استنَّ بِسنته وعَمِلَ بدعوته إلى يوم الدين.

 وبعد فيقول الله –تبارك وتعالى- : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}[النساء:122], {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:123], {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:123], بعد أنْ ذَكَرَ الله -تبارك وتعالى- وعيد مَن يشاقق الرسول ويَتَّبِع غير سبيل المؤمنين، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- قد أعد له جهنم وساءت مصيرًا وأخبر -سبحانه وتعالى- أنَّ مَن أتاه يوم القيامة مشركًا فإنَّ الشرك لا يغفره الله, {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ........} [النساء:48], أي مِمَن مات عليه {لِمَنْ يَشَاءُ} -سبحانه وتعالى-, ثم بَيَّن الله –تبارك وتعالى- لمَ إنه لا يغفر الشرك قال : {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا}[النساء:116], {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا}[النساء:117], {يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} , {لَعَنَهُ اللَّهُ}, فهؤلاء يعبدون الشيطان الذي يعبدونه ويكلمهم مِن داخل الأصنام وهو الذي أمر عبادة هذه الطواغيت فمَن اتخذ الشيطان الذي لعنه الله -تبارك وتعالى- إله ولي له مِن دون الله هذا أصبح بعيد في الضلال فلذلك جريمته لا تغتفر عند الله -تبارك وتعالى-.

 ثم بيَّن الله هذا الشيطان المجرم الذي لعنه الله -تبارك وتعالى- أنه قال لله : {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[النساء:118], مفروضا إلى النار, {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ}, يُقطِّعُونَها للأصنام هذا إعلام وإشعار لها ليجعلها الأصنام ما خلقه الله -تبارك وتعالى- يحوله هذا الشيطان عن طريق هؤلاء أولياءه الذين يعبدونه لتكون تُذبح على مذبح الآلهة التي تُعبد مِن دون الله -تبارك وتعالى- ما خلقه الله يذبح لغيره قربان لغيره -سبحانه وتعالى-, {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ }, قال-جلَّ وعَلا- : {........وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}[النساء:119], لأنه ذهب للنار, ذهب إلي جهنم عياذا بالله, {........ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15], يعدهم الشيطان في الدنيا ويمنيهم سواء كان هذا الوعد مما يكون في الدنيا أو ما يكون بعد الدنيا إنهم إذا ماتوا أخذوا الجنة كما أنهم مواعيده الكثيرة عند اليهود بأنهم شعب الله المختار وأنهم أهله والمواعيد العظيمة عند النصارى التي يمنون بها أنفسهم أنهم أتباع الابن -تعالى- الله عن ذلك علوا كبيرًا, وإنهم مادام اعترفوا بأنَّ عيس ابن الله في زعمهم قد نزل وأصبحوا  هو ذبيحة قدَّم نفسه ذبيحة للرب كيف يكون هو الرب ويقدم نفسه ذبيحة للرَّب! وأنَّ مَن امن بأنه المُخَلِّص الذي جاء يحمل عن الناس خطيئة أبيهم آدم التي لم يستطع أحد يحملها إلا هو إلا عيسى وأنَّ كل أنبياء السابقين لم يستطع أحدا منهم أنْ يستغفر ويتوب ويعتذر للبشرية كلها مِن خطيئة آدم أصبح العالم كله مخطئ بخطيئة آدم وكذلك تائب بتوبة غيره؛ بتوبة عيسى –تعالى- الله عن ذلك علوًا كبيرًا هذه العقيدة الملفقة المزورة التي يضاهي بها النصارى الأمم السابقة المشركة هذه عندهم مواعيد مواعيدها هائلة بالرغم مِن هذا الشرك والفظاعة والشناعة العظيمة أنهم أهل الله وأنهم أولياؤه وإنْ جاء عيسى ليخلصهم ويدخلهم ملكوت الرَّب -جلَّ وعَلا- ويدخلهم الجنة بهذا, {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:120],{أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}أستقرهم في النار {وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا}[النساء:121], لا مهرب لهم مِن كل لابد أنْ يأتي, {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس:32], لابد أنْ يحضر ولابد أنْ يدخل النار عياذا بالله فَمَن دخل النار فلا مجال له لأنْ يحيص لا قبل دخولها يجد مهرب وكذلك لا يجد محيصا مهربا منها بعد دخولها, دائما الله -تبارك وتعالى- يضع السورة المقابلة لم يضع هذه المئال ومصير أهل الشرك الذين تبعوا الشيطان يبين مآل أهل الطاعة والإنابة أهل التوحيد أهل الله -تبارك وتعالى- الحقيقة قال-جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}, الذين آمنوا بالله وإنه الإله الحق الذي لا إله الا هو ولا إله غيره وإنه {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ},  -سبحانه وتعالى- {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، جمع صالحة وهي العمل الصالح وكل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به عباده فالعمل الصالح أعلاه الصلاة, الصلاة خير موضوع والصوم والزكاة والحج وبِرّ الوالدين وصِدْق الحديث كلها أمور صالحة تُصْلِحُ العبد تصلح الحياة ثم أنها عمل مآله الصواب والجزاء الكريم عند الله -تبارك وتعالى-, {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}, سندخلهم في السنين القريبة الذي هو هذا أمر قريب سندخلهم والله هو الذي يدخلهم { جَنَّاتٍ}, بساتين تجرى مِن تحت أشجار هذه البساتين ومِن تحت قصورها { الأَنْ المختلفة الطبائع أنهار الماء الذي لا يتغير لا يَأسَن ولا يُنْتِن أنهار الخمر, أنهار اللبن, أنهار العسل المصفى, كلها أنهار هذه تجرى في هذه الجنة {خَالِدِينَ فِيهَا} ماكثين فيها مكثًا لا ينقطع  أبدا لا نهاية لهذا البقاء فهو عطاء مِن الله غير مجذوذ.

 ثم قال-تبارك وتعالى- : {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا}, هذا وعد الله -تبارك وتعالى- لعباده وعد الله الله عندما يَعِد لا يمكن أنْ يخلف وعده -سبحانه وتعالى-, {حَقًّا}, أنَّ هذا الحق ثابت لابد أنْ يكون, ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}, سؤال يراد به التقرير الجواب لا أحد لا أصدق من الله قولا ما في القيل القول لا أحد يكون صادقًا في مقالته تالله أو هو أصدق مِن الله -تعالى- فالله يخبر بأنَّ هذا وعد صِدْق وأنَّ الله هو الذي وعد به دخول المؤمنين أنْ يضعوا شيء مِن الأماني الباطلة فقال -جلَّ وعَلا- : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:123], {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}, أي الأمر والحساب والحكم عند الله -تبارك وتعالى- ليست بما يتمناه أُمَّة مِن الأمم فرد مِن الأفراد ما تأخذ عند الله حسب أمنيتك لا وإنما لله -تبارك وتعالى- حساب معين قواعد قوانين سنن في مثوبة والعقوبة يجرى عليها الأمر,{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}, تحاسبون وتُعْطَوْنَ عند الله, وكذلك {وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَاب}, أماني الهود لهم أماني عظيمة جدًا والنصارى لهم أماني عظيمة فكذلك لا يأخذون بهذا.

قال-جلَّ وعَلا- : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}, مِن صيغة العموم, {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا}, أي يسوء, {يُجْزَ بِهِ}, يجازيه الله -تبارك وتعالى- به, وهذا بيان أنَّ الأمر سيء سوء والأمر السيء في ذاته ويسمى سوء لأنه يسوء صاحبه أيًا كان هذا الأمر يجازيه الله به{ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:123], لا أحد ينصره مِن دون الله -تبارك وتعالى- مهما كان هو مِن أولاد الأنبياء هو مِن الأهل هو مِن الأقارب هو مِنسوب إلى الأمة الفاضلة التي يتعلق بها مَن يتعلق وليست هي في موازين الرَّب -تبارك وتعالى- ولا في نظام الحساب عنده, قال اليهود يوم نحن شعب الله المختار وإنا داخلون الجنة وأنَّ الجنة خالصة لنا مِن دون الناس قالوا الجنة لا يدخلها إلا يهودي وقال النصارى أنَّ الجنة ما يدخلها الأنصاري ونحن أبناء الله وأحباؤه ولا يُدْخِلُ أحدًا مِن النار مهما فعل وقال اليهود مهما عملنا مِن السيئات فإننا لو مكثنا في النار لا نمكث إلا قليلًا ويخلفنا فيها غيرنا وقال بعض المسلمين كذلك نحن أتباع النبي الخاتم ونحن الذين ندخل الجنة ونحن  أهلها ونحن الجنة لنا.

 قال-جلَّ وعَلا- : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}, حساب أي حساب, {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}, أيها المؤمنون {وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:123], وهذا النَّص العام يُبيِّن أنَّ الحساب عند الله -تبارك وتعالى- على الصغير والكبير, كما قال -تبارك وتعالى- {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه}[الزلزلة:7], {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:8], وقد بيَّن الله -تبارك وتعالى- بأنَّ هناك تفصيل لهذا الأمر فالشر الذي يفعله الإنسان وتاب منه في حياته هذا لا يجازى به يمحوه الله -تبارك وتعالى- إذا تاب منه قبل موته وأما إذا كان مات على معصية فإنْ مات على كفر وِشرك فهذا لا يغفر فهذا لابد أنْ يجزى بهذا الكفر والشرك أبدا, وإذا كان دون الكفر والشرك فهذا أمره إلى الله -تبارك وتعالى- إنْ شاء عَذَّبَهُ وإنْ شاء عفا عنه الأمر فيه لله -تبارك وتعالى- وكل من اراد الله -تبارك وتعالى- عقوبته مهما كان فإنه {لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}, لا أحد يستطيع أنْ يواليه وينصره مِن دون الله -عز وجل-.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[النساء:124], هذه السورة الثانية بالنسبة للعمل السيء أما بالنسبة للعمل الصالحة, {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ}, مَن مِن صيغ العموم أي أحد, {يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} جمع صالح {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}, سواء كان هذا العامل ذكر أو أنثى ما نقول أنثى يضيع حقها لا بل كل أحد حتى لو كان رجلًا أو امرأة أحد لا يضيع حقه عند الله -عزَّ وجلَّ-, {وَهُوَ مُؤْمِنٌ},وهو مؤمن إذا عمل مِن الصالحات بشرط الإيمان شرط العمل المقبول عند الله إذا كان عمل صالح كِبَر الوالدين, صِدْقِ الحديث, إحسان إلي جار, إحسان إلي أحد, أي نوع مِن الصالح لكن بشرط أنْ يكون مؤمنًا بالله -تبارك وتعالى- قد فعل ما فعل مِن الصالحات ابتغاء وجه الله, قال-جلَّ وعَلا- : {فَأُوْلَئِكَ} , أي هؤلاء الذين عملوا الصالحات وهم مِن أهل الإيمان, {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}, يُدخِلهم الله الجنة {وَلا يُظْلَمُونَ} يُبخسون وينقصون مِن عمله الصالح ولا مقدار النقير, النقير قَدْر ما يأخذه الطير بمنقاره هذا الشيء الصغير مقدار ينقره الطير لو كان فعل مِن الخير مثل هذا فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يظلمه إياه بل يجازيه عليه -سبحانه وتعالى- إذًا هذا قاعدة الصواب والعقاب عند الله على هذا النحو ليست بالأماني هذه واحدة, الأمر الآخر كل مَن يعمل سوء سيجزى به صغيرًا كان هذا أو كبيرًا في تلك التفصيل الذى فصله الله -تبارك وتعالى- في كتابه أنَّ أي واحد يعمل عمل صالح هذا كذلك لن يضيعه الله -تبارك وتعالى- وإنما سيجزيه عليه ويدخله الجنة إذا مات, {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[النساء:124].

 ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125], هنا يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ أحسن دين هو هذا الدين الخاتم دين الذي بُعِثَ به محمد -صلى الله عليه وسلم-  {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا}, يدان به طريقة ومنهج وصراط {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}, أسلم أي استسلم أعطى وجهه لله وجهه وجهته, فكان مقصده وهدفه مِن الحياة هو الله -تبارك وتعالى- أي أنه قام هنا بما يرضى الله صار في طريق الله -تبارك وتعالى- موجها وجهه لله -تبارك وتعالى- وجعل حياته لله مماتة لله سيره كله لله, {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}, والحال أنه محسن في عمله أي قائمًا بالإحسان والإحسان هو أصله أنْ يؤتى الأمر أنْ يفعل الأمر على أحسن صُوَرِهِ على أكمل صُوَرِهِ وكل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به فهو في ذاته مِن الإحسان وأمرنا أنْ نُحسِن  الصلاة والصيام والزكاة كما قال النبي: « إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيء كتب علينا أن نعمل عملًا حسنًا في كل شيء كتب علينا أنْ نعمل عملنا حسنا في كل شيء فإذا قتلوا فأحسنوا القتلة حتى القتل والذبح فإذا ذبحوا فأحسنوا الذبح وليحد احدكم شفرته وليُرح ذبيحته», وهو محسن ولاشك أنَّ مَن اتبع صراط الله تبارك وتعالى وصار فيه فهذا محسن ثم وهو محسن أي يؤدى عمله حسنًا لله تبارك وتعالى {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}, لأنَّ إبراهيم هو الذي جعله الله تبارك وتعالى إيمان للناس في الدين.

 قال جلَّ وعَلا : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:24], فالله أقامه إيمانا بعمله أولا بامتناعه وبعده عن كل طرق الشرك إلى طريق الله تبارك وتعالى طريق التوحيد ومِن أجل ذلك حَطَّمَ أصنام قومه ليردهم إلى عقولهم ويجعلهم يرجعوا عن عبادة الكواكب والنجوم إلى عبادة الله الواحد الذي لا إله إلا هو, ثم اتخذ طريقه إلى الله -تبارك وتعالى- في حياته أنْ تكون حياته لله -تبارك وتعالى-, {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}, مِلَّتَهُ, طريقته ومنهجه ودينه الذي صار فيه, {حَنِيفًا}, أي مائلًا عن كل طرق الشرك إلى طريق التوحيد لأنَّ أصل الحَنَف هو الميل ومنهم الأحنف الذي يولد وفيه ميل أو عَوَج في قدميه فسُمِّى إبراهيم بهذا لأنه مال ابتعد عن كل الطرق الشرك واتخذ طريق التوحيد لله -تبارك وتعالى-, {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}, ثم أشهد الله بإبراهيم قال : {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}, له -سبحانه وتعالى- منزلة لم يُنْزِلها الله -تبارك وتعالى- مِن عباده إلا رجلين فقط إبراهيم ومحمد -صلوات الله والسلام عليه-  خليل الرحمن, {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}, يحبه حبًا عظيمًا عن الرب الإله -سبحانه وتعالى-, لم يحب مِن خَلْقِهِ مثله ومثل محمد بن عبدالله -صلوات الله والسلام عليه- فالله أحب إبراهيم -صلوات الله والسلام عليه- فإبراهيم هو خليل الرحمن, حبيبه العظيم, ومحمد كذلك حبيب الله -تبارك وتعالى- خليل الرحمن, كما في الحديث أنَّ النبي قال في آخر حياته -صلى الله عليه وسلم- «إنَّ أمَنَّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر»  يقول: أبو بكر هو أكثر الناس مِنَّة عليّ في صحبته وماله وَاسَى النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحبته  لازمه طيلة الرسالة كلها كان صاحبًا له قبل البعثة وصديقا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لما جاءت للنبي الرسالة كان أول مَن آمن به أبي بكر -رضى الله تعالى عنه- وصحبه ولازمه ما تركه لا في نهار ولا في ليل ولا في خروج ولا في دخول بل كان معه ملازمًا مصاحبًا إلى أنْ توفاه الله -تبارك وتعالى-, ما تركه في موضع ولا تخلى عنه ولا اعتذر منه في موقعه مِن مواقع يكون في موقعة ذاهب إليها الرسول أو في خرجة أو في كذا يعتذر منه سامحني يا رسول الله أنا أريد أنْ أفتح دكاني ما فعل هذا قط -رضى الله تعالى عنه- وأرضاه, «إنَّ أمَنَّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر»  ثم قال النبي: لوكنت متخذًا من اهل الأرض خليلًا أي لو كنت سآخذ شخص مِن البشر خليل أُحبه محبة الخُلَّة وسميت خُلَّة لأنها  كأن محبة الخليل تتخلل في قلب خليله قالوا لو كنت متخذًا مِن أهل الأرض خليلَا أحبه محبه خلة لاتخذت أبو بكر خليلًا, ولكن صاحبكم خليل الرحمن فقلب النبي -صلى الله عليه وسلم- مشبع لمحبة الله -تبارك وتعالى- ليس في قلبه فراغ لأنْ يحب غيره وأنْ يكون في محل الخُّلة مع الرَّب -تبارك وتعالى- قلبه ممتلئ بمحبة الله -تبارك وتعالى-, الرسول يحب الله -تبارك وتعالى- هذا الحب والله -تبارك وتعالى- يحب رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} فمَن اتخذه خليل الرب لما اتخذ إبراهيم خليل إذا أنت عندما تتبع خليل الرحمن إذا مهتدى تسير خلف مِن اتخذه الله خليلا إذًا أنت في الطريق الصحيح  لأنَّ سَيْرَكَ وراء مَن أحبه الله -تبارك وتعالى- هذا الحب قربه هذا التقريب هذا أمر عظيم جدًا أنَّ فالله يقول هذا أحسن لي لا أحد أحسن دين مِن هذا, {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125], هذا القول والوصف أول ما ينطبق على محمد بن عبدالله -صلوات الله والسلام عليه- لأنه أسلم وجهه لله وكذلك هو متبعٌ لملة أبيه إبراهيم -عليه السلام- فهو خير الناس في هذا الأمر وكذلك كل مَن اتبع محمد -صلوات الله والسلام عليه- وكان مع النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- هو مِن هذه المثابة, {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125].

 هذا تعريض لليهود والنصارى فإنهم ليسوا على ملة الخليل فإنَّ إبراهيم -عليه السلام- كان مسلما لله, مؤمن بكل أنبيائه ورسله, أما اليهود فإنهم قد خرجوا عنها كفروا قتلوا الأنبياء حاولوا قتل عيسى آخر الأنبياء لم يسلموا وجههم لله -تبارك وتعالى- ويتبعوا الدين والشريعة التي أُنْزِلَت فيها ولذلك لعنوا على لسان الأنبياء, {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ........ }[المائدة:78], فهذا عيسى وقف فيهم يقول لهم : (يا أبناء الأفاعي لستم أبناء أبيكم إبراهيم أنتم أبناء إبراهيم التي تنتسبون إليه وإنما أنكم أنتم أبناء الأفاعي والحيات), وذلك لمكرهم وخادعهم وكفرهم بالله -تبارك وتعالى- فهؤلاء ملعونون على هذا ثم أن النصارى الذين قال لهم عيسى اني عبد الله ورسوله  قالوا: لا انت ابن الله  فهؤلاء ملعونون خارجون عن مِلَّة إبراهيم الذي جاء بعبادة الله وحده لا شريك له وجاء هؤلاء النصارى ليقولوا لا الله له زوجة وله ولد وهذا عيسى ابنه هل قال إبراهيم هذا؟ هل قال إبراهيم الذي دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له كان إبراهيم هذا يعبد عيسى لو كان عيسى إله حقا ابن لله كان يجب أنْ يكون أَوْلَى الناس بعبادته إبراهيم هذا كان يقول: والله هو الأب والابن والروح القدس وأنَّ عيسى هذا مخلوق كما يقول يكون المخلوق قبل الدهور إذا مخلوق قبل إبراهيم إذا لابد أنْ يشيد به إبراهيم وأنْ يبينه فأين قال إبراهيم هذا؟ أين قال إبراهيم أنَّ لله ولد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فهؤلاء كفار ملاعين خارجون عن دعوة إبراهيم وانتسابهم لإبراهيم كذب انتسابهم إلى إبراهيم كذب ليس هذا دينهم إذا محمد بن عبدالله -صلوات الله والسلام عليه- هو أولى الناس لإبراهيم هو التابع الحقيقي لإبراهيم, {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125], أي أنتم أهل الإسلام الذين اتبعتم ملة إبراهيم, أنتم اتبعتم خليل الرحمن-صلى الله عليه وسلم-,

ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}[النساء:126], ختام هذا الفاصل مِن هذه السورة يخبر الله -تبارك وتعالى- بأنَّ له ما في السموات وما في الأرض ملك  ومدام أنَّ ما في السموات وما في الأرض لله إذا لا أحد يستطيع أنْ يأخذ شيئًا مِن مُلْكِ الله إلا برضى الله -تبارك وتعالى- إلا بإعطائه -جلَّ وعَلا- فلما يقول اليهود إنا أخذنا يقول النصارى إنا أخذنا ونحن لنا هذا ونحن لنا هذا, هذا الأمر كله لله -تبارك وتعالى- مَن أخبر الله إنه  يعطيه منه وأنه يُمَكِّنَه مِنه نعم, أما بنفسك تقول أني اعطيت هذا وأخذت هذا, هذا كذب, {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}, ثم {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}, عليم بكل شيء عليم بمَن يستحق الجنة والخلود والفضل وعليم كذلك بأهل الإجرام والكفر والعناد مدام أنه عليم بكل شيء إذا سيجازى كل واحد بما يستحق على الحقيقة, وليس بدعواه التي يدعيها ولا بأَمَانِيِّه التي يتمناها, لا الله هو مالك السموات والأرض والآخرة والأُولَى له -سبحانه وتعالى-, {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ},  فيها الجنة فيها الملائكة فيها الحور فيها القصور فيها الدور فيها مخلوقات الأرض وما فيها وما كنز فيها وما ذخر فيها كله لله -عزَّ وجلَّ-, {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}, إخبارٌ منه وإعلان –سبحانه وتعالى- لكل هؤلاء الأمم أنْ  يخلص دينه لله -تبارك وتعالى- وأنْ يتوجه إليه ويعلم أنه كل الأمر وكل المُلك بيديه -سبحانه وتعالى- وأنه أحاط علمًا بكل شيء إذا أسلموا له استسلموا له اعلموا أنكم لم تنالوا إلا منه -سبحانه وتعالى-, بهذا ينتهى هذا الفاصل العظيم من بيان حقيقة الشرك حقيقة التوحيد حقيقة الأمم قالوا الجزاء عند الله -تبارك وتعالى- الجزاء بالخير الجزاء بالشر, وبعد هذا تبدأ وتدخل السورة سورة النساء في فاصل جديد مِن أحكام اليتامى وأحكام النساء وتأتى آية تفصل بعض المجمل في الآية التي تفصل بعض المجمل في الآية التي جاءت في أول السورة قال -جلَّ وعَلا- : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا}[النساء:127].

 وسنعيش مع هذه الآيات في الحلقة الآتية, واستغفر الله لي ولكم  مِن كل ذنب, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.