السبت 19 شوّال 1445 . 27 أبريل 2024

الحلقة (134) - سورة النساء 127-132

 

الحمد لله ربَّ العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله والرسول الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد يقول الله -تبارك وتعالى- : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا}[النساء:127], قول الله -تبارك وتعالى- : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}, {يَسْتَفْتُونَكَ}, يطلبون الفتوى مِن المُسْتَفتَى، والحُكْم إنما هو لله -سبحانه وتعالى- فالله هو الذي يُفْتِي قال: {ويَسْتَفْتُونَكَ} يستفتون النبي -صلوات الله والسلام عليه- أي يطلبون أنْ يفتيهم في ما في أحكام في هذه الأحكام النساء فأخبر الله –تعالى- يعني في أحكام في هذه الأحكام أحكام النساء فأخبر الرَّب -تبارك وتعالى- بأنَّ الذى يفتى هو الله -سبحانه وتعالى- وذلك أنَّ الحكم له وليس لأحد غيره فالله -تبارك وتعالى- له الحُكم الكوني والقَدَرِي وكذلك الحُكم الشرعي الديني هو لله -تبارك وتعالى- والنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يحكم بِحُكْمِ الله إما نصا وإما مِما عَلَّمَهُ الله -تبارك وتعالى- {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3], -صلوات الله والسلام عليه- {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:4].

فحُكم النبي -صلوات الله والسلام عليه- هو حُكْم الله -تبارك وتعالى-, {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}, وما سِوَى النبي -صلوات الله والسلام عليه- ممِن لم ينزل عليه وحي فهذا يجب إذا استُفْتِى فليس مَن يَستَفتِيه يسألوه عن حكمه هو، وإنما يسألوه عن حُكْم الله -تبارك وتعالى- أي ما حُكْم الله في هذه المسألة، فإنْ كان يَعْلَم حُكْم الله حَكَمَ به, وإنْ لم يكن يَعْلَم حُكْم الله -تبارك وتعالى- ويجتهد ينبغي ويجب عليه أنْ يجتهد لما يظن أنه حُكْم الله والحاكم هو الله -تبارك وتعالى-, ولذلك قال الله -تبارك وتعالى- : {وَيَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }, الله هو الذي يفتيكم الله هو الذي يفتى -سبحانه وتعالى- وذلك أنَّ الحُكْم له -جلَّ وعَلا-, { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}, في كل شؤن النساء ثم ذَكَّرَهُم الله -تبارك وتعالى- بما حكم به، وما أفتاهم به في الآيات التي نزلت عليهم في الكتاب قال: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}, أي قد أنزل الله -تبارك وتعالى- عليه حُكْم اليتيمة التي تكون في حِجْرِ وليها وأنَّ الله -تبارك وتعالى- أَمر بالقسط والعدل لها.

 كما قال -تبارك وتعالى- : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}, {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}, أي في اليتيمة التي عندك وأنت وليها وهي تحت يدك فإذا خفت أنْ تتزوجها ولا تعطيها مهر المِثْل ولا تَعْدِل لها يجب أنْ تجعلها تتزوج غيرك, فيجب أنْ يعدل في اليتيمة التي تحت حِجْره وهو وليها لأنه ليس لها ولي غيره يستطيع أنْ يفاوض المتقدم للنكاح, فهنا يقول الله : {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ}, المرأة اليتيمة, {اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}, مِن مَهْرِ المِثْل فيجب أنه رغب في نكاحها أنْ يؤتيها مهر مثلها, {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}, عن نكاحهن أو في نكاحهن فإذا رَغِبَ في نكاحها فيجب أنْ يعدل لها، وإذا رغب عن نكاحها وأراد أنْ يزوجها غيره فيجب كذلك أنْ يجتهد لها وأنْ يشترط لها وأنْ يأخذ لها كأنه الولي المُخْلِص لموليته والتي يقوم لها بالعدل وكانوا في قبل هذا كانوا في الجاهلية الشخص إذا كان عنده يتيمة تحت حجره وكانت غنية، فإما أنْ يتزوجها رغبة في مالها, وإما أنْ يعضلها عن الزواج كانت دميمة مثلا وهي غنية يعضلها عن الزواج رغبة في أنْ يظل مالها تحت يده ولا يتزوجها هو ولا يزوجها لغيره حتى يبقى المال تحت يده, وإنْ كانت فقيرة رغب عن نكاحها وزوجها غيره فأُمِرُوا أنْ يعدلوا في اليتامى النساء اللاتي هن تحت أيديهم.

قال-جلَّ وعَلا- : {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}, كذلك, {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ}, وهم اليتامى ذكور, أُمَرَ الله -تبارك وتعالى- وأنزل في الكتاب آيات تُبيِّن أحكام اليتيم فَمِن ذلك أنه قال -تبارك وتعالى- : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:220], وقال : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10], {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:2], فأَمر-سبحانه وتعالى- بأنْ يُعطَى اليتيم ماله، وإنه إذا كان قبل البلوغ، أو قبل الرشد فإنه يُنْفَق عليه مِن ماله، وكذلك يحرص على ماله إنْ خلطه وليه فيخالطه كخلطة الشركاء ولا يظلمه, وكذلك عليه أنْ يُنمِّى ماله وإذا كبر وآنس منه الرشد أنْ يرد عليه ماله، وأنْ يشهد عليه فأنزل الله -تبارك وتعالى- الآية التي تحفظ حقوق الذكور مِن اليتامى والأحكام كذلك التي تحفظ حقوق النساء اليتيمات قال : {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}, أي أمركم الله -تبارك وتعالى- أنْ تقوموا لليتامى بالقسط بالعدل التي هي الآية اللي في سورة البقرة, {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}, أنْ تصلح في ماله وإنْ تخالطوهم تخلط مالك بماله فإخوانكم.

ثم قال:-جلَّ وعَلا- : {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}, ثم فَتَحَ الله -تبارك وتعالى- لأهل الإيمان آفاق الإحسان وفعل الخير وخاصة في هذا الباب باب اليتامى ذكورًا كانوا أم إناثًا, قال : {....وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ}, أي خير فالله -تبارك وتعالى- عليم به, إذًا هذه الآية آية عظيمة جدًا وهي في بيان أولًا أنَّ الله هو الذي يفتي وأنَّ الفُتيَة لله -سبحانه وتعالى- وأنه إذا استفتى النبي فإنَّ الله هو الذي يتولى الحُكْم -سبحانه وتعالى- وكان النبي إذا استفتى عنده الحكم مما أوحي اليه من كتاب الله، ومِن سنته قال به وإن لم يكن عنده الحُكم انتظر أنْ ينزل عليه حُكم الله -تبارك وتعالى- كما كان يوما في الجُعْرَانَة وأتاه رجلًا مُتَمضِّخ بالطيب وقد أحرم للعمرة في جُبَّة, فقال: يارسول الله أنا أحرمت العمرة، وأنا لابس لهذه الجُبَّة ومُتَمَضِّخ بالطيب, فانتظر النبي وحي الله نزل على النبي في الحال ثم لم سرع للنبي قال له أنزع عنك هذه الجُبَّة واغسل عنك هذا الطيب وأكمل عمرتك, فنزل عليه الوحي وقد اسْتُفْتِىَ في هذه المسألة وهي فرعية مِن فرعيات الحج فالشاهد أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي يُفتِي عباده -سبحانه وتعالى-يحب أنْ يعلموا هذا فَمَن اسْتُفْتِى في مسألة يجب أنْ يَذْكُر أنَّ الله هو الذي له الحُكْم وله الفُتْيَة فإنْ كان عنده  نص مِن الله أومِن رسوله فهذا حُكْمُهُ لم يكن عنده نص واجتهد في الحُكْمِ فينبغي أنْ يجتهد في ما يظن أنه حُكم الله وليس المُسْتَفتِي حاكما ِبحُكم نَفْسِه بل الحكم الشرعي الديني هو لله -سبحانه وتعالى-, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء:128], هذا توجيه مِن الله -تبارك وتعالى- أي قضية مِن قضايا الخلاف الذي يمكن أنْ ينشأ بين الرجل والمرأه وكيف يمكن أنْ يُعالَج بالصلح.

 فقال الله -تبارك وتعالى- : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا}[النساء:128], علوًا وارتفاع عليها أي تعاليًا عليها في أنها مثلا أصبحت كبيره السن أي فقيرة لا يرغب  في استمرار زواجه واستمرار عقد النكاح, {نُشُوزًا}, تعاليًا عنها أو هي تراضى عنها مثل انشغاله بزوجات أخريات, قال -جلَّ وعَلا- : {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}, هنا شرع الله -تبارك وتعالى- للمؤمنين الصلح؛ والصلح إنما هو التوفيق بين الطرفين مع تنازل  طرف عن بعض حقوقه للطرف الآخر, فقال هنا : {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}, أي على الرجل والمرأة, {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}, يتم به استمرار عقد النكاح, قال-جلَّ وعَلا- : {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} أي الصلح خير, تَنَازُل للإنسان عن بعض حقه ليتم استمرار العقد خير مِن الانفصال فعقد الزواج بقائه مع رضوخ أحد الطرفين عن بعض الحقوق أفضل مِن أنْ يطالب كل منهما بحقه كاملًا ثم بعد ذلك يتم الانفصال إذا شَدَّ كلا منهما واراد أنْ يأخذ حقه كاملًا, قال -جلَّ وعَلا- : {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}, أي أنَّ النفوس الشُّح حاضر لها كأنها مجبولةٌ عليه وهو موجود عندها, {الأَنفُسُ}, كل النفوس إلا مَنْ هَذَّبَ نفسه بالدين، والشرع وخرج عن داعية الشح إلى الكرم والإحسان والعدل فهذا هو وهذا قد يكون قليلًا في الناس فقول الله : {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء:128], دعوة مِن الله -تبارك وتعالى- إلى الإحسان والإحسان زيادة عن العدل لن يعطى العدل الواجب  المفترض عليه بل يزيد على ذلك بالإحسان إلى الآخر حتى وإنْ كان مُقَصِّر أو مسيئ, {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا}, تخاف الله -تبارك وتعالى- مِن أنْ تنقضوا العهود أو العقود أو تميلوا أو تبخسوا الطرف الآخر حق, { فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}, لن يضيع إحسانكم ولن يضيع تقواكم بل كل ما تفعلوه مِن خير فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يجازيكم به, على كل حال هذه الآية فيها توجيه مِن الله -تبارك وتعالى- للمرأة أنها في سبيل الصلح لو تنازلت عن بعض حقها لزوجها كأن تتنازل عن القسمة والمبيت وعن بعض النفقة لزوجها ليستمر النكاح وتبقي في كفالة الزوج خيرًا مِن أنْ تطالب بحقها كاملًا الذي فرضه الله لها وقد يكون هذا مع رجلا شحيح فيه شيء مِن الشح أو البخل فعند ذلك يكون هنا لها مناص مِن الفرقة والتباعد وحصول الطلاق فأباح الله -تبارك وتعالى- لها أنْ ترضخ وتتنازل عن بعض حقها في سبيل استمرار عقد النكاح.

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا}, زوجها, {نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}, الله يقول : {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}, أي مِن الفراق, {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}, ثم وَجَّه الله -تبارك وتعالى- نَظَر الأزواج إلى وجوب العدل, وإنْ فَضَّلَ بعض الزوجات يجب ألا يميل ميلًا كاملًا ويترك الزوجة الثانية كأنها غير ذات زوج فلا تكون لا متزوجة ولا هي غير ذات زوج, قال-جلَّ وعَلا- : {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء:129], هذا إخبار مِن الله -تبارك وتعالى- أنه لن يستطيع الرجل أنْ يعدل بين زوجاته عدلًا كاملًا في كل الأمور فيعطي هذه مثل ما لهذه في كل الأمور في ميل القلب, في المحبة في م توابع المحبة, هذا لن يكون قسم القسم الكامل والعدل الكامل والتسوية الكاملة بين الزوجات أمر غير مستطاع قال-جَّل وعَلا- : {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}, ولو حرصتم أنْ تعدلوا عدلًا مُطْلَقًا بين الزوجات لمن يكون, قال -جلَّ وعَلا- : {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْل}, قول الله : {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}, قال أهل العلم بأنَّ محبة القلب وميل الرجل إلى بعض زوجاته عن بعض فربما كانت هذه جميلة ذات خُلُق طيب ودودة وكانت الأخرى غير ذلك فيميل بقلبه مع هذه وأنَّ الرجل ممكن أنْ يعدل في الأمور المادية كالمُكْث أي المبيت وكذلك النفقة, لكن في ميل القلب غير مستطاع وقد قال -صلى الله عليه وسلم- :  «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تحاسبني في ما تملك ولا أملك», فإنَّ النبي -صلوات الله والسلام- عليه قد ثبت أنه كان مُحِب بعض زوجاته عن بعض -صلوات الله والسلام عليه- فقد سُئِل يا رسول الله أي النساء  أي الناس أحب إليك فقال: عائشة وقيل مِن الرجال: فقال: أبوها فهذا أمر معلوم ولذلك يستأذن النبي زوجات أن يمرض في بيتها لما كان في مرض وفاته -صلوات الله وسلامه عليه- فقول النبي فلا تحاسبني بما تملك ما أملك قالوا الذي هو ميل القلب وفُسِرَّ بهذا  قول الله : {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}, أي في كل الأمور حتى في ميل القلب وفي المحبة والتوابع هذه المحبة, {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}, قال-جلَّ وعَلا- : {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}, لا تَمِل مع زوجة؛ مع مَن تحب مِن زوجاتك, {كُلَّ الْمَيْلِ}, يكون إليها وجهك ومحبتك وتترك الزوجة الأخرى التي لا تميلوا إليها {كَالْمُعَلَّقَةِ}, التي لا هي متزوجة ولا هي مطلقة فلا هي مطلقة حتى تتزوج زوج آخر ولا هي متزوجة فيعاشرها زوجها بالمعروف, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}, {إِنْ تُصْلِحُوا}, تعملوا الإصلاح الذي هو التوفيق وأنْ تبذل قصار جهدك في أنْ تكون مِن أهل العدل والصلاح, {وَتَتَّقُوا}, تخافوا الله -تبارك وتعالى-, {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}, أي لبعض هذا الميل الذي يقع مِن الأزواج, {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}, دعوة مِن الله -تبارك وتعالى- إلى محاولة الإصلاح وإنْ كان فيه بعض النقص لبعض الحقوق, ثم قال-جلَّ وعَلا- : {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}[النساء:130], إنْ لم يكن إصلاح ومثلا طالبت المرأة بحقها كاملًا, وتمسك الرجل هذا شحيح فيه شح وفيه كذا وفيه عدم الصبر على أنْ يُعطِى كل الحقوق التي عليه وتجاذب الاثنان ولم يُصْبِح إلا الفراق, قال-جلَّ وعَلا- : {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ},{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلًّا}, أي مِن الرجل والمرأة, {مِنْ سَعَتِهِ}, فالله هو الواسع -سبحانه وتعالى-, {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}, كثير العطاء -سبحانه وتعالى-, {حَكِيمًا}, يضع الأمور في نصابها إنْ لم يكن حَل بعد ذلك إلا الطلاق فإنه ليس نهاية المطاف فإنه قد هذه المرأة التي تركها هذا الزوج وطلقها يرزقها الله -تبارك وتعالى- بخير منه ومَن تعيش معه حياة أهدأ وأهنأ وأسعد مِن حياته الأولى ويغنيها الله -تبارك وتعالى- من سعته, وكذلك الحال كذلك بالنسبة للرجل الذي تُصِر امرأته مثلا تطلب الطلاق ربما أيضًا كذلك عوضه الله -تبارك وتعالى- خير مِن ذلك {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}[النساء:130].

ثم جاءت هنا ثلاث آيات في ختام هذه الأحكام؛ أحكام النساء تأمر بتقوى الله -تبارك وتعالى- ومخافته وذلك أنَّ عقد الزواج هو عقد فريد فإنه يجمع بين رجل وامرأة متباعدين في الأصل قد لا يكون هناك سبب مِن أسباب القرابة ثم يشتركان في كل أمر يشتركان في كل شئونهما؛ في السكن والطعام والشراب ويعيشان في لحاف واحد وتتداخل أمورهم وتمتزج حتى امتزاج الدم وتكون منهم نسل وذرية فأعظم العقود أسرا في الأرض هو عقد النكاح أعظم مِن عقد البيع, عقد الإجارة, عقد الوكالة, أي عقد مِن العقود ليس عقد الزواج عقد مثله, فهذا العقد الذى تتداخل فيه مصالح الطرفين على هذا النحو وتنشأ عنه أطراف أخرى مِن الأبناء وينشأ كذلك أطراف أخرى مِن الأسحار والأرحام عقد له آثار هائلة جدًا في الحياة, هذا العقد إذا لم يَقُم الطرفان فيه بمراقبة الرَّب -تبارك وتعالى- وبوضع الحقوق في مكانها يحصل فيها خلل عظيم وخاصة في ما يترتب على هذا العقد من الآثار الكثيرة قال -جلَّ وعَلا- : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}[النساء:131], أي اعلموا أيها العباد أنَّ لله لا لغيره -سبحانه وتعالى-, {مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}, كل ما في السموات وما في الأرض مما ذرأه الله -تبارك وتعالى- وخلقه الله فهو ملك له -سبحانه وتعالى- .

{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه}, {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا}, يؤكد -سبحانه وتعالى- أنه قد وَصَّى الذين أوتوا الكتاب مِن قبل وهم اليهود والنصارى {وَإِيَّاكُمْ}, أنتم أيها المسلمون {أَنِ اتَّقُوا اللَّه}, هذه وصية الله -تبارك وتعالى-, والوصية أكبر مِن الأمر لأنَّ الوصية إنما هي مِمَن يحب الخير لِمَن يوصيه يعظه به ويقول له احرص على هذا الأمر فإنَّ فيه نفعك, فيه نجاتك, فيه سعادتك, واحذر أنْ تخالفه فإنَّ فيها هلاكك, فيه دمارك هذه الوصية ودائما تكون مِمَن يحرص على خير مَن يوصيه كما نقول هذه وصية النبي لأمته هذه وصية الأب لبنيه هذه وصية الأم لبناتها وأبنائها فيه صلة قرب هنا الله -سبحانه وتعالى- يحب الخير لعباده ويحب لهم النجاة ويرضى لهم الإيمان ولا يحب لهم -سبحانه وتعالى- أنْ يكفروا وأنْ يعصوا وهو الرب, الإله, الرحمن, الرحيم -سبحانه وتعالى-, لذلك  هنا الله يقول : {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا} هذه وصية مِن الله -عزَّ وجلَّ-, {وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه}, خافوا الله وذلك أنَّ الله هو الرَّب الإله -سبحانه وتعالى- الذي يؤاخذ بالذنب ويعاقب به والذي لا ينبغي معصيته وهو أهل لأنْ يُتَّقَى لأنَّ عذابه عذاب وأخذه أليم شديد وهو يأمر وينهى ويؤاخذ بمقتضى هذا الأمر والنهي, فلذلك الله يقول  : {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُو الله}, خاف الله أجعلوا وقاية بينكم وبين عذابه -سبحانه وتعالى- {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}, تذكير مرة ثانية بأنَّ لله ما في السموات وما في الأرض وأين تذهب؟ أنت في مُلْك الله -تبارك وتعالى- وكل خير الذي في السموات والأرض هو بيد الله -تبارك وتعالى- هو مُلْكه هو أرضه فالذي يوصيك بهذا ما يوصيك وهو لا يملك بل الذي يوصيك إنما هو الله مَلِك ومالك السماوات والأرض -سبحانه وتعالى- {وَإِنْ تَكْفُرُوا}, أي اعلموا أنَّ لله ما في السموات وما في الأرض فأين تذهب إنْ كفرت جحدت حق هذا المَلِك الذي له ملك السموات والأرض فانظر ماذا ينتظرك, {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}, يوصيكم وهو غَني -سبحانه وتعالى- حميد محمود فلا يوصيكم لأنه يريد نفع نفسه –تعالى- الله عن ذلك  وإنما يوصيكم وهو يريد بكم الخير لأنفسكم فالله غني عن العباد -سبحانه وتعالى-, بعكس المخلوق فإنه إذا أوصى مَن يوصيه يكون له حظ في نَفْسِهِ فالأب عندما يوصى اولاده يا أولادي أفعلوا كذا راعوا كذا لأنَّ له مصلحه مِن هذا وله حظ في نَفْسِهِ والأم عندما توصى ابنتها ونحو ذلك, الرَّب -سبحانه وتعالى- يوصى عباده وهو غني عنهم -سبحانه وتعالى- لا ينفعونه أن صلحوا ولا يضرونه إنْ فسدوا بل قال -تبارك وتعالى-: (يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ماذا زاد ذلك في ملكي شيء, ولو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجِنكم كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكه شيء),  فالله هو الملك الإله -سبحانه وتعالى- الغني عن عباده وهو مع ذلك يوصيهم لأنه -سبحانه وتعالى- يحب لهم الهدى يحب لهم الخير ويرضى لهم الطاعة وي لهم المعصية -سبحانه وتعالى-, {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا} عن ما سواه, كل خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى- { حَمِيدًا}, محمودا -سبحانه وتعالى- محمودا بذاته والمحمود بذاته -سبحانه وتعالى- يحمده كل الخلائق وهو غني عن حمده -سبحانه وتعالى- فكل خلقه -سبحانه وتعالى- لأسمائه وصفاته وذاته العلية -جلَّ وعَلا- وإنعامه وأفضاله مع غِنَاه عن الجميع -سبحانه وتعالى-, ثم {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ........}[النساء:132], هذه المرة الثالثة التي يُذَكِّرُ الله -تبارك وتعالى- فيها في آيتين متتاليتين أنَّ مُلْك السموات والأرض وما فيهما له-سبحانه وتعالى-, {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[النساء:132], {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ }, اعلموا أيها العباد أنَّ لله ما في السموات والأرض, { الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} كفى به وكيلا متوكل بالأمور كلها أي أنَّ كل أمور العباد بيده فهو المتوكل بالأمر القائم بالأمر -سبحانه وتعالى- لا يشركه أحد في تصريف شئون عباده -سبحانه وتعالى- بل هو المتصرف شئون عباده -سبحانه وتعالى- وكفى به لا يحتاج الله -تبارك وتعالى- أحدا غيره ليوكله أو ليصرفه في شئون عباده بل الرب -سبحانه وتعالى- هو المتصرف في كل ذلك -سبحانه وتعالى-.

 نقف عند هذا ونكمل هذه الآيات التي هي في تعقيب في أحكام النساء وأحكام اليتامى في الحلقة الآتية إنْ شاء الله, واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وصلى الله على عبده ورسوله محمد.