الحمد لله ربِّ العالمين, وأُصلي وأُسَلِّم على عبده ورسوله الأمين. وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.
فيقول الله -تبارك وتعالى- : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا }[النساء:153-154], يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- عبده ورسوله محمدًا -صلي الله عليه وسلم- عن إعنات أهل الكتاب للرسل, وأنهم لما سألوه أنهم لن يؤمنوا به إلا إذا أنزل لهم كتابًا مكتوبًا مِن السماء كما كَتَبَ الله -تبارك وتعالى- كتابا لموسى وأنزله عليهم مكتوبا قال -جلَّ وعَلا-إنْ كانوا سألوك هذا : {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ}, أي رسولهم, {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}, قال -جلَّ وعَلا- : {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} أي أنَّ الله ضَرَبَهُم بصاعقة بعد ذلك, {بِظُلْمِهِمْ}, وهذا الظلم هو العتو وهو طلب الآيات على وجه الإعنات, وطلبهم ما منعه الله -تبارك وتعالى- أنْ يكون في هذه الدنيا وهي رؤية الله, فإنَّ رؤية الله -تبارك وتعالى- لا تتحقق إلا لأهل الإيمان في الجنة, وأما في الدنيا فإنَّ الله -تبارك وتعالى- {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:103].
ثم مِن جرائم هؤلاء اليهود كذلك أنهم اتخذوا العجل أي اتخذوه إلهًا يعبدونه مِن دون الله وعكفوا عليه وأحبوه حبًا دَخَلَ في قرارة قلوبهم, مِن بعد ما جاءتهم بينات عن صفة الرب الإله الذي لا إله إلا هو-سبحانه وتعالى- ورأوا آياته ومعجزاته, ومع ذلك ظنوا أنَّ هذا الرَّب خالق السموات والأرض هو هذا الذي عبدوه, تعالى الله عن ذلك عُلوًا كبيرًا, قال -جلَّ وعَلا- : {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ}, يَسَّرَ الله لهم بعد ذلك السبيل إلى التوبة والرجوع إليه -سبحانه وتعالى- وعفا عنهم بعد أنْ تابوا, {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}, السلطان؛ سلطة قاهرة أدلة قاهرة بينة على أنه رسول الله المؤيد بالدلائل, البيانات مِن الله -تبارك وتعالى- وكذلك سلطان على قومه بالحُجَّة التي يقيمهم بها على الدين, {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ}, أي مِن جملة جرائم كذلك أنَّ الله رَفَعَ فوقهم الطور الجبل كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ........}[الأعراف:171], عهد الله وميثاقه أي خذوا عهد الله وميثاقه الذي أنزله إليكم واعملوا به, بقوة وعزيمة ونشاط وأَخْبَرَ الله -تبارك وتعالى- في آيات أخرى أنهم نكثوا بعد ذلك بعد أنْ رفع عنهم الجبل {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}, {وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}, باب القُدس عندما يفتحونها إذا دخلتم فاتحين إلى هذه المدينة فادخلوا ساجدين لله -تبارك وتعالى- أنْ مكنكم وأنْ يَسَّرَ لكم فتحها, ولكنهم بدل أنْ يدخلوا ساجدين دخلوا على أستاههم, وبدلا أنْ يقولوا حِطَّة اغفر لنا حُطّ عنا خطايانا يا رب قالوا حنطة, كما قال الله -تبارك وتعالى- : {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[البقرة:59] وكذلك قال جلَّ وعَلا- : {وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}, {تَعْدُوا}, مِن العدوان تعتدوا بالعمل يوم السبت وهو يوم اختاروه وكتبه الله عليهم أنْ يمكثوا فيه مُفَرِّغِين أنفسهم لعبادة الله فقط ولا يشعلوا ناراً ولا يحركوا ساكنًا في هذا اليوم إلا لعبادة الرَّب -تبارك وتعالى- وأما أي عمل دنيوي فلا, ولكنهم ذهبوا ليصيدوا السمك بالحيلة في يوم السبت, {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}, {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}, أخذ الله -تبارك وتعالى- الميثاق, العهد المؤكد, الغليظ, الواضح, البَيِّن, الكبير, في إثم مَن ينتهكه أي أنَّ مَن انتهكه قد ارتكب إثمًا عظيمًا, {َأَخذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}, عهدا مؤكدًا ظاهرًا ليس مجرد عهد يُتَسَامَح في نقضه, بل هو ميثاق غليظ بإيمانهم بالله -تبارك وتعالى- واستقامتهم عليه, وكذلك مِن الميثاق الغليظ الذي أُخِذَ عليهم الإيمان بالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- عندما يأتيهم وأنْ يصدقوه وهذا كان أملهم هذا هو المخلص على لسان موسى -عليه السلام- فإنه لما رَجَفَ بهم الجبل وأخذتهم الرَّجفة لما اختار موسى سبعين مِن صفوتهم ليُلْقَى عليهم العهد, ضَرَبَهُم الله -تبارك وتعالى- بالرجف.
قال -جلَّ وعَلا- : {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ .........}[الأعراف:155-156], فقال له الله -تبارك وتعالى- : {......... قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:156-157], فالرب -تبارك وتعالى- قد أخبر موسى بعد هذه الواقعة أنَّ المُخَلِّص الذي يُخَلِّصُهُم مِن كل الأرصاد والأغلال, ويقودهم إلى طريق الجَنَّة, بلا هذه النواقص التي فيهم ويخلصهم تخليصًا كاملًا هو هذا النبي الكريم محمد -صلوات الله والسلام عليه- فهذا مِن جملة الميثاق الغليظ الذي أُخِذَ عليهم قال -جلَّ وعَلا- : {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:155], {فَبِمَا}, أي بسبب نقضهم الميثاق؛ العهد الذي أخذه الله -تبارك وتعالى- عليهم في كل هذا؛ في الإيمان برسل الله, وأنْ يُعَزِّرُوهُم وأنْ يُوَقِرُوهُم وأنْ يبقوا معهم, وأنْ يعملوا بأحكام التوراة, {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ}, عبر هذا التاريخ كله {وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}, فقد قتلوا كثيرا مِن أنبيائهم آخرهم, مِمَن حاولوا قتله عيسى -عليه السلام- الذي رفعه الله -تبارك وتعالى- أي مِن بين أيديهم بعد أنْ كادوا ينالونه ويُقَدِّمُونه, وحَكَمَ عليهم زعيمهم في هذا الوقت قَيَافَة رأس اليهود في هذا الوقت, أنَّ هذا مهرطق ولا بد أنْ يقتل, على عيسى ابن مريم -عليه السلام- فألقى الله -تبارك وتعالى-شِبهه على غيره فقتلوه وصلبوه وكانوا يفتخرون بأنهم قد قتلوا عيسى بن مريم رسول الله, وقبله قتلوا يحيي, وقبله زكريا, فهم قَتَلَة الأنبياء قال : {وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}, لا يقتل نبي بحق وإنما بغير حق, أي يعلمون أنه نبي الله فمع علمهم أنه رسول الله ونبي الله كذلك سعوا وباشروا قتله, فلم يكن عندهم شبهة ولم يكن نبي مثلاً ليظلمهم حتى يقتلوه بظلم أو يقتلوه بعدوان, والأنبياء معصومون مِن الظلم والعدوان, وإنما هذا تقرير مِن الله -تبارك وتعالى- وبيان أنّهم قتلوا الأنبياء عامدين قاصدين وبغير حق, {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}, ينسبون كفرهم إلى الله, أنَّ الله خلقهم هكذا فبدلا مِن أنْ يجعلوا أنَّ كفرهم بعناد منهم وبكسب منهم لا, يقولون : {قُلُوبُنَا غُلْفٌ}, خَلَقَنَا الله هكذا الله خلقنا بقلوب مُغْلَفة لا ينفذ إليها الإيمان, فهذه جريمة أيضًا {قَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}, ليس اعترافا بذنب وإنما إلقاء التهمة على الله -سبحانه وتعالى- إنَّ الله خلقهم هكذا, {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}, قال -جلَّ وعَلا- ردًا على مقالتهم : {......... بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:155], أي ما خلقهم الله -تبارك وتعالى- يوم خلقهم أي مغلفي القلوب وإنما {طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}, لما اكتسبوا الكفر, عند ذلك طبع الله عليها أقفلها قفلها الله -تبارك وتعالى- للهداية وختمها بالخاتم الذي لا يُفْصَم ولا يُفَك, {......... بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:155], أي إلا قليلًا منهم مَن يؤمن, وهذا نبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- المبعوث إلى لجميع وأول مَن خاطب خطاباً مباشراً في أنفسهم اليهود خاطبهم في أنفسهم خطاب مباشر بالآيات الكثيرة العظيمة, وأمرهم أنْ يكونوا أول السابقين لأنهم أعلم الناس به وأعلم الناس بهذا الدين, وما كان مع النبي مِن الآيات والمعجزات والأدلة, والإخبار بما عندهم وإقامة الحُجَّة تلو الحُجَّة, إلا أنهم لم يؤمن به مِن اليهود عشرة, عشر أشخاص فقط مِن كل يهود الأرض هم أقل مِن عشرة هم الذين آمنوا بالنبي محمد في حياته –صلوات الله والسلام عليه-, وهكذا في كل العصور لم يدخل الإسلام منهم إلا قليل, {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}, عقوبة لهم مِن الله -تبارك وتعالى-.
ثم قال -جلَّ وعَلا- إنَّ هذا الطَّبع القلوب إنما كان بهذه الجريمة وبجرائم أخرى, قال : {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}[النساء:156], {وَكُفْرِهِمْ}, والكفر هنا مُنَكَّر كفرهم الكثير مضاف إليه فقد كفروا كفراً كثيراً انظر ما افتروه فقط في التوراة, الكتاب المقدس لله -تبارك وتعالى- أنه استراح في اليوم السابع الذي عَمِلَ خارقًا أنه لم يعرف أنَّ آدم عصى يوم عصاه وناداه أين أنت يا آدم؟ يقول: أنا هنا مختبئ خَلْفَ هذه الشجرة, قال: ولم تختبئ مني؟ قال: لأني عريان. قال: ومَن أخبرك أنك عريان هل أكلت مِن الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: المرأة التي جعلت معي هي التي أغوتني, فهذا رب وصفوه بأنه لا يعلم الأمر قبل وقوعه, بل لا يعلمه بعد وقوعه الغيب الإضافي, لا يعلمه وهذا طويل حبل طويل مِن سب الله, وأنه صارع نزل مِن السماء بصورة بَشَر وأنه اعترض ليعقوب, وجلس يصارعه طيلة الليل حتى صَرَعَهُ يعقوب, وأنه بعد أنْ صرعه عند ذلك أرجع ي\ الرب طبيعته الإلهية ,وضرب يعقوب فكسر حِقْوَهُ, ولما علم أنه الرب قال: أعطني بركة فباركه, هذا كفر طويل ثم كفرهم على الأنبياء كفرهم بآيات الله أمر طويل {بِكُفْرِهِمْ}, ثم مِن هذا الكفر,{وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ} -عليها السلام- {بُهْتَانًا عَظِيمًا}, البهتان الكذب وسمي بُهْت لأنه يَبْهَت كذبة, إذا قيلت يحتار مَن يسمعها, فيبهت لا يحير جوابا مِن فظاعتها وشناعتها, بهتان عظيم وهو أنها رموها -لعنة الله عليهم- بالإفك والزنا وأنها أتت بالمسيح مِن بشر بزنا وليس خَلْق خلقه الله -تبارك وتعالى- مستقل دون أنْ يمسها بشر -عليها السلام- .
ثم {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}, رسول الله ,انظر افتخارهم بقتل المسيح بأنهم هو الذين قتلوا المسيح عيسى ابن مريم وهو رسول الله, أي وهو رسول الله ومع ذلك قتلناه يفتخرون بهذا, وفي الإنجيل بأنهم سعوا إلى هذا بكل سبيل وسعوا إلى الرومان والركض ورائهم مِن كل مكان يسعون في قتله, كما قال -تبارك وتعالى- : {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .........}[آل عمران:54-55], وقولهم : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ }, والمسيح سُمِّيَ المسيح لأنه يمسح الأرض, أي مِن الكفر وهذا في آخر الزمان عندما ينزل في آخر الزمن نبياً, رسولَا, حاكمًا بكتاب الله -تبارك وتعالى-, مُتَّبِعًا محمداً بن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه-, فيَكْسِرُ الصليب ويقتل الخنزير ويؤذن للصلاة ويضع الجزية ولا يقبل جزية بعد ذلك لا يقبل الإسلام أو القتل كما كان الشأن مع نبينا في العرب, وهذا يكون الشأن مع عيسى في العالم لا يقبل إلا الإسلام, {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} قال -جلَّ وعَلا- نافيًا ما زعموه : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ }, لم يقتلوه أي صورة مِن صور القتل, ولم يَصلبوه كما ادعوا, {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}, ألقى الله تبارك وتعالى شَبَه عيسى علي غيره وأخذوا هذا الذي ألقي عليه الشَّبَه فقتلوه ظانين أنه عيسى, {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}, لهم قال جلَّ وعَلا- : { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ .........}[النساء:157], { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ}, أهو هو أم ليس بهو, {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ}, أي شاكين في الأمر ليس عندهم يقين بأنه عيسى بن مريم عليه السلام, قال جلَّ وعَلا : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }, {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}, أنْ يكونوا قتلوا عيسى, {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }, قال جلَّ وعَلا : {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}, ينفي الله تبارك وتعالى أنْ يكون عندهم يقين بقتله ولكن هذا الذي حدث لهم, قال جلَّ وعَلا : {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء:158],أي هذا الشأن في عيسى إضراب على ما سبق {رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}, حيًا نائمًا إليه في السماء وقد لقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- في إسرائه في السماء الدنيا, وقد قال -تبارك وتعالى- {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}, {مُتَوَفِّيكَ}, مُنيِمُك ألقى الله عليه النوم ورفعه الله تبارك وتعالى إليه ورفعه إلى السماء {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء:158], وفي هذه الآية دليل على أنَّ الله في السماء -سبحانه وتعالى- وأنه فوق خلقه جلَّ وعَلا بدليل عيسى رُفِعَ إليه؛ إلى الله -سبحانه وتعالى- {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا}, غالبًا لا يغلبه أحد لا يغلب الله تبارك وتعالى أحد {حَكِيمًا} يضع الأمور في نصابها فهذا مِن حكمته سبحانه وتعالى أنه لم يمكن هؤلاء المجرمين مِن قتل رسوله وأنه جعل أتباعه ينتصرون على هؤلاء ثم هو يأتي قبل يوم القيامة فيملأ الدنيا عدلا ويُخزي مَن زعموا أنه قُتِل وكذلك يخزي مَن زعم أنه صُلِب ويقدسونه لأجل الصليب ويعبدون الصليب فيكسر الصليب فيكون في نزوله -عليه السلام- خِزي لليهود وخِزي كذلك للنصارى الذين عبدوه ونصر لله -تبارك وتعالى- ولأهل الإيمان الذين يعتقد فيه الحق, {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }.
ثم قال جلَّ وعَلا- : {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}[النساء:159], {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}, ما مِن أحد مِن أهل الكتاب {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}, {قَبْلَ مَوْتِهِ}, هذا الضمير قال بعض أهل العلم أنه راجعٌ إلى موت عيسى -عليه السلام- وقال بعض المتأولين والمفسرين {قَبْلَ مَوْتِهِ}, قبل موت الشخص الذي هو الأحد الذي مِن أهل الكتاب فعلى التفسير الأول {قَبْلَ مَوْتِهِ}, قبل موت عيسى أي أنَّ عيسى لا يموت حتى يؤمن به أهل الكتاب جميعًا, عندما ينزل إلى الأرض كما قال النبي -صلوات الله والسلام- عليه : «والذي نَفْسُ محمد بيده لينزلن فيكم عيسى بن مريم حَكَمًا, عدلًا, مُقسِطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويؤذن بالصلاة ويضع الجزية», فكل أهل الكتاب عند ذلك يؤمنون به كل مَن يوجد مِن أهل الكتاب في الأرض عند ذلك يؤمنون به {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}, قبل موت عيسى, المعنى الثاني {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}, أي قبل موت كل شخص مِن أهل الكتاب قبل أنْ يموت وتقبض روحه يتمثل له عيسى بن مريم ويعلم أنه عبد الله وليس هو رسول الله فيُبَكَّت بهذا ويسود وجهه بهذا فيؤمن بأنَّ عيسى إنما هو عبد الله وليس هو رسول الله, والمعنى الأول هو الأرجح لأنه معنى الإيمان, إذا أطلق الإيمان فإنه يأتي على الإيمان الصدق وليس يأتي ولا يأتي على إيمان النفاق والكفر فالكافر بعيسى إذا عاين الحق قبل قبض الروح فإنه نعم يُصدِّقُ بأنه هذا عيسى عبد الله لكن لا يكون هذا إيمانًا أي لا يُسَمَّى هذا إيمانًا لأنه لا ينفعه عند الله -تبارك وتعالى- والله -تعالى- أعلم, {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ........}[النساء:159], قال جلَّ وعَلا : {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}, {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يكون عيسى عليهم {شَهِيدًا}, شاهدًا عليهم, شهادة عيسى على أهل الكتاب أولًا شهادة لِمَن حضرهم فهذا يشهد لهم, وأما مَن كان غائبًا عنهم فإنه يرد الأمر إلى الله تبارك وتعالى فإنَّ الله هو الذي يشهد على كل أحد لكن يشهد عليهم بالكفر إذا كفروا وأنه لم يقل لهم إلا الحق كما قال تبارك وتعالى : {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ }, هذا يكون يوم القيامة يستشهدوا الله تبارك وتعالى على كل أهل الكتاب.
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي......... }[المائدة:116-117], أي توفيتني ورفعه الله إلى السماء, { كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117], {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}, قَالَ اللَّهُ : {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ .........}[المائدة:118-119], فيوم القيامة يكون عيسى {شَهِيدًا}, على أهل الكتاب {شَهِيدًا}, على مَن رآهم, يشهد لهم بالجنة للمطيعين ويشهد على مَن عصوه وحاولوا قتله, يشهد عليهم بكفرهم وعنادهم, فيكون مآلهم النار -عياذا بالله- مِن اليهود وأضرابهم, وكذلك شهيد على الجميع بأنه قد دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له, قال : {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}, هذا الذي دعوتهم إليه, {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ}, لما كنت فيهم كنت أَعْرِف مَن شَهِدَ معي بأني عبد الله وإني رسول, ومَن اتهمه بما اتهمه به, {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}, ثم هذه جريمة هذا الاستطراد إنما جاء استطراد على قول هؤلاء المجرمين مِن اليهود : {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ}, فبيَّن الله -تبارك وتعال- {مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}, وأنَّ هذا حال أهل الكتاب معه في الدنيا وفي الآخرة:
رجع السياق مرة ثانية لتعديد جرائم اليهود قال -جلَّ وعَلا- {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ}, {فَبِظُلْمٍ}, ظلم كلمة نكرة أي ظلم كثير واسع, كُفْر, إثر كُفْر, إثر كُفْر, عدوان, تَعدِّي, قتل الأنبياء, فبهذه المظالم الكثير التي ارتكبوها {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ}, أي عاقبهم الله -تبارك وتعالى- بأنْ حَرَّمَ عليهم بعض الطيبات ليكون هذا عقوبة وكيف يكون تحريم بعض الطيبات عقوبة وهم يستطيعوا أنْ يأكلوها, أي في الدنيا لا يوجد مانع قهري عليها, وإنما هذا المانع الشرعي يقول هذا المانع الشرعي معناه إذا أكل مِن هذه الطيبات حُوْسِبَ عليها وجُوزِيَ عليها, فهذه عقوبة شديدة وهي أنَّه يُكْتَب عليه سيئة إنْ أكل بعض هذه الطيبات بأنْ يُلْعَن كما قال النبي -صلوات الله وسلامه عليه- : «لعن الله اليهود لعن الله اليهود لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم » الشحوم حرمها الله -تبارك وتعالى- عليهم كما قال -جل َّوعَلا- : { ........وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الأنعام:146], فالنبي يقول : «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها» ومعنى جملوها أي أذابوها وباعوها وأكلوا ثمنها, التفاف حول الحرام بعضهم لم يأكل الحرام مباشرة فيأكل الشحوم ويأخذها وإنما ذهبوا أذابوها وباعوها لغيرهم مِن غير اليهود, وأخذوا ثمنها واستحلوه فكذلك حرام ولُعِنوُا بهذا أي لعنهم الله -تبارك وتعالى- بهذا ومِن هذا اللعن على لسان محمد -صلوات الله والسلام عليه-, وهو نبي الله ورسوله الخاتم -صلوات الله والسلام عليه-, فتحريم الله -تبارك وتعالى- الطيبات على بني إسرائيل عقوبة وعقوبة شديدة أنه يرى أمر طيب ما هو خبيث لكن حرَّمه الله -تبارك وتعالى- فيجب عليه أنْ يمتنع عنه, هذا صاحب الدِّين وأما مَن لا دِين له وأكله سواء كان مباشرة أو بطريق الالتفاف على الحرام فيكون ملعون وقد ارتكب الإثم, {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا}[النساء:160], الصد المنع منعهم الناس عن سبيل الله وقفوا أمام رسالة الأنبياء, كلهم يمنعون الناس يدخلوا منها فمنعوا آخر أنبياهم عيسى -عليه السلام- فقد صدوا الناس أنْ يؤمنوا به, وهذا نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه- أعظم مَن صَدَّ عنه هم اليهود, {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا}, {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}, الربا حرَّمَهُ الله -تبارك وتعالى- على بني إسرائيل, وهو كل زيادة على رأس المال في مقابل أجل, سواء كان هذا مع القرض أو مع البيع كل زيادة على رأس المال على الدين مقابل أجل هذا رِبا النَّسِيئَة, وكذلك جاء أيضا في تحريم ربا الفضل أنَّه يباع الشئ بجنسه متفاضلا, حَرَّمَ الله عليهم أخذ الربا وقد نهوا عنه بالبناء لما لم يُسم فاعله والذي نهاه الله -تبارك وتعالى- على ألسنة رسله, {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}, كلمة الباطل كلمة واسعة بالرشا بالسرقة بالغدر بالخيانة لأنهم{ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}, { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ} في غير اليهود {سَبِيلٌ}, مؤاخذه يؤاخذهم الله -تبارك وتعالى- قال -جلَّ وعَلا- : {........وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء:161] يُبيِّن الله -سبحانه وتعالى- أن هذه العقوبة التي كانت عاقبهم الله -تبارك وتعالى- بها في الدنيا بتحريم بعض الطيبات وأنه قد أعد لهم {لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}, للكافرين مطلقًا منهم ومِن غيرهم, وهنا ذَكَرَ الله ما قال لهم وانما لبيان للعلة التي يكون بها العذاب أو مناط العذاب قال : {لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
ثم استثنى الله- تبارك وتعالى- الراسخون في العلم قال : {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ}. وهذا إنْ شاء الله موعده الحلقة الآتية إنْ شاء الله, أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله على عبده ورسوله محمد.