الحمد لله ربِّ العالمين, وأُصَلِّي وأُسَلِّم على عبد الله والرسول الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.
يقول -جلَّ وعلا- : {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا }[النساء:166-169], {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ}, هذه شهادة الله -تبارك وتعالى- ويُضْرِبُ الله -عز وجل- على قول الكفار, واتهامهم أنَّ النبي ليس رسولًا مِن الله, الكفار مِن اليهود والنصارى والمشركين الذين قالوا : {لَسْتَ مُرْسَلًا}, فأَخْبَرَ -سبحانه وتعالى- أولًا بأنَّ شأن النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- شأن إخوانه مِن الرسل الذين أوحى الله إليهم, {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ},أي يا محمد, {كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا}[النساء:163], هؤلاء مِن الرسل الذين أوحى الله -تبارك وتعالى- إليهم, {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ}, كهود وصالح, {وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164], {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}, هذه مهمة الرسل, ومحمد -صلوات الله والسلام عليه- هو واحدٌ مِن هؤلاء الرسل, هو خاتمهم, سَيِّدُهُم وأفضلهم -صلوات الله والسلام عليه-, {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}, أرسل الله الرسل حتى لا يَحْتَجّ محُتج مِن الكفار يوم القيامة ,يقول : ما جاءني نذير قد جاءك الرسول وبَلَّغَكَ, {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ}, وقلنا إنَّ شهادة الله -تبارك وتعالى- هذه تمثلت في الآيات الكونية القَدَرِيَّة بما نَصَرَ الله به رسوله وأعزه به, وكذلك بالآيات المنزلة مِن عنده الآيات السمعية القرآن النازل مِن عنده دلائل واضحات على أنه كلام الله تَحَدَّى الله به العالمين, وهذه شهادة الله -تبارك وتعالى- نازلةٌ في هذا القرآن مكتوبة حيث كان القرآن كتابًا معجزًا, {وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ}, يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- أنَّ الملائكة كذلك يشهدون بأنَّ محمد بن عبد الله هو رسول الله حقًا وصدقًا, والله يَنْقُل هذه الشهادة, {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}, -سبحانه وتعالى- وقد رأي بعض الكفار الملائكة يقاتلون مع النبي -صلوات الله والسلام عليه- رآهم الكفار عيانًا في بَدْر, فهذه كذلك مِن الشهادة مِن شهادة مِن الملائكة للنبي -صلوات الله وسلامه عليه- وجاء كذلك المسلمون رأوا جبريل كان يتمثل بصورة رجل ويأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسأل النبي, ثم يبحثون عنه بعد مُدَّة فلا يجدونه, يقول النبي : «هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم», {وَالْمَلائِكَةُ}, في السماء, {يَشْهَدُونَ}, كما شَهِدَ الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}, تكفي شهادة الله -عزَّ وجلَّ- هل يحتاج الأمر لِيَثبُت أكثر مِن أنْ يشهد الله له؟ إذا شهد الله -تبارك وتعالى- لرسوله فكفى به شهيدًا, لا يحتاج شهادةٌ مع شهادة الله -تبارك وتعالى- والله قد شهد للنبي وقلنا أنه شَهِدَ للنبي هذه الشهادة المنزلة السمعية, والشهادة العملية شهادة الله -تبارك وتعالى- الكونية القَدَريَّة بما قدر لهذا النبي مِن الثبات, ومِن العز, ومِن التمكين, ومِن تصديقه في كل ما قال؛ كل قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- صدقه الله -تبارك وتعالى- كان يقول للشخص تقتل تقتل, تفعل كذا تفعل كذا, ما سَقَط للنبي كلمة -صلوات الله والسلام عليه-, فصدَّقه الله -تبارك وتعالى- في كل ما قال ولم يقل النبي قولًا يوما مِن الأيام مِن أحداث ماضية أو أحداث آتية ولم يصدقه الله -تبارك وتعالى-, بل جاء القضاء والقَدَر ليصدِّق قول النبي -صلوات الله والسلام- عليه فهذا مِن شهادة الله -تبارك وتعالى-.
{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}, ثم قال -جلَّ وعَلا- بعد هذا؛ بعد شهادة الله -تبارك وتعالى- بأنَّ هذا محمد بن عبد الله هو رسوله ونبيه وحقًا وصدقًا هدد الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك الكفار قال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا}[النساء:167], هذا حُكْمُ الله, تأكيد يؤكد الله -تبارك وتعالى-, {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}, بالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- وبرسالته وكفرهم هذا مقتضي كفرهم كفرهم بالله -تبارك وتعالى-, {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} , منعوا الناس عن الدخول في دين الله -تبارك وتعالى-, وأنواع الصد كثيرة, فأقوال اليهود الباطلة بأنَّ هذا ليس هو الرسول الذي وُعدنا به وجاءنا وأقوال النصارى, وفعل مشركي العرب في ضربهم الناس وإهانتهم وتعذيبهم مَن آمن بالله -تبارك وتعالى- كل هذا دخل في الصد, {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} , قال -جلَّ وعَلا- : {قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا}, ضلوا عن الحق وابتعدوا عنه بعدًا سحيقًا جدًا, {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}[النساء:168], {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا}, لا شك ظلمهم كُفْرٌ فوق كُفْر, وظلموا بالصد عن سبيل الله, وبالبقاء على هذا الكفر, وبالاستمرار فيه, وبفعلهم المنكرات والمعاصي, {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}, وذلك أنهم ركسوا وثبتوا في الكفر الذي هم عليه, فكانت عقوبة مِن الله -تبارك وتعالى- أنه لا يَغْفرُ لهم أي يوم القيامة, {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}, في الدنيا, فإذا ماتوا على هذا الكفر فالله لا يغفر الكفر -سبحانه وتعالى-, {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}, قال -جلَّ وعَلا- : {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ}, أي يعاقبهم الله كذلك في الدنيا لا يوفقهم إلى طريق الجنة؛ لأنَّ الذي يُوفَّق إلى طريق الجنة المؤمن المهتدي الذي عرف الحق وسار فيه, أما الذي عَرِفَ الحق وحَادَ عنه وكفر به, فهذا لا يوفقه الله -تبارك وتعالى-, {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ}, الهداية هنا هداية التوفيق وليس هداية الشرح والبيان, فقد بُيَّنَ لهم وعرفوا الحق, {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}, {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ}, فطريق جهنم يذهبون إليها وهم يضحكون وفرحون وهذا مِن عقوبة الله -تبارك وتعالى- لهم, يذهب الكافر ويسير في طريق جهنم وقد أَحَبَّهُ وبذل ماله فيه ونفسه فيه وذهب إليه, كما قال -جلَّ وعَلا- : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}[الليل:5]{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}[الليل:6]{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:7], {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل:8], {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}[الليل:9], {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:10], العسرى النار, ويُيَسِّرُهُ أي يُصْبِحُ طريق النار سهلًا عليه, {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}, فيسير إلى الجنة وهو يضحك, فَرِح راضي بما هو عليه مِن الكفر والعناد فهذا الله يقول ما يهديهم طريق إلا طريق جهنم, يهديهم معني يهديهم يوفقهم له ويحببهم فيه ويُزَيَّن هذا الطريق في أعينهم عياذا بالله, {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}, {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}, هذا المستقر في جهنم -عياذا بالله- هذا السجن الناري فراشه وجدرانه وغطاؤه وطعامه وشرابه كلها نار, وأَشَرّ مِن النار -عياذا بالله-, فهؤلاء يعيشون أو يبقون في هذه السجن بقاءًا لا انقطاع له جهنم هذه {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}, خلودًا لا ينقطع -عياذا بالله-.
قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} هذا الأمر ليس بصعب على الله, كان الكفار يعتقدون كيف يمكن أنْ نعود إلى الدنيا, وقد إذا ظلنا في الأرض, {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}, يستعظمون هذا الأمر يقولون إذا ظللنا في الأرض اختلطت بالأرض عظامنا وشعورنا وأبداننا وأعصابنا وخُلِطَت في الأرض وأكلتها الهَوَام والأسماك والطيور, وتوزعنا واختفينا على هذا النحو, أنَّى لنا أنْ نُعَاد مِن جديد ونُحْشَر ويكون هناك كذا سَوْق إلى النار هذا أمرٌ بعيد, فيخبر -تبارك وتعالى- بأنَّ أمر بعث هؤلاء وحشرهم وإدخالهم النار أمر يسير على الله -عزَّ وجلَّ-, {وَكَانَ ذَلِكَ}, كل هذا؛ هداية هؤلاء إلى طريق جهنم دنيا ثم إدخالهم إياها إلى الآخرة هذا أمر يسير على الله ليس بصعب, {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[لقمان:28], {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
ثم نداءٌ بعد ذلك ونحن الآن في ختام السورة يختمها الله -تبارك وتعالى- بهذه الآيات فيها ختام يخاطب الله -تبارك وتعالى- الناس بعد هذا بعد السورة التي بدأها الله -تبارك وتعالى- بيا{أَيُّهَا النَّاسُ}, أيها الناس كذلك يأتي في قرب الختام, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ ........}[النساء:170], {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}, نداءٌ مِن الله -تبارك وتعالى- إلى الناس جميعًا كل البشر, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}, هذا تأكيد وبيان مِن الله -تبارك وتعالى- أنَّ الرسول قد جاءكم بالحق, الحق الثابت الذي ضد الباطل لا يتغير, {مِنْ رَبِّكُمْ}, خالقكم وبارئكم, إلهكم, سيدكم -سبحانه وتعالى-, فالحق هذا جاء ليس شئ مِن مصدر غريب عنكم بل مِن الله -تبارك وتعالى-, {مِنْ رَبِّكُمْ}, الذي خلقكم, {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ}, أمر فيه وعظ وفيه تهديد يحمل التهديد, ويحمل كذلك الوعيد, وعيد وكذلك وعد, {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ}, أحسن لك, آمن هذا خير لك, {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ}, صَدِّقُوا بأنَّ الله ربكم -سبحانه وتعالى- وهو الذي أرسل لكم هذا الرسول ويدعوكم إليه -سبحانه وتعالى-, {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, إنْ تكفروا بهذه الرسالة, بهذا الرسول الذي جاءكم مِن الله -تبارك وتعالى- وجاءكم {بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}, فاعلموا أنَّ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, كل الذي في السموات والأرض لله لله -عزَّ وجلَّ- فأين تذهب؟ والذي يدعوك إلى الإيمان به هو مَلِك السموات والأرض, ومالك السموات والأرض فأين تذهب؟ لا يوجد مكان تذهب إلى مُلْكٍ غيره ولن تَفِّرَ إلى مُلْكِ سواه, ولن تأخذ منه؛ مِن هذا المُلك إلا ما شاء هو مالكه وإلهه الرَّب الإله -سبحانه وتعالى-, {........وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:170], تهديد إثر تهديد, ووعيد إثر وعيد, عليم بكل أَحد وهذا وَعْد لأهل الإيمان أنَّه الله لا يُضِيع إيمانك لأنَّ الله عليم به, ووعيد لأهل الكفر, اعلم أنَّ كفرك ليس بغائب عن الله -تبارك وتعالى- بل يعلمه, وحكيم يضع كل أمر في نصابه وهذا كذلك بمقتضى هذا التسليم -تبارك وتعالى- وأنك بالفعل إنْ كنت مِن أهل الهداية هداك الله, وإنْ كنت مِن أهل الضلال أضلك الله -تبارك وتعالى- لأنه حكيم يضع كل أمر في نصابه, آيةٌ شديدةٌ جدًا هذه آيةٌ شديدة فيها وعد ووعيد ونداءٌ مِن الله -تبارك وتعالى- إلى الناس جميعًا وأنَّ هذا الرسول جاءكم ما لكم حُجَّة بعد ذلك, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:170].
ثم نداء بعد ذلك إلى ناس مخصوصين وهم أهل الكتاب مِن اليهود والنصارى, قال -جلَّ وعلا- : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَكِيلًا}, هذا خطابٌ مِن الله -تبارك وتعالى- للنصارى يناديهم الله -تبارك وتعالى- أيضًا باسم محبب وهو أنهم {أَهْلَ الْكِتَابِ}, الكتاب المنزل مِن الله -تبارك وتعالى- على رسوله عيسى -عليه السلام- وما دمتم تؤمنوا بالكتاب آمنوا بما فيه, { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}, الغلو: الزيادة فيه, وغلوا في دينهم بالشدة والتنطع وكذلك في رسولهم ظَلُّوا يغالون فيه يغالوا فيه يغالوا فيه حتى جعلوه ابن الله -تبارك وتعالى-, {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}, لا تتكلموا على الله إلا الحق, تتكلم على الله بأمر باطل, بزور, ببهتان, بافتراء, تفتري على الله, { وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}, هذه حقيقة المسيح, فلا تغلوا في دجل إنما هو إنما المسيح عيسى بن مريم نسب إلى أُمِّهِ نسبه الله -تبارك وتعالى- لأُمِّهِ لأنه لا أب له, والمسيح عيسى -عليه السلام- المسيح لأنه يمسح الأرض مِن الكفر عندما ينزل في آخر الزمان, وكذلك كان في بعثته الأولى مَسَح الأرض مِن الكفر بما دعا إلى الله -تبارك وتعالى- , { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ }, هذه حقيقته الحصر إنما هو رسول الله, وليس ابن الله, وليس هو الله كما تَدَّعُون, {وَكَلِمَتُهُ} وكلمته, أي أنَّ الله -تبارك وتعالى- خلقه بكلمة منه, كلمته كن فكان, كما قيل لمريم -عليها السلام- لما قالت : {........أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران:47], فالله يخلق ما يشاء, يخلق بالكلمة كن فيكون, كما قال -تبارك وتعالى- : {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}, أمر الله -تبارك وتعالى- لابد أنْ يقضى لما قالت مريم لجبريل عندما جاءها في محرابها {........ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا}[مريم:18], {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا}[مريم:19], {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}[مريم:20], {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}, هذا هين على الله, {........وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا},}[مريم:21], هذا أمر لابد أنْ يقضى لأنَّ الله قد حَكَمَ به -سبحانه وتعالى-, فكلمته {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ }, أي كن فكان, {وَرُوحٌ مِنْهُ}, روح مِن الله -تبارك وتعالى- وذلك أنه جاء بالروح يحيي موت القلوب, ينفخ هذه الروح مِن الإيمان يوجد ناس ماتت قلوبهم مِن اليهود الذين طال عليهم الأَمَد بينهم وبين رسالات وقَسَت قلوبهم, فهو روح مِن الله يحيي الله -تبارك وتعالى- بها موت القلوب كما أنَّ جبريل هو روح مِن الله روح الله -تبارك وتعالى-, كما قال -جلَّ وعَلا- في جبريل : {نزل به الروح الأمين}[الشعراء:193], {على قلبك لتكون من المنذرين}[الشعراء:194], وقال -تبارك وتعالى- عنه : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا}, أي إلى مريم {........رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا }[مريم:17-19], فجبريل رسول الله, وهو روح الله المقدسة التي يرسلها إلى الأنبياء, {وَرُوحٌ مِنْهُ}, عيسى روح مِن الله -تبارك وتعالى-, {مِنْهُ}, ليس للتبعيض وإنما هي لابتداء الغاية, أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الذي أرسله وهو الذي خَلَقَهُ -سبحانه وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}, أي يا أهل الكتاب, {آمِنُوا بِاللَّهِ}, وأنه الإله الواحد الذي لا إله إلا هو, ليس له ولد, وليس له جزء, الله لا ينفصل منه جزء, {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }[الإخلاص:1-4], بهذا قالت الأنبياء كلهم, أي قبل عيسى فإنَّ كل الرسالات لم يخبروا بأنَّ لله ولد, بل قالوا بأنَّ الله هو الواحد الأحد -سبحانه وتعالى-, وعيسى كذلك أخبر وحاله حال بَشَر مولود مِن امرأة, الله –تبارك وتعالى- يقول {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ .........}[المائدة:75], مُصدِّقَة بكلمة الله, {كَانَا}, أي عيسى وأُمه, {يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} هل الذي يأكل الطعام ويحتاج إلى أنْ يأكل الطعام كيف يكون إلها! ثم الذي يأكل الطعام بالضرورة لابد أنْ يُخرج فضلاته, فكيف يكون هذا إله! على هذه الصورة رب, إله, خالق السموات والأرض يكون على هذه الصورة فهذا أمر لا يستقيم لأي إنسان عنده عقل, فيقول الله -تبارك وتعالى- : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ }, وعيسى رسوله مِن رسله -صلي الله عليه وسلم- ,{وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ }, {ثَلاثَةٌ}, أي قولهم إنَّ الله ثلاثة, وهم يكذبون فيقولون في ما يسمونه ما اجتمعوا عليه وسموه بالأمانة النصرانية, وهي الخيانة؛ خيانة للدين وخيانة لعيسى -عليه السلام- أنَّ الله مُكَوَّن مِن ثلاثة الأب, والابن, والروح القدس, وأنَّ هؤلاء الثلاثة يزعمون أنهم الثلاثة إلهٌ واحد -تعالى الله عن ذلك- علوًا كبيرًا, {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}, هذا الله يقول لهم: {انتَهُوا}, عن هذه المقالة الفاجرة الكافرة, {خَيْرًا لَكُمْ}, هذا أفضل لكم, أحسن لكم عند ربكم, وحِّدُوا الله, {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}, الله لا يمكن إلا أنْ يكون إله واحد أما أنْ يكون ثلاثة متعدد, ويكون هذا خالق وهذا خالق وهذا رازق وهذا رازق هذا يستحيل هذا, {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22], قال -جلَّ وعَلا- : {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90] {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون: 91], {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}, فقط ليس ثلاثة كما تقولون, {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ},{سُبْحَانَهُ}, تنزيهًا له -جلَّ وعَلا- أنْ يكون له ولد, أي مُنَزَّه عن هذا فإنَّ هذا نقص الذي يحتاج إلى ولد نقص ثم إنَّ الولد لابد أنْ يكون مِن جِنْسِ الوالد ولابد أنْ يكون خالقًا رازقًا تتعدد هنا الآلهة, { سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}, كل ما في السموات وما في الأرض له مُلْك وليس فيها مِن شئ هو جزء له, أو إلهٌ معه -سبحانه وتعالى-, {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}, أي متوكلًا بالأمور قائمًا بها -سبحانه وتعالى-, فالله هو المتولي شأن أمور كل الخلق السموات, الأرض, الملائكة, الرسل, الجن, الإنس, الله متولي ومتوكل بكل هذه الأمور, فهو المُوكَّل بها -سبحانه وتعالى- {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ .........}[النساء:172], {يَسْتَنكِفَ} الاستنكاف هو الاشمئزاز والتعالي, والعلو المسيح لا يستنكف {أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}, وقد رأوه وهو يخضع لله, يسجد لله -سبحانه وتعالى-, يعبد الله -تبارك وتعالى-, يدعو الله, وهذا الإنجيل كل شاهد على هذا أنه كان دائم التَّبتُل إلى الله -تبارك وتعالى- ودعائه والتقرب منه, فكيف يكون هو الله وهو يَتَبَتَّلُ إلى الله! بل هؤلاء يكتبون في الإنجيل أنَّ عيسى لما رأى أنَّ اليهود يركضون خلفه ليقتلوه قال يا أبتي اصرف عني هذه الكأس, كأس الموت ويستغيث بالله ويدعوه أنْ يَصْرِفَ عنه كأس الموت, ثم رأوا ضَعْفَهُ فقد كتبوا هم في الإنجيل أنه كان يتوسل لتلاميذه أنْ يبقوا معه الليلة الأخيرة, يقول ابقوا معي هذه الليلة تنامون وأنا سأؤخذ في صبيحة الليلة, فكتبوا هذا, حتى فيما كتبوه وزادوه مِن عند أنفسهم فيه أنه عبد لله -سبحانه وتعالى- إضافة إلى كلمات الصدق في الإنجيل أنه عبد الله, يقول لهم أنا جئتكم رسول مِن الله -تبارك وتعالى- ولم سيقل لهم أنا جئتكم أنا الله الذي أحيي وأميت وأخلق وأرزق وأفعل, بل جئتكم لأدعوكم إلى أبي الذي في السماء, أبوه تشريفًا لا نسبًا ليس لله نسب, كما كان يقول كونوا أبناء أبيكم الذي في السماء, أنتم كذلك كونوا أبناء أبيكم أي تشريفًا وتحننًا لا أنهم أبناء أبيهم نسبًا تعالى الله -سبحانه وتعالى- أنْ يكون له نسب أنْ له يكون له نَسَب -سبحانه وتعالى- {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:158], {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}, فيُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- أنَّ المسيح لن يستنكف {أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}, {الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}, إلى الله -تبارك وتعالى- خاضعون له يعبدونه كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[مريم:88], الملائكة, هذا قول مشركي العرب, {سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}, {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27], {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ........ }[الأنبياء:28-29], أي مَن يَقُل مِن الملائكة أنا إله مِن دون الله, {........ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29], {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ}}[النساء:172],
يستنكف عن عبادة الله -عزَّ وجلَّ-, {وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}, كل المستنكفين والمستكبرين مِن الفراعنة والطواغيت والكبراء, وغيرهم, ومَن؟ كل مَن يستنكف عن عبادته ويستكبر إبليس وأتباعه, {فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}, {يَحْشُرُهُمْ}, يجمعهم, {إِلَيْهِ}, إلى الله -تبارك وتعالى-, {جَمِيعًا}, كلهم, ثم بَيَّنَ -سبحانه وتعالى- بعد هذا الحشر كيف يكون الحساب عنده نتيجة هذا قال -جلَّ وعَلا- : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ........}[النساء:173], {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا}, أي بالله -سبحانه وتعالى-, {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}, هذا كله يشمل هؤلاء الرسل والأنبياء ومَن تبعهم مِن المؤمنين, {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}, أي يعطيهم أجورهم وافية ما ينقصهم شيء ولا ذرة مِن الخير, فعلوها, {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}, يعطي الحسنة بعشر أمثالها, ثم يضاعفها إلى أضعاف كثيرة ويضاعف أضعاف مِن عنده, ويجزي مَن يشاء بعير حساب, كالصوم يعطيه الله بلا حساب, الصبر بلا حساب أي بلا عدد, {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا}, أيًا كانوا, {اسْتَنكَفُوا} أَنِفُوا وتكبروا عن عبادة الله -عزَّ وجلَّ- تعالوا عن ذلك فيعذبهم عذابًا أليمًا , فيعذبهم أي الله -تبارك وتعالى- هذا في النار عياذًا بالله {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:173], لن يجد هؤلاء المستنكفون والمستكبرين لهم {مِنْ دُونِ اللَّهِ}, لا مَلَك, لا إبليس, لا جِنّ, لا بَشَر, ليس لهم {مِنْ دُونِ اللَّهِ} ولي, بل الكافر إذا جاء الله -تبارك وتعالى- يأتيه وحده يأتيه وحده وقد تخلى عنه الجميع, { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28], {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ[الحاقة:29], لا سلطان له, لا مال له, لا أحد يقف معه فيأتيه وحده, {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}, أي ينصرهم مِن دون الله -تبارك وتعالى-, فهذه نهاية المطاف, {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:93], الملائكة, عيسى, الأنبياء, الرسل, كل مَن سِوَى الله -عزَّ وجلَّ- عبيد لله -تبارك وتعالى- ,المطيعون لهم الرحمة والرضوان, العاصون المجرمون المستنكفون لهم النار والخسارة هذا حُكْمُ الله -تبارك وتعالى- الذي لا يتبدل ولا يتغير.
نقف عند هذا, ونكمل إنْ شاء الله بقية السورة في الحلقة الآتية, أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله على عبده ورسوله محمد.