الإثنين 21 شوّال 1445 . 29 أبريل 2024

الحلقة (142) - سورة المائدة 1-2

لحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين. وعلى آلة وأصحابه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين وبعد...

فيقول الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:1-2] هذه الآيات من افتتاح سورة المائدة، وسورة المائدة من القرآن المدني، وقد نزلت على النبي صلوات الله سلامه عليه بعد السنة السابعة من هجرته - صلى الله عليه وسلم- بدأ الله تبارك وتعالى هذه السورة بنداء، وأمر لعباده المؤمنين مصدرًا هذا الأمر بقوله يا أيها الذين آمنوا ويا أيها الذين آمنوا خطاب من الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين فيه تهييج لهم على الفعل وذلك بتسميتهم بأحب الأسماء وهو الذين آمنوا ثم بدعوتهم إلى التزام بما يأمرهم به إذ هذا من مقتضيات أيمانهم بالله تبارك وتعالى أوفوا بالعقود الوفاء هو الإتيان الشيء وافيًّا أي كاملًا والعقود هو كل اتفاق بين طرفين عقد بين طرفين وهذا يشمل كل ما عاقد العبد عليه غيره أول هذه العقود هي عقد الإيمان وعقد الإسلام هذه أعلاها ثم ما يتفرع عن هذا من عقود الدين كما قال تبارك وتعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وأوفوا بعهد الله أي بما عاهدتم عليه الله هذا في الوجه الأول من التفسير  أو بما تعاقدون به غيركم باسم الله ومن صفة إعداد الله تبارك وتعالى المؤمنين الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق الذين يوفون بعهد الله بما عاهدوا الله تبارك وتعالى عليه وكل عقد يعقد في الدين سواء عقده الإنسان بينه وبين نفسه أو بينه وبين الرسول والرسول يأخذ العقود لله تبارك وتعالى والعهود لله  كما قال -جل وعلا-:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:10] والنبي قد عاهد بعض أصحابه - صلى الله عليه وسلم- على النصرة وعاهدهم على الهجرة وعاقدهم كذلك على الإسلام والإيمان وعاقد المؤمنات كما في قول الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شيئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ........}[الممتحنة:12] فهذه البيعة التي بايع النبي بها النساء وكان يبايع بها أصحابه كذلك من الرجال بيعة على الإيمان وعلى الإسلام وعلى بعض أحكام وشرائع الإيمان، وهي عقد بعد عقد، أي عقد لله بعد عقد فإن من أسلم ومن آمن من  شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وقال آمنت بالله، فقد أوقع عقدًا وعهدًا بينه وبين الله -تبارك وتعالى- يجب أن يلتزم به، هذا العقد مقتضاه من العبد الوفاء بما ألزمه الله -تبارك وتعالى- به والانتهاء عما نهاه الله تبارك وتعالى عنه ومقتضاه عند الله تبارك وتعالى ألا يعذب وأن يدخله الجنة؛ إلا يعذب من قام بما أوفى عهده بما عاهد عليه الله تبارك وتعالى وهذا في وفي هذا يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه أتدري ما حق الله على الله وما حق العباد على الله؟ قال حق العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا ومن هذا أيضا قول الله تبارك وتعالى {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ .........}[المائدة:12-13] فهذا عقد الله وعهده وميثاقه بينه وبين بني إسرائيل قال لهم الله تبارك وتعالى إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ إني معكم هذه ولاية الله تبارك وتعالى معهم بالنصرة والتأييد في الدنيا وكذلك معهم سبحانه وتعالى ولا ياتي في الآخرة إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ هذا نقض العهد فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ قال تبارك وتعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[المائدة:13] أي أنهم لما نقضوا عهدهم مع الله تبارك وتعالى عاقبهم الله بالصنوف هذه العقوبات الخلاصة ان أول ما عاقد أول العهود بالوفاء وأولاها هو العقد الذي بين العبد المؤمن وبين ربه سبحانه وتعالى عقد الإسلام وعقد الإيمان ثم ما يعاقد العبد عليه ربه بعد ذلك كقول الله تبارك وتعالى في بعض المنافقين {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }[التوبة:75-77] فهذا الذي عاهد الله هذا بينه وبين نفسه لمن يؤخذ هذا العهد الذي عند النبي صلوات الله وسلامه عليه وإنما بينه وبين نفسه عاقد ربه أنه إن أصبح من أهل الثراء ومن أهل الغنى فعل وفعل فلما وفى له الله تبارك وتعالى وأعطاه ما تمناه من الثراء بخل ونقض عهده مع الله تبارك وتعالى، فهذا عقد عقده العبد بينه وبين الله تبارك وتعالى بنفسه لم يكلفه الله تبارك وتعالى إياه ولكنه اشترطه على نفسه ولكنه لم يوف به ويدخل في هذا كل النذور النذر؛ فالنذر نوع من العهد والشرط بين العبد وبين الله وكأن العبد في النذر المشروط يقول ربي لئن فعلت لي كذا فعلت كذا إن شافيت مريضي إن رددت غائبي إن فعلت لي كذا فعلت كذا فهذا عقد مشروط قد شرطه الشخص على نفسه بشرط فعل كل حال إن تحقق له الشرط والنذر لا يأتي بخير على كل حال لا يغير القدر في هذا وجب عليه أن يوفي بنذره وكذلك النذر غير المشروط كمن يقول لله علي كذا ولله علي كذا فقد أوجب على نفسه واجبًا نذرًا فرضًا فرضه على نفسه لله تبارك وتعالى وإذا كان غير مشروط فهذا النذر المستحب ويجب الوفاء به لأن هذا نوع من العقد والعهد بين هذا العبد وبين الله الشاهد أن أولى وأول هذه العهود والعقود هو العقد بين العبد وبين الله تبارك وتعالى والله يوفي عهده سبحانه وتعالى الله جل وعلا لا ينقض الميثاق ولا ينقض عهده سبحانه وتعالى فمن أوفى بعهده لا شك ان الله تبارك وتعالى يوفي له بعهده ولا ينقض اله الميثاق سبحانه وتعالى ثم العقود التي تقع بين المؤمنين بعضهم مع بعضهم وبين المؤمنين كذلك والكافرين هي داخله في معنى العقود فالعقود أولًا العقود تنقسم التي يعقدها الناس بينه وبين البعض والبعض تنقسم الى قسمين على الجملة عقود مباحة وعقود محرمة فالعقد المباح ما أباحه الله تبارك وتعالى للعباد كعقد الزواج وعقد البيع وعقد الإيجارة وعقد الهبة وهذا كلها تدخل في العقود المباحة منها طبعًا عقود مستحبة عقد الهبة عقد مستحب وما هو كل من عقود التبرعات هذه عقود مستحبة أما العقود المحرمة فكل عقد على شيء حرمه الله تبارك وتعالى كالعقد على الربا عقد بيع الخمر كل بيوع المحرمة كل ما حرم الله تبارك وتعالى حرم بيعه فمن تعاقد على بيع محرم أو على شرائه فعقد باطل عقد الزنا بيع الأصنام بيع أي بيع حرمه الله تبارك وتعالى العقود المحرمة العقود كذلك مع الكفار منها عقود جائزة كعقد الهدنة وعقد الموادعة ومنها عقود محرمة كما يسمى بعقد السلم وهو وضع الحرب نهائيًّا بين المسلمين وبين الكفار وعقد الموالاة أن يكون هناك موالاة رضا عن دينهم الباطل أو إقرار بما هم عليه من الباطل هذه عقود باطلة تقع باطلة وانما العقد المشروع كان يكون عقد هدنة أو عقد سلم أو عقد موادعة أو عقد على تعاون معين في أمر من أمور الدنيا كما عقد النبي اليهود في المدينة وعاقد بعض القبائل وعاقد مع قريش العقد والصلح المعروف بصلح الحديبية وهي أن توضع الحرب بينه وبينهم عشر سنوات وأن ما أراد من العرب أن يدخل في حلف النبي فعل ومن أراد أن يدخل في حلف قريش فعل هذا من العقود الجائزة قول الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يشمل هذا يشمل هذا كله كل ما عاقد العبد عليه من عقد عاقد الله تبارك وتعالى عليه أو عاقد غيره عليه وجب عليه أن يوفي بالعقود أوفوا بها أي أدوا ما اشترطتموه في هذا العقد وافيًّا غير منقوص لا تنقصوا منه شيئًا ثم قال جل وعلا مبينًا رحمته ونعمته على عباده قال أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أحلت هذا الفعل جاء بالبناء لما لم يُسم فاعله وذلك لمعرفة الفاعل فالذي يحل هو الله سبحانه وتعالى لا يحل ولا يحرم الا الله تبارك وتعالى فان الذي يملك حق التحليل والتحريم هو الله أحلت لكم أي أحل الله سبحانه وتعالى لكم بهيمة الأنعام وهي ثمانية أزواج التي أخبر الله تبارك وتعالى عنها قال ثمانية أزواج من الضأن اثنين وقال من الماعز اثنين وقال من الإبل اثنين وقال من البقر اثنين هذه بهيمة الأنعام التي أباحها الله تبارك وتعالى أن نأكل لحمها بشروط بشرط أن تذبح تزكى وكذلك أن يذكر اسم الله تبارك وتعالى عليها أحلت لكم بهيمة الانعام وهذا فيه نعمة عظيمة من الله تبارك وتعالى لما في هذا من الخير والبركة وأنها من الطيبات وأن الله تبارك وتعالى قد أباحها مع أنها قتل لكائن حي ولكن الله تبارك وتعالى أباح هذا باسمه سبحانه وتعالى أحلت لكم بهيمة الأنعام ثم قال إلا ما يتلى عليكم إلا ما يتلي عليكم في القران وقد أنزل الله تبارك وتعالى قبل ذلك ما حرمه الله تبارك وتعالى للمؤمنين فقال {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ........}[النحل:115] فهذه أربعة محرمات حرمها الله تبارك وتعالى قال إلا ما يتلى عليكم أى اجتبوا ما يتلى عليكم من هذه وجاء أيضا في الميتات قال الله تبارك وتعالى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ أي إلا ما لحقتموه فزكيتموه وسيأتي هذا إلا ما يتلى عليكم ثم قال جل وعلا غير محلي الصيد وأنتم حرم أي ان الله أباح الصيد وهو ما يجوز أكله من الوحش متوحش من الحيوان والطير ومعنى الوحش هنا غير المستأنس غير الذي يستانسه الإنسان كالوعل والغزال الزراف والنعام وكذلك من الطير كالحباري وغيرها مما غير ذي مخلب وذي ناب حرم الله تبارك وتعالى كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع هذا هو الصيد قال غير محلي الصيد وأنتم حرم أي اذا كنت محرمًا بحج أو عمرة فإنه لا يحل لك الصيد في وقت هذا الإحرام لا أن تصيد بنفسك ولا أن يصاد لك ثم قال جل وعلا إن الله يحكم ما يريد ختم الله تبارك وتعالى هذه الآية بأمر عام من أساس المعتقد والدين والإيمان وهو أن الله تبارك وتعالى يحكم ما يريد ينزل من الأحكام يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء فالله تبارك وتعالى هو وحده هو الذي له حق التحليل والتحريم وأن يحل بشروط وبضوابط وأن يحرم كذلك بشروط وبضوابط الذي يضع هذه الشروط وهذه الحدود هوالله سبحانه وتعالى لا أحد وكل مفتئت ومفتري على الله تبارك وتعالى وكل متهجم على هذا الأمر فيحل شيئًا مما حرمه الله أو يحرم شيء مما أحله الله تبارك وتعالى فمبطل لأن الله هو الخالق وبالتالي هو الذي له الأمر ألا له الخلق والأمر فمن خلق هو الذي يحق له أن يقول هذا حلال وهذا حرام أما من لم يخلق فلا يحل له أن يتجرأ وأن يحل وأن يحرم بل هذا الأمر إليه إن الله يحكم ما يريد فما يريده الله تبارك وتعالى هو يحكم به جلا وعلا.

 ثم قال جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:2] يا أيها الذين آمنوا خطاب بعد خطاب لا تحلوا شعائر الله كل ما هو من شعائر الله لا تستحلوه أمر عام والشعائر الله أصل الشعيرة هو ما يشعر من الإشعار فكل شيء يشعر ويؤذن بأنها لله تبارك وتعالى فهذا لله أعظم هذه الشعائر هي الكعبة الكعبة من شعائر الله تبارك وتعالى كذلك من يأتي هذا البيت أماكن الحج عرفة هذا يوم من شعائر الله الصفا والمروة من شعائر الله الهدي القلائد ما يأتي الى هذا البيت وما يزوره كل هذا من شعائر الله الآذان من شعائر الله المؤمن هو أعظم شعائر الله تبارك وتعالى وأعظم المخلوقات حرمة عند الله تبارك وتعالى، فهو أعظم شعائر الله تبارك وتعالى في الارض المؤمن يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله هذا لفظ جامع يشمل كل ما يشعر بالله تبارك وتعالى وكل ما ينسب الى الله جل وعلا ثم جاء التفصيل قال ولا الشهر الحرام الشهر اسم جنس ويشمل الأشهر الحرم وهي أربع ثلاث متواليات وهي ذي القعدة وذي الحجة والمحرم هذه متواليات وشهر رابع هذا منفرد وهو شهر رجب فهذه الأشهر حرم الله تبارك وتعالى القتال فيها كما قال تبارك وتعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ........}[التوبة:36] أربع شهور حرم الله تبارك وتعالى فيها القتال على المسلمين ولا شك أن القتال المحرم هو قتال الطلب وأما قتال الدفع وهو أن يهاجم المسلمون في هذه الأشهر فانه لا شك انه يجب عليهم أن يردوا هذا الهجود كما قال جل وعلا وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ قال الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص أي الشهر الحرام بالشهر الحرام فإذا هاجموكم في الشهر الحرام فلكم أن تردوا هذا الهجوم في الشهر الحرام لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد الهدي هو ما يهدى الى البيت ما يساق من الأنعام لتذبح في محلها عند البيت، والمحل الهدي هو مكة بكل شعابها ومنى كذلك أي أن تذبح في الحرم فالذبح في الحرم مكة بكل حدودها وكذلك منى هذه كما قال النبي ذبحت ها هنا ومنى كلها منحر والشعاب مكة كلها منحر فهذا محل الهدي ما يهدى الى البيت سواء أن كان يهدى بسبب النسك أم يهدى هدية بغير نسك فمن أهدى بسبب النسك بسبب النسك كالحج القارن حج المتمتع فهذا يجب أن يهدي للبيت إما شاه وإما شبع في بدنة أو سبع في بقرة فهذا الهدي ولا القلائد القلائد جمع قلادة والقلادة هي هذا الحبل الطوق الذي كانوا يضعونه في رقبة البعير أو في رقبة الشاة عندما يهدونها قد يهدي الإنسان وهو في بلده ويترك هذه فيقلدها ويشعرها تقلد الغنم وتشعر الإبل وإشعار الإبل هو كأنه يضرب بسهم في سنامها حتى إذا نزل الدم يلبده على صفحة السنام فإذا راها من يراها يعلم أن هذه قد أهديت للبيت وكذلك الغنم تقلد بالقلادة وتساق حتى إذا رؤيت في الطريق تعلم أن هذه مهداة لبيت الله تبارك وتعالى فالله نهى المؤمنين أن يحلوا هذا بمعنى أنهم ينتهكوا حرمة هذا الأمر فيصادروا ويأكلوا أو يدهبوا أو يؤلموه أو يجيعوه لا يجب أن يعتنى بهذا حتى يصل الهدي محله ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا آمين قاصدين أم بمعنى قصد فكل من قصد البيت الحرام يجحب احترامه لأن هذا من شعائر الله تبارك وتعالى أصبح هذا من شعائر الله هذا مؤمن متوجه وقاصد لبيت الحرام فهذا يجب تعظيمه وأنه يأتي ضيف على الرب تبارك وتعالى يريد زيارة بيت الله بعمرة أو بحج فيجب احترامه وعدم انتهاك حرمته قطع الطريق عليه اخافته منعه صده هذا كله هذا من انتهاك الحرمة آمين البيت الحرام ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلًا من ربهم ورضوانًا أي هذا حالهم حال الذي يؤم بيت الله الرحام يبتغي فضلًا من الله ورضوانًا فضل ولو ولا كان زاهبا الى البيت الحرام ليتاجر فلا يجوز منعه وحبسه من تجارته ومنعه من هذا لأن هذا يريد فضل الله تبارك وتعالى بأن  يبيع ما يحمله عند البيت الحرام جالب لهذا فلا يجوز منعه ولا وضعه ولا منع تجارته من أن  الوصول ورضوانًا في الآخرة فهذا اذا لو كان الذي يؤم البيت الحرام يريد بقصده عملًا دنيويًّا يبتغي فضلًا من الله أو أمر من أمور أو يريد المقصد في الآخرة من رضوان الله تبارك وتعالى فلا يجوز صده ومنعه عن البيت الحرام ثم قال جل وعلا وإذا حللتم فاصطادوا وإذا حللتم أي تحللتم من الإحرام فاصطادوا هذا أمر وهذا الأمر للإباحة لأن  الصيد قبل الإحرام كان مباحًا فيرجع الأمر الى ما كان عليه وهذا قاعدة معروفة كل أمر بعد نهي فإنه يعود إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي سواء كان هذا الأمر قبل الأمر إن كان مباحًا فمباح وإن كان واجبًا فواجب فالمباح مثلًا كقول الله تبارك وتعالى فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فهذا أمر كان مباحًا فيرجع للإباحة وأما مثلًا قول الله تبارك وتعالى فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فقبل الحرم كان القتال حرام فالله يقول فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فاقتلوا المشركين هنا أمر فيعود الى ما كان عليه الحكم قبل دخول هذه الأشهر وقدكان القتال إما أن يكون واجبًا وإما أن يكون فرض على الكفاية فيرجع الأمر إلى ما كان عليه فهنا إذا حللتم أي من إحرماكم فاصطادوا أمر لكنه للإباحة يعني من أراد أن يصيد صيد البر وليس صيد البحر فهو مباح له ثم قال جل وعلا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا لا يجرمنكم لا يحملنكم شنآن البغض أي لا يحملك بغضكم على أن تعتدي عليهم بزيادة عن إثمهم إذا كنت تبغضهم فإنه ليس البغض سببًا يدفعك إلى ظلمهم أن تعتدوا العدوان والظلم بل لا يحل الله تبارك وتعالى العدوان ولا يجرمنكم شنآن قوم هؤلاء القوم أن صدوكم عن المسجد الحرام وهؤلاء كفار قريش فقد صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام طيلة هذه السنوات الى السنة السابعة ولم يسمحوا لهم في السنة السابعة بالعمرة إلا ثلاث أيام فقط فكان وأرادوا كذلك أن يكافئوهم بمثل هذا قال تبارك وتعالى لا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعدوا وذلك قيل أن سبب هذا أن بعض المسلمين رأي بعض المشركين يؤمون البيت وهذا قبل أن ينهوا المشركين عن الحج والنهي هذا إنما جاء في السنة التاسعة من هجرة النبي صلوات الله وسلامه عليه أرادوا أن يعتدوا عليهم ويقطعوا لا طريق ويقولوا كم هم قطعوا طريقنا ومنعونا عن البين اللحرام فلمنعنهم كذلك عن البيت الحرام فنهاهم الله عز وجل عن هذا قال ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدكوم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ثم قال جل وعلا وتعاونوا على ابلر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وتعاونوا مع غيركم على البر والتقوى فإن من تيسير السبيل إلى حج بيت الله والعمرة في بيت الله وقصد بيت الله من البر وكذلك من مخافة الله تبارك وتعالى فهذا أمر يجب أن يتعاون فيه الجميع وهذا قبل أن يصبح البيت للمسلمين صار اتفاق بين المسلمين وبين الكفار على أن قصد البيت لا يمنع هذا من البر والتقوى وهوعقد بين مسلمين وبين كفار يبنغي أن يتم وهذا من التعاون هنا تعاون معهم على البر والتقوى وتعاونوا على البر والتقوى وعلى كل حال العبرة في هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل تعاون يمكن أن ينشأ حتى ولو بين مسلم وكافر على فيه شيء من البر ومخن التقوى يجب أن يدخل في هذا ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ما غيركم لا تعاون على إثم ذنب والعدوان الاعتداء على الغير واتقوا الله خافوه سبحانه وتعالى اتقوا الله خافوه جحعلوه وقاية بينكم وبين عقابه فإنه رب هو أهل لأن يتقى ولا يخاف وذلك لأنه يعاقب ويؤاخذ بالذنب عقوبته شديدة وأخذه شديدا ان الله شديد العقاب ختم الآية بها اتقوا الله لما تتقوه لانه شديد العقاب لا أحد يعاقب كما يعاق بالله تبارك وتعالى فان أخذه في الدنيا اليم وشديد وعقوبته بالحبس في النار حبس يعني مستمر لا ينقطع بل هو دائم عياذًا بالله تبارك وتعالى من عقوبته .

نقف عند هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب