الأربعاء 08 ذو القعدة 1445 . 15 مايو 2024

الحلقة (181) - سورة الأنعام 115-123

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فكنا في الحلقة الماضية مع قول الله -تبارك وتعالى- {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( 115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[الأنعام:115-116]، يخبر -سبحانه وتعالى- عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- أنه قد أنزل هذا القرآن، كلمات الله -تبارك وتعالى- وأنه قد أتمها -تبارك وتعالى- صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام، وبالتالي من أراد آية فهذه من أعظم آياته -سبحانه وتعالى-، هذه الآيات النيرة الواضحة، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ........}[الأنعام:115]، كل كلمات الله -تبارك وتعالى- الكونية القدرية لا يستطيع أحد أن يبدلها -سبحانه وتعالى-، فما حكم به الله وما قضاه -سبحانه وتعالى- كان، وقد بيَّن -سبحانه وتعالى- أنه قضى في هذا الأمر بأقضية كثيرة، منها قول الله -تبارك وتعالى- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}[الأنعام:112-113]، أحكام حكم الله -تبارك وتعالى- بها على هؤلاء الكفار، فهذا أمر لا يمكن لأحد أن يغيره –سبحانه وتعالى-، {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}، الكونية القدرية، ما شاء الله -تبارك وتعالى- كان، وما لم يشأ لم يكن -سبحانه وتعالى-، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { وهو السميع لكل خلقه، العليم بكل أحوالهم -سبحانه وتعالى-، وفي هذا تهديد لهؤلاء الكفار ووعيد لهم وأن وعيده -سبحانه وتعالى- نافذ فيهم.

ثم قال الله لرسوله {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ........}[الأنعام:116]، اتخذ طريقك، الله -تبارك وتعالى- قاله اتخذه طريقك، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنعام:114-115]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ........}[الأنعام:116]، فإن أكثر أهل الأرض إلى ضلال، والقلة القليلة هو الذي يؤمنون بهذا النبي، كما كان الشأن في كل الرسالات السابقة والأمم السابقة، فإن الرسول لم يتبعه من قومه إلا القليل، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ........}[الأنعام:116]، إذن اتبع سبيل ربك كما أمرك الله -تبارك وتعالى-، ثم بيَّن الله -سبحانه وتعالى- سبب الضلال، لما يضل الأكثر؟ قال -جل وعلا- {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}، الظن رجحان فإن بداية الأمر؛ بداية العلم شك، والشك هو عدم الترجيح في أحد الاحتمالين، موجود غير موجود، حق غير حق، فالإنسان إذا أي حكم من الأحكام وأي أمر من الأمور لا يستطيع أن يرجح واحد من الاحتمالين على الأخر هذا شك، ثم إذا رجح واحد على الأخر هذا رجحان، لكن يبقى الاحتمال الأخر موجود، الاحتمال الثاني موجود، وهذا الظن -الذي هو الرجحان- يرجح هذا الاحتمال على هذا الاحتمال، لكن هذا ليس علمًا ليس قطعًا، ثم بعد الظن يكون فيه العلم، والعلم هذا أمر معلوم فيه درجة عظيمة من اليقين به والتأكد منه فهذا علم، والعلم هو الذي تبنى عليه الأحكام الصحيحة أما الظن لا، الظن هو مجرد رجحان الاحتمال المرجوح قد يكون صحيحًا، فهؤلاء الناس مجرد أن يتراءى لهم أمر, يظنون مع قيام الاحتمال الأخر يتبعون الظن، والذي يتبع الظن لابد أن يخيب ظنه، لأن الاحتمال الثاني هذي الذي لم يراعه واتبع هذا المرجوح قد يكون هو مخطئًا في هذا، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}، والظن ليس علمًا ولا يجوز أن يتبع، {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، والخرص هو ظن كذلك، الخرص بمعنى الظن، وأصل الخرص من تقدير ما على النخل من الثمرة، هذه النخلة, هذه عليها من الثمرة مكيلًا وكيلًا أو وزنًا، بمقدار كم؟ فيقول مثلًا عليها مئة صاع، بس يكون هذا الذي ظنه قد يطلع تسعين أو ثمانين أو سبعين صاع، أو يطلع أكثر من هذا فهذا ليس أمرًا حقيقيًا، {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، يظنون، يضعون كلام بدون أن يكونوا متأكدين من هذا الكلام تأكد القطع والعلم به، وهذا في أمور أكثر الناس بهذا الأمر، وخاصة في أمر المعتقد أمر الله -سبحانه وتعالى-، فحكمهم على الله -تبارك وتعالى- و-حكمهم على الرسالات وحكمهم على الغيب كله يأخذونه بهذه الظنون وبهذا الخرص، ولا يتبعون شيئًا من العلم، كما قال لهم الله -تبارك وتعالى- في شركهم {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ........}[الأحقاف:5]، فهذا المشرك الذي يقول الشمس إله أو الملائكة بنات الله أو عيسى هو ابن الله ما عنده من العلم بهذا الأمر، ظنون أمر مظنون، بل هذا كذب في الأساس يفترونه ثم يرجحونه ثم يتبعونه ويسيرون خلفه، قال -جل وعلا- {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، ولذلك كان الضلال.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[الأنعام:117]، أي فسلم الأمر له، إن ربك يا محمد -صلوات الله عليه وسلم- هو أعلم من يضل عن سبيله، فلذلك لا تشتغل بضلال هؤلاء لماذا ضلوا عن الهدى؟ الله أعلم -سبحانه وتعالى-، أعلهم بهم فهو أعلم بعباده، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ........} [الأنعام:117]، هو أعلم بهم ولذلك هو الذي سيحاسبه ويعاقبه -سبحانه وتعالى- على ذلك، {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، -سبحانه وتعالى- فالأمر إليه وليس الأمر إلى النبي -صل الله عليه وسلم-، بأن يحكم بأن هذا ضل على الحقيقة وأن هذا اهتدى على الحقيقة، وإنما كذلك شهادة النبي -صلوات الله والسلام عليه- وغيره إنما هي بالظاهر، وأما خفايا هذه الأمور فإن أمرها إلى الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[الأنعام:117]، الآن استبانت طريق الحق من طريق الباطل، وأن هؤلاء الكفار اتخذوا طريق باطل لا مستند لهم فيه إلا الظن وإلا التخمين، وأصبحت طريق الله -تبارك وتعالى- واضحة، ثم السياسة التي يجب على الرسول أن يتبعها نحو هؤلاء الكفار أوضحها الله -تبارك وتعالى-.

هنا يبدأ فاصل من التشريع لأهل الإسلام، فمن هذه التشريعات أن يكون الحكم لله -تبارك وتعالى- في كل شأن، ومن هذه الشئون الطعام؛ الأكل، ماذا يأكلون؟ وماذا  يحرم عليهم من الطعام وما يباح لهم، قال -جل وعلا- {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}[الأنعام:118]، فتعقيب على أن الحكم له -سبحانه وتعالى- وأن الأمر له ألا تتبع سبيل الكفار، هؤلاء ناس يتبعون أهوائهم ويتبعون ظنونهم، فكلوا أي أيها المؤمنون المخاطبون بهذا القرآن {مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، مما تذبحونه بأيديكم وتقولون بسم الله الله أكبر، تذكرون اسم الله عليه فتسبحون فتذكرون اسم الله فتكبرون بأمر الله -تبارك وتعالى-، {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ........}[الأنعام:118]، أي مما أحل الله لهم من بهيمة الأنعام، {إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}، أي فافعلوا إن كنتم بآياته مؤمنين تهييج لهم على الفعل فليكن هذا، كما يقال إن كنت مؤمنًا فافعل هذا، إن كنتم بآياته مؤمنين فإذن التزموا ألا تأكلوا إلا مما ذكر اسم الله عليه عند ذبحه.

ثم قال -جل وعلا- {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}[الأنعام:119]، {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، يعني ما ينعكم من هذا الأمر، فإن هذا أمر مقرر هذا هو الحق، والله -تبارك وتعالى- من رحمته -سبحانه وتعالى- قد فصل لكم ما حرم عليكم، فالمحرمات التي حرمها من الطعام فصلها، الذي هو قول الله -تبارك وتعالى- {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام:145]، فالله -تبارك وتعالى- فصل المحرم، ذكر الأشياء التي حرمها الله -تبارك وتعالى- ذكرها بالنص واحدةً واحدة فبيَّنها -سبحانه وتعالى-، وما سوى هذا مما فصله الله -تبارك وتعالى- فهو عفو قد أباحه، {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، ما الذي منعكم من هذا؟ أي أن هذا هو الأمر المقرر، فهذا الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يشرع لكم -سبحانه وتعالى-، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}، الذي هي الأربعة المحرمات الذي هي الميتة والدم ولحم خنزير والمذبوح لغير الله -تبارك وتعالى-، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}، ثم قال -جل وعلا- {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}، اضطررتم يعني ألجئتم إلجاء المدفوع إلى هذا الأمر بضرورة الإبقاء على الحياة، لأنه إن لم يأكل مات، فإن كان المسلم في حال من الأحوال لم يجد إلا هذا الذي حرمه الله -تبارك وتعالى- فاضطر أن يأخذ منه ليقيم حياته وليبقي على حشاشته فله ذلك، قال {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}، أي فكلوا من هذه المحرمات.

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وإن كثيرًا أي من هؤلاء المشرعين الذي يشرعون لأنفسهم ليضلوا بأهوائهم بغير علم، يشرعون ما شاءوا فيخوضون فيحلون ويحرمون بالهوى دون رجوع إلى الله، ليس لأحد الحق في التشريع في أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا الرب -سبحانه وتعالى-، لأن الله هو الخالق وهو المتصرف والأمر كله له، فهو الذي له الحق أن يقول هذا حلال فكلوه وهذا حرام فلا تأكلوه، أما غير الله -تبارك وتعالى- كيف يحق له ذلك! كيف يحق أن يقول هذا حلال وهذا حرام! بأي حق! خلقته، متصرف فيه، أنت عبد مأمور خلقك الله -تبارك وتعالى-، كيف تقول كلوا هذا ولا تأكلوا هذا، ويترتب على هذا ليس هذا لك، إنما هذا للرب الإله -جل وعلا-، قال {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ}، يضلون غيرهم بأهوائهم أي بإتباع الهوى، فما يوافق هوه أخذه وما لا يوافقه تركه ويجعل هذا تشريع، وسمي إتباع شهوات النفس هوى من الهوي والسقوط، فالإنسان إذا اتبع شهواته بغير علم هوى -عياذًا بالله-، {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، دون أن يكون عندهم علم بهذا الأمر وإنما إتباع ما تشتهي الأنفس، قال -جل وعلا- {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}، تهديد؛ تهديد إن ربك يا محمد هو أعلم بالمعتدين، من يعتدون على أمره ودينه وتشريعه -سبحانه وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}، آية جامعة نهى الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين فيها أن يتركوا الإثم كله ما ظهر وما بطن، ما ظهر للناس وما خفي عنهم، أو ما ظهر على جوارح العبد وما يخفيه العبد في نفسه، فهذه تجمع كل أنواع الإثم حتى لو كان مجرد وسواس في القلب، فإذا كان وسواس في القلب أو شيء يظهر على الجوارح أو كذلك أمر يفعل أمام الناس أو أمر يستتر به فاعله عن الناس اتركوا هذا وهذا، {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ}، يعني ما يظهر من هذا الإثم على الجوارح أو أمام الناس، {وَبَاطِنَهُ}، يعني في الخفاء أو في باطنك أنت؛ في نفسك، اتركوا هذا وهذا، {........ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}[الأنعام:120]، تهديد؛ تهديد ووعيد من الله -تبارك وتعالى-، يقول -جل وعلا- ، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ}، ومعنى كسبه بمعنى ناله وأخذه له، فكل عمل هو من كسبك لك أو عليك، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ}، الإثم المعصية، {سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}، سيجزيهم الله -تبارك وتعالى- بأعمالهم، {سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، حسم ونهي أكيد، {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، مات حتف أنفه من الأنعام، شاه تموت بدون ذبح، بدون تذكية، أو قتلت بأي سبب غير الذبح، ولم يذكر اسم الله -تبارك وتعالى- عليها عند ذبحها، عند قتلها، {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، كالميتة أو ما ذبح بغير اسم الله -تبارك وتعالى-، عند ذبحه نودي عليه باسم غير اسم الله -تبارك وتعالى-، {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، كما ذبح للأصنام وهذه الآلهة الباطلة أو ما مات حتف أنفه، قال -جل وعلا- {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، إنه يعني الفعل المنهي عنه الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه فسق، خروج عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، إن هذا أمر الله –عز وجل- فإذا فعلت ما ينهى عنه الله -تبارك وتعالى- خرجت عن طاعته، {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ}، إن الشياطين من الجن أو الإنس ليوحون؛ الوحي الإعلام بطريق خفي، يعني يعلمون أوليائهم من الإنس بطريق خفي كالوسواس مثلًا إذا كانوا جن، {لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}، يوحون إليهم بالشبه ليجادلوكم بها، قال -جل وعلا- {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، جاء في سبب نزول هذه الآيات أن الكفار جاءوا إلى النبي -صل الله عليه وسلم-، وقالوا له يا محمد الشاه تصبح ميتة؛ من قتلها؟ قال الله، فقالوا  أنتم الذين ما تذبحونه أنتم تقولون عنه حلال ومذكى وتأكلونه، وأما الذي يميته الله -تبارك وتعالى- وربما ذبحه في الليل بسكين من ذهب هذا الله هو الذي ذبحه، لا تأكلونه وتقولون ميتة ونجس وحرام و...، أأنتم أفضل من الله، يعني هل التي تميتونها أنتم وتذبحونها أنتم تأكلونها، وما يميته الله -تبارك وتعالى- ويحكم عليه بالموت لا تأكلونه، فهل تفضلون أنفسكم عن الله؟ شيطنة؛ شبهة شيطان، هذي شبهة من شبه الشيطان، فهذه من كلام الشياطين بعضهم لبعض، ليجادلوا النبي ويجادلوا المؤمنين، قال -تبارك وتعالى- {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}، به، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ}، أي في هذا الأمر، تحليل ما حرم الله -تبارك وتعالى- عليكم فإن الله حرم عليكم أن تأكلوا الميتة، هذه الميتة التي ماتت حتف أنفها بدون أن تذكروا اسم الله -تبارك وتعالى- عليها عند الذبح وهي حية صحيحة، تذكر عليها اسم الله وتخرج منها هذا الدم الخبيث، فيتصفى ويزكوا لحمها ويتطهر، بخروج الدم منها وبذكر اسم الله -تبارك وتعالى-، إذا لم تكن كذلك فلا تأكلوها، فالله يقول {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، هذا حكم من الله -عز وجل-، وإنه لفسق الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، فمات حتف أنفه أو ذبح باسم غير اسم الله -تبارك وتعالى-.

قال {........ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:121]، إن أطعتموهم في تحليل ما حرم الله ما قال إنكم لعاصون أو مجرمون قال لمشركون، ليبين أن هذا الشرك وهو طاعة غير الله -تبارك وتعالى- فيما يعصى به الله، الرضا بحكم غير حكم الله -تبارك وتعالى-، ترك أمر الله -عز وجل- وأخذ أمر غير أمره مفضلًا عليه أو مساويًا بينهم، أن يحل هذا وهذا يقول هذا مثل هذا فهذا شرك بالله -تبارك وتعالى-، فهذا نوع من أنواع الشرك بالله -تبارك وتعالى-، الشرك في الطاعة والشرك في التشريع، وفي هذا الأمر الذي هو من أمر الأكل؛ من أمر الطعام، ولكن طاعة المشركين في هذا ما قال مثلًا تصلّوا لإلههم أو تسجدوا له أو تفعلوا له فتكونوا مشركين لا، ليس في عمل يؤدى لآلهة الكفار وإنما في عمل يراد به الطعام والشراب؛ في تحليل الميتة، فإذا أخذتم قولهم في تحليل الميتة وقد حرمها الله -تبارك وتعالى- عليهم كنتم مشركين، وهذا بيان بأن الشرك يكون في الطاعة، ويسمى صاحبه إذا أطاع بهذا النحو أطاع غير الله -تبارك وتعالى- فيما يعصى به الله، الآخذ بأمر الكفار مطيعهم ولو في فرض واحد من فرائض الأمور فيكون مشركًا بالله -تبارك وتعالى-، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.

ثم عقد الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك مقارنة بين المهتدى والضال، فقال -جل وعلا- {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:122]، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا}، بالكفر والشرك، {فَأَحْيَيْنَاهُ}، بالإيمان، وهذا حال كل الذين هداهم الله -تبارك وتعالى- للإيمان كانوا موتى، ميت لا يعرف إلهه ولا ربه ولا خالقه ولماذا وجد هنا ويعيش كالبهيمة، يأكل ويتمتع ويشرب وهو لا يعرف لما الحياة، ما الهدف منها، ما الغاية، لماذا وجد هنا في هذه الأرض، فهذا شأنه كشأن الميت؛ إذ هو لا يستفيد بكل هذه المقدرات التي قدرها الله -تبارك وتعالى-، لا عينه وقلبه وسمعه وكيانه ما يستفيد بشيء من هذا، كحال الميت فإنه لا يستفيد حال موته بكيانه هذا الذي اضمحل، فكذلك حال الكافر؛ الكافر ميت، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا}، بالكفر والشرك، {فَأَحْيَيْنَاهُ}، نسب الله -تبارك وتعالى- يعني فعل هذه الحياة إليه -سبحانه وتعالى- فأحييناه بالإيمان، لما الحياة، معرفة الرب، معرفة القلب بربه، امتلاء البصر، امتلاء السمع، بمعرفة آيات الله -تبارك تعالى- حيث أصبحت هذه الجوارح يستفاد منها، لأنها استخدمت فيما خلقت له وتفيد صاحبها بأنها عرفته بربه، عرفته بطريقه، كان مآل هذا الجنة فحيا، فالدين حياة، قال -جل وعلا- {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}، روح تدب، هذا الدين روح، {........ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52]، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا}، بالكفر والشرك، {فَأَحْيَيْنَاهُ}، بالإيمان والتوحيد، {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، هذا القرآن، القرآن والأحكام هذا نور يكشف الأمور، يوضح الحق من الباطل والهدى من الضلال وصراط الله المستقيم من هذه صرط وطرق هذه الشياطين، فهذا نور يمشي به في الناس يعرف كل الحقائق؛ كل الحقائق، فما من طائر يقلب جناحيه في هذه الأرض إلا وقد أنزل الله -تبارك وتعالى- علم منه فيه، فيعرف به كل الأمور، كل الأعمال، كل الأقوال، يقدر يحكم عليه، هذا باطل، هذا حق، هذا طريق الله، هذا طريق الشيطان، فيعرف كل ما يمارسه البشر من عمل خلاص نور، فهذا الدين بصيرة لكل شيء.

{وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }، الكافر، الكافر يعيش بظلام ليس بخارج منه حتى يموت، إذا كان كافرًا ومات على الكفر -عياذًا بالله-، فما هذا مثل الكافر لأنه لا يدري أين ذاهب؟ من أين جاء؟ ماذا يستفيد؟ ماذا يأخذ؟ ماذا يدع؟ ما هو الحق؟ ما هو الباطل؟ كافر أعمى، أعمى كما قال الله -عز وجل- في عمل الكافر {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40]، فهذا حال الكافر، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ}، وليس بخارج منها حكم الله -تبارك وتعالى- على هذا النوع من الكفار أن يموتوا على الكفر -عياذًا بالله-، كما حكم على أبي جهل وأمية ابن خلف والوليد ابن المغيرة والعاصي ابن وائل السهمي وغيرهم ممن عارضوا وعاندوا هذا الدين، من المستهزئين الذين قال الله -تبارك وتعالى- فيهم بعد {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر:95]، بهذا الدين، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، كذلك كهذا التزيين والتحسين والتجميل لأعمال الكفار المظلمة القبيحة الخبيثة، زينت لهم فأصبحت حسنة في عقولهم وفي أعينهم، {كَذَلِكَ زُيِّنَ}، بالبناء لما لم يسمى فاعله، وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- أنه قد فعل هذا كونًا وقدرًا، وأن الشياطين هم الذين زينوا للكفار هذا الأمر عقوبة لهم من الله -تبارك وتعالى-، {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83]، {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النحل:63]، {كَذَلِكَ زُيِّنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، يعني الذي كانوا يعملونه زينه الله -تبارك وتعالى- لهم، حسنه وحسن عملهم القبيح في أعينهم فرأوه حسنًا، والله -تبارك وتعالى- قال {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[فاطر:8]، فهذه عقوبة الله لهم.

{كَذَلِكَ زُيِّنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ثم قال -جل وعلا- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[الأنعام:123]، وكذلك يعني كهذا الأمر، {جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ}، من القرى التي أرسل الله -تبارك وتعالى- فيها الرسل، {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا}، كبار المجرمين، كبار مجرمي هذه القرية، {لِيَمْكُرُوا فِيهَا}، بالنبي والرسول، يتآمروا عليه كيف يصرفوا الناس عنه، كيف يجعلوا طريق الله -تبارك وتعالى- معوجًا، كيف يقتلوه، كيف؟، كما هو الشأن، وهؤلاء يعني كبار المجرمين في مكة كان الأمر هكذا، من أمثال العاص ابن وائل، الوليد ابن المغيرة، أمية ابن خلف، كذلك أخوه، شيبة ابن ربيعة، عتبة ابن ربيعة، هؤلاء كبار المجرمين أبو لهب الذين كانوا قد تولوا أمر الصد عن سبيل الله -تبارك وتعالى-، والكيد بالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، كما قال -جل وعلا- {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:30]، فالله يعني هنا يهون على نبيه -صلوات الله والسلام عليه- ويقول له أن كبار المجرمين هؤلاء الذين يمكرون بك قد كان هذا الشأن في القرى السابقة، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا}، والمكر هو إيصال الضر إلى العدو بطريق خفي، وهؤلاء هذا مكر سيء، طبعًا المكر عندما يطلق المكر فلا يراد به إلا السوء، ولكن إيصال الضر إلى العدو بطريق خفي قد يكون منه حسن وهو المكر بأهل المكر، المكر بأهل المكر السيء حسن هذا، فإذا أوصل الإنسان الضر للمجرمين والأشرار بطريق خفي وعاقبهم على هذا النحو فهذا حسن، وهذا ما يصنعه الرب -تباك وتعالى- في أعدائه من أهل الإجرام، كما قال -جل وعلا- {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، يعني أن الله -تبارك وتعالى- يوصل لهم الضر من حيث لا يحتسبون وبطريق خفي -سبحانه وتعالى-، ليعاقبهم ويعاقب مكرهم ويقابل مكرهم بمكر مثله فيهلكهم الله -تبارك وتعالى-، قال {لِيَمْكُرُوا فِيهَا}، ثم قال -جل وعلا- {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ}، يعني محاولتهم إيصال الضر بالأخرين لا تحيق، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، فلا يعود إلا على أنفسهم، {وَمَا يَشْعُرُونَ}، لا يشعرون بأن هذا الذي يفعلونه أن نتيجته ستعود على رؤوسهم ويعود عليهم، وهذا كذلك من مكر الله -تعالى- بهم، أن يسيروا في هذا الأمر يظنونه حسن ويظنون أنه بالغ مأربهم فيه، والحال أن إثم ذلك ونتيجة ذلك وعاقبة ذلك ستكون على رؤوسهم، {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

نقف عند هذا -إن شاء الله-، ونسير مع سياق الآيات -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله على عبد ورسوله محمد.