الإثنين 13 ذو القعدة 1445 . 20 مايو 2024

الحلقة (208) - سورة الأعراف 143-153

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله -تبارك وتعالى- : {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:143]، يُخْبِر -سبحانه وتعالى- عن عبده ورسوله موسى -عليه السلام- أنَّه لمَّا جاء لمِيْقَات الله وهو الأَرْبعين يوم الذي واعده الله -تبارك وتعالى- مِن أَجْل أنْ يُنزِلَ عليه التَّوراة وأنْ يُعلِّمه إيَّاها، و يكون في خَلْوة وفي تَعَبُد وفي ذِكْر لله -تبارك وتعالى- في هذه الموعدة، ثم يعود إلى قومه بني إسرائيل وأنَّ موسى خَلَّفَ خَلْفه أخاه هارون، ولمَّا جاء موسى لمِيْقَات الله -تبارك وتعالى- وسَمِع كلام الرَّب؛ سمعه بغير واسطة مِن الله -تبارك وتعالى-، فهو نبي مُكَلَّم {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، وهو أحد الثلاثة الذين كَلَّمَهم الله، آدم نبي مُكَلَّم وموسى ومحمد -صلوات الله والسلام عليه-، طَمِع موسى بعد كلام الله -تبارك وتعالى- له أنْ يَرى ربَّه -سبحانه وتعالى- وهو في الدنيا، {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}، نَظَر عَيْن، فأخبره الله -تبارك وتعالى- قال له : {لَنْ تَرَانِي}، أي في حياتك الدنيا، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- احتجب عن خَلْقه -سبحانه وتعالى-، لا يَرَاه إلا عباده المؤمنون في الآخرة في الجنَّة، ثم أخبره -سبحانه وتعالى- بأنَّ الأرض لا تَسْتَقِر إذا ظَهَر الله -تبارك وتعالى- وتَجلَّى له، قال : {انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}، قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}، تَجَلَّى ظُهُور الرَّب -سبحانه وتعالى-، {لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}، جَعَل هذا الجبل دكًا، دُكَّ الجَبَل فنُسِفَ ووقع مِن أساسه، {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ}، موسى أي مِن الصَّعْق، {قَالَ سُبْحَانَكَ}، سبحانك تنزيهًا لك، {تُبْتُ إِلَيْكَ}، التَّوْبة هي الرجوع وذلك مِن هذا الطلب الذي ما كان ينبغي له أنْ يطلبه، وقال : {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، بك وأنَّك لا تُرَى في هذه الدنيا.

فقال له الله -تبارك وتعالى- : {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الأعراف:144]، يا موسى ناداه الله -تبارك وتعالى- باسمه، إنَّي الرَّب الإله -سبحانه وتعالى-، اصطفيتك الاصطفاء هو الاختيار والاجتباء، على الناس فوق جميع الناس، برسالاتي أَرْسلت لك رسالاتي ورسالاته عن طريق المَلَك الذي يَحْملِهُاَ جبريل وَحْي الله -تبارك وتعالى-، وبكلامي بأنْ كَرَّمْتُك بأنْ تَسْمَع كلام الرَّب -تبارك وتعالى- بأُذُنَيْك وأنت في هذه الحياة، وقد سَمِع هذا في مواطن كثيرة، فقد سَمِعَ كلام الله -تبارك وتعالى- ناداه الله عند عودته مِن مَدْيَن إلى مصر، وناداه الله -تبارك وتعالى- وحَمَّله رسالته إلى فرعون، وجعله رسولًا وأخبره بالمُهِمَّة التي سيقوم بها وهي إنقاذ بني إسرائيل مِن المصريين، {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي}، كان هذا الكلام الأول ثم كلامه أنْ أخذه الله -تبارك وتعالى- في هذه الموعدة التي وَعَده إيَّاها، وكَلَّمَهُ -سبحانه وتعالى- كلامًا مُبَاشِرًا مِنه -جلَّ وعَلا- يَسْمعه موسى -عليه السلام-، {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ}، خُذْ ما أتيتك مِن هذه الأفضال، ما تَفَضَّل الله -تبارك وتعالى- به عليك مِن الرسالات و مِن التكليم، أي ولا تطلب المزيد {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، كُن مِن الشاكرين لِما فَضَّلك الله -تبارك وتعالى- به على الأنبياء والمرسلين والناس.

ثم قال -جلَّ وعّلا- : {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}[الأعراف:145]، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ}، كَتَبَ الله -تبارك وتعالى- لِمُوسى في الألواح، ألواح تُكْتبُ بلغة قومه وأنزلها الله -تبارك وتعالى- عليه مِن السماء مكتوبة، قال -جلَّ وعَلا- : {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، أي أَنْزَلَ الله -تبارك وتعالى- له كتابًا مُفَصَّلا فيه أحكام كل شيء، كما قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ........}[المائدة:44]، فأَنْزَلَ الله -تبارك وتعالى- له أحكام كل شيء، والحُكْم يأتي كذلك مع الموعظة أي أنَّه في كل أمر وفي كل نهي يَقْتَرن بالوَعظ، كالأمر بأخذه، عدم التَّهَاون فيه، ماذا يترتب على هذا العمل، ماذا يترتب عن النُّكُول عن هذا العمل، كل هذا جَعَلَ الله -تبارك وتعالى- الموعظة مع الأوامرِ والنَّواهي ليكون أكبر في القبول، أشَد في القبول، فإنَّ الأمر المجرد افْعَل فقط غير افْعَل لأنَّه إذا فَعَلْت فَلَك كذا وكذا، وإذا لم تفعل فعليك مِن الوَزْر كذا وكذا، وأَحْذِر هذا وخُذ هذا وفائدة هذا الأمر وحِكْمتهُ، فعندما يأتي الأمر مَسُوقًا على هذا النحو بما يقترن به بالموعظة به يكون هذا أعظم، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، مُفَصِّل الأحكام لكل شيءٍ تحتاجه هذه الأُمَّة لتقوم بأمر الله -تبارك وتعالى-، {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}، أي يا موسى، والأخذ بقوة بمعنى أنَّها بِعَزْم وبنشاط فِعْل أكيد على القيام بالأمر وعدم التهاون فيه، {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}، {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}،هذه الأوامر الحَسَنة التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- وينتهوا عمَّا نَهَى الله -تبارك وتعالى- عنه، {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}، رؤية عَيْن دار الفاسقين الخارجين عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، كيف يُعَامِلُهُم الله -تبارك وتعالى- بعقوباتهم في الدنيا وبالنَّكَال لهم في نهاية المطاف، {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}.

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- سُنَّتهُ في معاملة هؤلاء الفاسقين، فقال : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}[الأعراف:146]، {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:147]، هاتان الآيتان تُبيِّن سُنَّةَ الله -تبارك وتعالى-، طريقة الرَّب -جلَّ وعَلا- في مُعاملة المُكذِّبين المعاندين، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، فِعْل عقوبة شديدة أنَّ الله -تبارك وتعالى- يَصْرِفُ قلوبهم عن قبول الحق، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ}، تَظْهَر هذه الآيات وتتضح وتقوم ولكن تبقى قلوب الكفار عنها في غَفْلَة، وكأنهم مَصْرُوفون عنها لا ينظرون فيها ولا يتفكرون فيها، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، يتكبرون فيها بغير الحَقّ فيتكبرون بما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- فيه مِن الجاه ومِن الأموال، ويستكبرون عن طريق الرَّب -تبارك وتعالى-، وهذا استكبارٌ وعُلُوٌ بغير الحق بل بالباطل الذي هم عليه، ويَنْفُخُهم ويجعلهم يبتعدون عن طريق الرَّب -جلَّ وعَلا-، {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا}، هذا مِن العقوبة؛ مِن عقوبة الرَّب -تبارك وتعالى-، وإنْ يَروا كل آية رؤية بَصَرِيَّة وقد تقع في قلوبهم وينظرونها لكن لا يُؤمنوا به، يعلمون أنَّها آية الرَّب -تبارك وتعالى- ولكن مع رؤيتهم لها وتَحَقُقهم منها إلَّا أنَّهم لا يؤمنون بها، وإنْ يَرَوا كل آية مهما كانت لا يؤمنوا بها كما كان الشأن في قوم فرعون، فإنَّهم رأوا هذه الآيات الكثيرة الظاهرة ولكنهم لم يؤمنوا بهذا، وقد قال موسى لفرعون : {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ ........}[الإسراء:102]، عَلِمَ هذا مِن حقيقة قلبه، وقال الله -تبارك وتعالى- عن قومه : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ........}[النمل:14]، فهذه عقوبة الرَّب -تبارك وتعالى- لهم، {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}، يَرَوْهُ ويعلمون أنَّ هذا سبيل الرَّشاد لكن لا يسيرون فيه؛ يُصْرَفُونَ عنه، {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}، مِجُرَّد أنْ يروا أنَّ هذا سبيل غِوَاية وسبيل ضلال لكن هو الذي يحبونه وهو الذي يسلكون فيه، {ذَلِكَ}، أي هذه العقوبة، {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}، لمَّا كَذَّبُوا بآيات الله -تبارك وتعالى- بعد أنْ جاءتهم، عَلِمُوا أنَّ هذه آيات الله ورَدُّوهَا عَاقَبَهُم الله -تبارك وتعالى- هذه العقوبة، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا}، عقوبة لهم، {........ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}[الأعراف:146].

ثم {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ........}[الأعراف:147]، {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ}، لقاء الآخرة مع الله -تبارك وتعالى- أنَّهم يَلْقَوْن ربهم لفَصْلِ القضاء وللحساب، ولتَصْرِف بعد ذلك هؤلاء الكفار المُعَانِدين إلى النَّار ويُصْرِف أهل الجنَّة إلى الجنَّة، {وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}، الحَبَط هو الهلاك والاضمحلال، وأصل الحَبَط في لُغَة العَرَب داء يُصِيب الإبل في بُطُونها فتَنْتَفِخ بطونها، فَمَن يَنْظُر إليها يظن أنَّها سمًيِنَة والحال أنَّ في هذا الوَرَم وهذا الانتفاخ ثم بعد ذلك تقع فجأة، أُخِذ هذا المعنى لعمل الكافر، فعمل الكافر مَرَض بَاطل يظهر مُنْتَفخ مُنْتَفِش وكأنَّه شيءٌ نافع، ثم بعد ذلك يَهْلكُ فجأة، وهكذا الكافر يَبْني في هذه الدنيا ويَفْرَحُ بها و مُزَخْرفة له ومُزيَّنة له ولكنها كلها لا يكن عليها ويسعى في هلاك نَفْسِهِ، ثم بعد ذلك يوم القيامة يَضْمَحِّل ويكون مآل هذا العمل هو النار -عياذًا بالله-، أو عمل الكافر للدين، عمل الكافر ما يَعْمَله للدين في قربى مِن الله -تبارك وتعالى-، يظن أنَّ هذا نافعه ولكنه لا ينفعه لأنَّه قام على غير أساس، قام على شِرْك بالله -تبارك وتعالى-، {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ........}[الأعراف:147]، قال -جلَّ وعَلا- : {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، سؤال لتقرير الأمر ,أي هل يُجْزَونَ بهذا الجزاء أي إضلالهم على هذا النَّحو وإهلاك أعمالهم على هذا النَّحو، هذه خسارتهم المُحَقَّقة في نهاية المَطَاف هذه نتيجة عملهم، يقول الله : {هَلْ يُجْزَوْنَ}، أي مِن الله -تبارك وتعالى- بهذا الجزاء، {إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فإنَّ الله يجزيهم بأعمالهم -سبحانه وتعالى-.

ثم يعود السِّيَاق بعد ذلك إلى فَاصِل جديد مِن هذه القصة لموسى وقومه -عليه السلام-، قال -جلَّ وعَلا- : {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}، رجعنا هُنَا الآن إلى قوم موسى، بعد أنْ فارقهم موسى -عليه السلام- لمِيقَاتِ الله -تبارك وتعالى-، فلننظر ما كان شأنُ القوم الذين تركهم موسى وهُم في خِلَافَة هارون -عليه السلام-، قال –جلَّ وعَلا- : {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ}، أي مِن بعده عندما خرج منهم لَلِقَاء الرَّب -جلَّ وعَلا-، {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}، جمعوا الحُلِّي، وهذه الحُلِّي كانوا قد سَلَبُوها مِن المصريين عند خروجهم، فإنه قد زَيَّن بعضهم أنْ يَطْلب مِن المصريين أنْ يَسْتَعِيروا ذَهَبهُم لأفراح ونحو ذلك، ثم لمَّا استعاروا ذهبهم خرجوا به، فلما خرجوا به قال لهم  هارون -عليه السلام- إنَّ هذا لا يَحِلُّ لكم، أي هذا الذهب الذي أخذتموه مِن المصريين عندما خَرَجتُم به لا يحل لكم فألقوه؛ فألقوه، أخذوا الذَّهب الذي سَلَبوه مِن المصريين وألقوه، فلمَّا ألقوه جَمَعه أحدهم وهو السَّامِري وصَهَره، وكان قد رأي بعض أَثَر مِن أَثَرِ جبريل -عليه السلام- فأخذه، لأنَّه رأى أنَّ رِجْل فَرَس جِبْريل -عليه السلام- كان إذا وَطِئَت الأرض اخْضَرَّ ما تحتها، فأخذ شيء مِن أثرِ جبريل وأخذه ثم جاءت له فكرة، أنْ يضع هذا أي هذا الأَثَر هذا الذي أخذه مِن أَثَرِ جبريل فيُلْقِيه في وَسَط هذه السَّبِيكَة التي سَبَكَها مِن الذَّهَب، ثم لما حَوَّل هذه السَّبِيكَة بعد ذلك إلى عجل إذا به تَدُبُّ فيه حياة، قال -جلَّ وعَلا- : {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا}، والجَسَد لا يُقَال جَسَد إلا على ما هو ممَّا يأكل ويشرب مِن الحَيّ، وليس عِجْلًا منحوتًا تمثالًا مِن الذَّهب فقط بل عِجْل جسدًا، قال -جلَّ وعَلا- : {لَهُ خُوَارٌ}، والخُوَار هو صوت العِجْل؛ صوت البَقَر، فهو عِجْل حقيقي فيه حياة وهو جَسَد وليس مُجَرَّد صَنَم مصنوع مِن الذهب، وكان هذا مِن الله -تبارك وتعالى- اختبار لهم؛ فِتْنة لهم، واتخذوه؛ اتخذوا هذا اتخذوه إلهًا، فسرت فيهم مقالة سَرَيَان النار في الهشيم كما يُقَال، أنَّه جاء مَن قال لهم أنه هذا لمَّا رَأَوا عِجْل أَسَاسه مِن الذَّهب وهو له هذا الخُوَار ويتحرك فيما بينهم، قالوا هذا الرَّب الإله تعالى الله عن ذلك -سبحانه وتعالى-، قال -جلَّ وعَلا- : {........ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}[الأعراف:148]، ألم يروا أنَّه أي أنَّ هذا العِجْل لا يكلمهم، وأنَّ هذا فقط كل ما يصنعه هو الخُوَار؛ صوت البَقَر، والله خالق السماوات والأرض -سبحانه وتعالى- مُنَزَّه أنْ يكون في هذه الصورة، ثم مُنَزَّه أنْ لا يَتَكلَّم -سبحانه وتعالى-، فالله هو الإله العظيم الذي ليس كمثله شيء والكلام صِفة مِن صفاته -سبحانه وتعالى-، قال : {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ}، كيف يكون هذا إلهًا الذي لا يتكلم! {وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا}، لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء إنما هو أبْكم حيوان أَعْجم، فهو حيوان أعجم فلا يهدي غيره، وتعالى الله -تبارك وتعالى-، الله -سبحانه وتعالى- مِن صفته أنه الذي يأمر ويَنْهَى -سبحانه وتعالى- ويهدي، هو الذي أنزل الهُدَى كله؛ والهُدَى كله هُدَاُه -سبحانه وتعالى-، فكيف يكون هذا العِجْل المُتَّخَذ على هذا النحو والمصنوع باليدين هذا هو الرَّب الإله -سبحانه وتعالى-، قال -جلَّ وعلا- : {اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}، أي اتخذوه إله لهم وكانوا ظالمين، لم يَذْكُر الله -تعالى- المفعول الثاني لاتَّخَذَ لقُبْحه، لأنهم اتخذوا العجل إلهًا، فقال اتخذوه لم يَقُل إلهًا حُذِف المفعول الثاني لقُبْح هذا الأمر الذي يصنعوه وصنعوه، {اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}، أعظم الظلم، أعظم الظلم أنَّ هؤلاء القوم الذين رأوا آيات الله -تبارك وتعالى- الكبرى وعلموا ذلك ورأوها رَأْيَ العين، أنْ يكون أي مآلهم ومصيرهم أنْ ينَسبوا الرَّب الإله -سبحانه وتعالى- أنْ يكون بهذه الصورة وبهذه الصفة.

قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:149]، {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}، لما وقع بهم هذا الأمر ورأوا أنَّهم قد سَقَطُوا هذه السَّقْطَة العظيمة، وذلك بعبادة هذا العِجْل واتخاذه إله واعتقاد الأُلوهية فيه والعُكُوف حوله وعنده وأنَّ هذا مِن الضَّلال المُبِين، قالوا نادمين على فعلهم : {........ قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:149]، {لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا}، رَبُّنا الرَّب الإله الحقيقي خَالِق السماوات والأرض ويَغْفِر لَنَا هذه السَّقْطة الهائلة، والشِّرْك به وعبادة غيره، وتمثيل هذا العِجْل بأنَّه الإله خالق السماوات والأرض، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، أي والله لنكونن مِن الخاسرين إنْ لم يَتُب الله -تبارك وتعالى- علينا ويَرْفَع ويقيل عَثْرتنا وزَلّتنا.

قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}، أَخْبَرَهُ الله -تبارك وتعالى- وهو في مَوْعِدة الرَّب -تبارك وتعالى-، أَخْبَرَهُ بأنَّ قومه حَصَلَ منهم كذا وكذا لهم، فرَجَع موسى إلى قَومِه غضبان؛ غضبان قد مَلأه الغضب، أَسِفَا حزينًا على أنْ يَسْقط قومه هذه السقطة، وأنْ يكفروا بالله -تبارك وتعالى- هذا الكفر، وأنْ يُشَبِّهُوا الله -تبارك وتعالى- بهذا التَّشْبِيه، وأنْ يعتقدوا أنَّ الله على هذا النَّحو، قال لهم {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي}، بِئْسَ للِذَّم، أي هذا بئس شيئًا هذا الذي فعلتموه، {خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي}، أني أترككم هذه المُدَّة اليَسِيرة؛ أربعين يوم، فيكون حالكم على هذا النحو، تَتَّخِذُوا إله تصنعونه بأيديكم وتقولون أنَّه هو الرَّب الإله وتعبدونه مِن دون الله -تبارك وتعالى-، {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}، أي استعجلتم أمر الله-–تبارك وتعالى- بأنْ يُهلككم وأنْ يستأصلكم، أَو أعجلتم أمر ربكم بأنْ كان ينبغي ألا تتخذوا في هذا الأمر قرار حتى يعود موسى -عليه السلام-، أَمْر ربكم في الأربعين يوم استعجلتم فيها واتخذتم هذا الأمر وعبدتم غير الله -تبارك وتعالى-، أَلَا تنتظروا حتى يعود النبي والرسول إليكم فتستشيرونه في هذا الأمر، وتستفتونه في هذا الأمر العظيم، {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}، قال -جلَّ وعَلا- {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}، ألقى الألواح التي كانت قد كتبها الله -تبارك وتعالى- له، ألواح التَّوراة ألقاها ذُهُولًا وغَضَبًا، {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ}، أي لمَّا رأى الأمر أخذ برأس أخيه هارون شَدَّ شَعْرَهُ وشَدَّ لِحْيته، يَجُرُّه إليه أي مُعنِّفًا مُؤنِّبًا، فقال هارون وهو على هذه الحالة : {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، نَاشَده بأنَّه ابنَ أُمَّه والأُم أقرب الرَّحِم، أي أنهما مِن رَحِم واحدة أنت ابن أُمِّي، وهو ابن أُمهِ وأبيه ولكنه ناشده بالأم لأنَّ الأُم هي أقرب الرَّحِم، كلنا مِن رَحِم واحدة، {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ}، الذين هم بني إسرائيل، {اسْتَضْعَفُونِي}، لم يكن في قوة موسى وفي شِدَّتِه وحَزْمه للأمور، وإنَّما كان هَيِّنًا لَيِّنًا فرأوا أنَّه أي استضعفوه لهذا الأمر، ولذلك تَجَرَّأوا عليه وفعلوا هذا الأمر دون إذنه ودون مشورته.

{إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي}، إنَّهم أرادوا أنْ يعتدوا عليه وقاربوا قتله، وهذا مِن عتُوِّهم ومِن إجرامهم أنْ يعاملوا نبيهم ورسولهم على هذا النحو ولا غَرُّو، فهم بعد ذلك قتلة الأنبياء وقد قتلوا منهم الجَمَّ الغفير، {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ}، قال له لا تُشْمِت بِيَ الإعداء مِن هؤلاء الذين عادوني وكادوا أن يقتلوني مِن القوم، فإنَّك إنْ تحولت بعد ذلك إلى مَلَمَّتي وعَيْبي ومَذَمَّتِي فإنَّهم سيفرحون بهذا الأمر، قال : {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، لا تجعلني أنا مع القوم الظالمين فإنَّني لم أكن مُوافقًا لهم ولا كنت معهم، ولكن خَشِيْت أنْ أُنْكر إنكارًا شديدًا عليهم فيؤدي هذا إلى فُرْقتهم بعضهم مع بعض، وقد أَمَرْتَنِي بأنْ أُصْلِح وألَّا أَشُقَ بني إسرائيل، فأردت صلاحهم وأَرْدتُ أنْ يَظَلُّوا مجتمعين حتى تأتي وتَرَى أمرك فيهم، {........ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأعراف:150]، فتجعل منِّي إنِّي كأني كنت مُوَافقًا لهم وهذا الذي نَزَل هُنَا في القرآن هو براءة لهارون النبي -عليه السلام-، وهذا غير ما افتراه اليهود على نبيهم هارون في التوراة، فإنَّهم زعموا أنَّ الذي صُنْع هذا العجل المَسْبُوك إنَّما هو هارون -عليه السلام-، هو الذي صَنَعَ العجل وهو الذي قدمه لهم، فتبًا لهم مِن هذا وكذبهم على أنبيائهم، بَرَّأَه الله -تبارك وتعالى- مِمَّا يقولون، وإنما الذي صَنَع هذا وفعله إنما هو السَّامِرِي، رجلٌ منهم؛ مِن كفرتهم، وقد صَنَع به موسى ما قَصَّه الله -تبارك وتعالى-، أنَّه موسى أتى به وقال له ما حَمَلَك على ما فعلت؟ {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}[طه:96]، {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}[طه:97]، فالشاهد أنَّ هارون ليس هو الذي سَبَك العِجْل كما تقول الآن ما زَوَّرَهُ اليهود في توراتهم المُزَوَّرة التي بين أيديهم الآن، وإنما الذي فعل هذا هو السَّامِرِي ولم يكن هارون -عليه السلام- موافقًا لهذا الأمر، وإنما لم يُنْكِر الإنكار الذي يَشُقُّ بني إسرائيل، رغبةً في أنْ يأتي موسى وأنْ يُعَالِجَ الأمر بنفسه.

هنا قال هارون : {........ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأعراف:150]، فَتَوجَّه موسى إلى ربه -تبارك وتعالى- داعيًا، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأعراف:151]، قال أي موسى -عليه السلام-، {رَبِّ}، أي يا ربِّي دعاء لله -تبارك وتعالى-، {اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي}، اغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في الأمر ولأخي، {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ}، في الدنيا والآخرة،  {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}[الأعراف:152]، {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأعراف:153]، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ}، أي إلهًا، {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ولم يَتُب الله -تبارك وتعالى- عليهم إلا بأنْ أَمَرَ موسى بأنْ يقتلهم وأنْ يستأصلهم، لم يقبل الله لهم توبة إلا بقتلهم، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:54]، قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}، {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا ........}[الأعراف:153]، وهذا حُكْم عام في كل مَن عَمِل السيئات، {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا}، مِن بعد هذا الصنيع، {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، لكل مَن تاب ورَجَعَ إلى الله -تبارك وتعالى-.

نَقِفٌ عند هذا، واستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد.