الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرَّسول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديه وعَمِل بسنته إلى يوم الدين.
يقول -تبارك وتعالى- : {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأعراف:171]، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف:172]، {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:173]، {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف:174]، يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- عمَّا كان مِن بَنِي إسرائيل في ثالث أمرِهم، أنَّه لِشدَّتهم وغِلْظتهم عندما آتاهم موسى -عليه السلام- بالتوراة، أنَّهم استثقلوها وأَبَوا أنْ يقوموا بالأحكام التي أَلْزمهم الله -تبارك وتعالى- بها، فأخدهم الله -تبارك وتعالى- بالشِّدة؛ فنَتَق الجبل، أَمَر جبريل أنْ يَخلعَ جَبلًا مِن مكانه، خَلَعَ جبلًا مِن مَكانه ووضعه على رؤوس القوم جميعًا، أي بُسِطَ الجبل أصبح الجبل كله فوق هذه المجموعة، كل هؤلاء كلهم أي أبناء إسرائيل، الذين كانوا في هذا اليوم قد تَعدُّوا الألف ألف شخص مع نبيهم موسى -عليه السلام-، وقيل لهم {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}، خذوا ما آتيناكم مِن أحكام التوراة بقوة، {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، لم يستجيبوا لأمرِ الله ويقولوا سَمِعنا وأَطَعنا إلا على هذا النَّحو، هذا تَذْكير لهؤلاء الأبناء الذين يُخاطبهم الله -تبارك وتعالى- في هذا القرآن، على لسان محمد -صلوات الله والسلام عليه- بما كان مِن أسلافهم لعَلَّهم أنْ يَرعَوا، وأنْ يرجعوا إلى الله –تبارك وتعالى- وأنْ ينظروا في الأمر، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- مُؤَاخِذهم بالشِدَّة، وأنَّ شريعته المُنَزلة إنما قد أُنزلت لِتُتَّبع وليُسار فيها، فهذه دعوةٌ لهم إلى الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، وكذلك تذكير للمؤمنين مع النبي -صلوات الله والسلام عليه-، ومِن العرب خاصَّة بطبيعة هؤلاء الأقوام الذين عاندوا رسولهم أَشَدَّ المعاندة، وكانوا كما وصفتهم التوراة شَعْبًا صُلْب الرَّقبة لم يكن مستجيبًا لأمر الله -تبارك وتعالى- سهلًا سَلِسًا، كما الحال في العرب الذين سارعوا إلى الإيمان بالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- وقالوا سمعنا وأطعنا، ولم يتوقفوا عن أمر مِن الأمور الشديدة التي أمرهم الله بها، كالجهاد في سبيل الله والإنفاق وغير ذلك، لم يتوقفوا عن هذا بل قالوا في كل ما أُمِروا به قالوا سَمِعنا وأَطَعْنا، فكانت هذه الأُمَّة أسلس قيادًا وأسهل في الرجوع إلى هذا الدين وأسرع في الأخذ بأمرِ الله -تبارك وتعالى-، فهذا تعريف وتذكير، {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأعراف:171].
ثم فَاصِل هنا ويأتي الله -تبارك وتعالى- إلى ذِكْر كذلك بعض مَخازِي اليهود، التي ذَكَرها في هذه السورة تذكيرًا لهم ودفعًا لهم إلى أنْ يأخذوا طريق الرَّب –سبحانه وتعالى-، بيان أن كثير من الناس في غاية العَمَاية والجهل عن أمرِ الله -تبارك وتعالى-، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ........}[الأعراف:172]، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ}، وإذ أَخَذَ ربك أُذْكر، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، هذا مِن عظيم صنع الله -تبارك وتعالى-، فإنَّ الذرية إنما يُنْشئُها الله -تبارك وتعالى- مِن ظُهُور آبائهم، هذه مِن النُّطَفِ التي يُنشئُها الله -تبارك وتعالى- في هذا المكان، آية ِمن آيات الله -تبارك وتعالى-، الأبناء يُنشئهم الله -تبارك تعالى- مِن الآباء، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ........}[الأعراف:172]، كل إنسان يُشْهِدُهُ الله -تبارك وتعالى- على نفسه، ويقوم قائم الفطرة في نفسه أنَّه له ربًا، أنَّ له ربّ وإله وخالقه و بَارئُه وأنه لا يمكن أن يكون أي مخلوق هكذا سُدَىً وعَبَثًا، فإنَّ آيات الله -تبارك وتعالى- الظاهرة في خلق الإنسان وفي خلق هذا الوجود شاهدة، على أنَّ لهذا الكون ربّ إله خَلَقه وأقامه -سبحانه وتعالى-، هذا قائم الفطرة في كل مخلوق، عندما يبلغ الإنسان الحلم هذا لابد أن يكون هذا قائمًا في كل نَفْس، لكن العَمَاية والتعليم الجاهلي قد يَطْمسُ هذا الأمر، كما قال النبي -صلوات الله عليه وسلم- «كلَّ مَولودٌ يُولَد على الفطرة وأَبَوَاه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه»، فبالتعليم السَّيء؛ تعليم الكفر، وتشريبه للصغير مِن صِغَرِهِ يَخْرُج مُتَشَرِّب بهذا الكفر، لكن كل إنسان يخلقه الله -تبارك وتعالى- إنما يخلقه صفحة نَقيَّة طاهرة بدوره، كل مولود يولد على الفطرة.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ........}[الأعراف:172]، قالوا بلى شَهِدنا قيل إنّ هذا أي الإقرار إنَّما هو بإقرار الفِطْرة، وإقرار الخَلْق أي هذا الفِطْرَة التي تصرخ في داخل كل نَفْس، أنَّ الإنسان يَشهد بفطرته وبداخله أنَّ ربَّه الله -سبحانه وتعالى-، يقول -جلَّ وعلا- : {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، أنْ تقولوا أي إنَّ الله -تبارك وتعالى- أقام هذه الشواهد على أنه الرَّب الإله -سبحانه وتعالى-، وجعل صَارخ الفطرة هذا يَصرُخُ في قلب إنسان ويُذكِّرهُ، حتى لا يقول يوم القيامة {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، كُنَّا عن هذا الذي يدعو إليه الله -تبارك وتعالى- مِن أنْ يُعْبَدَ الإله وحده -سبحانه وتعالى- كنا غافلين عن ذلك.
{أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ........}[الأعراف:173]، {أَوْ تَقُولُوا}، أي أيُّها الناس، {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ}، أي آباؤنا قد وقعوا في الشِّركِ قبلنا، {وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}، فعلَّمُونا الشِّرك، كنا ذُريَّة نَسْل لهم مِن بعدهم، فأخذنا هذا يا ربي أخذنا هذا الشِّرْك والكفر عنهم، {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}، أي أنهم قد يحتجون على الله فيقولون {أَفَتُهْلِكُنَا}، أي ربنا، {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}، مِمَن سبقونا مِن آبائنا وأجدادنا، قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف:174]، وكذلك كهذا التفصيل، {........ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف:174]، فهذا الاعتذار لا ينفعهم يوم القيامة، أنْ يسيروا على ما سار عليه الآباء دون نظر ودون اعتبار، فإنه يجب أنْ يَنْظروا فيما دعاهم إلى الآباء، فكل إنسان مرفوع عنه القَلَم حتى يَبْلغ الحُلُم، إذا بلغ الحُلُم لابد أنْ يَنظر وأنْ يَعْتبر، فإذا أخذ قَلَّدَ آبائه وقَلَّدَ مُعَلِّميه فيما يدعونه به إلى الشِّرك والكُفْر، والشِّرك لا دليل له، لا دليل يقوم على الشِّرك مهما كان، كيف يٌقِيمُ أي مَن يَعبد الشَّمس أو القمر أو النُّجوم أو الكواكب أو الملائكة أو الأصنام أو الأحجار، كيف يقيم دليلًا على أنَّ هذا الذي يعبده إله يستحق الألوهية؟ خلق السماوات والأرض، يرزق، أنشأ عَابِده، رَزَقه، خلقه، تَصرَّفَ فيه، تعالى الله، لا يفعل هذا إلى الله وحده –سبحانه وتعالى-، وكل هذه المعبودات التي عُبِدت مِن دون الله ليس لها أي مِن صِفات الأُلُوهية شيء، ما لها أي صفة مِن صفات الألوهية ، وإنما تُدَّعى لها الألوهية كذبًا وزورًا، فكل إنسان يبلغ عقله يبلغ الحُلُم أصبح بصير علي نفسه، {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}[القيامة:14]، {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[القيامة:15]، فأي عُذْر يعتذر به عن الشِّرك لا يُقْبل، أي إذا قال هؤلاء {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ}، أي وسِرْنَا على ما كان عليه الآباء، {وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}، كنا صِغَار وعَلَّمُونا الشِّرك وسِرْنا عليه، لا يفيد هذا، ما دام أنَّهم قد بلغوا الحُلُم وبلغوا العقل لابد عند ذلك مِن النظر والاعتبار، ثم بعد ذلك جاءت الرُّسُل، جاءت الرُّسل تُحذِّرُ عن طريق الشِّرك والكفر وتدعوا إلى أمر الله -تبارك وتعالى-، وقد أقام الله -تبارك وتعالى-الحُجَّة على الخلق بالرسل، ولم يَقُم الحُجَّة فقط بنداء الفِطْرة هذا، كما قال -تبارك وتعالى- : {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ........}[النساء:165]، لئلا يكون للناس على الله حُجَّة، يَحْتجُّوا على الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة بعد الرُّسل، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، فالحُجَّة التي يقيمها الله -عزَّ وجلَّ- على عباده إنَّما هي بالرسل، ولا يُعذِّب الله -تبارك وتعالى- إلا بهذه الحُجَّة؛ الحجة الرسل، كما قال –جلَّ وعَلا- :{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، فلا عذاب إلا بعد الرُّسُل، لكن الله -تبارك وتعالى- هنا يُبيِّن جحود هذا الإنسان وقِلَّة عقله واتباعه لآبائه وأجداده في الكفر، دون أنْ ينظر وأنْ يَعْتبر عِلمًا أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد أقام الشاهد في نَفْسِهِ، والشاهد في كل هذا الكون على أنَّه ربّه وإلهه -سبحانه وتعالى-، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف:172]، {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:173]، {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف:174]، كذلك نُفصِّل لهم الآيات هذا التفصيل الواضح البَيِّن، ولعلهم يرجعون إلى أمر الله -تبارك وتعالى-، كأنَّ هذا الفاصل هنا في وَسَطِ الحديث عن بني إسرائيل بيان أنَّ كثيرًا من الناس هذا حالهم، لا عقول لهم تَتَّبِع المقالة التي سَمِعُوها مِن الآباء والأجداد دون نظر ودون فَهْمٍ واعتبار.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الأعراف:175]، اتل عليهم اقرأ عليهم يا محمد، اقرأ على اليهود هذا شخص مِن أي كذلك علماء اليهود وأساطيرهم، {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}، أتاه الله -تبارك وتعالى- آياته، آياته هذا المُنْزلة عَلَّمه إيَّاها، {فَانسَلَخَ مِنْهَا}، والانسلاخ هو الخروج كما يُسْلَخُ... نقول سَلَخت أي هذه الشاه أي نَزَعت جلدها عنها، {فَانسَلَخَ مِنْهَا}أي أنَّه بعد أنْ تَعَلَّمَ هذه الآيات خَرَجَ منها خروجًا كُليًا، لم يبقَ على شيءٍ مما تَعلَّمه مِن الكتاب، {فَانسَلَخَ مِنْهَا}، قال -جلَّ وعَلا- :{فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، أي جعل الله -تبارك وتعالى- الشيطان تابِعًا له، فكان مِن الغاوين صُنْع الشيطان لكنه بَرِع في الغِوَاية أكبر مِن الشيطان، فأصبح الشيطان يستفيد منه طرائق في الغِواية لم يَصل إليها الشيطان في الإغواء -نعوذ بالله-، {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ}،أي جعل الله -تبارك وتعالى- الشيطان تابعًا له في الغِوَاية، أي يستفيد منه طُرُقًا للغِوَاية، كما قال ذلك الشَّقِي : (كنت امرأ مِن جُند إبليس فارتقى بي الشر حتَّى صار إبليس مِن جُنْدي)، أي أنَّ الشر التقى به حتى أنَّه أصبح يَعْلَمُ مِن طُرُقِ الغِوَاية ما لا يَعْلَمها إبليس نفسه -نعوذ بالله-، قيل أنَّ هذا العالم الذي انسلخ مِن هذا قد استشاره قومه لمَّا غُزُوا وغُلِبوا، في حيلة يتخلصون بها مِن الغَزو، فبدلًا مِن أنْ يأمرهم بأمر الله -تبارك وتعالى-، وهو أنْ يُلاقوا عدوهم وأنْ يقوموا بجهاده، أنْ يَعملوا لِمُلاقاته كما أمر الله -تبارك وتعالى- في دفع عدوان وَردّ العدو، هذا الخبيث فَكَّرَ لهم في أمرٍ شِرير، فدعاهم إلى أنْ يُسيِّبوا بناتهم عند هذا العدو، فيفشوا فيهم الزِّنا ويَدْخُل النساء هنا ومِن هذا المَدخَل يمكن أنْ يَدخلوا عليهم إلى بيوتهم، وإلى أماكنهم ويَطَّلِعوا على أسرارهم، وبهذه الطريقة يمكن أنْ يَحْتَالوا عليهم ويَمْكُرُوا بهم حتى يَغْلِبُوا هذا العدو الذي غَلَبهم، فيَغْلبوهم بهذا السِّلاح الخبيث بالنساء، وللأسف أنَّ اليهود اتخذوا هذه الوسيلة وجعلوها وسيلة مِن وسائلهم في التَّغلُب على الأَغْيَار، ما يُسمُونهم بالأَغْيار على غيرهم، وقد جعلوا لهذه القاعدة؛ القاعدة الخبيثة، الغاية تُبرِر الوسيلة، فغايتهم بالتَّغلُب على العدو تبرر الوسيلة، أي وسيلة يتخذونها وإنْ كانت وسيلة أنْ يُسرَّحُوا بناتهم ونسائهم في هذا السبيل، فإنَّ هذا أمر لا بأس به ما دام أنهم يريدون أنْ يَصِلُوا إلى غايتهم في دَفع عدوهم عنهم، وهذا مِن أَشرّ الأمور، فهذه الفَتْوى الذي يفتي بها هذا المجرم لقومه على هذا النحو، لا شك أنه أصبح أي فتوى لم يتوصل الشيطان في طُرُق الإغواء إلى مثل هذا، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الأعراف:175].
قال -جلَّ وعًلا- : {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، {وَلَوْ شِئْنَا}، شاء الله -عزَّ وجلَّ- لرَفَعَهُ بها، أي لرَفَعهُ بهذه الآيات بأنْ شَرح صدره للتَّمسك بها والعمل بها والثَّبات عليها، ولكن الله -تبارك وتعالى- ولكنه أي الله خَزَلَهُ وذلك بهذا ، قال : {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ}، الخُلُود هو المُكث الطَّويل، والخَالِد هو الماكث مَكثًا طويلًا، ومعنى أَخْلَدَ إلى الأرض أي أنَّه استكان إليها واستمات في البقاء فيها كأنه يعيش أبدًا، وجعل هَمَّهُ وغايته أنْ يحيا هذه الحياة الدُّنيا، أخلد إلى الأرض وكذلك لا هِمَّة عنده، ليس عنده هِمَّة وعزيمة أنْ يقوم بها بأمر الله، فأَمْرُ الله يحتاج إلى هِمَّة، الجهاد في سبيله، دفع المال، قول كلمة الحق، التَّعرُض لِمَا يكون في سبيل ذلك، هو لا يُريد شيئًا مِن هذا، يُريد السَّلامة والعافية والخُلُود للأرض، {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، هواه ما تُحبُّه نفسه، وسُمِّي الإنسان إذا اتبع ما تُحبُّه ونفسه وتشتهيه هَوَى لأنَّه يَهوِي بالإنسان؛ يُسقِطُهُ، فاتَّبع هواه ما تشتهيه نفسه مِن مُتَعِ هذه الدنيا والبقاء فيها.
قال -جلَّ وعَلا- : {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}، ضَرَبَ الله -تبارك وتعالى- له مَثَل بالكلب، والكلب هُنا في صفة مُشَابهة له في لُهَاثه، الكلب يَلْهث وهو أنَّه يحتاج دائمًا إلى إدخال هواء كثير إلى جَوْفه، وهذا يفعله الكلب في الشِّتاء والصَّيف، في وقت التَّعب إذا كان محمول عليه، كمن يَحْملُ على الكلب مَثلًا في الجَرِّ وفي العَمَل الشديد في حِرَاسة يُجْريه، فإذا جَرَى الكلب يَلْهثُ، وإذا وهو كذلك نائم بدون أي عمل يَلهثُ كذلك، والُّلهاث إنما يُعْنِي غير الكلب لا يَلَهث ويتسارع نَفَسه إلا عند التَّعب فقط أو عند الخوف، أي الإنسان لا يتسارع عنده النَّفَس إلا في الخوف الشديد أو في الإرهاق الشديد، أمَّا في حال الرَّاحة وحال الدَّعة فإنَّ النَّفَس يتردد، لكن الكلب لا، الكلب إنما لُهاثه دائم أي مُستريحًا أو مُتْعبًا، شِتاءً أو صيفًا، وقيل أنَّ هذا راجع في الكلب ليس إلى صِفَة خُلُقيَّة فيها وإنَّما خَلْقِيَّة، وذلك أنَّ ليس له مَسَام في جِلْده؛ جلده مُسْمَط، الطَّبقة المُسْمَطَة مثلًا كأنه نايلون مثلًا أو مادة لا مَسَام فيها، ولذلك لا يَتَنفس جِلْده فيُخرج العَرَق كما الإنسان أو بَقية الحيوانات، وهذا إخراج العَرَق يُؤدي إلى تبريد الجسم والرَّاحة في النَّفَسِ، أمَّا هذا كأنه لَابِس لِباس نايلون مُسْمَط، فكل يحتاج التبريد تبريده للهواء إنما كله بما يدخله مِن الهواء من فَمِه وأنفه، فيظل يَلَهث دائمًا، وَجْه الشَّبَه بين هذا العَالِم الذي آتاه الله -تبارك وتعالى- آياته فانسلخ منها؛ وبَيْن الكلب، في أنَّ الكلب لُهَاث دائم تعبان وغير تعبان، وهذا شبهه الله بهذا وكأن هذا دائمًا في حالة رُعْب وحالة خوف شديد، كما وَصَف الله المنافقين قال : {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}، كلمَّا صاح صائح صيحة في أي شيء يظن أنَّ هذا عدو يأتي لهم، فهذا دائمًا خائف، أي خائف أنْ يأتيه الشر مِن هُنَا وأنْ يأتيه الشر مِن هُنَا، فلا توكل عنده على الله -تبارك وتعالى- ولا يقين عنده بالله، وخائف مِن الفقر وخائف من هذه وخائف مِن العدو فلذلك يُعْطِي كل أحد ما يريد، وهو في حالة خوف دائم، فكان هذا وَجْه الشَّبَه له، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ}،أي بالعمل والشُّغْل، {يَلْهَثْ}، وإنْ تتركه مُسْتريحًا يَلْهث.
قال -جلَّ وعَلا- : {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، ذلك المَثَل وهو مَثَل سُوْء، {مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، كذَّب بآيات الله -تبارك وتعالى- وأصبح يُرِيد الدُّنيا للدُّنيا، ويَخَاف أنْ يقوم بأي أمر مِن أَوَامر الله وتكليف هذه التكاليف خوفًا مما يترتب على القيام بأمر الله –تبارك وتعالى- مما يترتب، أذى الناس، فِتْنَتُهم، أنْ يُقْطَعَ عنه شيء مِن المال، نحو ذلك فلذلك دائًما خائف، {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، قال -جلَّ وعَلا- : {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، أي هذا مما قصَّه الله -تبارك وتعالى-، هذه قِصَّة مِن القديم أمرٌ واقع، الله يقول لرسوله : {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ}، هذا قَصَص الله -تبارك وتعالى- اقصصه؛ قله، {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، لَعلَّ مَن يَسْتمع ومَن يَقرأ يتفكر في أمر الله -تبارك وتعالى-، ويعلم انظر كيف مَثَل السُّوء الذي عُوقِب به هذا الخائف المُرتَعِد أنْ يقوم بأمر الله -تبارك وتعالى-، فانظر كيف كان حاله ومصيره.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}[الأعراف:177]، {سَاءَ مَثَلًا}، سَاء هذا المَثَل الذي ضَرَبه الله -تبارك وتعالى- مثلًا، {الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، فالقوم الذين كذَّبوا بآيات الله -تبارك وتعالى- لهم مَثَل السَّوْء، وهذا مِن أَمْثِلة السَّوْء، هذا مَثَل سُوء لهذا الذي كَذَّب بآيات الله -تبارك وتعالى- وانسلخ منها، {وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}، لم يكن فِعلهم الذي فعلوه ظُلْمًا لله -تبارك وتعالى- وإنَّما لم يَظْلِموا في هذا إلا أنفسهم، وظُلمهم لأنفسهم وذلك أنَّهم أوردوها -عياذًا بالله- النار، وأوردوها سَخَطَ الله -تبارك وتعالى- فظلموها بذلك، بدلًا مِن أنْ يَنْتشِلوا أنفسهم إلى جَنَّة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه أوردوا أنفسهم هذه المَوَارِد.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:178]، حُكْم عام، حُكْمٌ عام {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ}، مَنْ يَهْدِه الله فهو المُهْتَدي، كل مَن هَدَاه الله -تبارك وتعالى- فهو المُهتدي، أي أنَّ المهتدي مَن هَدَاه الله، وذلك أنَّ الهُدَى هُدَاه -سبحانه وتعالى- لا يهدي إلا هو، فهذا الفعل الهُدَى هو لله وحده -سبحانه وتعالى-، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، ثم الهُدَى الحقيقي هُدَاه، {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}، فالهُدَى الحقيقي لا يمكن أنْ يَسْلُك الإنسان طريقًا غير طريق الله ويَهْتدي، بل لا هُدَى إلا هُدَى الله، لا طريق للهِدَاية ولا طريقة للهِدَاية إلى طريق الله -تبارك وتعالى-، وشِرْعتُه -سبحانه وتعالى-، {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:178]، مَن يُضْلله الله -تبارك وتعالى- يُضِلَّه أي يُخْرجه عن طريق الهِداية، {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، هذا هو الخاسر؛ خَسِر كل شيء، خَسِر أهله، خَسِرَ ماله، خَسِرَ نفسه، ما في أي كَسْب، لا يكسب شيء بَتاتًا، فليست خَسَارته خَسَارة جُزْئيَّة، يَخْسر يد، يَخْسر عين، يَخْسر ابن، يَخْسر زوجة، يَخْسر مال، يَخْسر مَتَاع، لا إنَّما هذا يَخْسر نفسه، {........ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15]، خَسِر نفسه بأنْ جَعَل نفسه في النار، والذي يُجْعَلُ في النار نفسه الذي بين جنبيه لم يكسبها بل خَسَرَها، وذلك أنَّه مُعذَّب أبدًا -عياذًا بالله-، {........ وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:178].
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]، السِّياق وإنْ كان في بَنِي إسرائيل إلا أنَّ الله -تبارك وتعالى- أَخْبَر بأنَّ على شَاكِلةِ هؤلاء الفاسقين عن أَمْر الله -تبارك وتعالى- كثير، ليس أهل الكفر والعِنَاد هم طوائف مِن بني إسرائيل فقط، بل هذا للأسف أنَّه كثير في الأقوام، في كل الأُمَم التي خَلَقها الله -تبارك وتعالى-، قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ}، الذَّرْء الخَلْق، أي خلق الله -تبارك وتعالى- خلق ولكن مآل هذا الخلق إلى جَهَنَّم، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ}، لِيَدخُلُوها في نهاية المَطَاف، وجهنم هي هذه الدار الخبيثة المُنْتِنة الفظيعة، التي جَمَع الله -تبارك وتعالى- فيها كل ألوان الشرور، مما يُمِيت كل شر فيه، ولا يَمُوت مَن يُعَذَّبُ به، {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}، شُرور كل الشرور، النَّار التي يُعَذِّب بها مَن يُعَذِّب هي أشر الشرور، أكبر عذاب, عذاب النار -عياذًا بالله-، والسِّجن الدائم والشَّراب المَاحِق والماء الحَارّ والمَقامِع مِن حَدِيد والحَيَّات التي كالبِغَال والتقريع الدائم والتأنيب والخصومات، كل أنواع الشرور التي عُرِفت والتي لم تُعْرف جَعلها الله -تبارك وتعالى- في هذه الدار، في هذا السِّجن الذي أراد الله -تبارك وتعالى- أنْ يكون سِجْنًا أَبَديًا لأعدائه -سبحانه وتعالى-، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19]، فهذه جهنم هي مُسْتَقَر ومكان أعداء الله -تبارك وتعالى-.
قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ}، كثير وهم أكثر الخَلْق، مِن الجِنّ بَدَأَ بهم لأنَّهم أكثر مَن يَرِدُوها، ولأنَّهم أول مَن عصوا الله -تبارك وتعالى-، أول ما عُصِي الله -تبارك وتعالى- مِن رأسهم وهو إبليس، والإنس وَهُمْ مِن أولاد آدم، ثم قال –جلَّ وعَلا- ما السبب الذي جَعَلهم هكذا في النهاية في النار، قال : {........ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]، أعطاهم الله -تبارك وتعالى- مَنَافذ المعرفة وأدواتها، أدوات العِلْم قُلوب لكن لم يستفيدوا بها، أعين لم يُبْصِرُوا بها، آذان لم يَسْمعوا بها سَمَع الحق، قال -جلَّ وعَلا- :{أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ}، التي تأكل وتشرب ولكن لا تُفَكِّر، ليس عندها عقول تُفَكِّر بها في طريق تتخذه وشِرعة، قال -جلَّ وعَلا- : {بَلْ هُمْ أَضَلُّ}، وذلك أنَّ الأنعام إنما حَصَرت حَوَاسها في ما خُلِقت له، قال -جلَّ وعَلا- : {أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}، عن ربهم وإلههم -سبحانه وتعالى-.
لهذه الآية -إنْ شاء الله- مزيد أي تفسير وحياة نَعِيشُها فيها، ونعود إليها -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه, والحمد لله ربِّ العالمين.