الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (214) - سورة الأعراف 186-192

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده الرسول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديه واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:182]، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:183]، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الأعراف:184]، {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:185]، {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأعراف:186]، بعد أنْ بَيَّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ كثيرًا من الجنِّ والإنس قد خُلقوا للنار، وذلك أنَّهم لم يستفيدوا بما خَلَقَهُ الله -تبارك وتعالى- لهم مِن أدوات الفَهْم، مِن القلوب التي يُفْهَم بها ويعقل, هؤلاء لم يستخدموها، لم يستخدموا أبصارهم، لم يستخدموا أسماعهم فيما يفيدهم، وإنَّما عاشوا يستخدمون هذه كأنَّهم أنْعَام؛ وأصبحوا أضلّ مِن الأنعام، وقال -جلَّ وعلا- مُوَجِهًا عباده إليه -سبحانه وتعالى- قال : {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، الله، تَتَّصِل بالله -تبارك وتعالى- فتَطلُب منه رأسًا مالك السماوات والأرض، {........ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180]، ثم قال -جلَّ وعلا- : {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:181].

ثم أَخْبَر -سبحانه وتعالى- عن صَنِيعَهُ وسُنَّتَهُ في المُكذِّبين بآياته، فقال : {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:182]، وهذا وعيدٌ شديدٌ منه -سبحانه وتعالى-، وذلك أنَّه سَيَسْتدْرِجُهُم أي سيأخُذُهم إلى حَتْفهم وإلى هلاكهم مِن حيث لا يعلمون، يَظَلُّ في طغيانه وهو يظن أنَّه سائر في طريق الحق والخير إلى أنْ يُوقعه الله -تبارك وتعالى- في العذاب الذي ينتظره، {وَأُمْلِي لَهُمْ}، أُمِد لهم في ضلالتهم في هذه الدنيا، {........ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:183]، وهذا مِن الكيد، وهو أنْ يأخذهم الله -تبارك وتعالى- إلى أكبر سِجن؛ سِجْنُ الرَّب -تبارك وتعالى- يوم القيامة وهم فرحون، يظنون أنَّ الله الذي خلقهم هو راضٍ عنهم، وهو الذي ما دام أنه أَمدَّهم بِما أَمدَّهم به وأَعطاهم بما أَعطاهم به فإنَّه يُحبهم، وكذلك يؤمنون بما هُم عليه مِن الباطل إيمانًا عظيمًا جدًا، ومستعدين أنْ يبذلوا حتى مُهَجَهم وأرواحهم في سبيله، {........ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:182]، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:183].

ثم قال -جلَّ وعلا- : {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا}، ما عملوا فِكْرهم، {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ}، ليس الرسول مَجنونًا، الرسول الذي جاء به، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، هذي المُهمة الكبرى للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نذير، قال للناس احذروا أنا مُنذِر بين يدي عذابٌ شديد؛ أنذركم عقوبة الرَّب، هذا طريق الرَّب احذروا أنْ تخرجوا عنه يمينًا ويسارًا، بَيِّن النِّذارة بلسان عربي مبين، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، ثم قال –جلَّ وعلا- : {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}، يَدُلُّهم ذلك على أنَّ الله لا يمكن أنْ يكون قد خَلَق هذا الخَلْق العظيم الكبير سُدَى وعَبثًا، ثم أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد أقام في كل مخلوق مِن هذه المخلوقات -صَغُر أم كَبُر- من الآيات والأسرار والحِكَم ما يدل على عَظَمة الإله الرَّب -سبحانه وتعالى-، {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ........}[الأعراف:185]، أي لماذا أنت تَصْرِف النظر عن النهاية التي ستؤول إليها، ربَّما قد يكون قد اقترب أجلك، تموت بعد ساعة ومَن مات قامت قيامته، أو أنَّ الله -تبارك وتعالى- يفاجئهم ويُعاجلهم بالعقوبة المُستأصلة التي تستأصل قِسْمًا منهم أو تستأصلهم، {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}، قال –جلَّ وعلا- : {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}، أي هل هناك حديث أكبر وأعظم مِن القرآن يمكن أنْ يُدخِل الإيمان إلى قلوب هؤلاء، وأنْ يَرعوا به وأنْ يتعلموا منه وأنْ يستفيدوا به، والحال أنَّه لا يمكن، لا يُتَصور أنْ يكون بعد حديث الرَّب هذا الحديث العظيم قرآنه البيِّن الواضح الميسر، الذي لوَّنَ الله -تبارك وتعالى- فيه الوعيد والتهديد والذَّكْر والمواعظ وأقال القول وأعاده -سبحانه وتعالى- أي أعاده -سبحانه وتعالى-، بدأ القول وأعاده مرارًا وتكرارًا، واصفًا النار، واصفًا الجَنَّة، واصفًا الطريق، مُحذِّرًا، مُنذِرًا -سبحانه وتعالى-، قال –جلّ وعلا- : {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}.

ثم بيَّن -سبحانه وتعالى- السبب، لماذا يَضِلُّ هؤلاء؟ قال : {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأعراف:186]، هذا هو، لماذا يَضلُّ هؤلاء الناس هذا الضلال عن الحق مع وضوح الحُجَّة والبيان، وأنَّ هذا الأمر مِن الظُّهور والبيان أكبر مِن ظُهُور أي شيء، أكبر مِن ظهور الشمس والقمر، ظُهور أنَّ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو النبي حقًا وصدقًا، وأنَّه يدعو إلى صراطِ الله المستقيم، قال -جلَّ وعلا-  :{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ ........}[الأعراف:186]، وهذا الذي أضله الله -تبارك وتعالى- بتكذيبه، فهذا  يُخبِر الله -تبارك وتعالى- أنَّ هذه عقوبة كانت له مِن الله -تبارك وتعالى-، بتكذيبهم آيات الله -تبارك وتعالى- فأَضلهم الله -عزَّ وجلَّ-، وهذا ما يمكن أنْ يهتدي بأي شيء، {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأعراف:186]،  يذرهم يتركهم في طغيانهم، الطُّغيان الزيادة مِن الشيء، طَغَى الماء أي زاد عن حده، في طغيانهم في زيادتهم في الشر، كلما يفعلوا شر يزدادوا فيه، {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، والعَمَه هو العمى، والأَعْمَه هو الذي وُلِد هكذا لم يرَ نور الدنيا، لم يرَ النور قَطّ، فهذا هو أَشَرّ أنواع العَمَى، يعمهون أ يسيرون سير من لم يرَ ضوءًا قَطّ ولا يَعْرِف شيء، أمًّا الذي أتاه العمى بعد مُدة فإنَّه قد يَعرِف، إذا ذُكِّرَ بالأضواء وبالألوان وبالأشكال يعرفها، أما هذا  الذي وُلِدَ أعمى فإنَّه لا يَعْرْف شيء، {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، يسيرون كالعميان في الطريق التي اختاروها وساروا فيها.

ثم قال -جلّ وعلا- : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:187]، هذا مِن عَمَاية هؤلاء، أنهم عَمُوا عن أمر ربهم، صدُّوا عن الرسالة، كذَّبوا الرسول، تركوا أمر الله، ثم هذه الموعِدة التي وعدهم الله -تبارك وتعالى- إيَّاها قيام الساعة؛ يُشككون فيه، ويأتوا يَسألوا النبي سؤال استهزاء واستبعاد عن متى الساعة؟ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}، يسألونك؛ الكُفّار، عن الساعة؛ يوم القيامة، سمَّاها الله -تبارك وتعالى- بالساعة وذلك أنَّ لها وقت، لها ساعة مُحددة تكون فيها، كتبها الله -تبارك وتعالى- عِنده ولم يُطْلع على ميعادها، على هذا الموعد المكتوب المحدد أحدًا مِن خلقه قَطْ، لا مَلَك مِن ملائكته ولا رسول مِن رُسُله ولا ألهمها أحد ولا يراها أحد في نومه أنها تكون الساعة غدًا، بل إنَّ الله -تبارك وتعالى- أخفاها عن الجميع ولم يُعلِم بها أحدًا ولا يَعلمها إلى هو، حتى أقرب الملائكة إلى هذا الأمر مِمَن ينفخ في الصور لتكون الساعة، فالنافخ في الصور لتكون يوم القيامة إيذانًا ليوم القيامة لا يعلم متى يُؤْمر بهذا النفخ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}، وأيَّان ليس أين للاستبعاد أي بعيد هذا، {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}، متى تأتي؟ هذا أمرٌ التي تقول عنه أمر بعيد، استبعاد حصولها، ومُرساها ترسوا، أي تأتي وتَرْسُوا كما كأنَّ الزمن سفينة يَسير ثم يكون رسوه بعد ذلك هو نهاية هذا المسير، {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}، متى وقت رُسُوِّها وحُصُولها، قال -جلَّ وعلا- : {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}، قل لهم، إنَّما؛ بالحصر، عِلمُها؛ عِلم الساعة، عِند ربي؛ إلهي ومولاي -سبحانه وتعالى- ربّ العالمين، ونَسَب هنا لله -تبارك وتعالى- دليل على أنَّ ربي الذي يعلمها، وهذا مِن باب أنَّ النبي منسوب إلى هذا الرب الذي عنده علم الساعة -سبحانه وتعالى-، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}، يُجلِّيها؛ يُظْهرها، لوقتها الذي وَقَّتها له إلا هو -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يأمر المَلَك الذي يَنْفُخ في الصور أنْ يَنفُخ ليكون يوم القيامة، {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}.

ثم قال -جلَّ وعلا-  : {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}،أي أنَّ هذه الساعة أَمرٌ ثقيل في السماوات وفي الأرض، وذلك أنها تَهُد الجميع وتَدكُّه دكًا وتَنثُر هذا العِقد المنظوم، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1]، {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2]، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير:3]، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:4]، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6]، {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}[التكوير:7]، {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}[التكوير:8]، {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[التكوير:9]، {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}[التكوير:10]، {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ}[التكوير:11]، {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ}[التكوير:12]، {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}[التكوير:13]، أمور عظيمة هذا أمر قِيام الساعة، ثم إنها قبل ذلك قال الله -تبارك وتعالى- : {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1]، {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:2]، {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار:3]، {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}[الانفطار:4]، بُعثِرت؛ انفجرت وتَنَاثر ما فيها، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}[الانفطار:5]، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة:13]، {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة:14]، {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:15]، {وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة:16]، {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17]، فهذه الساعة، يقول الله -تبارك وتعالى- : {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}، لا تأتيكم هذه الساعة إلا بَغْتة، والبَغْتة الفجأة، أي تَفجؤكُم فجأة دون أنْ يكون عند أحد مِن كل مَن في السماوات والأرض أدنى عِلْم عن أنَّ هذه ساعتها وهذا يومها، كما أخبر النبي عن أهل الأرض عندما تقوم الساعة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : «إنَّ الساعة لَتَقُوم، وإنَّ الرجل لَيَأكُل الطَّعام فلا يَرفَع يده لُقْمته إلى فِيه»، يكون قد أَخذ لُقْمته قَبل أنْ يَرفعها إلى فِيْه فَيَسمع الصَّيحَة فيَخِرّ، «وإنَّ الرَّجُل لَيَلُوطُ حَوْضَهُ» أي في البَر لإبلِهِ، أي يُصْلِح حَوض الإبل الذي يَسقي فيه إبله فما يَسقي فيه، فلو أنَّ هذا الذي يأكل عنده عِلْم بأنَّ هذي الساعة الآن أو بعد الآن  لانتهى مِن أكله ولاحتبست أنفاسه، وكذلك ما كان صاحب هذا الإبل يشتغل بمِلاطِ حوضه، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:4]، العِشَار جمع عُشَراء، والناقة العُشَراء هي هذه، وهذا  أكثر وقت يكون صاحب الإبل ربُّ الإبل عِنايةً بها، فتُعطَّل تُهمل وتُترك، فالساعة تأتي والناس في أعمالهم وفي أشغالهم وفي لَهْوِهِم ولا عِلم عند أحد منهم بوقتها الذي تفجؤهم فيه، {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}.

ثم قال –جلَّ وعلا- : {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}، أي يسألونك يا محمد كأنه حَفِي عنها، الحَفيُّ بالأمر ذو الحَفَاوة به هو المُهْتم به، السائل عنه، الذي يَقومُ ويَقعدُ مِن أَجْل السؤال عن وقته، {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}، والحال أنَّ المؤمن يَخاف الساعة لأنَّه لا يَعلمُ بما يكون في الأمر أي في الجَنَّة والنَّار ما الذي يكون من الأمر؟ فلذلك يَخاف هذا الأمر خوفًا شديدًا، حتى الرسل يَخافون الساعة، الرسل يخافون الساعة ويخافون وقتها، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الأحقاف:9]، {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}، أي كأنَّك سائل عن هذه الساعة وعليمٌ بها وعليم ٌبوقتها، والحال أنَّهم لو عَلموا هذا الأمر لعلموا أنَّ الساعة أي علمها عند الله -تبارك وتعالى-، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- لم يُطْلِع عليها أحدًا مِن خلقه -سبحانه وتعالى-، {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}، إنما عِلم هذه الساعة بالحصر عند الله -تبارك وتعالى-، لم يُطْلِع الله -تبارك وتعالى- على علمها أحدًا مِن خلقه -سبحانه وتعالى-، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}، ولكن أكثر الناس لا يعلمون بمجيء هذه الساعة وأنها حق، ولذلك هم في غفلتهم وفي تكذيبهم للرسل، لا حول ولا قوة إلا بالله، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال : {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188]، فهؤلاء الذين يسألونك عن الساعة أَخْبِرْهُم بأنَّ هذا الأمر إلى الله -تبارك وتعالى-، وأنَّ عِلْم الغد -فضلًا عن الساعة- لا يَعْلَمُهُ النبي -صلوات الله والسلام عليه-، {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، أنا وإنْ كنتُ رسول الله -تبارك وتعالى- فإني لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا، لا أملك لأجلِب لنفسي نفع ولا أنْ أدفع عنها ضر إلا ما شاء الله ربي -سبحانه وتعالى-، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- ما شاء هو الذي يكون، ولا أحد يمَلِك لنفسه حتى الرسول نفسه لا يمَلِك لنفسه نفعًا ولا ضر إلا بمشيئة وإذن وأمر مولاه -سبحانه وتعالى-، {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ........}[الأعراف:188]، لو كنت أَعلم الغيب؛ والغيب هنُا الغيب ما غاب وكل ما بعد هذه اللَّحظة غيب، كل ما يأتي في المستقبل بعد اللحظة التي فيها العبد هي غيب، لا يعلم ماذا يكون، {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}، إنسان استكثر من الخير، عَلِم أنَّ هذه السِّلعة سيرتَفِع ثمنُها فيشتريها وعَلِم أنَّ هذه سينقُص سعرها فيَتَخلَّصُ منها، ويعلم أنْ سيكون هذا الأمر في المستقبل فيفعل الأسباب التي توصله إلى هذا الخير وينتهي عن الأسباب التي تَصِل به إلى الشر، {لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، أعلم أنَّ الشر الفلاني سيأتي في الوقت الفلاني بالصورة الفلانية فيتخذ الأسباب التي يَهرُبُ بها من هذا الشر، والحال أنَّ لا أحدًا يعلم ماذا يكون في غد إلا الله -تبارك وتعالى-، {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، والنبي -صلوات الله والسلام عليه- كان في شئون الدنيا -صلوات الله عليه وسلم- لم يكن يعلم الغيب، بل كان شأنه شأن الناس كلهم، الغيب لا يعلمه إلا الله -تبارك وتعالى-، ولذلك قال لهم أنا بَشَرٌ مثلكم، أي أنًّ النبي بَشَر مثلهم ولم يخصَّه الله -تبارك وتعالى- مِن الغيب إلا ما أعْلَمه الله -تبارك وتعالى- إيَّاه، وأخبره النبي –صلى الله عليه وسلم- لأمته، الغيب المسموح به أنْ يُخبِر به النبي -صلوات الله والسلام عليه-.

{........ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188]، إنْ أنا؛ بالحصر، إلا نذير؛ نبي مُنذِر، نذير؛ مُخَوِّف مِن عقوبة الله -تبارك وتعالى-، وبشير؛ البِشارة هي الإخبار بما يَسُر، أي أنَّي أُحذِّر جئتُ مُحذِرًا مُنذِرًا من عقوبات الرَّب -تبارك وتعالى-؛ مِن مخالفة أمره، ومُبشِّرًا لمَن أطاع الله -تبارك وتعالى- بالجنَّة والمغفرة، ثم قال -جلَّ وعلا- : {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، حَصَر الله -تبارك وتعالى- بِشارة النبي ونِذَارته في أهل الإيمان؛ علمًا أنَّه نذير للعالمين، ولكن لمَّا كان أهل الإيمان فقط هم الذين يستفيدون بهذا فكأنَّ هذا الأمر أصبح محصور لهم، لأنهم لم يَسْتفِد بالنذارة غيرهم وكذلك البِشارة إنَّما هي لهم فقط ، أو إلا نذير ويقف فنذير للعالمين، ثم يكون الواو الثانية استئنافية {وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فَبِشَارته إنما هي للإيمان، وليست هناك بِشارة إلا لأهل الإيمان، إخبار بما يَسُر إنما لأهل الإيمان وإنما الكفار إنهم في موضع التحذير والوعيد.

ثم قال -جلَّ وعلا- : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الأعراف:189]، {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف:190]، {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[الأعراف:191]، {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}[الأعراف:192]، بعد أنْ بيَّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ الساعة آتية، وأنَّ عِلمُها عند الله -تبارك وتعالى-، وأنَّ الرسول لا عِلمَ له بهذا الأمر وأنه هو مثلهم في البشرية، لا يَعْلم الغيب ولا يَملِك لنفسه ضرًا ولا نفعًا إلا ما شاء الله، فلم يجعله الله -تبارك وتعالى- مَلكًا له شيء مِن الملك ومِن التصريف في خلق الله -تبارك وتعالى- وأمره، بل الخلق والأمر له -سبحانه وتعالى- وعلم الغيب له، هنا شَرْع الله -تبارك وتعالى- يُبيِّن لهؤلاء المكذبين المُعاندين المشركين بالله -تبارك وتعالى- أساس خِلقتهم، وأنَّ الله هو الذي خَلَقَهُم -سبحانه وتعالى-، فقال -جلَّ وعلا- : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، هو؛ الله -سبحانه وتعالى-، الذي له هذه الأسماء الحسنى والذي له التصريف كله وله الدين كله -سبحانه وتعالى-، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ}، أيها الناس، {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، هو آدم، فإنَّ الله خلق آدم مِن طِين هذه الأرض وجعله أصل لكل هذا البشر الذي نَثَرهُ الله -تبارك وتعالى-، لكل هؤلاء البشر الذين أخرجهم الله -تبارك وتعالى- مِن صُلبه، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا}، من هذه النفس الواحدة، {زَوْجَهَا}، جعل منها زوجها إذا كان مِن النَّفس الواحدة أي حَوَّاء، وذلك أنَّ الله -تبارك وتعالى- ألقى على آدم النوم وهو في الجنة، وأخذ ضِلعًا من أضلاعه فخَلَق له زوجته منه، وهذا لتكون أدعى للسَكن، كما قال -جلَّ وعلا- : {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}، فهنا أدعى للسَكن، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}، السَكَن هو الأمن والراحة والطَّمأنينة، فعندما تكون الزوجة مِن النَّفْسِ ومخلوقة مِن نَفْسِ الإنسان فيكون أدعى إلى أنْ يَرتَاح إليها إذا كانت مِن جِنْسِهِ، أما لو كانت مِن شيء آخر فإنَّه لا شك أنه يكون هناك فاصل ونفرة، وخَلَقَ منها زوجها ليسكن إليها، أو خلق منها من هذه النفوس زوجها ليسكن إليها فإنَّ الزوجات هي كذلك مِن اجتماع الرجال والنساء.

قال -جلَّ وعلا- : {........ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الأعراف:189]، نقلة مِن الحديث عن آدم وحواء إلى جِنْس بني آدم وحواء، أي مِن النوع إلى الجِنس، {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا}، أي الزوج وتَغشَّاهَا بالجماع، {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا}، في أول الأمر يكون الحمل خفيف عندما تَعْلَق المرأة، {فَمَرَّتْ بِهِ}، مرَّت بهذا الحمل أي مَرَّت به في حاجتها؛ سارت به، وقامت بشئونها لأنَّ الحمل مازال خفيف، أو فمرَّت بمعنى فاستمرت به، فاستمرت بهذا الحمل أي ظلَّ الحمل عَالقًا بها، {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ}، بعد أنْ كبر الجنين في بطنها، {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، دَعَوا؛ أي الزوج وزوجه، الله؛ -تبارك وتعالى- ربهما، لَئِن أتيتنا صالحًا؛ أي ابنًا صالحًا كاملًا في الخِلقة، لنكونن مِن الشاكرين؛ أي لك يا رَب.

قال -جلَّ وعلا-  : {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف:190]، {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا}، لما أنجبا الولد السليم في الخَلْقِ والمُسْتوِي، {جَعَلاَ لَهُ}، جَعلا لله -تبارك وتعالى-، {شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا}، سَمَّياه للأسف باسم غير التعبيد لله -تبارك وتعالى-، كما كانت العَرَب تُسمِّي عبد الكعبة وعبد يَغوث وعبد اللات، فجعلوا له شركاء لله -تبارك وتعالى- في أنْ عبَّدُوه لغير الرَّب -تبارك وتعالى-، قال -جلَّ وعلا- : {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، تعالى الله -تبارك وتعالى- عُلُو مَنِزلة وعُلُو مكانة -سبحانه وتعالى- عمَّا يشركون؛ عما يُشرِكُ هؤلاء الكفار، كيف يجعلون هذه الآلهة والأنداد مُساوية لله -تبارك وتعالى-؟ وينسبون الفضل في هذا الخلق إلى الرَّب –تبارك وتعالى-، والحال أنَّه لا يَخلُقُ هذا الخَلْق إلا الله -تبارك وتعالى-، {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ........}[آل عمران:6]، فكيف يُجعل لما لا يَخلق وما ليس له يد في هذا الخلق مِن هذه الآلهة المدَّعاة تُجعل شريك مع الله -تبارك وتعالى- الخالق -سبحانه وتعالى- البارئ المصور، قال -جلَّ وعلا- : {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف:190]، تعالى الله أنْ يكون هناك شريك له من كل هذه الآلهة المدَّعاة، والتي يعبدها المشركون وينسبون لها الفضل وخاصة في هذا الباب؛ باب الخَلْق.

{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[الأعراف:191]، {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا ........}[الأعراف:191]، كيف يشركون بالله -تبارك وتعالى- ويجعلون ند لله ما لا يَخْلُقُ شيئًا؛ ولا ذرة، فإنَّه ليس مِن كل هذه الآلهة التي عُبدت مِن دون الله مَن خَلَقَ ذرة مِن كل هذه المخلوقات، فالله خالق كل شيء -سبحانه وتعالى-، {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}، هم؛ هذه الآلهة المعبودة مِن دون الله -تبارك وتعالى- يُخْلَقُونَ، بمعنى يكون خالقها الله -تبارك وتعالى- كعيسى بن مريم والملائكة التي عُبِدَت مِن دون الله والعُزير، ها هو الله خالقها -سبحانه وتعالى-؛ أو الأصنام، فإنَّ الأصنام التي يخلقها أربابها  الذين يعبدونها، فهذه الصور وهذه التماثيل هي مخلوقة يَخلقها هؤلاء؛ الذين يعبدونها، {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.

{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}[الأعراف:192]، هذه الآلهة التي يعبدونها لا يستطيعون لهم نصرًا؛ لأنَّها أصنام، لا تَسمَعُ ولا تَعقل ولا تنفع ولا تَضر، فبالتالي لا تستطيع أنْ تنصرهم في قتالهم وجهادهم، فقد كانوا يستنصرون بها، {وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}, أي هذه الأصنام المعبودة لا تستطيع أنْ تنصر نفسها كذلك، فإنَّها لو اعتدى عليها مُعتدِي وضربها وحطَّمها فإنها لا تستطيع أنْ تَدفع عن نفسها، كما قال -جلَّ وعلا- أيضًا، : {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ}[يس:74]، {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ}[يس:75]، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ}[يس:74]، يستنصرون بهذه الآلهة ويَطلُبون مِنها النصر، والحال أنَّ هذه الآلهة لا تستطيع أنْ تَنصرهم بل إنَّهم هم الذين يَنصرون هذه الآلهة، وهم الذين يَدفعون عنهم، {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ ........}[يس:75]، وهم لهم؛ لهذه الأصنام، {جُندٌ مُحْضَرُونَ}، وهنا يقول -جلَّ وعلا- : {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}[الأعراف:192].

وإنْ شاء الله نُكمل هذه الآيات مع سياقها -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد.