الإثنين 13 ذو القعدة 1445 . 20 مايو 2024

الحلقة (219) - سورة الأنفال 5-12

الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصَلِّي وأُسَلِّم على عبد الله والرَّسُول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديه وعَمِل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول -تبارك وتعالى- : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:5]، {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الأنفال:6]، {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}[الأنفال:7]، {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال:8]، بعد أنْ بيَّن الله -تبارك وتعالى- ما أَعَدَّه لأوليائه أهل الإيمان، أولًا صِفة المؤمنين على الحقيقة ثم ما أعده الله -تبارك وتعالى- لهم، بقوله : {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال:4]، أولًا قال الله -عزَّ وجلّ- : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2]، ثلاثة صفات مِن أعمال القلوب، {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الأنفال:3]، هذه مِن أعمال الجَوَارِح، قال -جلَّ وعَلا- : {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ........}[الأنفال:4]، مَناِزل في الجنَّة،  {وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، فهؤلاء أهل الإيمان الذين كافأهم الله -تبارك وتعالى- بهذه المكافأة العظيمة، هذا صنيع الرَّب -سبحانه وتعالى- بأهل طاعته وبأهل الإيمان، كما صنيعه على هذا النحو فانظروا صنيعه -سبحانه وتعالى- بأهل الإيمان في الدنيا، كيف يوفقهم الله ويُؤَهلهم ويُيَسِّر لهم الأعمال التي يبتليهم بها، لتكون هذه الأعمال هي السُّلَّم والمِعْرَاج التي يَعْرُج بها إلى رضوان الله -تبارك وتعالى-، أي كما فضل الله -تبارك وتعالى- على عباده المؤمنين في الآخرة على هذا النحو فانظروا فضله -سبحانه وتعالى-، قال -جلَّ وعَلا- : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}، هذا كهذا، فإخراج الله -تبارك وتعالى- لرسوله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- خروجًا بالحق ليشهد موقعة بَدْر، وليكون فيها ما كان ممَّا قَدَّرَه الله -تبارك وتعالى- مِن الخير العميم والنَّصْر العظيم، والفضل الكبير لهؤلاء المؤمنين الذين شَهِدُوا هذه المعركة، فكان مَن شَهِدَها قيل له بَدْرِي؛ حَضَرَ بَدْر، شَهِد بَدْرًا، وقد قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- : « يا عمر وما يُدْرِيك أنَّ الله اطَّلَع على أهل بَدْر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، فهذا البدري أمرٌ عظيم، فانظر فِعْل الرَّب -تبارك وتعالى- وصنيعه لأهل طاعته -سبحانه وتعالى- المستجيبون له.

قال : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}، الله هو الذي أَخْرَجَكَ مِن بيتك، فإنَّ الله هو الذي أوحى لرسوله والذي هَيَّأه أنْ يخرج لهذه الغزوة، مِن بيتك؛ في المدينة، بالحق؛ خُرُوجًا بالحق، فهذا جِهَاد النبي حَق -صلوات الله والسلام عليه-، وإنْ كان خراجًا لمُلَاقَاة العِيِر فهو حق، وذلك أنَّ هؤلاء الكفار آذوا المسلمين، أخرجوهم مِن أوطانهم، أخرجوهم مِن ديارهم، حاربوهم، صَدُّوا عن سبيل الله -تبارك وتعالى-، فسَلَّطَّ الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان عليهم، فكان هذا التَّسْلِيط وهذا الأمر مِن الله -تبارك وتعالى- أنْ يَقاتِلوا؛ ويُقَاتِلوا هؤلاء الكفار، ويقتلوا منهم ويهزموهم ويأخذوا أموالهم هذا بالحق؛ خروج بالحق، {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}، ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:5]، قد كَرِه فريق مِن المؤمنين هذا الخروج وذلك أنَّهم فوجئوا بـ....، فقد كانوا خارجين للغنيمة للعِير، فإذا بهم في مواجهة النَّفِير ، مواجهة نفير قريش الذي جاءت بِحَدِّهَا وحديدها تُرِيد أنْ تزيل هؤلاء المسلمين مِن أمرهم ومِن طريقهم، وأنْ تَفْخَر على الناس جميعًا أنهم أهل القوة وأهل المنعة وهم قريش ولا يستطيع أنْ يقوم لهم أحد، فالمؤمنون بعض المؤمنين تخوفوا مِن هذا اللقاء الذي لم يأخذوا له أُهْبته ولم يأخذوا له عدته واستعداده، {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا ........}[الأنفال:5]، جماعة مِن المؤمنين لكارهون، لكرهوا أنْ يُفَاجئهم الأمر وأنْ يحصل الأمر على خِلَاف ما ظَنُّوه وتوقعوه.

قال -جلَّ وعَلا- : {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ}، يجادلونك؛ أي ليصرفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القتال ويرجع، في الحق؛ في هذا القتال الحق الذي أراده الله -تبارك وتعالى-، بعد ما تبين؛ تبين أنَّ الله -تبارك وتعالى- لابد أنْ يَنْصُرَ عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وأنَّ إحدى الطائفتين ستكون له، قال -جلَّ وعَلا- : {........ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الأنفال:6]، كأنما يُسَاقُون إلى الموت وهم يَنْظُرُون وذلك أنَّ الأحداث لمَّا جَرَت على ذلك النحو، أصبح كل مَن يَنْظُر إلى الأمور المادية على ما هي عليه يقول لا أَمَلَ في النَّصْر، في المسلمين أنْ ينَتْصَرِوُا وهم قِلَّة خرجوا لا يظنون قِتَالًا وإنَّما يظنون غنيمة بَارِدَة، أنْ ينالوا عِيْر أبي سفيان؛ ألف بعير مُحَمَّلَة بكل الأزواد، بل كان فيها كما قال أبو سفيان إنَّه ليس هُنَاكَ أحد في قريش عنده نَّش إلا وقد دفعه، والنَّش مثل الفَلْس، أي أموال قريش كلها كانت في هذه التجارة، فقال -جلَّ وعَلا- : {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ}، يُسَاق إلى الموت، الذي يُسَاق إلى الموت يُؤْخَذ به ليقتل ولا حِيْلَة له في ذلك، {وَهُمْ يَنظُرُونَ}، وهم ينظرون الأمر وذلك مِن شدة مَخَافَتِهم لهذا اللِّقَاء، والحال أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد ادَّخَر لهم هذه الكَرَامَة العظيمة، فانظر يا أيُّهَا المؤمن كيف أنَّ الله -تبارك وتعالى- ادخر لهم هذا النَّصر العظيم والكرامة العظيمة، ولكن المؤمن أحيانًا أي بعض هؤلاء المؤمنين ما كان يتوقع هذا ويظن هذا، وقد خَافَ أنْ يأتي الأمر على خِلَاف ما تَوَقَّعُوه، {........ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الأنفال:6]، وهم ينظرون؛ وهم ينظرون الموت، أي الأمر بالنسبة إليهم هزيمة َوقتلٌ لا محالة.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}، أي اذكر إذ يَعِدُكُم الله وعد حق، إحدى الطائفتين؛ الطائفتين أي الجيش الذي خَرَجَ لِنصْرة العِير أو عِير أبي سفيان، عِير أبي سفيان التي هي خَرَج المسلمون لِنَيْلها وأنَّها هي الغنيمة الباردة التي سيأخذونها، {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}، أنَّ الله -تبارك وتعالى- مُعْطِيكُم واحدة مِن هاتين الاثنتين، وهذا الأمر أنَّ الله يقول هذه أو هذه ليس هذا شكًا، وإنَّما أراد الله -تبارك وتعالى-  أنْ يَخْرُجُوا في البِدَايَة مِن أجل الغنيمة ثم بعد ذلك يكونوا أمام الأمر الواقع بالقتال، وذلك أنَّه إذا قَيلَ لهم مِن البِدَايَة أُخْرُجُوا لقتال قريش ربَّما تخلف أناس كثيرون، فهذه أول غزوة مِن الغزوات ولم يخرج، أول غزوة يخرج فيها الأنصار ويخرجون خارج المدينة، فكان هذا مِن تَلَطُف الرَّب -تبارك وتعالى- أنْ أَخَذَهم لهذا النَّصْر ويَسَّرَ لهم الأمر على هذا النحو، فقالهم الأول أخرجوا للغنيمة ثم لما خرجوا للغنيمة ورأوا الجيش ربنا قالهم واحدة مِن الاثنين، أي واحدة مِن الاثنتين سَتَنَالُونها، إنْ أَدْرَكْتُم هذه أو أدركتم هذه، فكان هذا تَدَرُّج مِن الرَّب -تبارك وتعالى- بهم حتى يُصْبِح بعد ذلك القتال لا مَفَرَّ منه، ثم يكون ما ادَّخره الله –تبارك وتعالى- لهم من النصر والتمكين، وقد قال الله -تبارك وتعالى- : {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ}، أي لو تواعدتم أنْ تَخْرُجُوا على هذا النحو لاختلفتم في الميعاد، لكن الله -تبارك وتعالى- أراد أن يكون الأمر على هذا النحو ويرتبه بهذا الترتيب -سبحانه وتعالى-، {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}، قال -جلَّ وعَلا- : {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}، تَوَدُّون؛ تُحِبُّون، {أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ}، هي العِير، هذه غنيمة باردة، مِئَة رجل يَسُوقُون ألف بعير، ومئة رجل يغزوهم ثلاثمائة وبِضْع عشر رجل لابد أنْ يكون النصر لهؤلاء، فهذه غنيمة باردة، وغير ذات الشَّوكَة ما فيها شَوْكَة، الذى هو ذلك أنَّه لن تكون هناك مقاومة ربما تُذْكَر بمن يقومون على حِرَاسِة هذه العير، فهي ليست فيها شوكة لأنها قد لا يستخدم فيها سِلاَح، {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}، تكون هذه الغنيمة.

قال -جلَّ وعَلا- : {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}، الله يُرِيد شيئًا أخر، أنتم تُرِيدُون غنيمة باردة على هذا النحو وهذا فيها نَعَم نّفْع، لكن الله -تبارك وتعالى- يُرِيد لكم ما هو أنفع وأكمل مِن هذا، فيَرُيد الله -تبارك وتعالى- أنْ يُحِقَّ الحق بكلماته، يُحِقَّ الحَقَّ؛ الحق حق، لكن يَجْعلهُ الله -تبارك وتعالى- حقًا أمام الناس، يَرَى الناس أنَّ هذا الحَقَّ حق فَيُحِق الحق بكلماته؛ كلماته هذه الكونية القَدَرِّيَة، أمره –سبحانه وتعالى- والله إذا أراد شيئًا أن يقول له كُنْ فيكون، فالكلمة هنا نَصْرٌ المؤمنين، أنْ يَنْتَصِر المؤمنون على قِلَّتهم أمام هذا الجيش العظيم الذي خَرَجَ بِحَده وحَدِيْده وخِبْرَته، ناس أَهْل حَرْب وأهل خِبْرَة وأهل قُوَّة وأهل مَنعة، يغلبهم أناس أَقَلّ مِنْهُم عَدَد وهزيمة على هذا النحو، فتكون هذه آية، فيكون هذه آية أنَّ الله -تبارك وتعالى- مع هذه الفِئَة وهو ضد هذه الفِئَة الأخرى، {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ}، يَجْعَل الحَقَّ حقًا بكلماته التي لابد أنْ تكون، {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}، قطع الدَّابِر، الدَّابِر؛ دابر القوم هو مَن يسير في إثرهم، وإذا استؤصل الجيش إلى هذا الأخير معناه أنَّه اسْتَأصَلَهُم، {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}، يَرُدّ الله أنْ يَقْطَع دابرهم، وقد فَعَلَ الرَّب -تبارك وتعالى- فإنَّ هزيمة بَدْر قد كانت كسر لشوكتهم، ثم تتابعت بعد ذلك الهزائم حتى لم يبقَ في الجَزِيرَة مُشْرِك، حتى لم يبقَ في الجزيرة مُشْرِك وكانت غزوة بَدْر مِن أَهَم أسْبَاب دخول النَّاس إلى الإسلام، وتمهيد لِظُهُور هذه القوة الجديدة؛ قوة أهل الإسلام في هذه الجزيرة، فكانت فُرْقَان بين الحق والباطل وكانت الباب الذي دخل منه كثيرًا مِن الناس بعد ذلك الإسلام، {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.

{لِيُحِقَّ الْحَقَّ}، أكيد ثاني؛ مرة ثانية، أنَّ الله -تبارك وتعالى- فعل هذا ليحق الحق، أي ليجعل الحق حقًا أمام الناس، وإلا فالحق حق، أي محمد رسول الله حقًا وصِدْقًا، الله معهم، الله مع هؤلاء المؤمنين، هؤلاء المؤمنون هم الذين على طريق الرَّب وصراطه، هذا أمر حق، لكن أراد الله -تبارك وتعالى- أنْ يُصْبِح هذا في نظر القوم، {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ........}[الأنفال:8]، الباطل باطل هو زَاهِق، لكنه في نظر الناس أنَّه هو الحق وهو القائم، حتى إنَّ أبو جهل نَفْسه رأس مِن رؤوس هذا الكفر في هذه الغزوة يقول : (اللهم أقْطَعُنَا للرِّحِم وآتانا بما لم يعرف وأبغضنا إليك فأَحْنِه لِغَدَاه)، فقد كان يظن أنَّه أقرب إلى الله -تبارك وتعالى- وأنَّه أقرب إلى الله وأنه على الحق مِن النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، فأراد الله -تبارك وتعالى- أنْ يظهر لكل عين أنَّ هذا النبي هو الذي على الحق، وأنَّ أعدائه هم الذين على الباطل، {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال:8]، ولو كَرِهَ المجرمون هذا، مجرمون فِعْل إجرام، والإجرام هو الذَّنْب العظيم، فهؤلاء المجرمون لو كَرِهُوا هذا أي ولو كَرِهُوا هذا الأمر فإنَّ هذا لا يُؤَخِّر ويمنع إرادة الرَّب -تبارك وتعالى- مِن أنْ تكون.

ثم شَرِعَ الله -تبارك وتعالى- يبين تدبيره العظيم لأهل طاعته؛ لأوليائه -سبحانه وتعالى-، وكيف أنَّ الله -تبارك وتعالى- هَيَّأ لهم كل الأسباب لينتصروا، فأول هذه الأسباب الملائكة، قال -جلَّ وعَلا- : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9]، اذكروا إذ، {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}، تَسْتَغِيثُون؛ تَطْلُبُون الغَوْث، والغَوْث؛ المَدَد، وذلك أنَّ المؤمنين لمَّا وَجَدُوا أنفسهم أنهم أصبحوا أمام عدوهم وجهًا لوجه، وأنَّه لا مَّهْرب لهم ، فعند ذلك لَجَأُوا إلى ربهم -سبحانه وتعالى- يستغيثونه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي رَفَعَ يديه إلى السماء وظل يُنَاشِد ربه –سبحانه وتعالى-، حتى سَقَطَ ردائه عن كَتِفَيْه وهو يدعو الله -تبارك وتعالى- في العريش بعد أنْ هَيَّأ القوم للقتال، وهو يقول : «اللهم إنْ تَهْلَكَ هذه العِصابة لا تعبد»، فهذه العِصَابة القليلة الذين هم أهل الإيمان، هؤلاء هم كل أهل الإيمان الأرض كلها ليس فيها أهل إيمان إلا هؤلاء، والبَقَايَا الذين تَرَكَهُم النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، لكن إذا هَلَكَ هؤلاء وهزم هؤلاء انتهى الإسلام وانتهى الدِّين مِن الأرض، فاستغاثوا بالله -تبارك وتعالى-، قال -جلَّ وعَلا- : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، أجابكم، {........ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9]، سَأُمِدُّكُم بألف، المَدَد الذي هو العَطَاء شيء بعد شيء، ألف عددًا مِن الملائكة،  مِن قبيلة ولا مِن بَشَر بل مِن ملائكة الرَّب -تبارك وتعالى-، مردفين أي يَرْدِفُ بعضهم بعضًا، أي يأتون تِبَاعًا، ينزلون مِن السماء تباعًا الفِئَة منهم في إثر الفِئَة.

قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:10]، {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ}، أي إنزال الملائكة واستبشاركم بهذا، {إِلَّا بُشْرَى}، لِيُبَشِّركم به، والبُشْرَى هي الإخبار بما يَسُر، وذلك أنَّ هذا مِن أكثر الأخبار سرورًا أنْ يعتقد المسلم وأنْ يَرَى أنَّ الله -تبارك وتعالى- سَيُنْزِل ملائكة مِن السماء تُقاتل معه، اطمأن قلبه, يرتبط جَأْشه، يشتد عزمه، يُوقِن أنَّ النَّصْر له ما دام أنَّ الملائكة موجودون؛ ملائكة الرَّب -تبارك وتعالى-، ومَن هؤلاء ملائكة الرَّب الذين لا يقوم لهم شيء، ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- أخبر هذه بُشْرَى، وأنَّ هذا العدد فقط إنَّما هو بِشَارة بأنْ يكون هذا العدد على هذا النحو، وإلا فإنَّ هؤلاء القوم لو قام لهَمُ مَلَك واحد بِصَوْتَه لا بِسَيْفِه ولا بِرُمْحِه ولكن بصوته فَصَرَخَ فيهم صَرْخَة لأهلكهم جميعًا، لكن هذه بُشْرَى مِن الله -تبارك وتعالى-، أنْ يشهد هذا العدد مِن الملائكة الغزوة، فيكون هذه كذلك سابقة لهؤلاء الملائكة كذلك، كما جاء أنَّ مَن شَهِد بَدْرًا مِن الملائكة هُم في منزلة مِن الملائكة كَمَن شهد بدرًا مِن المؤمنين مِن أهل الدنيا، {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}، الطمأنينة؛ ثَبَات القلب واستقراره، ضد الخوف وارتجاف مِن الخوف مِن الهزيمة، فهي تطمئن القلب لأنَّ القلب يُصْبَح مطمئن إلى أنَّ النَّصر حَلِيفٌ لنا، ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:10]، ما النَّصر على العدو، النَّصر؛ الغَلَبَة على العدو إلَّا مِن عند الله، فالله –سبحانه وتعالى- هو الذي بيده هذا الأمر، إنَّ الله عزيز غَالِب، العِزَّة؛ الغَلَبَة، فعزة الله -تبارك وتعالى- أنَّه غالب لا يُغْلِبه أحد –سبحانه وتعالى-، حَكِيم يضع كل أمر في نصابه، أي يَنْصُر مَن يشاء -سبحانه وتعالى- في الوقت الذي يشاء بالقَدَر الذي يشاء، هذا يضع كل أمر في مكانه -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فهذا أول أمر؛ أول سبب، مِن الأسباب التي نَصَر الله -تبارك وتعالى- بها عباده المؤمنين، أنْ بشرهم بأنَّه سينزل لهم ألف مِن ملائكته -سبحانه وتعالى-، يشهدوا هذه الغزوة وأنهم سيأتون تباعًا.

سبب آخر، قال -جلَّ وعَلا- : {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}[الأنفال:11]، {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}، هذا سَبَبٌ آخر، والنُّعَاس هو النَّوْم الخفيف، ومعنى يُغَشِّيْكُم يأتيكم المرة تلو المرة، كما جاء أنَّ أبا طَلْحَة -رضي الله تعالى عنه- سَقَطَ مِنْه السَّيْف وهو في الصف عِدة مرات ويتناوله، وهو في الصف وقائم يأتيه النُّعَاس فَيَسْقُط منه السَّيْف فَيَنْتَبِه فيروح، ثم يأتيه مرة ثانية، النُّعَاس في وقت الموت هذا والناس مُقْدِمُون على القتال هذا أكبر دليل للطمأنينة وثَبَات القلب، لأنَّ الخائف لا ينام، الجَبَان لا يَنَام، فلا نامت أعين الجُبَنَاء، الجبان لا ينام، ولا يمكن أنْ يأتيه النَّوم لأنَّه خائف لأنَّ هذا فيه مَوْت قَادِم فَيَطِير النَّوم؛ يذهب النَّوم، أمَّا مَن ينام في وقت الخوف الشديد فهذا معناه دليل اطمئنانه وثَبَات قلبه، وكأن الأمر هذا ليس ذا بال عنده ولا أهمية، الله -تبارك وتعالى- غشَّاهم بالنُّعَاس المرة تلو المرة في هذه الغزوة التي فيها موت؛ وهم أمام الموت، ومع ذلك يصيبهم النُّعَاس، {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}، أمنة لحِصُول الأمن والطمأنينة، {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}، هذه قضية هذه الثالثة، نَزَلَ عليهم في هذه الليلة؛ ليلة هذه المعركة، أَنْزَل الله -تبارك وتعالى- المطر عليهم طهارة، ماء يَنْزِل وفي هذا المكان، تسيل السُّيُول، تجري الغدران، تَتَجَمَّع الغٌدْرَان، مَطَر طَهَارة، شربه طهارة للجوف ونشاط للبدن، الاغتسال منه طَهَارة للبدن، نشاط لِلجسم، فهذه طهارة بكل معاني الطهارة في الداخل والخارج، {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}، كذلك مَن كان عليه جَنَابَة، مَن امتدت بهذا السفر الطويل هذا شَعَسَتْه فينزل المطر فهذا يغتسل ويتطهر، كذلك مَن يشتاق كان مشْتَاقًا للشهادة فإنَّ هذا وقتها، يتطهر ليلقى ربه -تبارك وتعالى- وتأتيه الشهادة وهو طاهر البدن، {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}، رِجْز الشَّيْطان؛ وسوسته، لأنَّ الإنسان إذا كان فيه على شيء مِن الجَنَابَة أو شيء مِن القَذَر ربما يدخل عليه الشيطان إنَّه يدخل عليه مِن هذا الباب، إنَّك على جَنَابة ونحو ذلك فكيف ...، نزول المطر في هذا المكان لإذهاب كذلك وَسَاوِس الشيطان، {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ}، يربط على قلوبكم؛ كأنَّه الشد عليه بحيث لا يتزعزع هذا القلب أو يصيبه أي شيء مِن الخوف أو الرَّيْبَة في النصر، {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}، وكذلك ليكون هذا المطر بعد ذلك كتثبيت للأقدام، جعل الله -تبارك وتعالى- كل هذه المنافع للمطر الذي ينزله -سبحانه وتعالى- مِن السماء، {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}، هذه الأرض التي كانوا فيها قالوا ؟؟؟ أنها كانت أرض دَهِسَة، ومعنى أنَّها دَهْسَة أنها تغوص فيها القدم، فلما جاء المطر لَبَّد الأرض وثَبَّتَهَا فأصبحت هذه أكثر عون للمؤمن على الحركة للقتال فيها، {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}.

إذن هذه كلها أسباب، الله -تبارك وتعالى- هنا يُبَيِّن لهم كيف أحاطهم -سبحانه وتعالى- بأسباب النَّصْر، إنزال الملائكة، إنزال النُّعَاس عليهم، إنزال المطر الذي فيه كل هذه المنافع، ثم كذلك قال -جلَّ وعَلا- : {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[الأنفال:12]، {إِذْ يُوحِي}، اُذْكُر، {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ}، أَوْحَى الله –تبارك وتعالى- إلى الملائكة، والوَحْي هو الإعلام بطريق خَفِي، يُعْلِمُ الله -تبارك وتعالى- ملائكته بهذا الأمر، أني معكم؛ الله -تبارك وتعالى- معكم، هذا المَعِيَّة مَعِيَّة تأييد ونَصْر، وأنَّه -سبحانه وتعالى- حاضرٌ بنصره وتأييده مع عباده المؤمنين، {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، وهذا بأنْ يُلْقي الملائكة في روع المؤمنين بالطَّمَأْنِينَة وبالبُشْرَى ما يكون في قلب المؤمن مما يَرِد إلى قلبه مِن هذه الخواطر؛ الخواطر الرحمانية الملائكية، مِن أنَّه على الحق وأنّه على الطريق وأنَّ هذا نصر الله وأنَّ هذا موعوده فيُثَبِّت، {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، أي بما تَنْفُثُونَه في رَوْعِهِم مِن البشرى ومِن الثبات على الحق.

{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}، الله -تبارك وتعالى- جعل هذا مِن فعله -سبحانه وتعالى- بلا واسطة، قال سألقي؛ الرَّب -جلَّ وعَلا-، وهنا تكلم الله -تبارك وتعالى- عن نفسه بصيغة المفرد، كأنَّ الله هو الذي يفعل هذا -سبحانه وتعالى-، {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}، الرعب هو الخوف الشديد، وإذا أصبح هؤلاء أهل الإيمان ثبتهم الله -تبارك وتعالى- بهذا التثبيت وجمع لهم أسباب النَّصر على هذا النحو، وأمَّا الكفار المطر الذي نَزَل هَوَّرَ الأرض مِن تحتهم وجعلهم في ردغة، مكانهم الذي فيه يتحركون فيه بصعوبة، ثم قلوبهم أصبحت هواء وأصبح الرعب في قلوبهم، ووضع الله -تبارك وتعالى- الرُّعْب في قلوبهم مِن هؤلاء المؤمنين، إذن تجمعت كل أسباب النصر، {........ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[الأنفال:12]، قال بعض أهل العلم في التفسير {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ}، أنَّ هذا مِن تَمَام كلام الرَّب ووحيه للملائكة، فإذا كان هذا مِن كلام الرَّب -تبارك وتعالى- للملائكة {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}، فمعناه أنَّ الملائكة قد بَاشَرت القِتَال في يوم بَدْر مباشرة، وأنَّه لم يكن حضورها فقط للبُشرى والتثبيت وإنما كذلك باشروا القتال، بأنهم كانوا يَضْرِبُون فوق الأعناق؛ أعناق الكفار، وكذلك يضربوهم على بَنَانِهِم فتهتز سيوفهم ورماحهم مِن أيديهم، وفي الوجه الأخر مِن وجوه التفسير {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ}، أنَّ هذا الأمر أنما كان للمؤمنين، {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ}، الضَّرْب فوق الأعناق لأنَّ هذه المَقْتَل، هذه أفضل مَقَتل للإنسان أنْ يَضْرِب على عُنُقِه، {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}، كذلك أنَّ هذه تَشُلّ الحركة، فالضَّرب على البَنَان، مِن ضُرْب على بَنَانه؛ البَنَان الأصابع، فإنَّه سقط سيفه، لم يستطع حَمَلَ رمحه، فهذا انشل، فالإنسان بدون يدين في المعركة لا أمل له في نصر، {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}، تعليم كذلك مِن الرَّب -تبارك وتعالى- وتوجيه لكيفية التَّغَلُّب على هؤلاء.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:13]، ذلك؛ هذه العقوبات وهذا الصنيع مِن الله -تبارك وتعالى- في أهل الكفار على هذا النحو غير صَنيعه بالمؤمنين، بأنَّهم؛ بأنَّ هؤلاء الكفار، {شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، كانوا في شِق عن الله ورسوله، ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:13]، لهذه الآية عودة -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية، نقف عند هذا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد.