الحمد لله رب العالم والصلاة والسلام على عبده ورسوله الامين سيدنا محمد وعلى آله واصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته الى يوم الدين.
وبعد فيقول الله تبارك وتعالى: "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)" {يونس 25-27}.
الآيات من سورة يونس وهذه الايات جاءت بعد ان بين الله تبارك وتعالى ان هذه الدنيا التي جعلها الكفار محط آمالهم ونهاية احلامهم وهي ممكلتهم ليس هناك مملكة بعد هذه الدنيا هي حياتهم ولا حياة بعد ذلك ومن اجل ذلك اعطوا انفسهم اعطوها من الاعتقادات الباطلة والشرك بالله تبارك وتعالى اخبر الله تبارك وتعالى ان هذه الدنيا الى زوال وانا اهلها يتمتعون فيها ما يتمتعون بأمر الله تبارك وتعالى وانها زرعه ثم تنتهي.
"... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)" (يونس 23-24).
ثم قال جل وعلا: "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ" هي دار المستقر الجنة، دار السلامة من كل العيوب والآفات، ودار البقاء التي لا زوال لها والله يدعو خلقه جميعا، كل الناس في هذا الكتاب الكريم، وارسل رسوله (عليه الصلاة والسلام) ليدعوا الناس جميعا ليدخلوا جنته سبحانه وتعالى "وَاللَّهُ يَدْعُو" الله هو الداعي وارسل محمدا صلوات الله وسلامه عليه داعيا باسمه، القرآن نزل من الله تبارك وتعالى يدعوا الله تبارك وتعالى بكلامه بخطابه منها الناس جميعا والله يدعوا كل الناس تعالوا، هلموا الى دار السلام.
ثم قال جل وعلا: "وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الدعوة عامة ولكن كثير من الناس قد اصم اذنه عن دعوة الرب تبارك وتعالى وكذب الرسل ورد مقالتهم ولذلك لم يستفد من بهذه الدعوة كما قال صلى الله عليه وسلم : (كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى! قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) وقال: (انما مثلي ومثلُكم كمثلِ رجلٍ بنى دارا ثم صنع فيها مأدبة)، مأدبة طعام، وليمة عظيمة (ثم ارسل داعيا فمن اجاب الداعي دخل الدار واكل من المأدبة ومن يجب الداعي لن يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، قال لهم فالداعي رسول الله من اطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار) فالله تبارك وتعالى بنى الجنة وهيأها وذخرها بكل انواع الحور والسرور وارسل، والدار هي الاسلام وقال الرب تبارك وتعالى ارسل الله رسوله ليدعوا الناس للدخول في الاسلام لينالوا كرامة الرب ووليمة الرب تبارك وتعالى هذه دار السلام الجنة "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)" من شرح الله صدره لهذا الدين واخذ كلام الله تبارك وتعالى، أخذه على محمل الجد وصدقه اذن هذه يهديه الله تبارك وتعالى بإيمانه الى دار السلام {... وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}.
ثم بين الله سبحانه وتعالى المآل الذي سيؤول اليه اهل الجنة فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى"، "الذين احسنوا" هم الذين عملوا العمل الحسن، راقبلوا الله وآمنوا بالله وقاموا بما أمر به وهذا هو الاحسان كما قال جل وعلا : "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ... (7)" (هود 7). "احسن عملا" بالدخول في هذا السلام هو احسن عملا، "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ...(2)" (الملك 1-2) والعمل لا يكون حسنا الا اذا آمن الانسان بالله تبارك وتعالى وقام بما امر الله عز وجل ان الله لا يأمر الا بالامر الحسن "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)" (النحل) فالذين احسنوا، راقبوا الله وآمنوا بالله تبارك وتعالى وراقبوه وقاموا يعني بما امرهم الله تبارك وتعالى ودخلوا في هذا الصراط المستقيم، هؤلاء الذين احسنوا الله تبارك وتعالى يقول : "لهم الحسنى" الجنة جزاء لعملهم، فمن احسن فله الحسنى "للذين احسنوا الحسنى" الجنة وكذلك من هذه الحسنى فعل الحسن لهم من الله تبارك وتعالى بأن يجزيهم بالحسنة عشر امثالها الى سبعمئة ضعف الى اضعاف كثيرة فيضاعف لهم اعمالهم سبحانه وتعالى ويعطيهم الجنة، ليس ثمنا لعملهم ولكن كرامة من الله تبارك وتعالى لهم انه احسنوا في هذه الحياة "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ" ما الزيادة على الجنة، في امر آخر، هذه الزيادة اعظم من الجنة وهي رؤية ربهم سبحانه وتعالى رؤية ربهم جل وعلا من كل ما يؤتوه المؤمنون يؤتوا في الجنة ما كانوا يودونه ويحلمون به وما لا يحلمون به، ويعطون ما يدعون كذلك وقد ذخر الله من الخير ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يعني ما لم يخطر ايضا على قلوبهم من انواع المتاع، غير ما ذكر الله تبارك وتعالى لهم من الجنات والحور والقصور والدور والبهجة والسرور وانواع الشراب وانواع الفرش وانواع الادوات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (جنتان من فضة. آنيتهما وما فيهما) كالأواني كل شيء في قمة المتاع "قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (الانسان :16) " القارورة من الفضة، فضة شفافة، فضة وشفافة، "قدروها تقديرا" وكل شيء ثم لهم بعد ذلك، امور لم تخطر على البال لم يحدثوا بها، وانما تكون مفاجئة لهم يوم القيامة اعظم من هذا كله هو رايتهم رأيتهم ربه سبحانه وتعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (جَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ آنِيَتُهما، وما فيهما، وجَنَّتانِ مِن ذَهَبٍ آنِيَتُهما، وما فيهما، وما بين القومِ وبين أنْ ينظروا إلى ربِّهم إلَّا رِداءُ الكِبْرِياءُ على وجهِه في جَنَّة عَدْنٍ). اذا كشف الله هذا الحجاب ورأي المؤمنون ربهم تبارك وتعالى، فإنهم يرون انهم لم يعطوا من كل ما اعطوه خيرا من النظر الى وجه الله تبارك وتعالى، هذا اعظم سرور، هذا اعظم سرور وقد وصى النبي صلوات الله وسلامه عليه، امته بأن تحرص على الصلاة، خاصة صلاة الصبح وصلاة العصر فقال صلى الله عليه وسلم : (إنكم سترون ربكم عيانا) ثم قال : (فمن استطاع أن لا يغلب على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها ، فليفعل) يعني ان من حرص على صلاة قبل غروب الشمس وصلاة العصر، والصلاة التي قبل غروب الشمس وهي صلاة الفجر، فليفعل فان هذا هو السبب هو الوسيلة الى بلوغ هذه المنزل والدرجة العالية الرفعية "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26)" يونس يوم القيامة يوم شديد القمطرير الصعب خمسين الف سنة والشمس دانية من الرؤوس في هذا اليوم العصيب والذي تتقبل فيه القلوب والابصار وينتظر الكافر ما هو اشد هولا منه وهو ذخول النار، ففي هذا اليوم العصيب "... ولَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ..." (يونس 26) القتر، اصل القتار هو ما يعلق في القدر من نار، نار الحطب عندما يوضع عليه القدر فإنه سواد النار ودخانه يعلق في القدر هذا القتر هو السواد هذا السواد يعلو الوجع عند الغم والهم والكرب كل انسان في ضائقة وفي مصيبة وفي كرب شديد، واذا كان ذا وجه ابيض يسود وجهه من الغم والكرب فهؤلاء يخبر الله عزل وجل بأن اهل الجنة ما عليهم حزن "لا يرهق وجوههم" يرهقها يتعبها، "قتر ولا ذلة" ذلة خضوع والشعور بالانكسار وركوب الهم الشديد الذي يجعل الانسان منكسرا خاضعا ذليلا لا يشعر المؤمن بهذا، الكافر والمنافق يوم القيامة هذا يكون حاله "ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة اولئك" اولئك بالاشارة لهم اصحاب الجنة سموا اصحاب الجنة، الصحبة تطلق على الملك تقول انا صاحب هذه الدار يعني مالكها او صاحب السيارة من صاحب السيارة يعني مالكها، او هذا صاحب فلان، بمعنى الملازم له بمعنى انه صاحبه، بمعنى انه من كثرة الملازمة والجلوس معه لزمن طويل، يسمى صحابه، كما نقول اصحاب النبي الذين صحبوه وعاشوا معه (صلوات الله وسلامه عليه) فهؤلاء اصحاب الجنة، اصحابها بمعنى الصحة وبمعنى الملك، فهم ملاكها اصحاب الجنة ملكهم الله تبارك وتعالى وقيل لهم "هذه الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون" جعل الله ملك الجنة لهم كأنه ميراث، والميراث سم ميراث لانه اثبت انواع الملك، فإن الميراث يقع في ملك مستحقه خاص ولو رغما عنا خلاص هذا بالضرورة غير اي وسيلة ثانية لنقل الملكية، كالبيع والهبة والصدقة ونحوها، يعني يبقى فيها مجال في العود كمن يبيع وينقل مستأجر وليس مالك، المتصدق كذلك الله سبحانه وتعالى جعل الجنة كأنها ميراث فقال: "اورثتموها بما كنتم تعملون"، ملكهم الله تبارك وتعاله كانه ملك ورث والله يقول : "اولئك اصحاب الجنة"، ملاكها وكذلك اصحابها خلاص ملازمة، "لا يبغون عنها حولا" لا يريدون ان يتحولوا عنها الى اي مكان آخر، فلا يضيقون بها ولا يملونها مع طول الزمان والمقام، هذه يحبونها حب خلاص، محبة دائما، "لا يبغون عنها حولا" اولئك اصحاب الجنة هم هؤلاء فيها في هذه الجنة خالدون، والخلود في معجم العرف المكث الطويل، وهنا الخلود البقاء بلا انقطاع في السورة الاخرى قال جل وعلا : "والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثالها" ، الكسب يكون للخير والشر، "كسبوا السيئات" نالوها وحصلوها واجترحوها طبعا على انفسهم والسيئات جمع السيئة والسيئة هو العمل الذي يسوء صاحبه وكل معصية سيئة كل معصية لله هي سيئة، سميت سيئة لانها تسوء صاحبها في النهاية عليه فسوؤها علي "والذين كسبوا السيئات"، قال تعالى : "جزاء سيئة بمثلها" بمثلها يعني ان الله يعطي عقوبة ممثالة لهذه السيئة وما يماثلها كذلك انها امر سيء كذلك يسوؤه "بمثلها" في السوء "بمثلها" في السوء فهذه العقوبة "جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة" قبل ان يدخلوا النار، "ترهقهم" تعلوهم ويحملونها هذه الذلة كأنها خلاص، الرهق التعب الشديد، يعني تعلوهم هذه الذلة وتركبهم بحث انها خلاص تحطمهم تجعلهم في غاية الخضوع والاستسلام واليأس والقنوط، "وترهقهم ذلة" قال جل وعلا ما لهم من الله من عاصم خصمهم هنا الرب، قاضيهم هو الذي يحاكمهم ويحاسبهم هو الذي يعاقبهم، "وليس لهم من دون الله من عاصم" عاصم مانع يعني مالهم من الله عز وجل ما يمنع العقوبة هذه عنهم، ملك، شفيع، سند، ملجأ، فدية، اي شيء اي طريق وباب ينعهم من العقوبة مش موجود، قد نفى الله تبارك وتعالى عنهم كل باب يمكن ان يمنع عنهم عقوبة الرب تبارك وتعالى "مالهم من الله من عاصم" يعصمهم لا ملجأ يلجؤون اليه لا فناء لا تحول، تمنى ان يكون تراب ولكن لا يمكن ان يتحول، لا مهرب يهرب اليه، لا إلهه الذي كان يعبده تبرأ منه، ملك من الملائكة ممكن شافع يشفع له، "مالهم من الله من عاصم"، قال جل وعلا: "كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (يونس 27) هذا قبل دخول النار عياذا بالله كأنما صور الله تبارك وتعالى وجوههم ظلمة وجوههم من الكرب والذلة والهم العظيم الذي يحملونه وهم ينتظرون سوقهم الى النار بأنهم خلاص كسواد الليل قطع الليل المظلم فكان فيه ظلام ليس فيه اي ضوء، فإن الظلام يكون كأنهم جسم قائم صلب، تخرج يدك لا تكاد تراها، قطع من الليل كانها جاءت هذه القطع المظلمة وكسيت بها وجوههم عياذا بالله، "اغشيت" والغشاء هو الغطاء "كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما" هذا سواد كامل، قال جل وعلا: "اولئك اصحاب النار هو فيها خالدون" اولئك بالاشارة اليهم كذلك ابعادا لهم "اصحاب النار"، كان الله ملكهم هذا ملكهم كل واحد في مكانه ومقعده وكذلك هم المصاحبين للنار صحبة لا تنتهي والنار نار الآخر نار الله تبارك وتعالى، كما قال الله فيها: "نار الله الموقدة" المشتعلة دائما، "التي تطلع على الافئدة" يعني يصير لسان اللهب الى ان يخترق جسم الكافر الى فؤاده عياذا بالله، "اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون" هم كذلك فيها خالدون خلودا لا انقطاع له ثم صور الله تبارك وتعالى حال هؤلاء الكاذبين على الله تبارك وتعالى الرادين لامره قال: "وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ" (يونس 28) هذه كذلك صورة من صور الذلة وانقلاب الامر على هؤلاء وتبدل الحال، حال الذل التي كانوا فيها الى حال آخر، "ويوم نحشرهم جميعا" العابد والمعبود هم واصنامهم ومن ادعوهم شركاء مع الله، الذين صرفوا لهم العبادة من الزعماء والرؤساء ومن هذه الآلهة المدعاة التي ادعوها من دون الله تبارك وتعالى "وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ" هؤلاء العباد. اشركوا بالله هذه الآلهة "مكانكم" انتم وشركاؤكم، "مكانكم" يعني الزموا مكانكم قفوا، فيوقفون للمساءلة التي هي ليست مساءلة عن الذنب وانما للتقريع والتوبيخ "مكانكم انتم" يعني ايها العباد وشركاؤكم هذه الآلهة التي عبدتموها من دون الله، قال جل وعلا : "فزيلنا بينهم" زيلنا فرقنا بينهم، بين العابدين والمعبودين "وقال شركاؤهم ما كنتم ايانا تبعدون" يا خسارتهم يا ضلالهم، اول شيء يتبرأ هؤلاء الذي عُبدوا من الذين عَبدوا، يقولوا ما احسسنا بكم ولا عبدتمونا اما ان بعضها بعض هذه الشركاء كانوا غافلين، لا يدرون كمن عبد شجرة او عبد حجر او عبد صنم او عبد، لا يدري عنه هذا الشي او عبد ميتا مات ولا يدري من قام عند قبره وطاف به ودعاه من دون الله وناداه من على بعد واستغاث به، لم يدري عنه واما كان يدري ممن دعا الناس الى طاعته واتباعه، كفرعون الذي قال انا ربكم الاعلى وكل من طاغوت دعى الناس الى عبادته، كما قال تبارك وتعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ..." يعني يوم القيامة ".. أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا" هؤلاء هم المتبوعين " مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)" (البقرة 165-166) فهؤلاء السادة يتبرؤون من عبيدهم واتباعهم الذين اتبعوهم وعبدوهم، وكذلك قال جل وعلا : "وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)" يعني الشركاء قالوا "ألقوا اليهم القول" ردوا على عبادهم "انكم لكاذبون" قال جل وعلا: "وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) فهؤلاء تقول لهم الملائكة "... مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ" (يونس 28) فيتبرؤون منهم ويقولون لهم ما عبتمون "فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِين" (يونس 29)، "فَكَفَى بِاللَّهِ" يعني يكفينا الله انه هو يشهد، وان هؤلاء عبدوا بدون رضاهم، "فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" يشهد بيننا وبينكم "إنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِين" ابدا ما احسسنا بعبادتكم ولا عرفناها وذهبت فهؤلاء كل من عبد وهو غير راض، يقولون هذه المقالة، كل من عبد وهو غير راض بهذا ولا دعا الناس الى هذا ولا طلب منهم هذا الامر، ترؤوا منهم واكبر من يتبرأ من عابديه الذين عبدوه بغير رضاه يوم القيامة، هو عيسى ابن مريم عليه السلام، فإن كثيرا من هؤلاء الحمقى والمغفلين والمشركين قد عبدوه وامه من دون الله.
يقول الله تبارك وتعالى امامهم يوم القيامة : "... أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)" (المائدة 116-118) فهؤلاء الذين عبدوا بغير رضاهم، كذلك تبرؤوا من هؤلاء ويقولوا ما ما هديت "تالله ان كنا عن عبادتكم لغافلين" ما امرناكم، فكل رجل صالح كان قبله ولم يأمر الناس بعبادته وجاء الناس بعد ذلك فقدسوه وعبدوه من دون الله وفعلوا له وفعلوا يتبرأ من هؤلاء يوم القيامة "... وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ... (30)" هنالك في هذا المكان وفي هذا الزمان في هذا الوقت، "هنالك تبلوا كل نفس ما اسلفت" تبلوا تختلف، تعرف حقيقة ذلك، الكفار يشركون بالله تبارك وتعالى وهم مؤمنون بشركهم هذا وواثقون منه ويقاتلون في سبيله ويبذلون المهج فيما هم فيه ويظنون انهم هذا هو الحق الذي لا حق بعده وهو الباطل والحال ان هذا هو الباطل، فهناك الف وباء، يعرف حقيقة مقالتهم التي قالوها في الدنيا وحقيقة عبادتهم وحقيقة هذا للدفاع نحو شركاءهم، يعرفون ان هذا كله كان باطل في باطل، "هنالك تبلوا كل نفس ما اسلفت" تختبر وتعرف حقيقة العمل التي عملته، وكذلك المؤمن يتبدى له حسن عمله عندما يؤجر عليه ويعرف حقيقة العمل الذي عمله وقد كان المؤمن لا شك انه مؤمنا بعمل وهو على الصدق ولكن يرى ثمرة هذا العمل "... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ..." "هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ" كل نفس ما اسلفت، يعني ما قدمت، فالمؤمن يرى عمله حقيقي انه كان على الهدى والنور، والكفار يعرف انه كان على الضلال وكان على الشرك وكان على الكفر، قال جل وعلا ، "وردو الى مولاهم" رد الجميع الى الله "مولاهم الحق" الله هو المولى وهو الولي، وهذا هو المولى الحق وكل من سواه ممكن ادعي انه مولى، ابدا لا تنفع ولايته بشيء، ولا ينفع من عبده ومن والاه، فهؤلاء الذين والو اعداء الله تبارك وتعالى ووالو الطواغيت وبذلوا ما بذلوا، بذلو مهجم واوراهم في سبيل ذلك، سيعلمون بأن هذه الطواغيت وهذه الاصنام وهذه الآلهة البالطة لا تنفعهم وهو في الوقت الذي يكونون هم احوج ما يكون الى نفعهم، ولا ينفعونهم بشيء فيتبين لهم انهم كانوا غفلاء وكانوا على عمى ووضعوا انفسهم وجعلوهم انصار لهم وعز لهم ثم يتبين انه لا نصرة وعزة "وردوا الى الله مولاهم الحق" المولى الحق فهو الولي الذي يوالي من يواليه سبحانه وتعالى وينصره ويؤيده ويهديه، فهو المولى الحق سبحانه وتعالى، قال جل وعلا: "وضل عنهم ما كانوا يفترون"، "ضل عنهم" راح، الضلال هو الذهاب والاضمحلال "ما كانوا يفترون" الذي كانوا يفترونه، كل الذي افتروا بعد ذلك من هذا الشرك وزخرفوه وبينوه ساروا فيه تبين لهم انه لا حقيقة لهم، "وضل عنهم ما كانوا يفترون" الذي كانوا يكذبونه ضل عنهم استغفر الله لي ولكم من كل ذنب وصلى الله على عبده ورسوله محمد