الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه, ومن أهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد, فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}[يونس:40] {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}[يونس:41], {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ}[يونس:42], {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ}[يونس:43], {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس:44].
الآيات مِن سورة يونس, وتأتي في هذا السياق بعد أن بَّين الله -تبارك وتعالى- أنَّ هؤلاء الكفار كذَّبوا بهذا القرآن الذي لا يستطيع أحدٌ أن يأتي مثله, {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس:37], قال -جل وعلا-: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[يونس:38], ثم بَيَّن قال: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}[يونس:39]: تهديد ما جاءهم بعد الوعيد الذي يتوعدهم ويتهدَدهم الله -تبارك وتعالى- به في الدنيا وفي الآخرة, ولمَّا يأتى هذا الوعيد طبعًا سيؤمنوا بهذا القرآن لكن يكون قد فات وقت الإيمان به, {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}[يونس:39], كذَّبوا رسلهم كذلك, لكن ماذا كان المئال؟ أن أنزل الله -تبارك وتعالى- بهم عقوبته في الدنيا ثم العقوبة الأُخروية, آمنوا عند ما رأوا العذاب لكن ليس هناك بعد ذلك فائدة لهم في أن يؤمنوا بالأمر الذي, هذا وقت الإيمان انتهى قد كذَّبوا في الوقت الذى كان مطلوب منهم أن يؤمنوا, الله يقول: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}, ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- مواقف العرب لمَّا جاءهم هذا القرآن, قال -جل وعلا-: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}[يونس:40], وَمِنْهُمْ: مِن الذين جاءهم النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن يؤمنوا بهذا القرآن وأنَّ كلام الله -تبارك وتعالى- حقًا وصدق, {وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}: جاء التهديد لمن لا يؤمن بهذا القرآن, وربك: أي يا محمد, وهُنا ما قال الله قال وربك مضافًا إلى النبى -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون هذا فيه شد مِن عزم النبي -صلوات الله عليه وسلم- وتقويةٌ له, وأنَّ ربه -سبحانه وتعالى- المحيط بكل شيء المالك لكل شيء هو عليمٌ بهؤلاء المفسدين, {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}: تقريب للنبي -صلوات الله والسلام عليه- وتهديد ووعيد لهؤلاء, وسَمَّاهم الله -تبارك وتعالى- بالمفسدين هُنا بهذا الوصف المُنطبق عليهم؛ لأن الكفر بآيات الله -تبارك وتعالى- والشرك أعظم فساد ممكن أن يقع في الأرض الشرك لأنه باطل كذِب هذا يُقال إنَّ هذا إله وهو كذب هذا ليس بإله, ثم يُعطَىْ أشرف عمل العبد مِن الطاعة والسجود والإنابة والطلب كل هذا ضلال غير صحيح وهذا الشرك ليس بصحيح, {........وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا}[النساء:116], فهذا فساد, ثم بعد ذلك يُعطَىْ هذه الأصنام وهذه الآلهة المُدَّعىْ يُهدَر لها المال وتُهْدَر لها الجهود والأوقات كل هذا باطل ليس بحق, ثم يُترك في سبيل ذلك الإله الحق خالق السماوات والأرض الذي يستحق العبادة حقًا وصدقًا, ثم هذه الأصنام وهذه الآلهة تأمر اتباعها بكل فساد, فهي لا تنهي عن باطل وإنما يَشرع اتباعها الذي انتحلوها ما يشرعون لأنفسهم مما يُريدون بأهوائهم فيُحِلُّون ما شاءوا, ويتركون طريق الرب -جل وعلا-, أعظم فساد هذا, فالله يقول: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}: الذين اختاروا طريق الشرك بالله -تبارك وتعالى- وتركوا طريق الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وعبادته وتوحيده.
ثم قال -جل وعلا-: لنبيه مُسَلِّيًا {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ }[يونس:41], وإن كذبوك فقل لهم: مُفَاصلًا لهم, هذة مفاصلة فيها راحة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها تهديد لهم {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي}: عملي الذي أعمله على نفسي فهو لي, هُنا بالطبع يقولوا أنت ضليت, أنت صبأت أنت خرجت عن دين الأباء والأجداد, طريقك خطأ أين ماشي أين سائر أنت والناس, فهم عندهم أن النبي مفسد, الوليد ابن المُغِيرة قال: إنما جاء بالسحر يُفَرِّقُ به بين الولد وأبيه, وبين ألأخ وأخيه, وبين المرأة وزوجها, فجعلوا مجئ الدين إفساد, وأنَّ ما هم عليه هو الحق وهو الهدى والنور, فقال قول لهم: لي عملي الذي أعمله مِن إيماني بالله -تبارك وتعالى- وتوحيده والدعوة إلى هذا الذى جئت عليه, وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ: عملكم الذي تعملوه مِن هذا الشرك والكفر لكم, هو لازمكم, وهذه براءة وفصل بين الإيمان وبين الكفر كقول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون:1], {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}[الكافرون:2], {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:3], {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ}[الكافرون:4], {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:5], {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:6]: دينكم لكم, أنتم اخترتم هذا الطريق فهو لكم, وأنا ليَ ديني وليَ طريقي, {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ} وكان يتبرَّاءون بهذا قولًا وحالًا, فهم يقولون له تصبأت وخرجت, {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}: وأنا أبرئ إلى الله وأتبرَّئ مِن كل الذي تعملونه مِن هذا الشرك والكفر, بالطبع هذه مُفاصلة فيها أمورعظيمة, أول شيء تحديد هذا الطريق: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ}[هود:109], هذا طريق الإيمان غير طريق الشرك ففيه مفاصلة وفيه اتضاح أنَّ هذا سبيل وهذا سبيل, كذلك الأمر بهذه الصورة وعرض الأمر مِن الله -تبارك وتعالى- بهذا قد يعطي الكافر نوع من البصر, هذا محمد الذي كنا نصفه بالصادق الأمين يتجنب طريقنا ويأخذ طريقًا ويقول عملكم خذوه وأنا ماشي في هذا العمل هل ألا يجعلهم هذا يراجعون عملهم؟ يراجعون ما يصنعونه يراجعون أقوالهم أمر يحتاج إلى مراجعة, فهو كذلك الخطاب للكفار قد يكون هز لهم مراجعة ليراجعوا السبيل مرة ثانية أين الطريق الصحيح؟ لكن يقول -تبارك وتعالى-: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ}[يونس:42]: منهم ناس يستمعونك أي هي كنوع مِن الفضول أنهم يروا ما عند هذا النبي, وكان بعض الكفار يذهبون سِرًّا فيسمعون القرآن والنبي يقرأ -صلوات الله عليه وسلم- في فِناء بيته وأبو بكر يقرأ في فِناء بيته كان يذهب بعض كبار المشركين ويذهبوا يستمعوا لهذا القرآن سرًا, بالطبع هم كانوا مُتواصِّيين لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون, لكن بعضهم كان يذهب يستمع, {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}[فصلت:5] لانسمع منك أي شيء, بل كان يأتي إلى مكة يظل مِن السادة والكُبرء ومما يخافون مِن إيمانه فيؤمن بإيمانه قومه أو مَن يتبعه ومَن يُعَظِّمه يظل وراءه بالتحذير مِن أن يسمع أشياء مِن النبي كعامر بن الطُفيل ظل وراءه وهو رجل سيد في قومه ظل يجذرونه مِن النبي يقول: حتى أخذت كرسفًا؛ قطن فحشوت به أذني مخافًتًا أن تنفلت كلمة من هذا النبي فتدخل في أذني فيغيرني, يقول ثم قلت لنفسي لِمُا لم تسمع هذا بنفسك؟ أنت سيد قومك أترك نفسك تسمع إن كان حقًّا فيُتَّبع يقول فأخرجت الكُرسف بعد ذلك, فالشاهد مِن هذا أنهم كانوا وضعوا حواحز بينهم وبين سماع كلام الله -تبارك وتعالى- وأحيانًا كانوا يسمعوا ولكن هذا سر, بعضهم مِن بعض يخفي هذا, لكن هذا السمع ما دام هم قد رتبوا في الأمر التكذيب لا يتستفيدون به.
قال -جل وعلا-: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}, قال -جل وعلا-: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ}[يونس:42]: سؤال يراد به الاستبعاد, هل النبي يستطيع أن يُسمِع أصمًّا؟ إذا كان واحد ربنا خلقه أصم, وكذلك لا عقل له ما الوسيلة لإيصال المعلومة له ليفقه هذا, ما في وسيلة, قلب ما في, عقل ما في, فإنسان فاقد العقل وكذلك فاقد السمع, فهذا لا مجال لِأن تُبَلِّغُهُ الرسالة, {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ}[يونس:42]: كذلك فقد جمعوا بين الصَّمم, والصمم هو إغلاق الأذان وبين عدم العقل, وصفهم الله -تبارك وتعالى- بهذا؛ لأنهم عطَّلوا هذه الحواس, هم لاشك لهم أسماع ولهم قلوب لكن ما هذا, كما قال -تبارك وتعالى-: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179], {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:6] {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة:7], فهذا الله يقول ربنا -سبحانه وتعالى- طمس بصيرتهم على هذا النحو وأغلق آذانهم فلا يفيدهم ما يستمعونه, {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ}[يونس:42].
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ}[يونس:43]: أُنظُر؛ النبي هو موجود بين ظهرانيهم ينظرون إليه, ولا شك أنَّ أي إنسان له عقل وله لُب, أنظر هذا النبي حِسُّه هذا مِلئه الطُّهر, الصدق, والأمانة, كل حاله يدل على أنه صادقٌ أمين, ما في أي شُبهَة للإنحراف والكذب, فهو أولًا مُنَزَّهٌ على الغرض, ما في غرض دنيوي مِن دعوته, ثم يدعو بدعوة تجلب عليه كل الشرور, معاداة الناس, والسعي في قتله, ومحاربته, وما في غرض مِن هذا, لا يريد غرض دنيوي ما له أي غرض دنيوي, لا مال لا جاه, ما يريد سلطان, لا يريد شيء, وهذا في عالم البشر مستحيل أن إنسان يدعو بدعوة ويقوم بعمل يجلب عليه العداوة والشرور وتباغض الناس وهو ما يريد شيء, أي لا يكون هذا إلَّا مجنونًا, أو أن في أمر أخر هُنا, كذلك لم يكذب قط ما عمرهم جَرَّبوا عليه كذبا, فكيف يترك الكذب عليهم ثم يأتي يكذب على الله ويظل يكذب باستمرار, هذا يقول له أنا رسول وكل يوم يبقى حبل كذب مستمر, هذا أمرٌ مستحيل, ثم الذي يأتي به ليس كلام مجنون هم بيقولوا عنه مجنون, كلام يتحدَّىْ به كل العقلاء, فهو رجل مبارك كل أمره بركة وكل أوامره حسنة, ما يدعو إلى شيء من الشر, يدعو إلى البر, والصلة, صدق الحديث, الحلم, الكرم, صلة الأرحام, بر الوالدين, نهى عن كل خَنا وعن كل أمر مَشِين, فكل ما يحتث بهذا النبي يقول أن هذا الصادق الأمين البار التقىي, كيف لا يُصَدَّق؟! لكن هذا الكافر يروي النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن الضلال خلاص يغير الصورة, فبدل مِن أن يكون هو محطّْ -صلى الله عليه وسلم- التقدير الاحترام التعظيم التوقير هذا رسول الله’ وهذه حاله أي في الصدق والبر, لكن هذا الكافر يعمى عن ذلك، يعمى أشد العمى, ويجعل هذا النبي مَحِل الاحتقار والازدراء, { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}[الأنبياء:36], {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا........}[الفرقان:42], أي آلهتكم أيها المجرمون؟ ماذا يُضِلُّكم عن الآلهة؟ هذه آلهة هذه!!, هذا اللات وهُبَل ومنات والعُزَّة وهذه الأصنام آلهة!, {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}, تصبر على ماذا؟! ما هذا الذي يريد أن يُضِلك عن آلهتك؟! ما هي هذه؟!, الأحجار والأوثان, فأنظر ضلالك, يجعلون هذه جريمة للنبي -صلى الله عليه وسلم-, {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}, ويجعلون هذا النبي الذي هو ينبغي أن يكون بل يجب أن يكون في موضع التعظيم والتوقير والاحترام هذا رسول الرب وهذه أخلاقه لو كان حتى ما رسول الرب بأخلاقه وصفاته وشمائله قبل البعثة؛ قبل أن يبعثه الله -تبارك وتعالى- مَحِل التقدير والتقديس والاحترام, وقد كان هذا مِن فعلهم قبل أن يبعثه الله -تبارك وتعالى- كان مُقَدَّم عندهم خلاص الصادق الأمين البار, لكن لِمَا نُكِسوا على رُءُوسِهِمْ على هذا النحو عندما جاءهم بهذا الدين؟ وكان المفروض أن يكون العكس, يكبر في عينهم يعظم فيهم يقولون أنت نعم الصادق الأمين البار جئتنا بهذا, أنت لا يمكن أن تكون كاذبًا, كان المفروض أن هذه أخلاقه السابقة التي عرفوا معرفتهم السابقة به تكون هي داعية مباشرةً إلى أن يستمروا في هذا الطريق معه, لكن مباشرة يتحولوا ويصبح النبي عندهم في محل الاسترعاء ومحل التحقير ومحل الإبعاد ومحل العداوة, فهذا مِن عقوبة لهم مِن الله -تبارك وتعالى-, قال -جل وعلا-: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ}[يونس:43]: أعماهم الله -تبارك وتعالى- عن حقيقة النبي -صلى الله عليه وسلم- عقوبة لهم مِن الله, {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ}: سؤال من الرب -تبارك وتعالى- يراد به الاستبعاد هذا يستحيل, {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ.
ثم قال -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس:44]: لمَّا كان هذا عقوبة لهم مِن الله -تبارك وتعالى- أن أعمى بصيرتهم هذا النحو وأعمى بصرهم فأصبح النبي هذا الذي يُحِسُّونه يلمسونه بأيديهم, ويسمعونه بآذانهم, ويرونه بأعينهم, وتقوم كل الأدلة على صدقه وأمانته وبِرّه, آلاف الأدلة على هذا, فهذا أمر واضح وضوح رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه رسول الله حقًّا وصدقًا, أعظم مِن وضوح الشمس, فظهوره أعظم من ظهور الشمس والقمر أمر ظاهر بكل العيان, لكن كيف يعمى هؤلاء؟ كيف عمِيَ هؤلاء الذين كذَّبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يشاهدونه ويسمعونه ويحسونه كيف عموا عن هذا الحق؟! عقوبة لهم مِن الله, فلما عُقِبُوا هذه العقوبة قال -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا}: هذا ليس ظلم مِن الله -تبارك وتعالى-, {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: ناس هم ظلموا أنفسهم, لمَّا هذه كانت الدوافع التي دفعتهم إلى تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- دوافع دينوية حقيرة, إمَّا خوف على سيادته لأنه هذا هو هيأخذ الشرف والسيادة منه, كما كان يقول أبو جهل: ما أرانا إلَّا بني هاشم إلَّا وبني عبدالمطلب أنهم فعلوا فعلنا فعلوا فعلنا أي من دواعي الشرف, ثم قالوا: الآن يقولون مِنَّا نبي يأتيه الخبر مِن السماء فمتى يكون فينا مثل هذا؟! فعموا عن هذا, ثم أنهم استعظموا هذا الفضل العظيم؛ الرسالة مِن الله خالق السماوات والأرض تنزل على هذا لِماذا؟ لما ما تنزل علينا نحن؟ نحن أولى بهذا, {........لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31], هل أنت تقصد؟ {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} هذه رحمة الله -عز وجل- الله اختاره, لما تُعارض النبي هُنا تُعارض اختيار الرب -جل وعلا- ما هو معارضتك لهذا الرسول, فانظر كل الصوراف الذي صرفتهم عن الإيمان صوارف خسيسة, من محبة النفس, أو احتقار اختيار الله -تبارك وتعالى- لهذا النبي -صلوات الله عليه وسلم- وكان يقولون الأولى أن يكون واحد من أهل الثراء والغنى, أن حال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه حال ضعيف رجل فقير رجل كذا لماذا لم يكون الأمر في غيره؟ لماذا يسب آباءنا وأجدادنا؟ لماذا لم نكن نحن؟ فاعترضوا كذلك على الله, كيف هذه آلهتنا وهذا تراثنا وهذا تاريخنا, الله يقول: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}[المائدة:104]: تتبعوا آباؤكم, وهؤلاء الآباء قد لا يكون عندهم عقول, فلَّما صرفتهم هذه الصوارف الخسيسة عن الإيمان الواضح البَيِّن أعماهم الله -تبارك وتعالى- أعمَىْ الله بصيرتهم وجعل هذا الإيمان بعيد في الثُرَي أبعد لهم من الثُرَي أنهم ينالوه وهو قريب جدًا عندهم بين أيديهم في متناولهم أن يأخذوه, , {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: هم ظلموا أنفسهم بهذا؛ بكفرهم وعنادهم وتكذيبهم واتباعهم لهذه الأمورالحقيرة الصغيرة وتركهم الإيمان العظيم؛ فلذلك أعماهم الله -تبارك وتعالى- عن الإيمان وهو حقيقة متماثلة أصبحت كالشمس في رابعة النهار جحدوها قالوا مافي شمس.
ثم قال -جل وعلا-: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}[يونس:45], وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ: أي الرب -جل وعلا-, يحشرهم: يجمعهم, الحشر هو الجمع, {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ}: إحساسهم في يوم القيامة إن مضت هذه الدنيا كأنها ساعة مِن النهار ليست يوم كامل بل ساعة, كما قال -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ........}[الروم:55], يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ: يروا بعض يعرفوا بعض, يجتمعوا يُحْشَروا, هذا فلان وهذا فلان, وهذا فلان وهذا فلان أي شركائهم في الكفر والإثم والعناد فيجتمعون هؤلاء, يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ, قال -جل وعلا-: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ}, قد: تحقيقية, {خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ}: خسروا ولم يُبَيِّن الله هُنا -تبارك وتعالى- ما خسروه ولكنه بَيَّنَ هذا في موضعٍ آخر بِأنهم خسروا كل شيء حتى نفسه هذه قد خسرها, {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ}: خسروا ماذا؟ من مال ولا الأولاد ولا الأهل ولا الدار, لا, بل خسر نفسه, {........ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15]: فخسارته لأهله ولماله هي خلاص انتهت هذا عريان يوم القيامة يأتي فرد ويفر كل كافر من أخيه, {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس:35], {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:37]: مَن كان في الجنة ما له دخل بهؤلاء, تنقطع الصلة بينهم, {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ........ }[الزخرف:67], {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:101], ثم خسر نفسه بأنه أوردها النار وبِقِى هذا خسار أعظم خسار, أنه لم يمت فييستريح, ولا يحي حياة تنفعه, وإنما يبقى مُعذَّبًا عذابًا لا ينقطع عياذًا بالله, {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}, قال -جل وعلا-: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}: ما كانوا مهتدين في هذه الدنيا وحصلت خسارتهم الحقيقية يوم القيامة.
ثم سأل الله -تبارك وتعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}[يونس:46], وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ: من العقوبة ترى هذا بعينك, أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ: قبل أن نعاقبهم وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-, ثم يدَّخِر الله –تبارك وتعالى- له العقوبة بعد ذلك, فالينا مرجعهم: فالنهاية أن مرجعهم إلى الله -تبارك وتعالى-, يميتون ويكون المرجع إلى الله -تبارك وتعالى- فيحاسبهم, {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}: ثم هو الحال, وبعد ذلك الله -سبحانه وتعالى- شهيد, شاهد والشهادة: الحضور على ما يفعلون, فالله لا يغيب عنه شيء -سبحانه وتعالى- وقد هو القائم على كل نفسٍ بما كسبت {........مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ........}[المجادلة:7], وهو القائم على كل نفس -سبحانه وتعالى- بما كسبت, {........أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53], {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ........}[يونس:61], فهذا الكافر الذي قال ماقال وكذب ما كذب وفعل ما فعل الله -تبارك وتعالى- قد كان شاهدًا وعالمًا بفعله فالله شهيدٌ على فعله, وبالتالى هذا مرجعه إلى الله -تبارك وتعالى-, ففي هذا بيان من الله -تبارك وتعالى- بأن الله إما أن يعاقبهم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد بعضهم, وإما أن يَدَّخِر لهم العقوبة فيما بعد ذلك, وقد حصل بعد هذا فإن الله -تبارك وتعالى- قد أوقع بعض عقوبته في الكفار والنبي يشهد -صلوات الله والسلام عليه-, كما حصل لهم يوم بدر, فإن الله -تبارك وتعالى- أنزل عقوبته بهم كل عامة المستكبرين والمستهزئين قد قُتِلوا في هذه الغزوة وجُمِعُوا إلى قليبٍ واحد فيه, وخاطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال لهم مناديًا بأسمائهم يافلان يافلان يافلان يافلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقَّا؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقَّا, رأيتوا إنَّ وعد ربي حقَّا مِن النكال والعذاب في الدنيا وفي الأخرة والنار فإني وجدت ما وعد ربي حقَّا هذا من تحقيق وعد الله -تبارك وتعالى-, {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ}, وهذا ايضا مِن أدلة أنَّ هذا القرآن مِن عند الله, أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ: قبل هذا, {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}: حيث يحاسبهم -سبحانه وتعالى-, فقد كان الله -تبارك وتعالى عليمًا شاهدًا على كل أعمالهم.
نقف عند هذا, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم علي عبده ورسوله محمد-.