الإثنين 24 جمادى الأولى 1446 . 25 نوفمبر 2024

الحلقة (261) - سورة يونس 65-68

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- : {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62], {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:63], {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[يونس:64], {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[يونس:65], {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[يونس:66], {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[يونس:67], بعد  هذا الإعلان والإخبار مِن الله -تبارك وتعالى- أنَّ أولياءه -جلَّ و وعَلا- {........لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62], قال : {أَلا}, بالإعلامية {إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ}, أولياءه أحبابه, أنصاره الذين تولاهم الله -تبارك وتعالى- برعايته وكلائته وعنايته في هذه الدنيا, وأوصلهم إلى دار السلام, دار كرامته -سبحانه وتعالى-, {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ}, وهذا إشعار بأنَّ كل أولياء الله, إشعار بأنَّ محمد بن عبد الله, وهو سيد هؤلاء الأولياء وأعلاهم منزلة عند الله -تبارك وتعالى-, {........لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62],  تأمين كامل مِن الله -تبارك وتعالى- لهم فيما هم قادمون عليه مِن مستقبل الزمان, وفيما خَلَّفُوهُ وراء ظهورهم مِن أي تبعات؛ أبناءهم وأهلهم, فهذا قد أَمَّنَهُم الله -تبارك وتعالى- في زمان المستقبل والزمان الماضي, {........لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62],  مِن كل ما يشغلهم ويثقل بالهم  قال -جلَّ وعَلا- : {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}, أولياءه -سبحانه وتعالى- أهل الإيمان والتقوى الذين جمعوا بين عمل القلب وهو الإيمان بالله تبارك -وتعالى-, وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, هذا عمل القلب, وكذلك التقوى خافوا الله -تبارك وتعالى- وتقوى الله إنما تكون فعل الطاعة والانتهاء عن المعصية, قال -جلَّ وعَلا : {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}, إنَّ الله -تبارك وتعالى- يُبَشِّرهم بهذا, البشرى بهذا الخبر مِن الله -تبارك وتعالى- فهذا الخبر وهذا خبر لا يتخلف لا يمكن أنْ يتخلف فما دام أنه مِن أولياء الله -تبارك وتعالى- فهذا قد أَمَّنَهُ الله -تبارك وتعالى-,  وقد أعطاه هذا ضمان وهذا ضمان مِن الله -سبحانه وتعالى-؛ فهذه بشرى, الأمر الآخر ممكن أنْ تأتي هذه البشرى بالخبر الخاص, كما أخبر الله -تبارك وتعالى- رسوله بمآله, {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضحى:5], هذا أمر لابد أنْ يكون وعد الله -تبارك وتعالى-, استجابة كل ما دعا به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ يقوم له المقام المحمود في الآخرة سواء كان مقام الشفاعة, أو المقام المنزلة في الجنة التي لا تنبغي إلا لعبد واحد مِن عباد الله وهو النبي -صلوات الله والسلام عليه-, هذا قد بَشَّرَهُ الله -تبارك وتعالى- بهذه البشارات في الآخرة, بشارته في الدنيا إنَّ الله سيؤيده, سينصره, {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1], {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:2], {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر:3], ما بشره الله -تبارك وتعالى- به من إهلاك عدوه, {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر:95], ما بَشَّرَ بها أمته هذا كل البشرى التي بشر الله -تبارك وتعالى- بها عبده ورسوله محمد في الدنيا والآخرة لابد متحققة, والله يُخْبِر أنه سيبشره كذلك هذه البشرى لأناس بأعينهم كما بَشَّرَ النبي أناس بأعينهم بأنهم مِن أهل الجنة, بشر الله -تبارك وتعالى- للمجموعة العظمى التي كانت مع النبي ألف وأربعمائة, {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرة........}[الفتح:18], وهذه بشرى بالقرآن, بكلام مِن الله -تبارك وتعالى- وقد تكون البشرى تأتي وحي للنبي -صلى الله عليه وسلم-, وقد تكون رؤيا يراها النبي بعد النبي -صلوات الله والسلام عليه- البشرى لأهل الإيمان ممكن تكون بصور متعددة, منها ثباتهم على الدين والحق هذه بشرى إذا ثبتوا على الدين والحق في هذه الدنيا مع تقلب الفتن والأنواء؛ فهذا بشرى مِن الله -تبارك وتعالى- التثبيت, لأن الله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:27], فإذا رأي المؤمن أنه ثابت على دينه, متمسك بالأمر الإلهي فهذه بشرى مِن الله -تبارك وتعالى- أنه على الطريق, قد تكون البشرى كذلك إخبار مِن الله -تبارك وتعالى- وهذا الخبر انقطع بعد النبي -صلوات الله والسلام عليه-, ولكن بقي شيء واحد هو الرؤيا؛ لأنَّ الرؤيا قد تكون مِن الله, والرؤيا أحيانا مِن الشيطان وهي الحلم ورؤيا حديث نفس؛ فالرؤيا مِن الله بشرى والنبي يقول : «لم يبقَ مِن النبوة إلا المبشرات قيل وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يرى العبد الصالح, أو تُرَى له», ثم تبشيرهم بعد ذلك قبل أنْ يخرج من هذه الدنيا يبشر بجنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه, لابد يرى ملائكة الرحمة, قال الله -جلَّ وعَلا- : {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ........}[يونس:64],  يخرج مِن قبره فَيُبَشَّر, ثم يُبَشَّر في المحشر وينشر كتابه, ثم بعد ذلك يقال لهم : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الزخرف:72], هذا تحقق وعد الله -تبارك وتعالى-, {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ........}[يونس:64], كلمات الله لا تُبَدَّل, ومِن كلماته هنا إخباره -سبحانه وتعالى- بما يكون, وإخباره وبشرى لعبده المؤمن لا يمكن أنْ يَتَبَدَّلَ, {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

ثم بعد هذا بدأ الله -تبارك وتعالى- يُسَلِّي نبيه مما يقاسيه في هذه الدنيا مِن أذى الكفار, قال -جلَّ وعَلا- له : {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}, كان النبي يحزنه مقالات الكفار مقالات كثيرة, أولًا تكذيبهم له شديد, اتهامهم للنبي بأنه كَذَّاب, قولهم بأنه كاهن, قولهم بأنه ساحر, قولهم بأنه له دخيلة, له غرض دنيوي يسعى إليه, {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6], احتقارهم لشأنه, كانوا يقولون : {........أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}[الفرقان:41], {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا........}[الفرقان:42], كانوا يقولون : ألم يجد الله -عزَّ وجلَّ- غيرك يرسله إلى الناس, وكان يقولون : {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31], قال لا تعظيم في سَبِّ النبي وشتمه واتهامه بما ليس فيه -صلوات الله والسلام عليه-, كذلك بالتخذيل عنه وقوله أنه لن يمر, لن يسير هذا النبي انتظروا وتربصوا به؛ فإنَّ شأنه كشأن غيره مِمَن سبق مِن الشعراء, وهؤلاء كانت لهم سمعة ووسيط, ثم انتهى أثرهم, وذهب ذكرهم, وقال الله -تبارك وتعالى- لنبيه : {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر:3], المقطوع الذي لا عَقِبَ له هو شانئك ومعرضك, أما أنت فإنَّ الله يقول له : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1] نهر الجنة هو الكوثر مِن الكثرة في كل شيء, فلم تعرف الأرض كلها في كل  تاريخها رجلًا أكثر أتباعًا مِن النبي -صلوات الله والسلام, عليه-, في كل تاريخها, لم تعرف الأرض كلها رجل يُذْكَرُ في هذه الأرض بالذكر الحسن والجميل في كل الأرض كالنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-, بل اقترن ذكره بذكر الرَّب الإله -سبحانه وتعالى-؛ فإذا قيل أشهد الله أن لا إله إلا الله, قيل أشهد أنَّ محمدًا رسول الله على الأرض كلها, في أشرف نداء وهو الآذان, الآذان الذي يدور على هذه الأرض دورة الشمس, دورة الليل والنهار عليها الآذان يقام في كل لحظة أشهد الله أن لا إله إلا الله و أشهد أنَّ محمدًا رسول الله, محبة هذا الدين وتقديمه واتِّبَاعه في الصغير والكبير, لم يوجد في الأرض كلها رجل يُتَّبَعَ في كل صغير وكبير إلا هذا الرجل النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-, يتحرى أتباعه كل هديه ودله وصمته -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله كيف ينام ينامون, كيف يأكل؟ كيف يشرب؟ ناهيك كيف يعبد الله -تبارك وتعالى-؟ كيف يصلي؟ وكيف يصوم؟ وكيف حج؟ ويتبعون خطواته خطوة, رمل في هذا المكان فيرملون, واطَّبَعَ في هذا المكان فيطبعون, وبات في هذا المكان فيبيتون, وقال : «خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا», فيأخذ الناس مناسكهم الناس, كل الناس مَن يَؤُمُّونَ هذا البيت راجلين وراكبين مِن كل فج عميق, يتتبعون أثر هذا النبي ماذا فعل النبي في هذا الموطن؟ وماذا فعل في هذا المكان؟ وماذا قال هنا؟ وماذا قال هناك؟ لا يوجد رجل رفع الله -تبارك وتعالى- ذِكْرَهُ, وجعله عَلَمًا وإمامًا في الأرض كهذا النبي, الكريم -صلوات الله والسلام عليه-, فالله -تبارك وتعالى- يُعَزِّي نبيه ويقول له : {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}, ما يحزنك قولهم فيك بهذه المقالات, قولهم في أُّمَّتِكَ, وكذلك ردهم لهذا الدين, وكان هذا يُحْزِنُ النبي -صلى الله عليه وسلم-, يشق عليه أنَّ يرد هذا الدين, وفي هذا هلاكهم والله يقول : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6], أي لعلك قاتلٌ نفسك حزنًا وآسفًا عليهم إذ لم يؤمنوا إذا لم يؤمنوا بهذا, وما عليك أنت؟ كل هذا إرادة الله -تبارك وتعالى-, وليس الأمر إليك في أنْ تهديهم, {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:3], {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}[الشعراء:4], ويقول في الآية الأخرى : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6-], {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الكهف:7], {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:8], فهذا كذلك كأنه يشق على النبي -صلى الله عليه وسلم- إعراض قومه عن هذا الدين فالله يقول : {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}, هذا قول مفرد منسوب أي أضيف إلى معرفة فيعم, أي أقوالهم هذه الشديدة والبعيدة في الكفر وفي الإثم, قال له الله -عزَّ وجلَّ- : {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}, العزة الغَلَبَة كلها لله, وما دامت كلها لله وأنت عبده, وأنت رسوله إذن ستعتز حتمًا, ستكون العزة لك؛ لأنك أنت عبدٌ لهذا الرَّب, العزيز -سبحانه وتعالى-, {........ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[يونس:65], {السَّمِيعُ}, بكل أحوالك, {الْعَلِيمُ}, بكل أمرك, وإذن لم يدعك ولن يتركك بل سيعزك الله -تبارك وتعالى-, وقد أعزه الله -تبارك وتعالى-, أعزه الله العِّز الذي لم يعرفه رجل في هذه الأرض قط في حياته وبعد مماته -صلوات الله والسلام عليه- إلى يومنا يوجد الملايين, ملاين الملايين مَن يتمنى أنْ يرى النبي لو رؤية واحدة, وإنْ دفع في هذا أهله وماله, أخبر بذلك النبي, وهو حق نراه بأعيننا مِمَن يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ويفدونه بآبائهم وأمهاتهم, بأبيه وأمه وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «إنَّ مِن أمتي مَن يود لو يراني, ولو بأهله وماله», وهذا موجود في كل تاريخ هذه الأمة, مَن يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحب, ويقدمه هذا التقديم, فهذا عِز, كان أحد المنافقين والكافرين كان أحد هؤلاء المنافقين في وقت -صلى الله عليه وسلم- يظن نفسه بجماعته وعزوته أقوى وأعز مَن الرسول, وقد قال: { لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ........}[المنافقون:8], أي بالأعز نفسه, وبالأَذَلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:8], فانظر ماذا كان مِن شأن هذا المنافق, وماذا كان مِن شأن النبي -صلوات الله والسلام عليه- لم يحصل للمنافق هذا قَصْدُهُ, قبل أنْ يدخل في الإسلام كان يجمع له وينسج له التاج ليكون ملكًا على المدينة, فلم يحصل له وبعد الإسلام دخل في الإسلام كذلك ليعتز, ولكنه لما بقي على نفاقه لم يتحصل إلا الذِّلة التي كانت فيها, ووصم اسمه مع النفاق أبدًا, ولم يفده قوله أنا الأعز, ورسول الله الأذَلّ حاشا النبي -صلى الله عليه وسلم-, ثم كان هذا كان {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}, لا يحزنك قول هؤلاء الكفار, {........إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[يونس:65].

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ........ }[يونس:66], {أَلا}, الإعلامية, اعلموا أيها الناس, {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}, مُلْك يملكه الله -تبارك وتعالى- كل مَن في السماوات, {مَنْ}, تأتي للعاقل مِن هذه العوالم العظيمة, عَالَم الملائكة وهو عَالَم أرفع وأعلى مِن عَالَم البشر قوة وعلم وطاعة ومنزلة, فمنزلة عظيمة وكذلك أرومة فأساس الخَلْق النور غير مَن أساس خَلْقه مِن الطين, فهذه العوالم التي في بالسموات مِن الملائكة مما أعملنا الله -تبارك وتعالى- بهم, ومما لا نعلمهم كلهم ملك لله -تبارك وتعالى-, هم عبيده الخاضعون لأمره سبحانه وتعالى يملك الله -تبارك وتعالى-, يملك ذواتهم, ويملك تصرفاتهم, ولا يتصرفون حتى التصرف هذا الإرادي إلا بأمره -سبحانه وتعالى-, {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل:50], فكل مَن في السموات مِن هذه المخلوقات التي خلقها الله -تبارك وتعالى- وكَرَّمَهَا وشَرَّفَهَا, وبعضها أعلى منزلة مِن هؤلاء البشر, وأعلى مكانة هم للرب -جلَّ وعَلا-, وكذلك : {وَمَنْ فِي الأَرْضِ}, كل مَن الأرض مما خَلَقَ الله -تبارك وتعالى-, مِمَن خَلَقَ الله -عزَّ وجلَّ-, هؤلاء ملْكُهُ, عبيده هو الذي خلقهم, هو الذي يملك تصرفهم, هو الذي يقيمهم, ولو أنَّ تركهم الله -تبارك وتعالى- لأنفسهم لحظة ما قام أحد منهم, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[يونس:66], {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ}, وما كل الذين يعبدون شيئًا غير الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أنْ يكون هذا المعبود الذي يعبدونه شريكاً لله, ليس شريكا لله؛ لأنه ليس لله شريك حتى يكون شريك لله, أي أنه خَلَقَ مع الله, أعان الرَّب -تبارك وتعالى- وظاهره في هذا الخَلْق, له شيء مِن المُلْك, لا يوجد لله -تبارك وتعالى- نِدّ على هذا النحو, فلا يوجد له معين مِن خَلْقِهِ ولا ظهير ولا مساوي ولا كفء, وبالتالي لا يستحق أنْ يكون معه مَن يُعْبَد بل هو الذي يستحق أنْ يُعْبَدَ وحده -سبحانه وتعالى-, فليس له نِدّ ولا نظير, ولا شريك, ولا معين, ولا مشابه, فالله هو الواحد الأحد -سبحانه وتعالى-, فهؤلاء الذين يدعون مِن دون الله ويجعلونهم شركاء مع الله -تبارك وتعالى- فيدعونهم كما يدعو الله -عز وجل-, ويطلبون منهم ويظنون أنَّ لهم مِن الأمر شيء ليسوا شركاء لله؛ لأنَّ الله ليس له شريك, {........وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[يونس:66], ما يتبعون إلا الظن, ظنهم أنَّ هؤلاء شركاؤه وما هم بشركائه, فالملائكة ليسوا شركاء لله وإنما هم عبيده, وعيسى ليس شريكًا لله, ابن مساوي للرب كما يقولون أنه مساوي له في الجوهر والعقنوم, وأنه يَخْلُق كَخَلْقِهِ, ويرزق كرزقه, وأنه يفعل فعل الرب, وأنَّ ذاته ذاته كذب واضح, وأمر أَمْلَتْهُ ظنونهم إنَّ هذا قد وُلِدَ من غير أب إذن هو أبوه الرب -تبارك وتعالى- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-, فهذا كذب, {........ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5], فلا يتبعون إلا هذه الظنون التي وضعوها, ظن مشرك العرب بأنَّ الرب -تبارك وتعالى- تزوج بالجن, وأنَّ الملائكة قد اختار أنْ يكن كلهن إناث, مِن أين لكم هذا؟ افتراء على الله -تبارك وتعالى-, ظنون ظنوها وتخيلت لهم, ثم جعلوها اعتقاد وصدقوها, افتروا الفِرْيَة بالظن, ثم بعد ذلك صَدَّقُوا ما قالوه, {........وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[يونس:66], {وَإِنْ هُمْ} أي ما هم, {إِلَّا يَخْرُصُونَ}, والخرص هو التخمين بالتخمين فقط خمنوا أمر وتخيلوه, ثم انطلقوا خَلْفه وصدقوه.

ثم بيَّن -سبحانه وتعالى- هنا شيء مِن فعله الذي لا يقدر عليه إلا هو -سبحانه وتعالى-؛ حتى يميز هؤلاء بين الإله الحق, وبين الآلهة المدعاة, قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[يونس:67], هو الرَّب, الإله الذي يستحق العبادة وحده -سبحانه وتعالى-, {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيه}, {اللَّيْلَ}, وهو ما يغطي هذه الأرض مِن هذه الظلمة بعد ذهاب النور عنها, هذا أمر لابد منه؛ لبقاء الإنسان وحياته, بل لبقاء كل حي على هذه الأرض؛ مِن الكائنات والنباتات لابد لها مِن ليل ترتاح فيه, تسكن فيه, يتجدد فيه نشاطها وعناصرها, وتتخلص مِن الجهد الذي بَذَلَتْهُ, والكَدّ الذي كَدَّتْهُ في النهار, لابد لها مِن هذا وإلا لو كان الأمر نهارًا مستمرًا لما بقيت كائنات حية على وجه هذه الأرض, وكذلك الحال لو بقي ليل مستمر, إذن لابد لنا مِن الليل والنهار قال : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا}, وسكوننا في هذا الليل آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, وضرورة لابد أنْ تكون حتى نبقى ونعيش, {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}, وهو الذي جعل النهار مبصر بهذه الشمس الوَقَّادَة المضيئة؛ لنبصر أحوالنا نبصر هذه الدنيا ونعمل فيها, ولولا أنَّ هذا النهار مُبْصِر على هذا النحو بهذه الشمس المضيئة لما قامت هناك حياة, ولما قام لنا وجود على هذه الأرض, {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}, {إِنَّ فِي ذَلِكَ}, في وجود الليل والنهار, وأنْ يكون كل منهما بهذه الخصائص التي هو بها, خصيصة الليل الظلمة, السكون, البرودة, خاصية النهار الضوء, الحرارة, لولا هذه الخصائص التي وضعها الله -تبارك وتعالى- في هذا, وهذه آيات أولا تدل على حكمة الرَّب -جلَّ وعَلا-, وعلى عظمته وقوته, وكذلك تدل على رحمته بعباده -سبحانه وتعالى-, فهو الذي رحمهم بهذا الأمر, ولولا هذا ما كان لهم حياة, ولا وجود, ولا بقاء, {........إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[يونس:67], { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}, أما إذا لم يسمعوا لكلام الرب -تبارك وتعالى- فتنتفي هذه الآيات, يبقى هذا مطموس, يرى الليل ويرى النهار ويرى افتقاره لهذا الأمر؛ ولا يتبين شيء من هذا فيمر على هذه الآيات مرور الغافل السادر الذي لا يعرف لها حكمة, ولا ينسب هذا للرب -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا تعالى الله عما يقولون-, كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف:105], فيمر على هذه الآيات وهو مُعْرِض, {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:106], فهذا حال المشرك يمر على هذه الآيات, يرى هذه الآيات ولكنه لا يُبْصِرُ, لا يسمع, فلا يسمع هذا الذي يستفيد مِن هذه الآيات, فالذي يستفيد مِن هذه الآيات هو الذي يسمع آيات الله -تبارك وتعالى-, آيته المقروءة, ويعقلها عن الرب -تبارك وتعالى-؛ فهذا الذي يستفيد, {........إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[يونس:67].

ثم قال -جلَّ وعَلا- مبينا عقيدة :{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}, {قَالُوا}, المشركون مشركو العرب, النصارى, اليهود, حتى الأمم الوثنية الذين ظنوا أنَّ الله -تبارك وتعالى- كذلك في السماء فأنهم نسبوا إلى الله عائلة مقدسة, له أولاد, كما قال لهم الرومان, وقال غيرهم, وقالت المجوس : :{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}, قال -جلَّ وعَلا- :  {سُبْحَانَهُ}, {وَقَالُوا}, مشركو العرب في الملائكة, النصارى في عيسى بن مريم -عليه السلام-, اليهود في العزير -تعالى الله عن ذلك : {سُبْحَانَهُ}, تنزيهًا له نزه الله -تبارك وتعالى- نفسه عن هذا الإفك, وهذا النقص؛ لأنَّ الذي يحتاج إلى الولد هو مَن يريد أنْ يكمل حياته, الولد امتداد لحياة الأب, وكذلك عون للأب وظهير له, ثم تخليد لذكره, وبالضرورة لابد أنْ يكون الولد مشابهًا لأبيه, ونظيرًا له, وربما أفضل منه -ويتعالى الله -تبارك وتعالى- أنْ يكون له شبيه أو نظير أو مشارك, بل الله الواحد الأحد -سبحانه وتعالى- يتعالى الله -تبارك وتعالى- قال -جلَّ وعَلا - : {........أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الأنعام:101], {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ........ }[البقرة:116], تنزيهًا له, هو الغني عن الولد, لما يحتاج ولدًا وهو الغني -سبحانه وتعالى- عن كل ما سواه, فالذي يحتاج ولد إنما هو الفقير المحتاج, احتاج ولد حتى يطول به عمره, ينسب له يكون هو مَن بعد أبيه يساعده, {هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}, ما في السموات وما في الأرض ملكه إن عندكم من سلطان مِن هذا, هل عندك عِلم, سلطان أي علِمْ له وقع السلطة بمعنى أنه يلزم مَن يعلمه بالإقرار به هل عندك مِن سلطان بهذا, علِم تخرجوه ولا هي فقط مجرد ظنون وأكاذيب نسبتوها إلى الرَّب -جلَّ وعَلا-, { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}, وبالطبع ليس عندهم سلطان بهذا, وإنما كذب وافتراء على الله -عز وجل-, {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}, سؤال للتوبيخ والتقريع أتقولون أيها الكفار المعاندون, الناسبون لله -تبارك وتعالى- هذا النقص الولد, {........أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[يونس:68], {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}[يونس:69], {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}[يونس:70].

ونكمل هذا -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.