الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه, وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس:93], {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ}[يونس:94], {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[يونس:95], {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس:96], {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[يونس:97], {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس:98], الآيات مِن سورة يونس, والسياق هنا يأتي في باب التعقيب على ما قَصَّهُ الله -تبارك وتعالى- مِن شأن نوح, ومِن شأن موسى, وقد ضَرَبَ الله -تبارك وتعالى- هذين المثلين؛ نوح النبي العظيم -عليه السلام-, وكيف أتى إلى قومه, وكيف دعاهم بكل سبيل, ثم كانت المعارضة الصارخة له, والتحدي الكبير له, وأنهم لن يؤمنوا برسالته, وأنهم سيعارضونها بكل سبيل, ثم ما كان مِن شأن الله -تبارك وتعالى- في أنْ أهلكهم جميعًا, ثم المثال الثاني؛ مثال موسى -عليه السلام-, وما أتى به مِن الآيات العظيمة إلى فرعون وملأه, وكيف أجرى الله -تبارك وتعالى- عليه كل هذه الآيات, وكيف أنه لم ينفع كل هذه الآيات المرئية والمسموعة ما نفعت فرعون ولا قومه, وكان آخر هذا رؤيتهم انفلاق البحر, ثم مع ذلك لم يردعهم هذا عن البغي وعن الظلم, وعن تتبع بني إسرائيل لمحاولة ردهم مرة ثانية إلى قهرهم, وقد فاروقهم, وكان ينبغي أنْ يقول تخلصنا منهم وذهبوا ولنرجع إلى أرضنا, ملكنا وتخلصنا مِن هؤلاء, كان ينبغي أنْ يقول على الأقل وإنْ كان طلاب دنيا فقط, لكن كان بقي وظلم وانقفال القلب عن أي نوع مِن الهداية, أو رؤية آيات الله -تبارك وتعالى-, فكان مِن شأنهم أنْ أغرقهم الله -تبارك وتعالى- ولم يأتهم كلمة الإيمان إلا عند الغرق, وما كانت تنفع في هذا الوقت, فيخبر -سبحانه وتعالى- أنه بعد أنْ أغرق قوم فرعون, وأنه فقط نَجَّى بدن فرعون وجعله آية ليكون لِمَن بعده, {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}[يونس:92], يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- بعد ذلك أنه مَنَّ على بني إسرائيل فمكنهم في أرض بلاد الشام قال : {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ}, بَوَّأَنَاهُم مكناهم وأنزلناهم في هذه المنزلة, {مُبَوَّأَ صِدْقٍ}, أرض ثابتة مستقرة فيها مناخ جميل, هواء جميل, وافرة البركات مِن الزروع والثمار, {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}, رزقهم الله -تبارك وتعالى- مِن صنوف الطيبات, مِن هذه الثمار والزروع, وأصناف الخير والبركة, والنماء الذي في هذه الأرض المباركة, {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}, قال -جلَّ وعَلا- : {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}, أي ما اختلفوا في دينهم, وظهر بينهم هذا الخلاف إلا بعد أنْ جاءهم العلم مِن الله -تبارك وتعالى-؛ فقد أنزل الله -تبارك وتعالى- عليهم التوراة واضحة, {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}, وقالوا : {وَكَتَبْنَا لَهُ}, أي لموسى, {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}, {وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}, مما يحتاجونه ليكونوا أمة مهتدية على صراط الله -تبارك وتعالى- المستقيم, ولكنهم بسبب البغي بينهم والتحاسد؛ اختلفوا في الدين, قال -جلَّ وعَلا- : {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس:93], كل الذي يختلفون فيه, ويلعن بعضهم بعضًا, يُكَفِّر بعضهم بعضًا, كما قال النبي : «افترقت اليهود على إحدى وسبعون فرقة, والنصارى بعدهم كذلك وافترقت النصارى على اثنين وسبعون فرقة, وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة», {........ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس:93], فَمَن كان على الحق أثابهم الله -تبارك وتعالى-, ومَن انزاحوا إلى الباطل, فهذه عقوبتهم عند الله -عزَّ وجلَّ-, كما قال -جلَّ وعَلا- لأهل الإيمان : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[آل عمران:106], {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[آل عمران:107].
ثم بعد ذلك وَجَّهَ الله -تبارك وتعالى- الخطاب إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-, النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه السورة نزلت وهو في مكة, في حصار شديد, وأذى شديد, وإعراض شديد مِن الناس, وبُهْت بكل البُهْت له -صلى الله عليه وسلم-, قابله العرب بالكبر والعناد والبهتان, واتهموه بكل أنواع الاتهام, كَذَّاب, كاهن, ساحر, لن يمر, سينتهي أثره, سينتهي دينه, سنفعل به ونفعل, وبدأوا يُنَكِّلُونَ بأصحابه ويتتبعونهم في كل مكان, وكل قبيلة يُسْلِم فيها أحد ويعلمون بإسلامه يقومون عليه بالتعذيب والإهانة, فالمسلمون مختفون بإسلامهم, والنبي جاءته رسالة كبيرة تخبره بأنَّ هذا الدين الذي جاء به إنما هو رسالة للعالمين, وأنه سيعلو دينه فوق كل هذه الأديان, وهو محصور في مكة هذا الحصار الشديد جدًا, أنَّى لهذا الدين أنْ يكسر كل هذه القيود التي قد استحكمت حوله, كيف تكسر هذه القيود الشديدة, وينطلق هذا الدين إلى العالمين, أمر عظيم جدًا, فَيُثَبِّتُهُ الله -تبارك وتعالى-, قال له الله -جلَّ وعَلا- : {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ}[يونس:94], {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ}, أنَّ هذه رسالة الله, وأنَّ الله بالغ أمره, وأنه سيكون دينه هذا فوق كل دين, وأنه قد أرسلك برسالة للعالمين, {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}, ماذا حصل؟ ما الذي كان بينهم وبين الأمم السابقة؟ كيف أنَّ الله -تبارك وتعالى- نصر عباده المؤمنين على قلتهم وضعفهم, وأهلك الله -تبارك وتعالى- الجنود مِن كل أمة, جنود الكفر مع كثرتهم وعزتهم وقوتهم؟ {........فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ}[يونس:94], {لْحَقُّ}, قد جاءك, أي يا محمد, {مِنْ رَبِّكَ}, مِن الله -سبحانه وتعالى-, والله -تبارك وتعالى- أضاف النبي إليه؛ ليبين له أنه ربه -سبحانه وتعالى-, وأنه لن يضيعه, {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ}, مِن الشَّاكِّينَ, {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[يونس:95], وهذا إنذار وهذا الإنذار يعلم الله -تبارك وتعالى- لا شك أنَّ النبي ليس مِن الذين يكذبون بآيات الله, وقد رأى مِن آيات الله ما رأى, وأنه معصومٌ أنْ يقع في قلبه ريب, أو يقع في قلبه شك, ولكن هذا مِن الله -تبارك وتعالى- بيان أنَّ هذا هو الحق, وهو تثبيتٌ مِن الرب -تبارك وتعالى-, وكذلك بيان أنَّ مَن تطرق إليه أي شيء مِن الخطاب, وقد يكون للنبي وهو خطابٌ للأُمَّةِ كلها, وهذا دين الله لا بد أنْ يُبَيَّنَ وأنَّ هذا قانونه كما قال له الله -تبارك وتعالى- : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65], {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66], ومعلوم أنَّ أنبياء الله -تبارك وتعالى- المُوْحَى إليهم لا يقع منهم شرك كيف يقع منهم شرك, ولكن هذا إنذار وهذا إبلاغ وكذلك ملائكة الله -تبارك وتعالى- فإنهم منذرون وإنْ كانوا لا يسعدون, {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[يونس:95], وذلك أنَّ كل مَن كَذَّبَ بآيات الله فلا شك أنه خاسر يخسر كل شيء, يخسر حتى نَفْسه التي بين جنبيه, أطراف يده, أرجله الكافر يقول ليديه ولقدميه ولأعضائه وأطرافه لما تشهدون عليّ؟ ويقول عنكن كنت أجادل, أنا أجادل عنك, اليد تشهد يوم القيامة, وتقول فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا, تشهد على صاحبها الذي هي جزء منه, والعين تشهد والرجل تشهد, فيسقط في أيد الإنسان الكافر, ويقول لهم يخاطب يديه ويخاطب أعضاؤه يقول : عنكن كنت أجادل, أنا كنت أجادل الرب, وكان يكذب ويجادل بالكذب فعنكن فيقولون : {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}, فالشاهد أنَّ الكافر يخسر كل شيء حتى أيده رجله تشهد عليه, وهي سترد النار, تَرِدُ معه النار, كل جزء مِن أجزاءه, فهذا خسارة, {فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}, فلا شك أنَّ مَن كَذَّبَ بآيات الله -تبارك وتعالى- خسر الخسران المبين.
ثم قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الذين كتب الله -تبارك وتعالى- ضلالهم لن يفلح معهم آية : {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس:96], {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ }[يونس:97], {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ}, أي كانت كلمة الله عليهم حق, وهي كلمة الله : {........لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة:13], أنَّ كل مَن رَدَّ أمر الله -تبارك وتعالى-, وكَذَّبَ رسله؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يختم على قلبه, ويجعله مِن أهل النار, {.........فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}[يونس:74], فهذه كلمة الله -تبارك وتعالى- كلمة الله التي حقت على الكافر, وأنه لابد أنْ يَرِد النار, لابد هي تحققت كلمة الله, أصبحت حقًا على هؤلاء الكفار فلا تهتم بهم, {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس:96], {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ........}[يونس:96], في أنهم يكونون مِن أهل النار, ومِن أهل العذاب بكفرهم, {رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}, ما دام أنَّ هذا هو مِمَن قد ختم الله على قلبه, وجعله مِن أهل النار, وقضى عليه بذلك؛ بكفره وعناده, فهذا ما له مجال ليؤمن, {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ}, كل آية مما يقترحونه هم ويريدونه, {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ}, لا توجد فائدة فلن يؤمنوا والدليل شهد هذا فرعون قال لقومه: جاءتهم كل آية كل آية متصورة لتكون سبب للإيمان قد جاءت هؤلاء, ومع ذلك لم تفد آية مِن هذه الآيات في جعلهم يؤمنون مع يقينهم أنها مِن الله -سبحانه وتعالى-, وهذا مِن أعجب العجب كيف تتيقن أنَّ هذه الآيات مِن الله, وتعلم أنها مِن الله خالق هذا الكون, وتعلم أنَّ الله -تبارك وتعالى- إذا توعد توعد, هذا أوعدك الله -تبارك وتعالى- بالنار وتبقى على هذا, هذا أمرٌ مِن أعجب العجب, ولاشك أنَّ فِعْل الكافر عجب, فِعْل الكافر الذي يرى مِن آيات الله ويبقى على الكفر, هذا مِن أعجب العجب, {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ}, قال -جلَّ وعَلا - : {........ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[يونس:97], إلا إذا رأوا العذاب الأليم, وإذا رأوه آمنوا هذا عند ذلك لا يفيدهم شيئًا, عذاب أليم إذا عاينوه كما عاين فرعون وقومه الغرق فآمنوا عند ذلك الوقت فلا يفيدهم هذا.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا}, الله, انظر خطاب الرب -سبحانه وتعالى- الذي يدعو عباده -سبحانه وتعالى- إلى الإيمان فينجيهم, {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا}, هلَّا كانت هذه القرى التي كفرت بآيات الله -تبارك وتعالى-, وعاندت الرسل على هذا النحو بعد وضوح الحجة والبيان, أي هلا كانوا آمنوا ينفع الإيمان على طول فهلَّا كانت قرية, {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا}, عند ذلك إذا آمنت وفي وقت الراحة, وقبل نزول العذاب وقبل معاينته عند ذلك؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يغدق عليهم نعمه في الدنيا, وفي الآخرة كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96], فلو أنَّ أهل القرى التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم, {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ........}[يونس:98], هذا استثناء مِن القُرَى التي كتب الله -تبارك وتعالى- إهلاكها بكفرها, {........إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس:98], قوم يونس فإنَّ هؤلاء هم القرية الوحيدة التي آمنت قبل أنْ يأتيها العذاب, وأنجاها الله -تبارك وتعالى- مِن هذا, أما تلك القرى الأخرى فإنهم ظلوا على كفرهم, وقوم يونس, هم قوم يونس بن متى النبي -عليه السلام-, وقد أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى أهل نِيْنَوَى ولكنهم أغضبوه وأحنقوه, فخرج مِن عندهم مغاضبًا لهم, وظن الله أنَّ الله -تبارك وتعالى- لن يقدر لن يضيق عليه, ويرسله ويمن عليه فيما كان معه ولكنه خرج دون أنْ يأتيه الإذن الإلهي بالخروج فعند ذلك لحقته عقوبة الرب -تبارك وتعالى- الله يقول : {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87], {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }[الأنبياء:88], أنه ذهب ركب البحر, لعبت به الموج أرادوا أنَّ يخففوا مِن حمولة السفينة استهموا مِن يلقوه في البحر حتى يخففوا الحمل فخرج السهم عليه, فأُلْقِي وهيأ له الله -تبارك وتعالى- حوتًا يبتلعه, ويبقى في ظلمة بطنه ويدعو الله -تبارك وتعالى- : {........لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87], فعند ذلك يأمر الله -تبارك وتعالى- أنْ يلقيه على الشاطئ, فقال : {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصافات:145], {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}[الصافات:146], ثم أنْ يُخْبِرُ الرب -سبحانه وتعالى- أنَّ قومه لما افتقدوا نبيهم وكان رجلًا, طيبا, مباركًا, هم حتى مع كفرهم كانوا يعلمون بأنه رجل مِن أهل الدين والصلاح والبركة لما خرج مغاضبًا وافتقدوه كأنهم أحسوا بأنهم قد فعلوا جريمة كبرى إذ أغضبوا رسول الله وأخرجوه, وخرج مِن بين أوسطهم فتمنوا أنْ يعود إليهم, وأنْ يرجع إليهم, وتابوا إلى الله -تبارك وتعالى- مِن كفرهم حصل لهم نوع مِن الصحوة والرجوع إلى الدين والإيمان, فعند ذلك كان العذاب قد وصل, العذاب كان أصبح قريب, عذاب الرب -تبارك وتعالى- لكنهم لم يعاينوه ولو عاينوه وآمنوا عند معاينته؛ لَمَا صرفه الله -تبارك وتعالى- لكن عذاب أصبح قريب جدًا لكن سبحان الله كان إيمانهم قبل أنْ يردهم العذاب, فهذا الاستثناء الوحيد القرية الوحيدة التي آمنت قبل أنْ تعاين عذاب الرب -تبارك وتعالى- فنفعها إيمانها, لكن القرى الأخرى عاد ظلوا على الكفر والعناد, وعلى محادة الله ورسوله, وكانوا يقولون : {........فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الأعراف:70], والثانين ثمود تقول : {........ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:77], حتى أنَّ مِن جهل عاد رأوا العذاب أصبح ما بينه إلا أمتار بينه وبين الله يقول : {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ........}[الأحقاف:24], عارض العذاب آتٍ ومستقبل وادي كأنه جاي على صورة الغيمة العظيمة يظنوا أنه غيمة عظيمة قد جاءت بالمطر فقالوا : {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}, هذا عارض آتٍ, وغيمة كبيرة تمطرنا علمًا إنها هي الهلاك, وإذا بالذي يأتيهم ريح فتحها الله -تبارك وتعالى- عليهم, قال الله -جلَّ وعَلا- : {........بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأحقاف:24], كل شيء بأمر ربها, كذلك ثمود نبيهم قال لهم : {........تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65], كان المفروض في هذه الفرصة إرسال الله -تبارك وتعالى- ويتوبوا ويقولوا إنا أجرمنا, فعلنا جريمة لكن بقوا على هذا التحدي, وأنَّ ثلاثة أيام ما سيأتينا شيء حتى أتتهم الصيحة فأهلكتهم في أماكنهم, وهكذا قوم فرعون ظلوا على العناد, وهم يرون الآيات حتى آتاهم عذاب الرب -تبارك وتعالى-, فالله يقول : {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ}, قبل ما تعاين العذاب, {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا}, ينفعها إيمانها, {........إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس:98], قوم يونس هم الناس الوحيدين الذي مَنَّ الله -تبارك وتعالى- عليهم بأنْ آمنوا قبل رؤية عذابهم, فعند ذلك كشف الله -تبارك وتعالى- عنهم العذاب, كان في الستر فأزاح الله -تبارك وتعالى- العذاب عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا وذلك أنَّ مَن يهلكه الله -تبارك وتعالى- على هذا النحو خزي أخزاه الله -عزَّ وجلَّ- {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}, جعلنا يتمتعون, {إِلَى حِينٍ}, إلى حين موتهم, ما قَدَّرَ الله -تبارك وتعالى- لهم مِن الأعمار في هذه الدنيا, كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[الصافات:], {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[الصافات:148], هذه متعة الدنيا, ثم في الآخرة جنة الرب -تبارك وتعالى-.
ثم قال الله -تبارك وتعالى- إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ........}[يونس:99], {وَلَوْ شَاءَ}, لو كانت مشيئة الرَّب -تبارك وتعالى- قد سبقت بأنْ يؤمن كل مَن في الأرض, أي أنْ يجعل كل مَن في الأرض على الإيمان وعلى الطاعة لهم -سبحانه وتعالى- فهذا هين عليه فإنَّ هذا لابد أنْ ينفذ؛ لأنَّ هذه كانت مشيئة الرب, {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ........}[يونس:99], لو شاء الله ذلك لكان, فإنَّ الله لا يعجزه شيء يلهمهم الإيمان, ويُحَوِّلُهُم إلى الإيمان بدون شيء حتى بدون إرسال رسل, وبدون شيء, بل يعطي كل إنسان هداه, ويلهمه التقوى فيبقى متقي لله, خائف لله -تبارك وتعالى- سائر على طريق الله, ولا تتطرق إلى نفسه معصية, لكن الله لم يشاء هذا, {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ........}[يونس:99], بالتأكيد مَن في الأرض مَن ومَن مِن صيغ العموم كلهم هذه مِن أدوات التأكيد العام جميعًا, ثم قال الله لرسوله : {........ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس:99], سؤال يراد به توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- تثبيته, وأنَّ هذا ليس بِمُكْنَتِهِ هذه مشيئة الرَّب -تبارك وتعالى-, {........ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس:99], النبي لا النبي ولا أي أحد يستطيع أنْ يُحَوِّلَ إنسانًا واحدًا مِن الكفر إلى الإيمان, هذا فعل الله -تبارك وتعالى-, {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ........}[القصص:56], الهُدَى هُدَى الله -تبارك وتعالى-.
ثم قال الله أيضًا لرسوله : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}[يونس:100], {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ........}, هذا لا يمكن أنْ يكون, ولا يمكن أنْ يتحقق بتاتًا أنَّ نفس تؤمن إلا أنْ يكون الله -تبارك وتعالى- قد شاء إيمانها, {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ........}, بمشيئته وإرادته -سبحانه وتعالى-, وإذنه وسماحه أنْ يدخل هذا في الإيمان, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}[يونس:100], هذا مِن أمره وسنته -سبحانه وتعالى- أنْ يجعل الرجس وهو الرجس النجس نجس القلب, هذا الكافر قلبه نجس يرى الآيات ولا يؤمن بها, أكبر نجاسة, يعلم أنَّ هذا صِدْق ولا يصدقه, يرى نعم الله -تبارك وتعالى- ويجحدها, يعرف ربه مِن حيث المعرفة, ولا يؤمن به نجاسة, تبقى هذه نجاسة في قلبه, يجعله على هذا النحو جحود, كفور, راد للحق, فالله يجعل هذا بنجس على الذين لا يعقلون, ما عنده عقل حتى لو أنه لديه عقل الكافر ما عنده عقل؛ لأنَّ كيف وقد رأيت أنَّ هذا حق وتكفر به وترجع عنه, كيف تكذب الرسول وأنت ترى أنه هو رسول الله, وأنَّ هذا مِن عند الله, فهذا ما فيه عقل حتى هذا يفقد عقله مثل هذا الأدلة صارخة مِن قوم فرعون, فإنهم رأوا هذا رأوا إلى آخر لحظة, أي آخر خطوة مِن خطواتهم رأيهم في انفلاق البحر, ولو كان عندهم أي نوع مِن الإدراك والوعي والعقل لوقفوا عند هذه الآية ورجعوا على الفور وانسحبوا إلى أرضهم وبلادهم, وقالوا انتهت مهمتنا وهؤلاء خرجوا فليخرجوا, وصنعوا هذه الآية العظيمة, أو هذا السحر العظيم قد يذهبوا ونرجع مرة ثانية لكن الله -تبارك وتعالى- يجعل الرجس النجاسة والحقارة على الذين لا يعقلون, الذين لا عقل لهم, ثم قال الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المكذبين بنبيه -صلى الله عليه وسلم- النبي الخاتم محمد -صلوات الله عليه وسلم- : {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ........}[يونس:101], هل تريدون أيها الكفار آية مِن الله -تبارك وتعالى- لتؤمنوا به, وتؤمنوا برسالة رسوله؟ {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ........}[يونس:101], ما فيها شيء عظيم نجومها, أقمارها, شموسها, ما خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- فيها في السموات بدءَ مِن هذا السحاب المسخر, مِن هذه الأرواح المسيرة, مِن هذا الهواء العظيم, مما اكتشفه الناس في عصورنا هذه المتأخرة مِمَن لا يكونوا يعلمه السابقون, اكتشفنا أمور عظيمة أنَّ هذه الأرض التي هي كالكرة معلقة في الفضاء بحالها ومحيطاتها وناسها وجبالها, وأنها لا تهتز بهم أي اهتزاز لا يوجد أي نوع مِن الاهتزاز ومِن الحركة في أثناء دورانها, بل ثابتة راسخة على هذا النحو, ثم قد أحاطها الله -تبارك وتعالى- بهذا الغلاف الجوي, ثم أحاطها الله -تبارك وتعالى- بالأغلفة الحافظة أنْ تخترقها هذه الأشعة الكونية التي مِن أماكن بعيدة؛ فَتُهْلِك مَن فيها وبعض هذه الأشعة حزمة واحدة لو دخلت مِن مكان كرأس دبوس ونفذت إلى هذه الأرض أهلكت مَن فيها, رأى الناس آيات عظيمة, {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ........}[يونس:101], ماذا فيها مِن هذه الأجرام البعيدة, مِن هذه الشموس مِن مِن مِن, وماذا في الأرض محيطاتها, حيواناتها, دوابها, ناسها, نباتها, كل ذرة مِن ذرات هذه الأرض آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس:101], {تُغْنِي}, تفيد ماذا تفيدهم هذه ؟ ماذا تغنيهم في الإيمان؟ وما تغني الآيات التي يرسلها الله -تبارك وتعالى- كخوارق للعادات, {وَالنُّذُرُ}, سواء كان بإهلاك الأقوام السابقين هذه نذير؛ لأنه إذا فعل المتأخرون ما فعله المجرمون المتقدمون أصاب هؤلاء المتأخرين ما أصابهم, فهذا نذير, فإهلاك الله -تبارك وتعالى- للسابقين نذير لهؤلاء, وكذلك التهديد الذي يأتيه مِن الله -تبارك وتعالى-, {وَمَا تُغْنِي}, سؤال يراد به التقريع أنه لا تغني, {........مَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس:101], قوم مِن كيانهم وأساسهم التكذيب ويأتيه الحق ويرده فمهما جئته ما دام هو رد الحق رد مثلًا عشر آيات جاءته, علم أنها آيات الله -تبارك وتعالى- وردها, فهذا لو أتيت له بمائة آية ما دام أنَّ كيانه تركيبه هذا هو التكذيب فإذن لا تفيد شيء, لا يفيده شيء فما دام أنه مِن أهل الكفر والعناد فإنه مهما تأتيه مِن الآيات فإنها لا تفيده شيء, {........وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس:101], ثم قال -جلَّ وعَلا- : {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}[يونس:102].
ونعود إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية -إنْ شاء الله-, وأستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.