الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (270) - سورة هود 16-22

الحمد لله ربِّ العالمين, وأُصَلِّي وأُسَلِّم على عبد الله ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه, وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:15], {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:16], {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}[هود:17], {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18], {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[هود:19], بعد أنْ بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- للكفار المعاندين الذين جاءتهم هذا الآيات, هذا الرسول البَيِّن, وهذا القرآن الواضح البَيِّن الذي تحداهم الله -تبارك وتعالى- به وهم مع ذلك معرضون عن أمر الله -عزَّ وجلَّ-, بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- أنَّ هدفهم وغاياتهم, وأنَّ ما صرفهم عن هذا الدين هو ركونهم إلى هذه الحياة واطمئنانهم بها, وجعل هذه الدنيا نهاية الأمل, وغاية المنى, وهي الحياة, ولا حياة بعد ذلك؛ فأخبرهم الله -تبارك وتعالى- أنَّ الذي يريد أن ْيعيش للدنيا وللدنيا فقط, {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا........}[هود:15],  الزينة ما خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- فيها المتاع وهي الزخرف, والله -تبارك وتعالى- قد زخر هذه الدنيا بأنواع عظيمة مِن الزينة والشهوات, كما قال -جلَّ وعَلا- : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .......}[آل عمران:14], فالذي يريد هذه الحياة الدنيا فقط زخارفها وزينتها وشهواتها, وأنْ يعيش لها فقط, وجعلها هي الحياة, لا حياة بعد ذلك, قال -جلَّ وعَلا- : {........نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:15], سيأخذ نتيجة عمله وسعيه وكَدّه في هذه الدنيا, {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}, لا ينقصون, ثم قال -جل وعلا- : لا ينقصون عن ما كتب الله -تبارك وتعالى- لهم مِن الرزق الذي كتبه منذ أنْ خلقهم, خلقهم, وقبل أنْ يخلقهم -سبحانه وتعالى- وفي يوم ما نفخ روح العبد وهو في بطن أمه مضغة كتب الله له رزقه سَيُوَفَّى هذا, سَيُوَفَّى ما كتبه الله -تبارك وتعالى- له, {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:18], فهؤلاء هنا قال الله -تبارك وتعالى- : {........نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:15], {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ........}[هود:16], هذا مصيره ومآله عند الله, وأما في هذه الدنيا, {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا}, كلهم منتهي هذه, الدنيا هذه كلها إلى زوال منتهية, {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}, كل الذي عملوه ما هو مِن الحق, ما باقٍ, ولا هو مستقر المؤمن يخطوا خطوة إلى الصلاة تْكَتب وتُسَجَّل ويُؤْجَر بها عند الله -تبارك وتعالى-, والكافر يركض يركض يركض في عمله, في الدنيا يأكل به, يشرب به, ثم يضمحل ويكون بلاؤه عليه بعد ذلك, {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:16].

ثم التقت الخطاب بعد ذلك إلى بيان أدلة صدق هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه-؛ فضرب الله -تبارك وتعالى- هنا مقارنة قال : {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ........}[هود:17], هذا محمد -صلوات الله والسلام عليه-, فهو على بينة مِن الله -تبارك وتعالى-؛ وذلك أنَّ الوحي الذي جاءه, جاءه مِن الله, وهو متأكد مِن هذا تمام التأكيد, النبي لم يكن في وهم ولا في خرافة ولا أنه رأي يترآى له وينتهي, لا هذا الملك يأتيه بكلام الله -تبارك وتعالى-, والأدلة قائمة, ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- أطلعه برؤيا العين التي ليس دونها حجاب, كما قال -جلَّ وعَلا- : {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم:12], قد رأي جبريل بعين بصره, {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13], في المعراج, {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[النجم:14], الشجرة التي ينتهي, السدرة التي ينتهي إليها مقام جبريل في السماء السابعة, {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}[النجم:15], رآها النبي ودخلها, {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}[النجم:16], {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:17], وإنما رأي هذا بعين رأسه -صلوات الله والسلام عليه-, ثم ما الذي تجادلون عليه؟ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}[النجم:19], {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}[النجم:20], {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى}[النجم:21], ماذا عقائدكم؟ تَدَّعُونَ بأنَّ الله -تبارك تعالى- جعل الملائكة إناث, وخصكم أنتم بالذكور, أي ما هو الحق الذي تمسكتم به حتى تدفعوا ما جاء به النبي -صلوات الله والسلام عليه-؟ {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ........}[هود:17], النبي على بينة مِن ربه, بهذه الأدلة القائمة, وهو الصادق الأمين -صلوات الله والسلام عليه-, ثم : {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}, يتلو هذا النبي شاهد منه, بعد وفاة النبي -صلوات الله والسلام عليه-, تبقى شواهد الصدق قائمة ليوم القيامة؛ فإنَّ مِن شواهد هذا الصدق النبي الذي مِن وقته, مِن وقت موته إلى قيام الساعة حَدَّثَ بآلاف الغيوب؛ سيكون كذا, وسيكون كذا, وسيكون كذا, وسيكون كذا, وسيكون كذا, وهذه آلاف الغيوب تنتظم كل التاريخ مِن وفاة النبي وإلى قيام الساعة, ولا يكاد يمر جيل مِن الأجيال, وقرن مِن القرون إلا وتظهر فيه آية على صِدْقِ النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-, فهذا النبي منذ أنْ جاء وهو يُخْبِرُ الخبر ويقع كما هو, أخبر بأنه سينتصر على الكفار وانتصر, بأنه سيدجل مكة فاتحًا منتصرًا وقد كان, بأنَّ فلان وفلان وفلان هذا الموضع الذي يموت فيه فلان, وهذا الموضع الذي يُقْتَلُ فيه فلان قبل بدء, يقول هنا يضطجع فلان, هنا يُقْتَلُ فلان, ويكون الأمر كما يُخْبِرُ به -صلوات الله والسلام عليه-, يهدد كِسْرَى في مُلْكِهِ, وقيصر في مُلْكِهِ, ويكون الأمر كما يُخْبِرُ به النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأحد الصحابة تدخلون الحيرة فيقول : يا رسول الله, اكتب لي خطاب أنْ أتزوج بنت ملكها, فيكتب له النبي خطاب, فيدخل فيكون أول مَن يدخل, ويتزوج بنت ملكها, فهذا الأمر يقول لعدي بن حاتم الطائي قل يا عدي, مايفرك؟ لماذا تهرب مِن الإسلام؟ أيفرك أننا فقراء؟ يقول : (والله لئنْ طالت بك حياة لترين كنوز كِسْرَى وقيصر تنفق في سبيل الله), يقول عدي فقلت له : رسول الله كسرى بن هرمز؟ أي هذا الموجود الآن قال له : (كسرى بن هرمز), يقول عدى : فكنت فيمن افتتح المدائن وشاهدت كيف أنفقت هذه, فهذا شواهد الصدق للنبي -صلوات الله والسلام عليه- قائمة فيتلوه شاهد مِن كل وقت, سيأتي شاهد على صِدْقِ هذا النبي وقد كان, {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ........}[هود:17], شاهد مِن النبي نَفْسِهِ حيث يقول ويتحقق الكلام كما يقول -صلوات الله والسلام عليه-, {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}, مخبر بهذا النبي, {كِتَابُ مُوسَى}, التوراة الذي أُنْزِلَ على موسى, جاء مؤيدًا لهذا النبي, ومبشرًا به, ومخبرًا به في عشرات المواضع مِن التوراة, يُخْبِرُ الله -تبارك وتعالى- فيما أنزله على موسى بأنه مُرْسِلُ عبد صفته كذا وصفته كذا وصفة أمته كذا وكذا, وأنه يكون منه كذا وكذا كما أخبر الله -تبارك وتعالى- فيكون الأمر, فهذا كذلك قبل ما يأتي النبي شواهد صِدْقِهِ, وأدلة نبوته قائمةٌ قبل ذلك, {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}, {أُوْلَئِكَ}, أهل العقول, أهل الحِجَى, {يُؤْمِنُونَ بِهِ}, فاليهود العقلاء بمجرد ما جاء النبي -صلوات الله والسلام عليه- كعبد الله بن سلام قال : نعم هذا هو, قالوا : هذا هو هذا هو النبي, الصادق, الأمين الذي قد أُخْبِرنَا عنه, وهذه صفية أم المؤمنين -رضي الله تعالى- عنها تحكي عن النبي حيي أخطب أكفر اليهود هو وأخوه لما شاهدوا النبي, وأتوا إليه في اليوم الذي نزل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قباء رجعوا منكسرين, ورجع تقول : سمعت عمي يقول لأبي أهو هو؟ أي أهو هو؟ فقال إي والله هو, فقال : وما صنيعك به؟ فقال : عداوته والله ما بَقِيْت, قال : ما أنا حي سأعادي هذا الرجل, فهو يؤمن بأنه هو النبي, ولكنه سيعاديه, أهل الإيمان الذين هداهم الله -تبارك وتعالى- مِن العرب ومِن النصارى ومِن اليهود آمنوا به, {يُؤْمِنُونَ بِهِ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}, هذا تهديدٌ ووعيدٌ مِن الرب, الإله الذي لا إله إلا هو الذي ملك كل شيء, يهدد الله -تبارك وتعالى- كل مَن يكفر بهذا النبي مِن الأحزاب, مِن كل الجماعات؛ مِن اليهود ومِن النصارى, مِن الفُرْس, مِن الروم, مِن العجم, مِن كل الذين أُرْسِلَ إليهم النبي, والنبي أُرْسِلَ إلى الناس كافة -صلوات الله والسلام عليه-, {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ}, شرقًا وغربًا, شمالًا وجنوبًا, صينًا ورومًا, كل مَن يكفر به الله يقول : {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ}, بهذا النبي, {مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}, كلمة قصيرة لكن تحمل كل أنواع التهديد, {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}, النار نار الآخرة ميعاده, وانظر مَن يتوعده الله -تبارك وتعالى- بهذه النار, كل مَن يكفر به, ويقول النبي -صلوات الله عليه وسلم- «والله ليسمع بي يهودي ولا نصراني, ولا يؤمن بي الذي أُرْسِلْتُ بهم إلا كان مِن أهل النار», فهذا نبي قد قامت أدلة صدقه الظاهرة, الواضحة, بينه لا حجة بعد ذلك فيه لأحد, لا يهودي, ولا نصراني, ولا أي مِن أي أمة مِن الأمم أنْ يكفر به, قال : {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ}, أي إياك أنْ تشك في هذا الأمر, لا شك في هذا الأمر, المرية الشك, {مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}, {إِنَّهُ}, هذا القرآن وهذا الدين,{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}, {الْحَقُّ}, الثابت, المستقر, وضده الباطل؛ لأنه زائل, {رَبِّكَ}, وهذا تشريف للنبي -صلوات الله والسلام عليه- أنه مِن ربك يا محمد ,ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}[هود:17], مع هذه الأدلة الواضحة, البَيِّنَة, وهذه البراهين الساطعة, وهذا الرسول الذي وجوده وظهوره أظهر مِن وجود الشمس والقمر, قال -جلَّ وعَلا- : {........وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}[هود:17], {لا يُؤْمِنُونَ}, بهذا النبي, ولا يؤمنون بهذا الحق, وهذا كذلك الخبر مِن أدلة الصدق؛ فإنَّ أكثر الناس لم يؤمنوا بالفعل لا في وقت النبي ولا بعده, ظل المؤمنون في كل جيل هم القلة كما الشأن في الرسالات السابقة, {........وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}[هود:17].

 ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا........}[هود:18], سؤال يراد به التقرير؛ تقرير المستمع على هذا السؤال وهو واضح أنَّ لا يوجد أحد أظلم مِمَن يفتري على الله الكذب, الكذب كل شر وباطل, وباعتراف الكل إن أي باعتراف الكافر والمؤمن أنَّ الكذب رذيلة, لكن الكذب إذا كان على الله, خالق السماوات والأرض يكون هذا أعلى أنواع الكذب وأشرها, ويكون الذي يفعل هذا ما يوجد هناك مَن هو أظلم منه أنْ يفتري الكذب على الله, أنواع الافتراء الكذب على الله كثيرة ,كأن يقول قائل : أنا قد أرسلني الله -تبارك وتعالى- إليهم ولم يرسله الله, {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ........}[الأنعام:93],  وكذلك مَن افترى على الله الكذب بأنْ كَذَّبَ به قال لا إله, أو بأنْ قال لله شريك, أو له ولد, أو أنَّ الملائكة بناته؛ فكل هذا افتراء الكذب على الله -تبارك وتعالى-, الملائكة ليسوا إناث, وهم ليسوا بنات لله -تبارك وتعالى-, وإنما هو عبيده, عيسى عبده وليس ولده, لا يوجد مع الله -تبارك وتعالى- إله آخر, مَن قال أنني أعبد هذه الإلهة, وهي تشفع لي عند الله, مَن قال لك هذا؟ عندك شيء مِن الله عندك دليل إنَّ هذا الذي تعبده يشفع لك, أو ينفعك أو يضرك, كل هذا افتراء, كذب, هذا كله مِن افتراء الكذب على الله -تبارك وتعالى-, ومَن قال ليس لله دين, وليس له شريعة له شيء, وأننا نعيش في هذه الدنيا فقط, وأنه لا شيء بعد هذه الحياة كما قال مَن قال مِن الدهرية مِن العرب : (إنما هي أرحام تدفع, وأرض تبلع), لا يوجد شيء إنما هو الليل والنهار الذي يتعاقب, وهذه حياة قامت هكذا, وتنتهي على النحو الذي تنتهي عليه, ليس هناك إله مُدَبِّر لهذا الوجود, افتراء كذب, مُفْتَرِي الكذب على الله -تبارك وتعالى-, افترى على الله الكذب, لا عِلْمَ له بذلك وإنما قال هذا ِمن عنديات نَفْسِهِ, فالله يقول : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا........}[هود:18], أي كذب الكذب هنا منكر يفتريه المفتري على الله لا يوجد أظلم منه, لا يوجد أظلم مِمَن افترى على الله الكذب, وهذا الذي يستحق عقوبة الرَّب أي عقوبة يعاقبه الله -تبارك وتعالى- بها هو يستحقها, قال -جلَّ وعَلا- : {أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ}, {أُوْلَئِكَ}, الأشرار البعداء الكذَّابُونَ على الله, {يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ}, الحساب والعرض أمام الجميع يعرض أمام هذا المشهد العظيم أمام الجميع, {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ}, {الأَشْهَادُ}, الذين يستشهدهم الله -تبارك وتعالى- على كذب هؤلاء المجرمين, {الأَشْهَادُ}, الملائكة تشهد, الرسل تشهد, المؤمنون يشهدون, كل هؤلاء يستشهدهم الله -تبارك وتعالى-, {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ}, مِمَن يستشهدهم الله -تبارك وتعالى- على هؤلاء المجرمين, مِمَن شاهدوا كذبهم وافترائهم, فيحكموا به, ويشهدوا به أمام الجميع, {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ}, في وقت تَسَوُّد فيه وجوههم, يشهد عليهم بهذه الشهادة العظيمة أمام الله -تبارك وتعالى-, {........أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18], كلام الرب -سبحانه وتعالى-, {أَلا }, فاعلموا أنَّ {لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}, {........أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18], أصل اللعن في لغة العرب هو الطرد مِن القبيلة, كانت القبيلة إذا كان لها ابن منها مِن أبناءها, لكن تكثر جرائره وخسائسة يقوموا يذهبوا إلى الأسواق و إلى أماكن تجمع القبائل, ويقولون : (يا أيها الناس, فلان هذا منا لكن لعناه), نحن طردناه ونافيناه من القبيلة فدونكم إياه, فإذا أتي بمصيبة, وجر جريرة فهي عليه وليست على القبيلة, لأنَّ في الأساس أنَّ القبيلة متناصرة يحمي بعضها بعض, ويقوم بعضها مع بعض, فهذا يسموه لعين بني فلان, فلعنوه أنهم خرجوا وطردوه هذا المعنى في الدين مَن لعنه الله -تبارك وتعالى- من طرده كإبليس أول لعين, فأول من لعنه الله -تبارك وتعالى- من الخلق كما أخبرنا هو إبليس, لما أبى أن يسجد كما أمره الله -تبارك وتعالى-, قال الله -عزَّ وجلَّ- : {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}[الحجر:34 ], {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[الحجر:35] , لعنه الله-عز وجل- فطرده الله -تبارك وتعالى- مِن رحمته ما هو منسوب إلى الله كعبد مِن عباد الله, كشأن عباد الله مِن الملائكة المنسوبين إلى الله -تبارك وتعالى-, طرده الله -تبارك وتعالى- مِن رحمته فهؤلاء الذين كذبوا على الله, الله -تبارك وتعالى- لعنهم, طردهم وتخلى عنهم -سبحانه وتعالى-, وجعلهم للنار, هذه بيت ودار الملعونين, {........أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18], ذُكِرَ الوصف هنا الذي هو اللائق بهم والحقيق لهم الظلم؛ لأنه الظلم هو وضع الأمر في غير محله؛ فهؤلاء ظلموا بدل مِن أنْ يكون عملهم نحو الله الإيمان به والإذعان له, وعدم التقول عليه لا, جعلوا علاقتهم وعملهم نحو الله -تبارك وتعالى- هو الكفر به, والكذب عليه, والافتراء عليه -سبحانه وتعالى-, {........أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18], {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ........}[هود:19],  صَدَّ تأتي لازمة نقول : صَدَّ فلان عن الحق, أي بَنْفِسِه, وصَدَّ تأتي متعدية, نقول : صَدَّ فلان فلانًا عن السير في هذا الطريق, فهؤلاء يصدون عن سبيل الله بأنفسهم, ويصدون غيرهم كذلك, صدوا عن سبيل الله؛ ابتعدوا عنه, خرجوا عنه وكذلك منعوا الآخرين عن سبيل الله, وسبيل الله هو طريقه, {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا........}[هود:19], {يَبْغُونَهَا}, يريدونهاأي يريدون سبيل الله أنْ تكون معوجة, ليست سالكه هو طريق معوجة للسالكين فيها, وذلك بأنْ يلقوا عليه الشُّبهات, يرعبوا الناس مِن الدخول فيها, يخوفوهم, يصرفوهم عنها بكل الصوارف, يُزَيِّنُوا لهم الطرق الأخرى؛ طرق الشيطان البعيدة فيجدوا طريق الله -عزَّ وجلَّ- لا يسير فيه أحد, وكطرق الشيطان فليسر الناس فهيا فهؤلاء هذا شغلهم هذا إجرام أنْ يقوم هؤلاء بسك وبقفل طريق الرب -تبارك وتعالى-, وفتح طرق الغواية للشياطين؛ ليسلكوا فيها, {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا........}[هود:19], يريدون أنْ تكون طريقة الله -تبارك وتعالى- معوجة للسالكين فيها, لا يسلكها أحد, {.........وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[هود:19], جاء بصيغة الجملة الاسمية المتمكنة في الخبرية, فهم كافرون بالآخرة, أي هذا صفتهم وحالهم, لا يوجد عندهم أي شك في أنْ تقوم الآخرة حتى مجرد شك, ليس ظن لا, جاحدون بها جحودًا كليًا, {........وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[هود:19], والحال أنَّ الآخرة حق لابد أنْ يكون.

 قال- جلَّ وعَلا- : {أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ........}[هود:20], {أُوْلَئِكَ}, المجرمين, الظالمين, الكافرين الذين هذا فعلهم, {لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض}, معجزين لله فائتين منه, أين يذهبوا؟ {أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ........}[هود:20], {مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ}, أي يُعْجِزُونَ الرَّب -تبارك وتعالى- بأنهم يفوتونه, لا يستطيع القبض عليهم وقهرهم وإذلالهم, ووضعهم حيث يريد -سبحانه وتعالى- لا, هؤلاء يظنون أنهم لا قُدْرَةَ للرب عليهم, {أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ........}[هود:20],  مهما ظنوا, {مَا كَانَ لَهُمْ}, لن يكون لهم لا ماضيًا, ولا حاضرًا, ولا مستقبلًا هذا نفي لهذه الحقيقة, {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ}, أنصار ينصرونهم, كل ما يتعلقون به مِن أنْ يكئون لهم ولي دون الله -تبارك وتعالى- ينصرهم, يعينهم, يخرجهم مِن ورطتهم مما هم فيه يستحيل, {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ}, حكم الرب -سبحانه وتعالى-, {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ}, هذا في الآخرة, عذاب الآخرة دائماً في ازدياد وليس في نقص, كلما مرت مثلًا حقبة عليهم في النار يخف العذاب يهون, يتسهل قليلًا لا وإنما كلما مرت حقبة يزيد, صار العذاب في ازدياد, مرت حقبة أخرى صار في ازدياد بكل ألوان العذاب سواء كان في شدة النار وحرارتها سواء كان في والأشربة التي يشربونها.