الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (280) - سورة هود 117-133

الحمد لله ربِّ العالمين, وأُصَلِّي وأُسَلِّم على عبد الله ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله -تبارك وتعالى- : {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[هود:116], {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود:117], {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود:118], {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود:119], {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:120], {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}[هود:121], {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:122], {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:123], هذه الآيات الأخيرة مِن سورة هود -عليه السلام-, وفيها خلاصة للموضوع, مواعظ عظيمة للمؤمنين, وتوجيه للنبي -صلوات الله والسلام عليه-, أولًا بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- بعد هذا الإهلاك لهؤلاء الظالمين أنه لو كان هناك رجال أهل عقل في هذه الأمم, كل أمة قام فيها رجال, {أُوْلُوا بَقِيَّةٍ}, مِن دين, مِن عقل, مِن فهم, مِن بصيرة قاموا وعرفوا إنَّ هذا طريق الرب, وأنَّ هذا رسول الله -تبارك وتعالى-, وأنهم قاموا في وجهه, أقوامهم ظالمين أمروهم بالمعروف, نهوهم عن المنكر, قالوا اتبعوا هذا الرسول, ولو أنه قام في كل أمة مجموعة تأمر بالمعروف, تنهى عن المنكر لكان هناك إنقاذ, لم يكون هناك استئصالٌ وعذابٌ لهذه الأُمَم, {{فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ}, التي أهلكها الله, {مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ}, بقية عقل, بقية فهم, بقية نظر, {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ}, أي لا يمكن لك ,قال -جلَّ وعَلا- : {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا}, مِن أهل الإيمان كانوا مع الرسول, وهذه فئة قليلة كانت مستضعفة, ثم إنَّ الكفار عَلَوا عليها ووضعوا الأمور يعين المسلمين أمام أمر واقع ما لهم خيار فيه, لا يستطيعون يدفعون عن أنفسهم, ولا أنْ يستمروا في دعوتهم, قالوا : أمنا أنْ تسكتوا وتغلقوا هذا الموضوع, وإلا نزل بكم بطشنا, وتحدوا الرَّب -تبارك وتعالى- بإيقاف الرسل عند هذا النحو, أو بالعدوان على آياته, كما فعل قوم ثمود, فإنهم أتوا للآية التي جعلها الله -تبارك وتعالى- آية نافعة, وهي ناقة الله -تبارك وتعالى- فعقروها, قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:77], فكلهم على هذا النحو, كلهم تحدوا رسلهم, وقالوا : ائتِ بالعذاب الذي تتهددنا به وتتوعدنا به, وأرادوا أنْ يُسْكِتُوهُ ويقطعوا فمه, فما أصبح هناك مِن طريق إلا استئصال هؤلاء, {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا........}[هود:116], قال -جلَّ وعَلا- : {........وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[هود:116], هؤلاء الذين ظلموا اتبعوا ما أترفوا فيه, جناتهم وقصورهم ونساؤهم وأولادهم وأفراحهم اتبعوه هذا, ركنوا إليه وأخذوه, {وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}, فاعلين للإجرام, كافرين بالله -تبارك وتعالى-, معادين للرسل على هذا النحو؛ لذلك استأصلهم الله, قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ........}[هود:117], هذا أمر لا يتأتى مِن الله؛ لأنَّ الله لا يظلم أحدًا -سبحانه وتعالى-, {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ........}[هود:117], هذه القرى التي أهلكها -تبارك وتعالى-, {بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}, لو كان أهلها مصلحون, عندهم إصلاح وقائمين بهذا الأمر, وحتى لو كان فيه فساد لكن هذا الفساد مغلوب ومقموع؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يهلك هذه القرى, أما إذا كان الفساد هو الغالب, وهو المُسْتَشْرِي, وهو الذي يُسْكِتُ قول الحق لا إذا لا يبقى إلا أنْ يزيد الله -تبارك وتعالى- هذا الفساد.

ثم أخبر -سبحانه وتعالى- بأنَّ هذه سنته أنه لا غالب له -سبحانه وتعالى- قال : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود:118], {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ.........}[هود:119], {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة........}[هود:118], على الهداية لو أراد الله -تبارك وتعالى- أنْ يجمع قلوب العباد على طاعته وعلى محبته والإنابة إليه, وأنْ يجعلهم كلهم مهتدين فعل, فإنَّ هذا في مقدور الرب -تبارك وتعالى-, وليس بمعجز على الله, والكافر لا يفعل كفره رغمًا على الله, بل بمشيئته, {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً.........}[هود:118], الهداية, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}, أي هذا في الماضي, وكذلك في المستقبل لا يزالون مختلفين, أي مِن بعثة النبي وإلى آخر الزمان لا يزالون مختلفين, منهم مؤمن وكافر ناس يؤمنون ويتبعوا طريق الرب, وآخرون كفار يعادون رسل الله -تبارك وتعالى- ويعادون أنبياؤه, ويعاندون طريقه ويَتَنَكَّبُونَهُ, {........وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}, {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}, فهؤلاء الذين هداهم يهديهم الله -تبارك وتعالى-, ويوفقهم إلى طريقه, قال -جلَّ وعَلا- : {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}, هذه حكمة الرَّب -جلَّ وعَلا-, {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}, ليكون منهم مؤمن وكافر على هذا النحو, وليكون الصراع بين الحق والباطل سُنَّة, باقية مستمرة, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود:119], تمت كلمة الله أي وقعت تامة كما تكلم بها الرب لابد أنْ تُسْتَوْفَى, {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ}, أنها كلمة قالها الرب -تبارك وتعالى- لابد أنْ تحقق تامة كما تكلم بها الرَّب, هذه كلمة الله هي : {........لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود:119], هذا صدر مِن الرب -تبارك وتعالى-, قاله الله -جلَّ وعَلا- يوم أنْ نَكَلَ إبليس عن طاعة ربه واستكبر, قال له الله -تبارك وتعالى- : {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85], كلمة قالها الرَّب -تبارك وتعالى-, وفي ذلك الوقت, ولابد أنْ تتم كلمة الله, أما إنه يرضى الله عن إبليس يهتدي, يؤمن, وكذلك إنَّ الذين اتبعوا إبليس يُخْلِفُ الله -تبارك وتعالى- وعيده معهم, ويدخلهم الجنة, يستحيل هذا لا يمكن, فالله -تبارك وتعالى- قال لإبليس: {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85], فهذا أمرٌ قد صَدَرَ مِن الله -تبارك وتعالى- ولابد أنْ يتم قال -جلَّ وعَلا- : {........ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود:119] , {الْجِنَّةِ}, الجِنّ وهم جنس خَلَقَهُ الله -تبارك وتعالى- مِن مارج مِن نار, كما قال -تبارك وتعالى- : {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:14], {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ }[الرحمن:15], المتموج الخارج مِن النار, خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- هذا الجنس مِن هذا, ومِن الإنس والجن مؤمن وكافر, شاء الله -تبارك وتعالى- أنْ يكون مِن الإنس مؤمنون, ومنهم كفار, وكذلك مِن الجِنِّ مَن يؤمن ومنهم مَن يكفر, كما قال الله -تبارك وتعالى- : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}[الأحقاف:29], {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأحقاف:30], {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف:31], فهذه مقولة الجِنّ, وقد قال الجِنّ كذلك كما قال الله -تبارك وتعالى- عنهم في سورة الجِنِّ : {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}[الجن:14], {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا }[الجن:15], فالجن منهم مؤمن وكافر, والإنس منهم مؤمن وكافر والله -تبارك وتعالى- قد حَكَمَ بأنَّ كل مَن كفر مِن الجن والإنس لابد أنْ يدخله النار, قال : {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ}, وهم كفارهم, وأما الذين آمنوا لا, {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}, وكذلك مِن الناس أجمعين, يجمع الله -تبارك وتعالى- هؤلاء وهؤلاء, كما في قول الله -تبارك وتعالى- : {........يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}[الأنعام:128], {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:129], الله يُوَلِّي بعض الظالمين بعضًا, شياطين الإنس, وشياطين الجن, الإنس الكفار والمتبوعين مِن الجن لهم, فيجمع الله -تبارك وتعالى- هؤلاء وهؤلاء للنار -عياذا بالله-, {........لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود:119], هذه كلمة الرب -تبارك وتعالى-, وحُكْمُهُ الذي صدر ولابد أنْ يكون, لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود:119], إذن هذه سُنَّة الله -تبارك وتعالى- ولابد أنْ تكون على هذا النحو.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ........}[هود:120], {وَكُلًّا}, مِن هذا القصص, {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ}, والله الذي يَقُصُّ, قال : {نَقُصُّ عَلَيْكَ}, بإخبار مِن الرب عن نفسه بصيغة الجمع وهو تعظيم لنفسه -سبحانه وتعالى-, {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ........}[هود:120], الأنباء هي الأخبار العظيمة الرسل الذي أرسلهم الله بدءًا بنوح -عليه السلام-, {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}, هذا القصص لتثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-, الفؤاد القلب تثبت قلبه؛ وذلك أنه عندما يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ينظر, هذا نوح الذي ابتلي هذا البلاء وحُوصِرَ هذا الحصار واستهزئ هذا الاستهزاء, ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أنْ ثَبَّتَهُ الله, أنْ أنجاه الله -تبارك وتعالى- أنْ أهلك الظالمين, وهذا هود مع قومه أيضًا هُدِّدَ وابْتُلِي, وكان مِن شأنه ما كان ثم أنجاه الله, وهذا صالح, وهذا فعل قومه به, وهذا موسى ابن عمران -عليه السلام-, وهذا صنيع الفراعنة به  فكل هذه القصص عندما يقص هذا النبي له أسوة, كما قال له الله -تبارك وتعالى- : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ........}[الأحقاف:35], اصبر كصبر هؤلاء, وهذا فيه تأسي, هذا مجال التأسي, تَأَسَّى بهؤلاء واجعلهم, أي يا محمد قدوةً لك, {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ........}[هود:120], {........وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:120], هذا إشادة بهذه السورة, وأنه الله -تبارك وتعالى- قد أتى في هذه السورة بالحق, كل ما قال الله حق, هو الثابت, {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ}, في هذه السورة, {الْحَقُّ}, ما قَصَّهُ الله -تبارك وتعالى- بدءًا بهذه السورة مِن أنه اختار رسوله نذيرًا للناس, {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود:1], {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}[هود:2], {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}[هود:3], {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[هود:4], فبدءًا بالإعلان في هذه السورة أنَّ محمد بن عبد الله جاء نذيرًا إلى العالمين, نذيرًا إلى الناس, وبشير إلى أهل الإيمان, وداعيًا إلى الله أنَّ هذا طريقه, اعبدوا الله -تبارك وتعالى- وحده, ثم بيان آيات الله -تبارك وتعالى- الدالة على قدرته وحكمته وخَلْقِهِ -سبحانه وتعالى-, وأنه الرَّب, الإله الذي لا رب سواه, ولا إله غيره -سبحانه وتعالى-, ثم بيان الجزاء الذي أعده الله -تبارك وتعالى- لكلٍ مِن الذين يستجيبون أمره, ومِن الذين يخرجون عن ذلك, وأنَّ مثل هؤلاء قال : {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[هود:24], ثم بعد ذلك ما قَصَّهُ الله -تبارك وتعالى- مِن هذه القصص, وأنها قصص حق لا فيها تَزَيُّد, ولا فيها مبالغة بل كما وقع الأمر فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يقصه قص الحق, وأنَّ هذه النهاية, فانظروا بعد ذلك المآل الذي سيؤول إليه الكل, {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}, {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}[هود:106], {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود:107], {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود:108], فهذا حق, كل ما قَصَّهُ الله, قال الله -تبارك وتعالى- : {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ}, الوعظ هو كلام شديد, رقيق, فيه أمر ونهي وتذكير بالمآل والمصير, وفيه إبعاد عن طرق الغواية الشر, وإلزام بطريق الخير, هذه دائما هي غاية المواعظ في القرآن فالله أتى بها موعظة, موعظة بتذكيره بعقوبته -سبحانه وتعالى- التي يوقعها على أعدائه في الدنيا, وكذلك عقوبة الآخرة, فهذه مواعظ, مواعظ مِن الرب -تبارك وتعالى- إلى أهل الإيمان, {وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}, أمر عظيم ليتذكروه دائمًا, {........وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:120], ثم وفي النهاية : {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}[هود:121], {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:212], قل لهم, {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}, هذا بعد الخطاب الأخير أنتم رضيتم بهذا الطريق الذي أنتم عليه ومتمكنون فيه, {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ........}[هود:121], هذا أمر, لكنه للتهديد والوعيد, {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ}, أي سيروا على ما أنتم سائرون فيه, {مَكَانَتِكُمْ}, الأمر الذي أنتم قد ارتضيتموه وتمكنتم فيه, وسرتم عليه هو الكفر, الكفر والعناد وطريق الذي رأوا أنَّ هذا طريق الحق والصواب عندهم, {........اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}[هود:121], أنا وأهل الإيمان عاملون على كذلك طريقتنا, وسائرون في منهجنا الذي انتهجتاه, وهو طريق الرب -تبارك وتعالى-, أي هذه مفاصلة بين الإيمان والكفر, بين الرسول الذي يقول لهم هذا طريقي, هذا طريقي, سيروا عليه وأنتم اخترتم هذا الطريق فسيروا عليه, امشوا فيه, ولكن انظروا كيف ستكون بعد ذلك نتيجة كلٍ, {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:212], انتظروا حُكْمَ الرب -تبارك وتعالى-, {إِنَّا مُنتَظِرُونَ}, كذلك أنَّ يحكم الله -تبارك وتعالى- بيننا وبينكم, ولنرى مَن على الحق, ومَن على الباطل, وقد عَمِلَ الكفار على طريقتهم وساروا فيها, وبقي يقولون لا والله ما ليس لنا أنْ نخرج عن هذا الطريق الآباء والأجداد, كما قاله المُغِيَرة وأُبيّ بن خلف وأبو جهل وغير ذلك, قالوا إنا متمسكين بهذا الطريق ماذا يريد هذا محمد أنْ يصرفنا عن طريق الآباء والأجداد لا, نحن على هذا الطريق وظلوا على هذا في طريقهم, حتى وقع مَن وقع منهم مِن أساطيلهم في يوم بدر وقُتِلَ سبعون منهم, ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أنْ جمعهم في القليب وقف عليهم -صلى الله عليه وسلم-, وناداهم بأسمائهم واحد واحد, يا فلان بن فلان, يا فلان, يا فلان, {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}, قال لهم رأيتم النار, رأيتم العذاب, رأيتم النهاية, رأيتم المآل فإني قد رأيت ما وعدني ربي حقًا, أنا كذلك رأيت ما وعدني حقًا, وعدني بالنصر, بالتمكين وقد كان, كل ما وعد الله -تبارك وتعالى- به رسوله في هذه الدنيا قد كان, أوفى الله -تبارك وتعالى- وعده مع رسوله وهؤلاء, قال لهم : رأيتم الذي أنتم فيه حتى يقول عمر بن الخطاب : يا رسول كيف تخاطب قومًا قد جَيَّفُوا؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم, لا تفكروا أنتم أحياء سامعين, هم يسمعون أكثر منكم الآن, قد أسمعهم الله -تبارك وتعالى- كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-, وهم أسمع لكلام النبي مِن الأحياء الذين كانوا بجوار النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمعون مقالته هذه, {.........اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}[هود:121], {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:122], هذه السورة نزلت في مكة قبل بَدْر, وقبل أنْ تَتَكَشَّفَ هذه النتائج, نصر الله -تبارك وتعالى- لرسوله, وإعلاؤه لشأنه وجعله هذا, كما قال الله -تبارك وتعالى- : {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[ص:87], {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص:88], انظر نبينا -صلوا الله عليه وسلم- بعد ما يمضي عقد مِن الزمان إلا ويكون اسمه في كل مكان, خطابه يُرْسَلُ إلى كسرى وإلى قيصر (أسلم تسلم) فيقول لكسرى : (أسلم تَسْلَم وإلا لم تُسْلِم فإنما عليك إثم الأَكاريين), ويقول لقيصر : (أسلم تَسْلَم وإلا لم تُسْلِم إنما عليك إثم الأريثيين), {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ........}[آل عمران:64], ويُرْسِلُ إلى المقوقس, ويُرْسِلُ إلى الملوك كلهم؛ فيدخل منهم مَن يدخل في الإسلام, وينفر منهم من ينفر منه, ثم بعد ذلك لا يمضي عقد آخر مِن الزمان عشر سنوات إلا جيوش المسلمين تطأ كل هذه الديار, وتتهاوى عروش هؤلاء الجبابرة, ويكون اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- مُعْلَن عنه في الآذان في كل مكان, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله, ثم الفئة الكافرة التي وقفت أمام هذا الدين ورأت أنه دينها هو الباقي, وأنَّ محمد هذا سينزاح عن الطريق, يقول : هذا أبترر لا عقب له اتركوه هذا سيكون له شأن مدة وجوده, ثم إذا مات نسي وانقطع أثره مِن الأرض, فيقول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1], {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:2],{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر:3], الذي لا عقب له, والذي سينتهي أثره وستلاحقه اللعنات هم هؤلاء أعداؤك, وأما النبي فقد أُعْطِيَ الكثرة في كل, {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1],  الكثرة في كل شيء, الكثرة في الأتباع لا يوجد بشر سار على سطح هذه الأرض, وَجَدَ مِن الأتباع الذين يحبونه ويفدونه بأعز ما عندهم بأولادهم وبأهلهم وبأموالهم مِن هذا النبي -صلوات الله والسلام عليه- في حياته, وبعد مماته, ولا يوجد شخص اتبعه الناس في كل شيء؛ طعامه وشرابه ومنامه, فضلًا عن عبادته كيف كان يصلى؟ بل كيف كان يلعق أصابعه مِن بعد الطعام؟ وكيف كان يسير؟ وكيف كان ينام؟ وماذا كان يقول هنا؟ وماذا كان يقول هنا؟ ويَتَّبِعُهُ الناس في الصغير والكبير ويقدسونه ويحبونه ويحترمونه ويُجِلُّوَنهُ فوق كل شيء, ويحبونه أكثر مِن أنفسهم -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- أكثر مِن أنفسهم التي بين جنبيهم, فعندما يقول الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}[هود:121], {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:122], انتظر مَن سيتحقق وعد الله -تبارك وتعالى- له, ومَن سيتحقق وعيد الله -تبارك وتعالى- فيه, {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:122], {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ........}[هود:123], الله أكبر, {َلِلَّهِ}, لا لغيره {غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, ماذا سيكون بعد هذه اللحظة؟ إلى الله -سبحانه وتعالى-, فهم كانوا بالنسبة استكناه الغيب عندهم أنْ أمر النبي منتهي, هذا ما هو مستقبل كانوا يرون أنه لا مستقبل للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-, ولا مستقبل لمن معهم, والحال أنهم في مكة قلة ضعف النبي لم يؤمن به في مكة أكثر مِن 200 رجل, وكان الكفار يرون أنه لا مستقبل لهذا الدين, وأنه منتهي وأمره محسوم, وأنَّ القوة والبطش والمقدرة إنما هي لهم, و أنه باقٍ وأنَّ هذا عبارة عن حجر سَيُزَالُ مِن طريقهم ويسيرون والله -تبارك وتعالى- يخبرهم بغير ذلك يخبرهم, أو لا يذكرهم بِمَصَارِع الغابرين, انظروا هؤلاء هم سلفكم, انظروا ماذا صنع الله -تبارك وتعالى- فيهم مِن قوم نوح وعاد وثمود, وهذه القُرَى التي أهلكهم الله -تبارك وتعالى-, وأنتم مصيركم سيكون مثل هؤلاء, وأنَّ مصير النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في النجاة والتمكين كذلك. سينجيه الله -تبارك وتعالى-, كما أنجى هؤلاء الرسل, بل سيكون مِن شأنه ما قَصَّ الله -تبارك وتعالى- مِن الكثرة والبقاء في الأرض, {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[ص:87], {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص:88]هذا ذكر للناس كلهم, {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص:88], وليس العَالَمُونَ الذين في زمانهم فقط بل في كل زمان هذا ذكر للعالمين لكل زمان لينذركم به إلى يوم القيامة, {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1],  فهذه الأخبار العظيمة يخبرهم الله -تبارك وتعالى- بها, الكفار يستهزئون بمثل ذلك, ويرون أنَّ هذا ليس له مآل, لن يكون, هذا أمر جنون تصوره عندهم أنَّ هذا نوع مِن الجنون, وأنَّ هذا أمر لا يكون, فالأمر كان كما أخبر الرب -تبارك وتعالى-, فالله هنا تحداهم قال لهم قل لهم هذا : {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}[هود:121], {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[هود:122],{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ........}[هود:123], مستقبل هذا لله ما أحد يعرف الغيب, هؤلاء الذين يتكلمون ويقولون هذا أبتر, لا عقب له, سينتهي أمره, الله هو الذي يعلم الغيب -سبحانه وتعالى-, {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:123],  الأمر بالألف واللام, كل الأمر, أمور الخلائق كلها راجعة إلى الله, فالله هو الذي يحكم فيها ويبت فيها, وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}, {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ}, الأمر الكوني القَدَرِي, كل ما يقع في هذا الوجود إنما هو راجعٌ إلى الله -تبارك وتعالى-, لا توجد حركة ولا سكون, ولا سقوط ورقة, ولا سقوط قطرة مِن السماء ولا وجود حي, ولا موت حي, أي حي يخرج مِن الحياة إلى الموت, كل هذا إنما هو لله -تبارك وتعالى-, {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ}, كله, أمر العباد قال -جلَّ وعَلا- إذن : {........فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:123], كلمات عظيمة تُخْتَمُ بها هذه السورة إذن ما دام الأمر كذلك يا محمد, {فَاعْبُدْهُ}, اعبد ربك -سبحانه وتعالى- والذي بيده الأمر كله, واليه يرجع الأمر كله, {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}, سَلِّم أمورك كلها له -سبحانه وتعالى-, {........وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:123], وهذا مِن التذكير والتحذير الشديد, {وَمَا رَبُّكَ}, ليس ربك, {بِغَافِلٍ}, غافل شيء مِن البعد والنسيان وعدم العلم, {عَمَّا تَعْمَلُونَ}, بل هو العليم -سبحانه وتعالى- بكل شئون خلقه, المُطَّلِعُ, عليهم -سبحانه وتعالى-, وهذا تذكير كذلك للرسول بأنْ يستلزم طريق الرب, وأنْ يعبد الرب -تبارك وتعالى-, وأنْ يُسَلِّمَ الأمر كله إليه -سبحانه وتعالى-, ولا شك أنَّ هذا كذلك خطاب لكل المؤمنين أنْ يكون هذا شأنهم مع ربهم -سبحانه وتعالى- متوكلين عليه, عابدين له, وأيضًا مراقبين له في كل أعمالهم, {........وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:123].

بهذه تنتهي هذه السورة سورة هود التي ذكرنا أنَّ النبي إذا ذكرها يقول : « شيبتني هود», لما قال له أبو بكر : (شبت يا رسول الله) قال : « شيبتني هود وأخواتها».

الحمد الله على نعمائه, وأستغفر الله -تبارك وتعالى- مِن كل ذنب وأتوب إليه, وأَصَلِّى الله وأُسَلِّم على عبده ورسوله محمد, والحمد لله رب العالمين.