الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (289) - سورة يوسف 80-93

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه, وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:78], {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ}[يوسف:79], {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[يوسف:80], {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:81], {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[يوسف:82], {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[يوسف:83], يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- أنَّ إخوة يوسف بعد أنْ أُسْقِطَ في أيديهم, ورأوا أنَّ السقاية قد أخرجت مِن رحل بنيامين, وأنهم لما فوجئوا بهذا اتهموه, {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ}, رضوا أنْ ينفوا التهمة عن أنفسهم, ويجعلوا أنفسهم وهم الأخوة الأشقاء غير هذا الأخ غير شقيق, {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ........}[يوسف:77], أي يوسف, فقال لهم يوسف : {........أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}[يوسف:77], فحاولوا استعطافه, {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا........}[يوسف:78], هذا صغيرنا وأبوه لا يستطيع فراقه, {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ}, اسْتَبْدِل, أعطينا هذا؛ ليرجع إلى إليه واختر منا مَن تشاء واجعله عندك, {........فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }[يوسف:78], فقال لهم يوسف : {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ........}[يوسف:79], لا نَسْتَرِقّ إلا مَن وجدنا متاعنا عنده, ولم يقل إلا مَن سرق فإنه يعلم يقينًا بأنَّ بنيامين لم يسرق وقال : {إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ}, كلمة مِن المعارض فالذي وجدنا متعانا عنده هو الذي نَسْتَرِقّهُ, {إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ}, لو استبدلنا أخذنا برئ بذنب المتهم فنكون ظالمين؛ لأننا عاملنا, اسْتَرْقَقْنَا مَن لم يرتكب شيئًا وتركنا المذنب, قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا........}[يوسف:80], لما استيأسوا منه؛ حاولوا معه بكل سبيل يستعطفوا قلبه؛ ليرد إليهم بنيامين ليأخذ غيره وراودوه في هذا, وألحوا عليه ولكنهم استيأسوا, فالله قال- : {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا},  لم يقل يأسوا مما يدل على أنهم بالغوا في محاولة الاعتذار, واستبدال واحد منهم ببنيامين, أو العفو عنهم ما وجدوا مِن يوسف في هذا أذنًا صاغية, {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا........}[يوسف:80], {خَلَصُوا}, أي وحدهم عن الناس, وهذا أمر أُشِيْعَ وانتشر وأصبح الكل يعلمه, وكان هذا على رؤوس الأشهاد وذلك أنهم مِن البداية جاء المؤذن أذن في القافلة كلها يا أيتها العير أنكم لسارقون, وفيهم إخوة يوسف, ومَن ليس مِن إخوة يوسف فأصبح الأمر على رؤوس الناس مشهود, الكل يعلمه فأخذوا أنفسهم وابتعدوا عن زحمة الناس وعن كذا؛ ليتشاوروا في هذا الأمر وهذه الورطة والمصيبة التي حلت بهم, والله يقول : {خَلَصُوا نَجِيًّا}, خلصوا وحدهم نفس الإخوة, {نَجِيًّا}, يتناجون فيما بينهم ما الذي عليهم فعله الآن, {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ}, كيف نرجع؟ كيف نرجع ونعود على هذا النحو, وأنتم قد علمتم أنَّ أباكم قد أخذ موثقًا مِن الله؟ عهد مؤكد أمام الرب -جلَّ وعَلا-, أقسمتم بالله أنْ تعودوا بأخيكم, والآن نعود وليس أخونا معنا, وقال لهم : {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ}, مرة سابقة فرطتم في يوسف, قال فرطتم علمًا أنه لم يكن تفريطًا كان جناية ارتكبوا جناية كبيرة لكنه خاطبهم بهذا؛ لأنه كان مشاركًا معهم في هذه الجناية عندما ألقوه في البئر, ألقوه في غيابة البئر وعلى كل حال الذي كان قد أشار إليهم بدل القتل أنْ يلقوه في غيابة البئر, قال لهم : { وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ}, ثم قال لهم : {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}, أنا سأبقى هنا في الأرض, الأرض أرض مصر, {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي}, الحكم, {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}, فسلم أمره لله -تبارك وتعالى- وقال أنا لا أستطيع أنْ أعود إلى أبي ونترك أخانا هنا في هذا المكان رقيقًا بعد هذه التهمة التي اتهم بها, وقال لهم ما أنا أستطيع وهنا كعهد قد أخذه علينا أبونا قال : {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}, يقول لي تعالى ارجع وهذا أمر الله وقضاؤه, ويسلم الأمر لله, {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي}, بحكم مِن عنده ما أدري, {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}, {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ........}[يوسف:81], قال لهم : ارجعوا إلى أبيكم أنتم بالمتاع, {فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ}, {يَا أَبَانَا}, نداء لهم, {إِنَّ ابْنَكَ}, أي بنيامين, {........سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:81], شهادتنا على هذه السرقة, {إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}, لأن نحن الأمر فقد انْتُزِعَت وأُخْرِجَت السقاية مِن رحله أمام أعيننا هذا بعلمنا, فلم تكن فقط مجرد تهمة لكن كأنه قد أُخِذَ وهو  فيه تلبس بالتهمة والجريمة وأخذت السقاية منه, قالوا : {........وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:81], لكنا لا نعلم الغيب كيف تم الأمر على هذا النحو؟ هل بالفعل هو أخونا هو الذي سرقها ووضعها على هذا النحو, وأراد أنْ يرجع بها, أم أنْ الأمر فيه حيلة ومكيدة, ما ندري ماذا كان الغيب الذي غاب عنا لا ندريه, إنما نحكي ما رأيناه, وأما ما خفي عنا مِن تدبيرٍ آخر فهذا لا نعرفه, {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}, {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[يوسف:82], أي قولوا لأبيكم عن كنت مكذب لنا فتستطيع أنْ تسال القرية التي كنا فيها أرسل مَن تشاء مِن عندك؛ ليأتوا إلى مصر ويسألوا الناس ماذا كان مِن هذا الأمر؟ وكذلك اسأل العير التي أقبلنا فيها, نحن كنا في قافلة فيها مجموعة كبيرة مِن الناس وكلهم شاهدوا هذه الحادثة ورأوها فاسألهم, {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا........}[يوسف:82], أي في مصر, {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}, أي مِن مصر إلى بلاد الشام, {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}, تأكيد إننا عندنا نقول لك أننا صادقين في هذا الأمر, يوجد أمر هنا طويل قال -جلَّ وعَلا- : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا........}[يوسف:83], {أَمْرًا}, معناه أنهم وافقوا على كلام أخيهم ورجعوا على أبيهم وقالوا له هذا قال فرد عليهم كل هذا لما كان معلومًا مِن السياق فإنه يُطْوَى وجاء بعد ذلك أنَّ أباهم عندما سمع  منهم هذه المقالة, {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا........}[يوسف:83], ليس الأمر كما تقولون, وإنما هنا تسويل أنكم قد دبرتم أمرًا في أنفسكم, {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ}, بهذا بمعنى أنها أوهمتكم أنفسكم, ودبرتم هذا الأمر في أنفسكم لأمر ما, وراء هذا الأمر الذي تقولون هو أمر ما قد سولت أنفسكم له إنكم تريدون إبعاد هذا كذلك عني, أو تريدون كيدًا بأخيكم أمرًا ما, {........جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[يوسف:83], وفي هذا دليل على أَنَّ الأنبياء لا يعلمون الغيب المرة الأولى يعقوب {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18], لما جاءه أبناؤه بقميص أخيهم يوسف -عليه السلام- وعليه هذا الدم الكاذب فقال : {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا........}[يوسف:18], وكان هذا حق لما رأى مِن القرائن وهنا لما جاءوا وقالوا : {........يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:81], {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[يوسف:82], {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا........}[يوسف:83], هذا الأمر لا ما كان هناك تسويل, أي لم تسول لهم أنفسهم أمرًا ولم يكيدوا كيدًا لأخيهم بنيامين, وإنما وقع الأمر رغمًا عنهم على هذه الصورة التي حكاها الله -تبارك وتعالى- وفي هذا دليل على أنَّ يعقوب لا يعلم الغيب, وهذا نبي مِن أنبياء الله -تبارك وتعالى- لكنه لا يعلم الغيب, وفي هذه المرة لما قال لهم : {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا........}[يوسف:83], لم يكن الأمر كما ظنه يعقوب -عليه السلام-, ثم تَذَرَّعَ بالصبر قال : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}, أيضًا وهذا مِن إيمانه وتقواه وتوكله على الله -تبارك وتعالى-, ومقابلته المحنة التي هو فيها بالتسليم لله -تبارك وتعالى-, قال : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}, أي صبري صبرٌ جميلٌ, أي دون سبكم وشتمكم والدعاء عليكم, وجعل الأمر لله -سبحانه وتعالى-, {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}, ما زال موقن في قرارة قلبه أنَّ الله -تبارك وتعالى- لن يجعل هذا الذي كان هو الفراق النهائي بينه وبينهم, وإنما سيعودون إليه في يوم مِن الأيام؛ وذلك ليقينه منذ أنْ قَصَّ يوسف -عليه السلام- رؤياه فهو يعلم يقينًا بأنَّ الله -تبارك وتعالى- سيجعل لهذا الغلام شأن ولابد أنْ يكون قال : {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}, هو وأخوه, {........إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[يوسف:83], {إِنَّهُ}, الرب, الإله -سبحانه وتعالى-, {هُوَ الْعَلِيمُ}, بكل عباده -سبحانه وتعالى-, {الْحَكِيمُ}, الذي يضع كل أمر في نصابه وتولى عنهم, تركهم تولي بمعنى أنه تركهم وانصرف بعيدًا عنهم, وقال أي في نَفْسِهِ : {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}, هَيَّجَت هذه المأساة الجديدة, والمحنة الجديدة محنته القديمة بيوسف -عليه السلام- وفراقه وهذا الزمن الطويل؛ فهذا هيج هذا وتَذَكَّرَ يوسف وقال : {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}, أي هذا تفجعٌ وتحسرٌ وهنا يتأسف والأسف والأسيف هو الحزن, أي يا حزني على يوسف وذَكَرَ يوسف بالذات لما توسم له مِن المكانة العظيمة, والنبوة العظيمة, كما قال له : {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ........ }[يوسف:6], {يَجْتَبِيكَ}, بالنبوة, {........ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[يوسف:6], قال إنَّ الله سيجتبيك بالنبوة, ويعلمك مِن تأويل الأحاديث فتأسف أسف عظيم جدًا أنه قد طالت غيبة يوسف عنه هذه الغيبة, {........وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[يوسف:84], {ابْيَضَّت عَيْنَاهُ}, عميت مِن كثرة الحزن والبكاء, قال : {فَهُوَ كَظِيمٌ}, أي كاظمٌ لغيظه لا يظهره بصراخ, أو بعويل, أو بسب, أو بشتم, وإنما هو كاظم حزنه في قلبه وقد تدمع عينه وأسفه على هذا النحو, وهذا أثَّرَ في أنْ عميت عيناه بهذا الحزن والبكاء المتواصل, {........وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[يوسف:84], قال له أبناؤه : {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}[يوسف:85], {قَالُوا تَاللَّهِ}, {قَالُوا}, أقسموا له, {تَاللَّهِ}, أي والله, {تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}, {تَفْتَأُ}, تظل أبدًا ما يمر عليك وقت إلا وأنت على ذِكْرٍ مِن يوسف مع هذه السنين الطويلة, {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا}, الحرض هو الذي قد هَدَّهُ الإعياء والمرض والحزن فلا تكون به حرارة, {........حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}[يوسف:85], تقتل نفسك, أنْ يُهْلِكَكَ هذا الحزن حتى تفتأ, حتى تموت, {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ........}[يوسف:85], أي على هذا النحو, وتتأسف لفقده, {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا}, أي ذابلًا فانيًا لا حركة بك, {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}, فقال لهم : {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ.........}[يوسف:86], أي شكايتي, البث هو ما في القلب مِن الهموم والآلام والحزن, قال : {إِلَى اللَّهِ}, أنا ما شكوت لكم أي أنا لا أشكو لكم, وإنما شكواي لربي -سبحانه وتعالى-, {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ........ }[يوسف:86], فهذا الذي أبثه شكواي إنما على الله, ولا أبث شكواي هنا وهنا, وأخاطب أبنائي والكل لا وإنما جعل حزنه وبثه ما في قلبه مِن الأحزان والآلام إلى الله -تبارك وتعالى-, {........وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[يوسف:86], {أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ}, مِن رحمته ولطفه وإحسانه وبره وحكمته -سبحانه وتعالى- في تصريف الأمور, ما لا تعلمونه أنتم, يقول ثقتي بالله ثقة عظيمة جدًا وأعلم منه أعلم منه باليقين مِن رحمته أشياء لا تعلمونها, فأنتم تظنون أنَّ أمر يوسف انتهي وكذا وكذا, وأنا ثقتي بالله وتوكلي عليه, ورغبتي فيما عنده هذه عظيمةٌ جدًا, {........وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[يوسف:86], ثم قال لهم : {يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}[يوسف:87], اذهبوا مرة جديدة, أمرهم أنْ يذهبوا, وأنْ يعودوا إلى أرض مصر مرة ثانية, وأنْ يكون مِن همتهم ليست الميرة هذه, وإنما قال : {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ}, والتحسس والتجسس بمعنى واحد وهو أنهم يحاولوا أنْ يَصِلُوا ولو بالسر ومعرفة الأمور مِن شأن يوسف, أي فتجسسوا في الناس وتحسسوا فيهم هنا وهنا بالسؤال, وما هو لما تم الأمر, {مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}, اليأس هو القنوط وانقطاع الأمل, {رَوْحِ اللَّهِ}, رحمته -سبحانه وتعالى-, أي لا تقطعوا الأمل في رحمة الله -تبارك وتعالى-, في أنْ يرد يوسف, وأنْ يرد أخاه عليكم, وأنْ يُخْرِجَه الله -تبارك وتعالى- مِن هذه المحنة بأمر عظيم لا نعلمه, {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}, ثم قال لهم : {........لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}[يوسف:87], الذي يقنط ويقطع الأمل في رحمة الله -تبارك وتعالى- الكافر؛ وذلك أنَّ الكافر لا بصيص مِن أمل عنده عند الله -تبارك وتعالى-, الله حَكَمَ عليه بالخلود في النار, وكذلك في الدنيا الكافر لا ينظر ولا يتوقع الرحمة مِن الله -تبارك وتعالى-, بل اعتماده على نَفْسِهِ وعلى الأسباب, ولا رجاء له عند الله -تبارك وتعالى- أما المؤمن لا, المؤمن لا يقطع رجاءه في الله -تبارك وتعالى- مهما كان فيه مِن الشدة والمحنة, فإنه لا يقطع رجاؤه في رحمة الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة, {........ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}[يوسف:87].

قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ........}[يوسف:88], أي سافروا مِن عند أبيهم بعد هذه الوصاية في أنْ يتحسسوا مِن يوسف وأخيه, وذهبوا إلى أرض مصر فدخلوا علي يوسف -عليه السلام-, قالوا له مخاطبين له مسترحمين, مستعطفين : {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}, المس الإصابة, {الضُّرُّ}, الضرر الشديد, ضياع يوسف الذي صار, وأخذ بنيامين بهذه التهمة التي اتُّهِمَ بها, حزن الأب المتواصل الذي تركوه, وكذلك ضر عظيم يبدو أنه كذلك مِن الفقر؛ ولذلك قالوا : {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ}, هذه المرة لما جئنا نشترى جئنا ببضاعة مزجاة, أي مبذولة نشترى بأي ثمن البضاعة فيه بضاعة صاحبها ضنين بها ولا يبيعها إلا مَن يشتريها بثمن مناسب عنده, وقد يغلي فيها فهذه بضاعة عزيزة على صاحبها, وتوجد بضاعة غير عزيزة على صاحبها, أي شيء يسير, كل مَن أراد أنْ يشتريها أزجاها لله, والإزجاء هو الدفع والإعطاء, قالوا : {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ}, مرغوب عنها, {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}, أوفي لنا الكيل إذا كلت لنا, {أَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}, أي زدنا؛ لأنَّ بضاعتنا التي نبذلها ثمن للقمح الذي سيأخذونه ما تساوي هذا فنحن بضاعتنا التي أتينا بها قليلة, فزدنا مِن عندك, {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}, رَغَّبُوهُ في ثواب الله -تبارك وتعالى-, وأنَّ الله يجازي عباده المتصدقين ,هنا وصل الأمر بهؤلاء الإخوة إلى مرحلة المسكنة, وطلب الرحمة, وطلب الصدقة, ووصل أمرهم إلى حده, لم يبقَ بعد ذلك في قوسهم كما يقال : سهم, ذهب يوسف منهم بعد أنْ تآمروا عليه وكان مِن شأنه, ما كان هذا العز والتمكين وذهب كذلك أخوهم بنيامين وأبوهم في ضر, وأصبح حالتهم حالة مكسورة هنا انتهى, وصل الدرس إلى آخره فعند ذلك قال لهم يوسف -عليه السلام- : {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}[يوسف:89] , هذه اللحظة المناسبة أنْ يكشف لهم عن نَفْسِهِ وعن حقيقته, {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ}, والسؤال هنا للتقرير لقد علمتم, {........مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}[يوسف:89] , وقوله لهم : {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}, كأنه تخفيف لذنبهم وتقديم العذر لهم, ما قال إذ أنتم مجرمون, إذ أنتم ظالمون, إذ أنتم معتدون, والحال أنها كل هذا كان منهم, أي هذا الذي فعلوه مع يوسف كان ظلمًا وإجرامًا كذلك, قالوا : {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ........}[يوسف:9], وتسببوا في هذه المأساة وكذلك كان مِن أخيهم فيه نوع مِن العجلة والتفريط فيه, أنهم بمجرد ما رأوا الأمر على هذا النحو أنه سرق اتهموه بالسرقة واتهموا أخاه بالسرقة, وأصبح نوع كذلك من التفريط في حقه, {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}[يوسف:89], وربما كذلك كانت لهم إساءة لأخيه كما كان مِن الحسد له مثل ما كان ليوسف -عليه السلام-, {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}, إنَّ هذا وقع منكم بالجهل, أي بجهلكم بحقائق الأمور أنكم فعلتم هذا, وقوله : {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}, تلطيف للأمر, أي فيه عتاب وتذكير, وفيه تلطيف لأمرهم, وإنَّ الذي حملهم على هذا إنما هو الجهل وحده وهذا أخف الأمور, أي أخف ذنب مِن الأمور, {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ........}[يوسف:90], سؤال هذا أمر لما قالهم هذا الأمر لا يقول هذا إلا يوسف؛ لأنَّ الذي علم هذا, فقالوا أنك أنت يوسف, فعند ذلك قال لهم : {قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}, أظهر لهم حقيقة أمره وأنه هو يوسف وأنَّ هذا أخوه, قال : {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}, نسب كل ما هم فيه مِن الخير والتمكين إلى الرب الإله -سبحانه وتعالى- {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}, مَنَّ على يوسف بأنْ نجاه مِن البئر, مِنَّة عظيمة درجه الله -تبارك وتعالى- سار في هذا المسار الذي فيه محنة تلو محنة تلو محنة إلى أنْ جعله الله -تبارك وتعالى- في هذا المكان مِن العزة والتمكين في دولة مصر, {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}, وهذا أخوه أصبح بجواره وزير له, وسند له في هذه المكانة كذلك, قال لهم : {........ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:90], خلاصة القصة, وخلاصة هذا الأمر, {إِنَّهُ}, الشأن والحال سنة عند الله -تبارك وتعالى-, {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ}, يتقي ربه؛ يخاف الله -تبارك وتعالى-, {وَيَصْبِرْ}, على ما يجريه الله -تبارك وتعالى- عليه مِن الابتلاء, {........فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:90], لا يضيع الله -تبارك وتعالى- أجره؛ لأنَّ هذا إحسان فتوى الله -تبارك وتعالى- هي الإحسان أنْ تعبد الله كأنك تراه والصبر مِن أعظم الإحسان, الصبر على الابتلاءات هذا هو الإحسان, {........فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:90], فعند ذلك أقر إخوته بفضله, {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}[يوسف:91], {قَالُوا تَاللَّهِ}, أي والله أقسموا بالله, {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا}, الأثرة هي التقديم, { آثَرَكَ اللَّهُ}, -تبارك وتعالى-, {عَلَيْنَا}, قَدَّمَكَ الله -تبارك وتعالى- علينا, وفضلك بما فضلك به علينا نحن, {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}, عند ذلك أقروا على أنفسهم قالوا : {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}, {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}[يوسف:91], اعتراف منهم بخطئهم فيما في هذه السجل الطويل مِن الأعمال التي عملوها في يوسف وفي أخيه, {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ........}[يوسف:92], {قَالَ}, أي يوسف, {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}, وقمة الخُلُق, قمة الأخلاق التثريب اللوم والتقريع, وذِكْر ما كان لهم مِن الإساءة وتأنيبهم على ذلك, {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}, أي لا أثرب عليكم فأذكركم بإساءتكم  وألومكم وأؤنبكم, قمة الأخلاق انظر ما صنعه به إخوانه ما تسببوا فيه, ثم يقابل كل هذه الإساءة بالإحسان, ومِن أول هذا الإحسان أنه لا يُذَكِّرَهُم بإساءاتهم, ولا يلومهم, ولا يؤنبهم على ذلك, {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:92], ثم سار بعد ذلك منه هو يقول ناسٍ إساءتي ومتجاوزٌ عنها, ولا ألومكم, لا آخذ حقي معكم لومًا وتقريعًا ثم بالنسبة لحق الله -تبارك وتعالى- قال : {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}, ذنبكم الذي أذنبتموه؛ لأنَّ كل خطأ يقع حق الله -تبارك وتعالى- خطأ يقع في حق الغير, مَن عَقَّ والديه, مَن أساء إلى إخوانه هذا أصبح في حقهم, حق الله -تبارك وتعالى- أولًا, ثم حق الغير  فهنا بالنسبة لحق العباد لابد مِن رده, وبالنسبة لحق الله -تبارك وتعالى- لابد مِن استغفاره هذا عند التوبة, ثم دعا لهم هنا فقال لهم : {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}, هذا حق الله -تبارك وتعالى- طلب مِن الله -جلَّ وعَلا- أنْ يغفر أي ذنبهم, {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}, -سبحانه وتعالى- وصف لله -تبارك وتعالى- بأنه الرب الإله الرحمن الذي لا أرحم منه -سبحانه وتعالى- قال : {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

ثم قال : {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}[يوسف:93], أمرهم يوسف, أعطاهم قميصه الذي لبسه وقتًا, وحمل شيئًا مِن رائحته وعرقه, قال : {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي........}[يوسف:93], الإلقاء معروف, {يَأْتِ بَصِيرًا}, أي أنَّ الله -تبارك وتعالى- يرد إليه بصره, قال : {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}, ارتحلوا جميعًا بكل أهلكم فهم وزوجاتهم وأبناؤهم جميعًا, وكذلك أبيه وأمه قال كلكم تعالوا بعد ذلك إلى أرض مصر؛ لتسكنوا فيها, واتركوا البادية؛ بادية الشام, وتعالوا هنا إلى أرض مصر.

نكمل هذا -إنْ شاء الله- في حلقة آتية, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.