الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (297) - سورة الرعد 11-14

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله والرسول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله -تبارك وتعالى- {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ(11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ(12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}[الرعد:11-13].

 هذه الآيات في سورة الرعد في سياق بيان صفات الرب -تبارك وتعالى- وقدرته على عباده -جل وعلا-، فيقول -جل وعلا- {لَهُ}، لهذا المخلوق الإنسان، {مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}، أرسل الله -تبارك وتعالى- إلى الإنسان معقبات من الملائكة؛ ملائكة معقبات، {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، أي الذي لم يرده الله -تبارك وتعالى- أن يصبه به، حتى يأتيه قدره فعند ذلك طبعًا يتركه الملائكة الذين يحفظونه من هذا الأمر الذي لم يرده الله أن يصبه، إلى قدره الذي كتب الله -تبارك وتعالى- أن يصاب به، ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، لا يغير ما بهم من نعمة مما أنعمها الله -تبارك وتعالى- عليهم إلا إذا غيروا أسبابها، التي هي الإيمان والطاعة، وكذلك لا يغير ما بقوم من نقمة ومن عذاب حتى يغيروا هم السبب الذي من أجله عاقبهم الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر، وهو كفرهم وعنادهم، وهذا بيان أن الله -تبارك وتعالى- من سنته الجارية أنه يثيب ويعاقب في هذه الدنيا.

كما قال -تبارك وتعالى- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل:112]، وقال -تبارك وتعالى- {........ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:17]، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ}، ذلك؛ بهذه العقوبة، جزيناهم؛ جزاهم الله -تبارك وتعالى- هذا الجزاء بسبب كفرهم، ثم قال -جل وعلا- {........ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:17]، هل نجازي؛ يعني بهذا الجزاء، بهذه العقوبة إلا الكفور، وكما قال –تبارك وتعالى- {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود:117]، بل بعد أن يدعوهم, فإهلاك القرى إنما يأتي بعد الكفر والعناد وإرسال الرسل، فالشاهد أن الرب -تبارك وتعالى- عقوبته ونعمه وإحسانه لأهل الأرض؛ من أهل الطاعة وأهل المعصية، إنما تكون بحسب السلوك الذي يسلكوه؛ الإيمان والطاعة أو الكفر والعناد، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ}، إذا أراد الله -تبارك وتعالى- بقوم سوء ولا يريد الله -تبارك وتعالى- بقوم سوء إلا لعنادهم ولكفرهم، عند ذلك يعاقبهم الله -تبارك وتعالى-، فلا يبدأهم بالعقوبة دون أن يكون قد ارتكبوا ما يوجب هذه العقوبة، كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:16]، لابد أن يكون يقع فسقهم وعنادهم أولًا، ثم يأتي تدمير الله -تبارك وتعالى- لهم، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ}، لا يستطيع أحد أن يرد عذاب الله -تبارك وتعالى-، لأنه أولًا ليس هناك لله ندا ولا كفوء يستطيع أن يمنع عذابه، وكذلك عباد الله -تبارك وتعالى- وعبيده لا يستطيع إذا صدر أمر الله -تبارك وتعالى- فلا شفاعة، لا يقبل الله -تبارك وتعالى- شفاعة أحد، حتى مهما كانت منزلته عند الله -تبارك وتعالى-، كما قال الله -تبارك وتعالى- في شأن إبراهيم لما استشفع في قوم لوط، قيل له {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[هود:76]، ثم إن الكفار مهما كانت لهم من القوة والمنعة والشدة لن يكون هذا مانعًا لهم من عقوبة الله -تبارك وتعالى-، قوم فرعون, قوم عاد الذين قالوا {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، الله -تبارك وتعالى- دمرهم بجند صغير من جنده؛ بريح، بريح؛ هواء، دمرهم الله -تبارك وتعالى- به، ثمود القبيلة القوية التي عتت عن أمر ربها وقتلت الناقة وقالت نحن ونحن ...، أهلكهم الله -تبارك وتعالى- بصيحة؛ صيحة ملك، صاح فيهم فإذا هم خامدون، قوم فرعون الذين طغوا وبغوا وظنوا أنه لا قوة لأحد في الأرض مثل قوتهم، وتجبروا على الله -تبارك وتعالى-، وقال كبيرهم أنا ربكم الأعلى وأنا خير من موسى وأنا وأنا وأنا ...، الله -تبارك وتعالى- ساقه إلى حتفه برجله؛ بظلفه، ذهب إلى حتفه، فساقه الله -تبارك وتعالى- وأتى وجنوده وأغرقهم في البحر، فهذا الرب -تبارك وتعالى- لا يستطيع أحد أن يمنع عقوبته –سبحانه وتعالى-، قارون الذي قال إنما أنا وأنا ...، إنما أوتيته على علم عندي، الله -تبارك وتعالى- خسف به الأرض، الأرض التي هو واقف عليها، يتجبر عليها ويفتخر عليها خسف به، الله يقول {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ}[القصص:81].

 إذن لا يستطيع أن ينتصر أمام الرب -تبارك وتعالى- لأن الله -عز وجل- أولًا ليس لأحد يد لأن يدفع عن نفسه عذاب الرب أو نقمته -سبحانه وتعالى-، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ}، من يستطيع أن يرد عقوبة الرب -تبارك وتعالى- إذا أرادها بقوم.

{وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}، وما لهم؛ لهؤلاء القوم الذين كتب الله عذابهم، من دونه؛ من دون الرب، غير الرب -تبارك وتعالى-، من وال؛ والي، ولي ينصرهم، يواليهم، ليس هناك أحد، لن يجدوا من دون الله والٍ، لن يقف في صفهم ملائكة الرب ولا رسله ولا أنبيائه ولا أي شيء، ولا هم في أنفسهم، جيوشهم، قوتهم، تستطيع مهما كانت بينهم من ولاية ونصرة فإنهم لا أحد يواليهم فينصرهم من الله -تبارك وتعالى-، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}[الرعد:12]، هو؛ الله -سبحانه وتعالى-، {الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}، هذه آية من آياته -سبحانه وتعالى-، والبرق معروف هذا الشرارة العظيمة التي تظهر عندما نرى السحاب يصطك بعضه ببعض، فتأتي هذه الشرارة التي تسير أحيانًا وتضيء ما تحتها، فإذا رأى الناس البرق يكون حالهم بين أمرين؛ الخوف من البرق، فإنه قد يكون مصحوب بصواعق، الصواعق هذه قد تحرق، قد تقتل، وكذلك المطر؛ جاء المطر، هذا بشرى في المطر، فيبقوا خائفين طامعين، خائفين من هذه البروق بما قد يصحبها من الحرق والصواعق، وطامعين في المطر الذي هو في العادة مصاحب لهذه البروق، {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ........}[الرعد:12]، انظر قدرة الرب -سبحانه وتعالى- وعظمته، والجمع بين الخوف والطمع هنا دليل على أن الإنسان هذا ضعيف، هذه كل حاجات الإنسان يعني خائف طامع، وهذه الصورة. الله -تبارك وتعالى- جمع فيها الأمر والأمر كله عنده، والأمر كله عنده وهو من فعله -سبحانه وتعالى-، فأنت يا إنسان خوفك إنما هو من أسباب مسببها الرب -تبارك وتعالى-، وطمعك عند أسباب أيضًا يسببها الرب -تبارك وتعالى، فهو يملك الأمر الذي منه تخاف وكذلك الأمر الذي تطمع فيه فكله عند الرب -تبارك وتعالى.

 {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}[الرعد:12]، ينشئها؛ يوجدها الله -تبارك وتعالى-، السحاب الثقال؛ السماء تكون صافية ليس فيها شيء ثم بعد ذلك نجد أن هذه تتجمع هذه السحب، من كل مكان ثم تصبح طبقات وتصبح سحب ثقيلة، محملة بملايين الملايين من أطنان الماء، أنشأها الله -تبارك وتعالى- وإنشائها أصبح معلوم للبشر، أنها أبخرة تخرج من هذا البحر الواسع المحيط من هذا الماء، تخرج أي تصعد إلى طبقات الجو، ثم يؤلف الله -تبارك وتعالى- بينه، فيجعله؛ يجعل هذا السحاب ركام، طبقات متراكمة بعضها فوق بعض، وهذا الركام يصبح فيه هذه السحب مشحونة والتي تحمل هذا الماء سحابة ثقيلة، تجد أحيانًا بعض السحاب من ثقلها بالماء تكون يعني تقترب من الأرض مما تحمله من هذا الماء، ثم لما تصب؛ أنظر تصب هذا الماء العظيم، الذي يغطي هذا الأرض يجري أنهار، انظر جريان كل هذه الأنهار الذي يجري كل هذه منها على هذه الأرض، كله نازل من السماء، {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}، الرب العظيم، الرب العظيم الإله الذي لا إله إلا هو؛ هذا فعله وهذا صنيعه، وكل هذه آيات، وكل هذه من آياته -جل وعلا-.

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}، هذا أيضًا آية من آيات الله -تبارك وتعالى- مصاحبة لهذا، البرق هذه الشرارة العظيمة من النار التي تنتشر في السحاب، طبعًا يصاحبها هذا مثل الإنفجار، يصاحبها هذا الإنفجار يصاحبه حدوث الرعد، صوت هذا الإصطكاك وصوت هذه الشرارة وهذا الإنفجار الذي يكون في السحب؛ نسمعه، طبعًا نرى البرق أولًا ثم نسمع الرعد بعد ذلك، لأن سرعة الضوء يعني الضوء أسرع من الصوت، الله -تبارك وتعالى- أخبر بأن هذا الرعد؛ هذا الصوت، الذي هو صوت هذا الاحتكاك وصوت هذا الانفجار الذي يحصل من البرق في السماء هذا يسبح بحمده، إما تسبيح بلسان المقال وإما تسبيح بلسان الحال، وهذا وهذا واقع، لأن كل شيء إنما هو مسبح بحمد الله -تبارك وتعالى-، ما من شيء خلقه الله -تبارك وتعالى- إلا وهو يسبح بحمده، السماوات، الأرض، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ........}[الحج:18]، هذا كلها مسبحها بحمد الله وساجدة لله، {........ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج:18]، فالله -تبارك وتعالى- الله يقول -جل وعلا- {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، فالرعد يسبح بحمد الله، إما صوته نفسه هذا تسبيح وإما من داخل الرعد ما يسبح بحمد الله -تبارك وتعالى-، تسبيح بحمده بلسان لا نعلمه وكذلك بالحال نفسه، لأن خالق هذا الخلق العظيم هذا كله لا شك أن هذا الخلق كل الخلق يسبح بحمد الله، تسبيحه بحمد الله شهادته بأن الله هو خالق هذا الخلق، وأنه لا ند له ولا شبيه له ولا نظير له، لأنه لو كان له شبيه ونظير لا يقوم الخلق على النحو الذي هو قائم عليه، فهذه شهادة حال، شهادة حال كل مخلوق شاهد بحاله أن له ربًا -سبحانه وتعالى- منزه للرب أن يكون له ند أو شبيه أو شريك.

 {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}، يعني يسبح حال كونه متلبسًا بحمده، التسبيح تنزيه الرب -تبارك وتعالى- عن كل ما لا يليق به، وأعظم الأمور التي ينزه الله -تبارك وتعالى- عنها الشبيه والند والشريك والولد والزوجة، ومن نسب لله شيئًا بهذا فقد شتم الرب -تبارك وتعالى- وكفر بالله -تبارك وتعالى-، ثم بعد ذلك كل صفات النقص التي تعتري المخلوق ينزه الله -تبارك وتعالى- عنها، من الغفلة، من النوم، من النسيان، من المرض، من الفناء، هذه كلها أمور تعتري المخلوق وكلها صفات نقص، والله -سبحانه وتعالى- منزه عنها -سبحانه وتعالى-، فيسبح وأما الحمد إثبات المحامد أنه الرب الإله الرحمن الرحيم -سبحانه وتعالى-، الغفور الودود.

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}، الملائكة يسبحون الله -تبارك وتعالى- كذلك من خيفته، يعني وهم يخافونه -سبحانه وتعالى-، فهم ذكرنا أنهم مشفقون في غاية الخوف والرعب من الله -تبارك وتعالى-، وذلك لأنهم أعلم المخلوقات بالرب -تبارك وتعالى-، الملائكة من أعلم بل لعلهم أعلم الخلق بربهم -سبحانه وتعالى-، لقربهم منه -سبحانه وتعالى- وأنهم في السماء ولعبادتهم العظيمة ولصفاء عنصرهم في الأساس، لأن الله خلقهم من النور، وسعة علومهم، فلكل هذا هم لما كانوا أقرب إلى الله وأصفى عنصرًا وأكثر طاعة لله كلما ازدادوا خوفًا من الله لأنهم أعلم بالله، لأنه كلما كان المخلوق أكثر علمًا بالله كلما كان أكثر مخافة من الرب -تبارك وتعالى-، {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}، قال -جل وعلا- {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}، يعني أن هذا من فعله كذلك، ومن صفة الرب -تبارك وتعالى- ومن أفعاله أنه يرسل الصواعق، الصواعق هذه الصاعقة هي هذا البرق الذي يصل بعد ذلك بشرره، بناره، إلى من شاء الله -تبارك وتعالى- أن يرسله في الأرض، الصاعقة تنزل على أحيانًا جبل تدكه، على عمارة تدكها، على إنسان تحرقه، فيرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، يصيب الله -تبارك وتعالى- بهذه الصواعق من يشاء الله -تبارك وتعالى- أن يصيبه.

ثم قال -جل وعلا- {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ}، بعد هذا الآيات العظيمة لرب السماء -سبحانه وتعالى- الكافر يجادل في الله، وجدال الكفار في الله جدالا طويلا كله نابع من الجهل والظلمة، يجادل في الله أنه لا يعيده مرة ثانية، أنه لا يقدر أن يخلقه، يجادل في الله أنه لم يرسل هؤلاء الرسل، أنه ليس له رسالات، يجادل في الله -تبارك وتعالى- أنه يجب أن لا يعبد وحده وإنما يعبد معه هذه الآلهة، يجادل في الله بأن يقيس الرب -تبارك وتعالى- على مخلوقاته، جدال الكفار في الله ظلمات لا تنتهي، {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ}، قال -جل وعلا- {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}، وهو؛ الرب -سبحانه وتعالى-، شديد المحال؛ المحال أصل المماحلة هي المعاندة والمقاومة والمدافعة، فإنسان إذا وصف الإنسان بأنه مماحل يعني أنه عنيد في خصومته، مدافع لعدوه، لا يمكن من نفسه، هذا بالنسبة للمخلوق. الله -تبارك وتعالى- لا شك أنه مهما عاداه من عاداه من خلقه فإنه لن يستطيع أن يضر الرب -تبارك وتعالى-، ولا أن يدفع عن نفسه عقوبة الرب -تبارك وتعالى-، فالله -جل وعلا- مهما كان الكفار من العناد ومن المكابرة ومن المدافعة للحق فإن الله -تبارك وتعالى- يهلكه، يزيله عن مكانه، يدفعه إلى حتفه بالطريق الذي لا يدري، تكون حتفه في هذا الأمر وهو يظن أن نجاته فيه، انظر إلى قوم عاد فإن الله -تبارك وتعالى- بما يظنونه هم الرحمة جاءتهم، يقول فلما رأوه؛ رأوا العذاب، {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}، فكانت النتيجة أن يكون هذا هو الهلاك، {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ........}[الأحقاف:25]، وانظر وانظر وانظر وانظر ...، كيف أخذ الله -تبارك وتعالى- الكفار تجد أنه أخذهم من حيث لا يشعرون ومن حيث لا يدرون وأحيانًا من مأمنهم، من مأنهم تأتيهم العقوبة، فالله -تبارك وتعالى- لا يستطيع أحد أن يماحله، ولا أن يروغ منه، ولا أن يدفع بأسه -سبحانه وتعالى-، فإن الله شديد عقوبته شديدة لكل من ظن أنه يعاند الرب -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}.

{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[الرعد:14]، له؛ لهذا الرب -سبحانه وتعالى-، {دَعْوَةُ الْحَقِّ}، إذا دعي الرب -سبحانه وتعالى- فإنه يستجيب، فمن دعاه دعى الحق، الله هو الحق -سبحانه وتعالى-، وبالتالي كذلك تكون دعوته حق، بأنه وجه هذه الدعوة إلى من يستحق -سبحانه وتعالى-، هو الرب القادر على الإجابة، فالله له دعوة الحق، الدعوة الحق وأنه هو الحق -سبحانه وتعالى- وأن من فعل هذا فعل الحق لأنه يستجاب له، لأن من دعى الله -تبارك وتعالى- استجاب الله -تبارك وتعالى- له، {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ}، أما الذي يدعى من دون الله والذين يدعون من دونه؛ يعني يدعون من دون الله، من هذه الآلهة الباطلة، من الشمس، من القمر، من الملائكة، من النجوم، من، من ...، مما اتخذه البشر آلهة من دون الله، من عيسى ابن مريم، من العزير، من الأولياء، من الصالحين، أي دعوة يدعوا بها المشرك ربه وإلهه غير الله -تبارك وتعالى- فيمن زعم أنه ربه وأنه إلهه غير الله -تبارك وتعالى-، الله يقول {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ}، لا يقدر يجيبك لأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلًا عن أن يملكه لعابده، ما يستطيع، فهذا الذي تدعوه من دون الله لا يستجيب لك، واحد دعى للشمس وجلس يسجد لها عند الشروق وعند الغروب ويدعوها ويناديها، ماذا تصنع لك! ما الذي بيد الشمس أن تصنع لك؟ غير الأمر الذي سخرها الله -تبارك وتعالى- وأقامها الله -تبارك وتعالى- فيه، دعى القمر، دعى الملائكة، دعى البشر، دعى الرسل، دعى علي، دعى الحسن، دعى الحسين، دعى الأنبياء، دعى الصالحين، دعى الأولياء، ماذا بيد هؤلاء حتى يعطوه لغيرهم؟ ليس بيدهم شيء، كل المخلوقين إنما هم محتاجون؛ فقراء إلى الله -تبارك وتعالى-، قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ........}[الأنعام:50]، قال {........ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188]، فكل ما يدعى، من يدعى من دون الله الذي هو الدعاء الذي لا يجوز إلا أن يكون لله -تبارك وتعالى-، من جلب الخير ودفع الضر، من الفوز بالجنة والنجاة من النار، مما لا يسأل إلا إلى الله -تبارك وتعالى- هذا ما أحد، قال -جل وعلا- {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ}.

ثم شبه الله -تبارك وتعالى-، ضرب الله -تبارك وتعالى- مثل لهؤلاء، قال {........ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[الرعد:14]، مثل في إستحالة أن يستجيب لهم هؤلاء، ضرب الله ذلك مثل وهو من يجلس على شفا بئر وينادي الماء، يقوله يعني اصعد لي أيها الماء أريد أن أشرب منك، فلو جلس وهو جالس على شفا هذا البئر وهو يدعوا الماء إلى الصعود ليشرب منه وجلس مئة سنة وهو يدعوا هذا فإنه لا يستجيب له، الماء لن يستجيب له ولن يطفوا بنفسه ولن يخرج بنفسه ويأتي ليستجيب له، فإذا كان الله يقول إذا كان الماء يستجيب لهذا الذي هو باسط كفه إليه ليبلغ فاه يبلغه، إذن لاستطاع هؤلاء أن يستجيب لهم آلهتهم، فمثله الله يقول -سبحانه وتعالى- {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ}، يعني يناديه أخرج لي تعالى لي، ليبلغ فاه، قال -جل وعلا- {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}، لأن الماء لا يستجيب بالدعاء، وإنما الماء يستجيب بسبب معين، يعني تذهب وتغرف من الماء وتشرب، أما بمجرد نطقك ودعائك له فإنه لا يستجيب لك، قال -جل وعلا- {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}، وما دعاء الكافرين؛ لآلهتهم التي يدعونها من دون الله، إلا في ضلال؛ دعاء ضال، لا يبلغ المقصود صاحبه، ولا يبلغ كذلك أذن من دعي به ونودي، وإن بلغ أذنه فإنه لا يفيده، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5]، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:6]، هذه صورة من صور ضرائر المشركين، وهو دعوتهم للأموات الذين لا يستجيبون لهم، وأنهم لو وقف على قبره يدعوه إلى يوم القيامة، {........ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5]، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً ........}[الأحقاف:6]، يكون هؤلاء أصحاب هؤلاء القبور إن كانوا من الصالحين يكونوا أعداء هؤلاء، {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}، يقولون ما شفناكم ولا كذا ولا أحسسنا بكم ولا نعترف بعبادتكم لنا، فالكافر كل دعائه في ضلال، الكافر دعائه لغير الله في ضلال وإن دعى من دعى، دعى الملائكة، دعى رسل، دعى أنبياء الله، دعى من دعى، كل من يدعى من دون الله -تبارك وتعالى- فلا شك أن داعيه إنما قد ذهب دعائه في ضلال، {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}.

نقف عند هذا -إن شاء الله-، ونكمل -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.