الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
يقول -تبارك وتعالى- {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49]، {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:50]، {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}[الحجر:51]، {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}[الحجر:52]، {قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}[الحجر:53]، {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}[الحجر:54]، {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}[الحجر:55]، {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:56]، {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}[الحجر:57]، {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}[الحجر:58]، {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ}[الحجر:59]، {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}[الحجر:60]، يخبر -سبحانه وتعالى- أنه هو الغفور الرحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم، قال لرسوله -صل الله عليه وسلم- {نَبِّئْ عِبَادِي}، النبأ؛ الخبر العظيم، {........ أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49]، هذا صفته -سبحانه وتعالى-، صفة رحمته وهذه الصفة مع أهل طاعته، كما بيَّن -سبحانه وتعالى- كيف يعامل أهل طاعته -سبحانه وتعالى- من عباده المتقين وكيف يعامل أهل معصيته من إبليس ومن تبعه من الغاوين، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49]، {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:50]، فجمع بين الأمرين، أن عذابه -سبحانه وتعالى- هو العذاب الأليم، لا عذاب يؤلم كعذاب الله -تبارك وتعالى-.
وهذه القصة؛ قصة ضيف إبراهيم هي من أثر صفتي الله -عز وجل-، المغفرة والرحمة للعباد المؤمنين والشدة والعقوبة للكافرين، قال {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}[الحجر:51]، نبئ عبادي كذلك عن ضيف إبراهيم، الضيوف الذين أضافهم إبراهيم وهم من الملائكة؛ جائوه بشرًا، {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا ........}[الحجر:52]، سلموا عليه، ظنهم أنهم بشر عابروا سبيل فأضافهم، {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}، وذلك بعد أن قدم لهم الطعام ضيافًا لهم، كما قال -جل وعلا- {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ........}[هود:70]، عند ذلك أخبروه، {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}، عندما رأى أنهم لم يأكلوا طعامه ورأى أيديهم لم تصل إلى الطعام عندما قدمه لهم، {قَالُوا لا تَوْجَلْ}، وجلون يعني خائفون، خاف منهم بعد أن قدم لهم طعامه فلم يأكلوا منه، {قَالُوا لا تَوْجَلْ}، لا تخف، {........ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}[الحجر:53]، يعني جئنا لنبشرك بغلام عليم يولد لك من زوجتك سارة، {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}[الحجر:54]، هل تبشروني وأنا رجل قد أصبحت كبير وزجته كذلك عقيم؛ فبما تبشرني، يعني ما حقيقة هذه البشرى التي تبشرنني بها؟ {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ}، البشارة هي الإخبار بما يسر، {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}[الحجر:55]، بشرناك بالحق الثابت الصحيح أن هذا الأمر لابد أن يكون، {........ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}[الحجر:55]، يعني اليائسين من رحمة الله -تبارك وتعالى-، لا تظن أنه قد كبر سنك أنه لا يتحقق وعد الله -تبارك وتعالى-، لا تكن من القانطين، {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:56]، لا يقنط من رحمة ربه؛ القنوط يعني إنقطاع الأمر والرجاء في رحمة الله، إلا الضالون؛ إلا من يضل، وهو ليس من الضالين بل من الأنبياء المرسلين المهتدين.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}[الحجر:57]، إطمأن إلى ما جائوا به وإلى الوعد الذي وعدوه به والبشرى التي بشروه بها، ثم سألهم عن وجهتهم أين ذاهبون، قال فما خطبكم؛ خطب الشأن والحال، يعني ما الذي أرسلتم له أيها المرسلون من الله، قالوا؛ مفصحين له عن وجهتهم، {........ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}[الحجر:58]، إنا أرسلنا بالبناء لما لم يسمى فاعله وهو الذي أرسلهم هو الله -سبحانه وتعالى-، لا يتنزلون إلا بأمر الله، إنا أرسلنا؛ أي من قبل الرب الإله -سبحانه وتعالى-، إلى قوم مجرمين؛ فاعلوا الإجرام، والإجرام هو الذنب العظيم، {إِلَّا آلَ لُوطٍ}، لوط وآله وهما إبنتاه، {........ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ}[الحجر:59]، سننجي لوط وأهله أجمعين، {إِلَّا امْرَأَتَهُ}، إمرأته من آله إستثنيت هنا، {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}[الحجر:60]، قدر الله -تبارك وتعالى- في قدره ومشيئته -سبحانه وتعالى- {........ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}[الحجر:60]، يعني من التي تترك، يعني سنخرج لوط هو وأهله من هذه القرية زوجته فيها، من الغابرين؛ من المتروكين في هذه القرية ليأخذها العذاب فيمن يأخذهم، قال -جل وعلا- {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ}[الحجر:61]، {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}[الحجر:62]، لما جاء آل لوط المرسلون؛ هؤلاء جائوه، {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}[الحجر:62]، يعني أنكر هيئتهم ومجيئهم عليه في هذا الوقت، وأخبر -سبحانه وتعالى- بأنه سيء بهم وضاق بهم ذرعًا، يعني سائه أن يأته وضاق بهم ذرعًا، يذرع المكان جيئة وذهابًا من ضيقه وذلك أنه يعلم أن قومه المجرمين لن يتركوهم وأنهم سيعتدوا عليهم، وظن أنهم بشر وقد جائوه بهذه الصورة الجميلة فخشي عليهم.
قالوا؛ أيه له، مخبرين عن وجهتهم وعن حقيقتهم، {قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ}[الحجر:63]، لقد جئناك بالذي كان يمترون فيه، يمترون؛ يشكون، الذي كانوا يشكون فيه وهو أن يأتيهم العذاب، وقد شكوا في هذا وردوا على لوط ردًا سيئًا أن هذا لا يستطيعه ولا يأتي به، {قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ}[الحجر:63]، {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ ........}[الحجر:64]، الثابت الذي ضد الباطل، {........ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الحجر:64]، فيما جئناك به، ثم أخبروه قالوا {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، قطع من الليل؛ عندما يمضي هزيع من الليل، في وسط الله أسري بأهلك، {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ}، كن أنت في إثرهم، أنت في الخلق وخليهم هم أمامك، {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ}، لا يلتفت منكم أحد إلى خلفه، ما ينظر إلى ما خلفه، حتى لا يحزن، لا يبتئس، لا يخاف من المجهول الذي هو قائم عليه، لا يتمنى العودة... لا، خلاص لا يلتفت منكم أحد، {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}، امضوا في طريقكم إلى حيث تؤمرون، يعني إلى حيث نأمركم به الذهاب إلى المكان الذي نأمركم بالذهاب فيه فإذهبوا فيه، فلم يبينوا لهم كذلك وجهتهم قالوا بس إنت خليك خلفهم وامضوا حيث تؤمرون، قيل أنهم سير بهم إلى الشام وهم في غور الأردن إلى جهة الشام.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ}، قضينا إليه يعني أنهينا إليه وأخبرناه بالأمر المقضي عند الله -تبارك وتعالى-، ذلك الأمر اللي هو هلاك قومه، {........ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}[الحجر:66]، أن دابر؛ الدابر هو أخر شخص يكون في دبر القوم، يعني الذي يسير في آخرهم، مقطوع مصبحين؛ وإذا قطع دابر القوم فقد إستئصلوا جميعًا، لأن الجيش إذا قابل جيشًا فقتل المقدمة ثم الوسط ثم ثم ...، إلى آخر واحد في آخرهم يبقى إستئصلهم جميعًا، فدابر هؤلاء يعني آخر فرد فيهم مقطوع مصبحين، يعني أنهم سيستأصلون إستئصالًا كاملًا، مقطوع؛ منتهي عن هذه الأرض، مصبحين، عندما يدخلوا في الصباح، عندما يبدأ الصباح فعند ذلك سيقطع دابر هؤلاء؛ هذا موعدهم، هذا قيل ليه، يعني هذا ما حتمه الله -تبارك وتعالى-، وهذا الإخبار من الله -تبارك وتعالى- بما سيكون وبالنهايات.
ثم شرع الله -تبارك وتعالى- يبين بداية القصة، كيف أتى هؤلاء على لوط وكيف فاوضهم، وهذا ليظهر لكل ناظر كيف أن الكافر أعمى، حم القضاء وجاء الهلاك وهؤلاء الملائكة قد أتوا بالهلاك ومع ذلك يظل الكافر في عماه إلى اللحظة الأخيرة، التي ينزل فيها عذاب الرب -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ}[الحجر:67]، أي عند مجيء ضيفي لوط -عليه السلام-، عندما جائوا وتسامع بهم أهل القرية جائوا من كل مكان، هرع عليه قومه من كل مكان يظنوا أنه في الأمر صيدة جديدة، وقد جاء صيد ثمين ليعتدوا عليه، قال {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ}[الحجر:67]، يستبشرون بالخبث والإجرام وبفعلهم القبيح، أن فيه بشرى هذي فيه، قد نزل عند لوط شباب جميل وضيف لا حماية لهم هنا فليقطعوا طريقهم، قال لهم لوط -عليه السلام- لقومه طبعًا أن يخبره هؤلاء الملائكة بحقيقتهم، يعني إن القصة فيها تقديم وتأخير، {قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ}[الحجر:68]، إن هؤلاء الذي نزلوا في ضيوفي فلا تفضحون في؛ تعتدوا عليهم، وتأخذوهم وتعتدوا عليهم وبالتالي يعني أهان وترتكب الجريمة في حق أضيافي، فلا تفضحون؛ فضيحة تصبح فضيحة لي، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ}[الحجر:69]، اتقوا الله؛ خافوا الله -تبارك وتعالى-، ولا تخزون، تجعلوني أشعر بالخزي والعار، عندما يعتدى علي وعلى أضيافي على هذا النحو، قالوا له هؤلاء المجرمين {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}[الحجر:70]، يعني قد سبق منا أن نهيناك عن العالمين، كل الناس، ألا تتعرض لأحد، ولا تحمي أحد عندك، هذي وجهتنا وديَّت، {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}[الحجر:70]، عن الناس كلهم أن تتعرض لأحد أو أن تحمي أحد في بيتك، {قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}[الحجر:71]، هؤلاء بناتي؛ قال أهل العلم تزوجهم، يعني إذا كان بهذا ديَّت، كان لكم نظر في هذا أنا أزوجكم بناتي، هؤلاء بناتي؛ بنات هذه الأمة، كما قال لهم {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:165]، {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء:166]، {قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}[الحجر:71]، قال الرب -تبارك وتعالى- {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:72]، يقسم الله -تبارك وتعالى- بعمر النبي -صل الله عليه وسلم-، {........ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:72]، سكرتهم؛ ذهابهم عن الحق، كالذي شرب خمر وغطت عقله، هؤلاء الملائكة جائوهم بالعذاب والنكال وهم مع ذلك في هذا الغياب عن الأمر ويريدون العدوان عليهم، {........ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:72]، السكرة؛ ذهاب العقل بحال النشوى والسكر، يعني فيما هم فيه، يعمهون؛ هو العمى، من يولد أعمى فهو أعمه، لم يرى شيئًا قط ولا يعرف شيء، يعمهون؛ يسيرون في ظلمة عيونهم، لا يهتدون بشيء.
قال -جل وعلا- {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ}[الحجر:73]، أخذتهم الصيحة؛ صحة الملك، مشرقين؛ عندما دخلوا في الشروق، دخل شروق الشمس فصاح فيهم الملك صيحة واحدة فأهلكهم جميعًا، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ}[الحجر:73]، {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}، جعل الله -تبارك وتعالى- أعالي ما في هذه القرى في الأسفل، يعني أنه نكسها على رؤوس أصحابها، أفكها الله -تبارك وتعالى- فهي المؤتفكات، حملها جبريل؛ وضع طرف جناحه تحت هذه القرى، ثم حملها ثم أفكها على رؤوس أصحابها، فأصبح الأعالي هي الأسافل، والأسافل اللي كانت في الأرض هي الأعالي، {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}[الحجر:74]، أمطرنا عليهم؛ يعني نزلت عليهم حجارة، يعني كنزول المطر متتابعة، من سجيل تلحق كل واحد منهم يعني يلحقه حجره فيقتله، سجيل؛ حجارة مسومة عند الله -تبارك وتعالى- من حجارة النار، قال -جل وعلا- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر:75]، إن في ذلك؛ في كل هذا الذي أخبر الله -تبارك وتعالى- عنه، لآيات؛ مو آية واحدة، للمتوسمين؛ من هذه الآيات، أن الله -تبارك وتعالى- بالمرصاد، أنه ينجي أوليائه ويعتني بهم -سبحانه وتعالى-، انظر لوط ولي الله -تبارك وتعالى- وأهله المؤمنين أولياء لله -تبارك وتعالى-، خلصهم الله -تبارك وتعالى- وأنقذهم من العذاب وأخذهم بعيدًا عنه، أنزل الله -تبارك وتعالى- عقوبته بهؤلاء المجرمين وإستأصلهم الإستئصال الكامل، لم يعجزوه -سبحانه وتعالى- ولم يفته أحد، ما فات منهم أحد كلهم، أبقى الله -تبارك وتعالى- أثر هذا العذاب وإلى اليوم باقي للأجيال لتنظر إليه وتطالعه.
قال -جل وعلا- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر:75]، التوسم هو العلم بالوسم، الوسم؛ العلامة، فهذي علامة موجودة في الأرض، لكن من يستفيد بهذه العلامة، هو الذي يستفيد بها، البحر الميت هذا علامة عظيمة موجودة في هذه الأرض، يراها كل من يذهب ويطالعها ومن ينقل إليه صورتها، عندما يقف أمام هذا ويرى هذا هذي آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، وكونه آية من آيات الله -تبارك وتعالى- انظر ماذا هذا المطر الخبيث الذي أسقطه الله -تبارك وتعالى- على هؤلاء، وهذا الهلاك المبين الذي أهلك الله -تبارك وتعالى- به هذا القوم، هذا المطر هو يخالف كل ما موجود على سطح هذه الأرض، فإن أي ماء موجود على سطح هذه الأرض ملحًا كان أو عذبًا يوجد الله -تبارك وتعالى- فيه الحياة، حياة متعددة الأشكال والألوان، من الخلية الواحدة من الحيتان الكبيرة إلى الضفادع إلى إلى ...، إلى البرمائيات، إلا هذا الماء الخبيث فإنه ماء عقيم لا تتولد فيه حياة قط، والحياة في أول صورها من خلية واحدة ولا صحلبة ديَّت، ولا نبتة فهو ماء عقيم، هذي آية من آيات الله -تبارك وتعالى- على الأرض جعلها الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر:75]، الذين يعلمون بالوسم وبالعلامة، ويرون هذه أمور علامات ومنارات أقامها الله -تبارك وتعالى- لتكون لكل من يتوسم ويعرف الأمور بعلاماتها وبإشاراتها فيعلم من آيات الله -تبارك وتعالى- ما علم، يعلم قوة الله وعقوبته وشدته -سبحانه وتعالى- عندما ينزلها على الكفار كيف ينزلها، ورحمته -سبحانه وتعالى- عندما يرحم عباده -سبحانه وتعالى-، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49]، {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:50].
قال -جل وعلا- {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ}[الحجر:76]، إنها؛ يعني هذه القرى، وما أبقى الله -تبارك وتعالى- فيها من أثر العذاب من آثار العذاب، لبسبيل؛ طريق، مقيم؛ قائم موجود، ما عفيت أثره وإنتهى، وإنما هو طريق باقٍ يمر عليه الناس في سفرهم جيئة وذهابًا، {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ}[الحجر:76]، قائم، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}[الحجر:77]، إن في ذلك؛ إبقاء الله -تبارك وتعالى- لهذه الآثار، آية كذلك للمؤمنين يتعظون بها ويعتبرون، ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- آية أخرى مجاورة لهذه الآية، قال {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ}[الحجر:78]، وكذلك إن كان أصحاب الأيكة؛ الأيكة هم أهل مدين، الذين أرسل لهم شعيب -عليه السلام- سموا أصحاب الأيكة، قيل الأيكة هي الشجر الكبير الملتف، فهل هي بلادهم فيها هذا؟ أو أنهم يعبدون كانت هذه هناك أيكة مثلًا يعبدونها، سموا أصحاب الأيكة، لظالمين؛ ظالمين لأنفسهم، بصنوف الظلم الذي أخبر الله -تبارك وتعالى- أن نبيهم شعيب نهاهم عنه، من تطفيهم للميزان وبخسهم للناس أشيائهم، من شركهم بالله -تبارك وتعالى-، {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ}[الحجر:78]، يخبر -سبحانه وتعالى- بأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم بهذه الصنوف من صنوف الظلم، قال -جل وعلا- {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}، بالعقوبة، أنزل الله -تبارك وتعالى- فيهم نقمته على ذنوبهم التي إرتكبوها، {........ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}[الحجر:79]، إنهما؛ قرى لوط ومكان أصحاب الأيكة، بإمام؛ الإمام هو الطريق الظاهر، سمي إمام لأنه يقتدى به؛ يسار فيه، مبين؛ بيِّن واضح، ففي طريق وفي طريق العرب وفي طريق قريش التي تذهب إلى الشام من هذا الطريق وتعود كذلك من هذا الطريق، فيمرون على قرى لوط المهلكة ويمرون على أهل مدين، {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ}[الحجر:78]، {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا ........}[الحجر:79]، يعني مكان أصحاب الأيكة ومكان قرى لوط {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}.
ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- العرب كذلك بقوم أخرين أهلكوا وهم في الطريق، كذلك هم في طريق العرب القريشيين ذهابًا إلى الشام وإيابًا منها، قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}[الحجر:80]، كذلك أصحاب الحجر، الحجر؛ حجر ثمود، وهي في الشمال الغربي للجزيرة بين المدينة وبين الشام، ديار ثمود معروفة ليومنا هذا، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}[الحجر:80]، وقال الله -تبارك وتعالى- المرسلين وإن كان الله -تبارك وتعالى- قد أرسل لهم مرسل واحد؛ نبي واحد هو صالح -عليه السلام-، لكن تكذيب رسول واحد تكذيب لكل الرسل لأن كل الرسل جائوا بمقالة واحدة، كل الرسل الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى- إنما أرسلوا بأمر واحد، هو الدعوة إلى الإله الواحد الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-، فهي دعوتهم واحدة، فمن كذب صالح كذب كل المرسلين، من كذب نوح كذب كل المرسلين، تكذيب محمد -صل الله عليه وسلم- تكذيب لكل رسل الله -جل وعلا-، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}[الحجر:80]، {وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}[الحجر:81]، آتيناهم؛ أعطيناهم، آياتنا؛ الدلالات الواضحات على قدرة الرب -تبارك وتعالى-، ومن ذلك ما إقترحوه هم؛ وهي الناقة، التي أخرجها الله -تبارك وتعالى- لهم من الصخر، كما قال لهم نبيهم قال يا قوم {........ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأعراف:73]، {وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}[الحجر:81]، عن هذه الآيات، معرضين؛ يعني معطين عرضهم لها، تاركين آيات الرب -تبارك وتعالى-، لا يأخذوها، لا يتفكروا فيها، لا يؤمنوا بها، {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ}[الحجر:82]، النحت هو يعني الشق، من الجبال بيوتًا؛ يجعل بيته في داخل الصخر، ومازالت بيوتهم لليوم منحوتة في داخل الصخور، قدرة عظيمة جدًا، يأتون إلى الصخرة العظيمة تكون بالوادي مقطوعة من الجبل، فينحت من هذا الجبل ويني بيته متعدد الغرف داخل هذه الصخرة، أو في سفح الجبل وفي حضن الجبل يصعد إلى الجبل ثم ينحت البيوت في داخل الجبال، {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ........}[الحجر:82]، لهم، بيت سمي بيت لأنه هو سكن يبيت فيه، آمنين؛ آمنين من الآفات وآمنين من الشر، قوة وديَّت وديَّت ...، ففي أمن وفي سلام يعيشون، لكن كذبوا وإعتدوا على رسولهم وتآمروا عليه وأرادوا أن يقتلوه وفعلوا ما فعلوا، وقاموا عقروا ناقة الله -تبارك وتعالى- بعد تذكير الرسول لهم.
قال -جل وعلا- {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}[الحجر:83]، أخذتهم؛ أهلكتهم، الصيحة؛ صيحة الملك، صاح فيهم صيحة واحدة، مصبحين؛ يعني وهم داخلون في الصباح، أول ما دخلوا في الصبح جائهم ملك صاح فيهم الصيحة، فكانوا كما قال الله -تبارك وتعالى- {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}، إن كانت إلا {........ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31]، الهشيم المحتظر يعني النبات، النبات إذا وضع وإحتظر سنة في الحظيرة فإنه يتهرى وتنفصل أجزائه عن بعض؛ تنقطع، كانت هذا حالهم، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}[الحجر:83]، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الحجر:84]، ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون، إما ما للسؤال؛ يعني ما الذي أغنى عنهم الذي كسبوه في هذه الدنيا؟ أو ما النافية، ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون شيئًا، يعني أنه لم ينفعهم الذي كسبوه من القوة والمال والمتاع ونحت البيوت والتباهي بما عندهم من التمكين، كل هذا لم يغنى عنهم شيئًا، يغني عنهم؛ ينفعهم ويدفع عنهم عذاب الله -تبارك وتعالى- ويبقيهم في هذه الدنيا كما يشائون، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الحجر:84]، لم ينفعهم شيء من ذلك.
هذه ثلاث أمم أهلكها الله -تبارك وتعالى- وكلها متجاورة في الزمان والمكان، متجاورة في الزمان والمكان، يذكر الله -تبارك وتعالى- بها هؤلاء العرب الذين أرسل فيهم النبي -صلوات الله والسلام عليه-، قرى لوط وكيف أهلكهم الله -تبارك وتعالى- وهذه آثارهم، وبجوارها هنا مدين وكيف أهلكها الله -تبارك وتعالى- وهذا مكانهم، والحجر؛ حجر ثمود، هذا مكانهم وهذه ديارهم وهذه آثارهم باقية، وكأن الرب -سبحانه وتعالى- عندما يخاطب هؤلاء العرب يقول لهم ماذا تنتظرون؟ يعني ماذا تنتظرون عن الكفر إلى هلاك وإستئصال كما إستئصل الله -تبارك وتعالى- هؤلاء، وإن تؤمنوا فإن رحمة الله -تبارك وتعالى- الذي أنجى عباده المؤمنين في هؤلاء ينجي كذلك عباده المؤمنين مع نبيه محمد -صل الله عليه وسلم-.
في ختام السورة الله -تبارك وتعالى- أعطى المؤمنين ختام عظيم جدًا، وهو في بيان حكمته -سبحانه وتعالى- في خلق السماوات والأرض، ومجموعة نصائح للنبي -صلوات الله عليه وسلم- بالسياسة التي يجب أن يتخذها حيال هؤلاء المكذبين المعاندين، فقال -جل وعلا- في أولها {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}[الحجر:85]، وهذه المواعظ للنبي وللمؤمنين، نأتي لها -إن شاء الله- في حلقة آتية، أقول قولي هذا، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.