الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[النحل:66]، {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[النحل:67]، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}[النحل:68]، {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:69]، هذه الآيات من سورة النحل في سياق إنعام الله -تبارك وتعالى- على عباده وإفضاله، فاصل من هذه السورة، وهذه السورة الغالب فيها تذكير الله -تبارك وتعالى- عباده بما أنعم -سبحانه وتعالى- عليهم من النعم وخلق لهم من هذا الخلق العظيم، وعقد مقارنة بين هذا الإنعام والإفضال من الرب -سبحانه وتعالى- وبين هذا الخلق البديع العظيم، وبين الآلهة المدعاة التي يعبدها الكفار من دون الله -تبارك وتعالى-، وأنها لا تخلق شيئًا وليس لها نفع ولا تملك دفع ضر عن عابدها، ومع ذلك فإن الكافر والمشرك ينتقل إلى هذه الآلهة فيعبدها ويصرف لها ما رزقه الله -تبارك وتعالى- قربة لها، ويترك عبادة الرب الواحد الأحد -سبحانه وتعالى-.
فالله يقول -جل وعلا- {وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}، ما المطر، {........ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[النحل:65]، هذا من يقدر عليه إلا الرب الإله -سبحانه وتعالى-، {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}، تذكرة وإعتبار ونظر لكن لأهل النظر، {........ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[النحل:66]، من بطن الأنعام يخرج لبن خالص مع أن هذا البطن فيه مسارات عظيمة، مسار للدم ومسار إلى البول والمثانة ومسار للفرث والفضلات إلى المخرج، هذي ديَّت، ثم إن الله -تبارك وتعالى- يخرج من هذا الأخلاط العظيمة يخرج لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، من يقدر على ذلك إلا الرب الإله -سبحانه وتعالى-.
قال -جل وعلا- {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ........}[النحل:67]، من ثمرات النخيل؛ بدءًا من بثرها، رطبها، تمرها، والأعناب؛ من ثمرات الأعناب، بدءًا من الحصرم فإن الناس يتخذون منه أنواع من الطعام، إلى العنب الناضج، إلى بعد ذلك الذبيب؛ العنب عندما يجف، فمن ثمرات النخيل تتخذون منه سكرًا؛ سكرًا يعني مسكرًا، وجاء هذا في معرض الإمتنان، هذه الآيات مكية وذلك أن العرب كانت تجعل الخمر هي أعظم رزقها وأعظم متاعها ويتغنون بها في صدر قصائدهم، فالقصيدة الشعرية تبدأ بالغزل، بكاء الأطلال ثم بالخمر ديَّت، فالخمر هي حديثهم وهي منتهى وغاية شهواتهم ومرادهم، ويقولون في وصفها ((ونشربها فتتركنا ملوكًا وأسدًا لا ينهنهها اللقاء، فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير، وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير))، فهي نشوتهم، فجائت هنا في مجال الإمتنان بما يصنعونه، قال {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، ورزقًا حسنًا؛ من الإدخار هذا وتحويل ديَّت، الذي يصنعونه من الحلوى ومن المربيات ومن غير هذا رزق حسن يتخذ من ثمرات النخيل والأعناب، الأشربة؛ أنواع من الأشربة، وأنواع من الأطعمة، فهذي رزق حسن، وقول الله رزق حسن هنا في مقابل السكر فيه بيان أن السكر كذلك إنما هو من الفعل غير الحسن، لأنه تحويل لهذه النعمة إلى غيرها؛ إلى ألا تكون حسنة، لكنهم يرون هذا من أعظم النعم، قال {........ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[النحل:67]، إن في ذلك؛ يعني في خلق النخيل والأعناب، وتيسير ثمراتها على هذا النحو للعباد بما فيها من هذه المنافع والفوائد العظيمة، فهي هذه الأعناب والتمر يعني شفاء في الأشفية، غذاء في الأغذية، شراب في الأشربة، طعام في الأطعمة، هذا أمر عظيم جدًا، مع سهولة حفظها وإدخارها وبقائها من العام إلى العام، ومن كذلك إستقلال الإنسان على أن يعيش عليها فممكن أن يعيش الإنسان على التمر والماء وعلى الذبيب والماء، ممكن أن يعيش أيامه بل سنته على هذا الأمر، فما فيه من هذه الفوائد العظيمة يقول الله -جل وعلا- والله خالقها -سبحانه وتعالى- {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ}، أي خلقنا لكم ويسرنا لكم، {........ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[النحل:67]، إذا كان عندهم عقل يفكرون به وأن الرب الإله -سبحانه وتعالى- هو الذي صنع ذلك وخلق ذلك.
أيضًا آية ونعمة عظيمة أخرى من نعم الله -عز وجل-، قال -جل وعلا- {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}[النحل:68]، قال {وَأَوْحَى رَبُّكَ}، الوحي في لغة العرب هو الإعلام بطريق خفي، والله -تبارك وتعالى- أوحى إلى النحل، النحل مخلوق صغير، ذباب من ذباب هذه الأرض، لكنه أنفع ذباب الأرض، أنفع حشرات الأرض، من حيث نفعه للإنسان، أوحى له الله؛ أعلمه الله -تبارك وتعالى- بطريق خفي، أعلمه الله هذه الأمور مو وحي للرسالة وإنما وحي الإعلام لهذه؛ لطرق المعيشة التي يعيشها ويحياها، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}[النحل:68]، {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:69]، أول شيء إتخاذها من الجبال بيوت، لو على كلمة الوحي وأوحى ربك إلى النحل، لو أردنا أن نجمع كل علوم النحل؛ علم النحل، يعني ما تصنعه النحلة أو خلية النحل نفرغ هذا النظام، النظام هذا المعيشة والنظام اللي عندها كله نفرغه لوجدنا أكثر من مجلد يحوي علم النحل، فما دخل في هذا العلم؛ كيفية بنائها لمساكنها، وأنها إختارت النظام المسدس الذي إذا وضع بجوار بعضه على بعض لا يترك فجوات، فإذن ما في أي إضافة وفضلة في الصناعة، وإنما الجدار الذي تصنعه النحلة لبيتها المسدس الذي تضع فيه بيضها وكذلك تخزن فيه العسل وتخزن فيه حبوب اللقاح ما فيه جزء صغير هدر، لو كان مدورًا، لو كان على شكل دائري لكانت هناك فيه زوايا في كثير جانب من البناء مهدر لا نفع له، وكذلك المربع لا يكون فيه فراغات ولكنه لا يكون فيه إستدارة، فإن المربع غير مستدير وبالتالي لا يصلح لليرقة التي تكون في داخلها، اليرقة تريد أن يكون شيئًا مستديرًا، فأقرب شيء مستدير إلى الدائرة هو المسدس.
صناعة النحل يصنع بيته من الشمع ويجمع الحيق؛ الذي هو العسل، ويجمع حبوب اللقاح التي هي غذائه، وكذلك يستخرج من جهاز العصبي غذاء خاص؛ هو غذاء ملكات النحل، هذي أربع أشياء يصنعها النحل، النحل يعيش جماعة إذن لابد من لغة للتفاهم، النحلة تعيش بحدود أربعين يوم؛ خمسة أسابيع تقريبًا فترة حياتها، في هذي الفترة أسبوع تتعلم فيه، عندما تخرج تأخذ أسبوع تدريب ففي نظام للتدريب، بعد ذلك الأسابيع الباقية تشتغل فيها؛ تعمل فيها، عمل الذكور، عمل الشغالات، عمل أم النحل وهي اليعسوب؛ ملكة النحل، كلٌ له عمل وله نظام، كيفية جمع الرحيق، كيفية التخزين، كيفية التهوية، كيفية التشميع، بعد ذلك إذا ملأت الخلايا بالعسل كيف تجعل طبقة للشمع حتى تحفظ مخزونها من العسل، كيفية الحماية، فإن هذه تحتاج إلى حماية، في حراسة من أعداء، كيف تجابه هؤلاء الأعداء، الشاهد أننا لو جمعنا علم النحلة نجد أنه نحتاج إلى مجلد تقريبًا من العلوم والنظام الذي تكون، مجموع هذا إنما هو مما أوحاه الله -تبارك وتعالى- وألهمه إلى النحل، إذن هذا المخلوق الضعيف كيف أوحى الله -تبارك وتعالى- له بهذه العلوم التي يسير فيها، يصنع، يدخر، يفعل، يسير في هذا النظام البديع الذي أقامه الله -تبارك وتعالى- فيه، ويقول أهل الإقتصاد النحل هو أعظم مخلوق إقتصادي في الكون؛ في الأرض، فإنه لا يتلف أي مادة خام، يعني المادة الخام الذي يأخذها وينتج منها العسل؛ العسل هذا ده المنتج، لا يتلف أي مواد خام حتى يحولها إلى العسل، وإنما يأخذ هذا العسل يجمعه رحيقًا من الزهور، لا يكسر زهرة ولا يتلفها، بل هو نافع في إنتقاله من زهرة إلى زهرة يحمل حبوب اللقاح من هنا إلى هنا، من الزهور المذكرة إلى المؤنثة فهو نافع، ثم هو أقوى مخلوق لأن النحلة تحمل ثماني أضعاف وزنها، ولا يوجد مخلوق في الأرض يستطيع أن يحمل ثماني أضعاف وزنه، ثم مع أنه لا يتلف أي مواد ليصنع عسله يخرج أفضل منتج موجود على ظهر هذه الأرض لعله من الأطعمة، له هو؛ للنحل، وللإنسان الذي يأخذ هذا، ثم إنه دءوب، فإن النحلة حتى تجمع كيلو واحد من العسل لو نحلة واحدة تحتاج إلى أربع ملايين خرجة، تخرج أربعة ملايين مرة لتجمع هذا، وانظر ما هذه الأطنان الهائلة الهائلة الهائلة التي يأخذها البشر من هذا، والمنتج في النهاية هو غذاء مع الغذاء وشفاء مع الشفاء وشراب في الأشربة وتفكه عظيم ومتعة عظيمة في طعمه.
فالله يقول {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، فوحيه علم، علم عظيم يقوم به النحل، {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}، بنفسها هذه، هذي بنفسها النحل البري الذي هو يذهب إلى الجبال، شعب الجبال ويتخذ من الكهوف ومن حول الصخور يتخذ بيوت له في الجبال، {وَمِنَ الشَّجَرِ}، وكذلك تسكن في الشجر، تذهب إلى الشجر وتبني بيتها فيه، {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}، لكي، فهو حيوان مستأنس بري، النحل بري يشتغل وحده وينظم حياته وحده، وكذلك مع فعل الإنسان يستأنسه الإنسان ويأتي يبني له خلاياه من الطين أو من الخشب الآن أو من غير ذلك ويسكنه فيه، {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}، لكي، وقول الله -تبارك وتعالى- {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}، يدخل فيه كل ما يصنعه الإنسان للنحل، حتى أنهم الآن يصنعون للنحل أحيانًا خلايا من الزجاج.
{ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}، ثم كلي من كل الثمرات وهذي خاصية النحل، سبحان الله العظيم، فإنها تقع على كل الزهور، كل ثمرات الزروع والشجر ديَّت، من النبتة الصغيرة؛ الزهرة الصغيرة في الزرع الصغير، إلى شجرة الثمر؛ الشجرة الصلبة القوية، التي لها زهرة صغيرة في النظر وفي العين تافهة، ولكن تخرج منها عسل، {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا}، اسلكي؛ ادخلي وسيري، في سبل ربك؛ الطرق التي يسرها الله وخلقها الله -تبارك وتعالى- لها، ذللًا؛ دللًا للنحل، فالنحل مذلل للإنسان، انظر للإنسان يستأنسه ويربيه في خليته ثم ينقل هذه الخلية من مكان إلى مكان، ويتركها فيشتغل النحل، ثم ينقلها إلى مكان أخر فيشتغل، فهو مذلل له؛ مذلل للإنسان، يفتح النحال خلية النحل وينظم أحيانًا بنفسه شيء، يقلل مثلًا من الذكور أحيانًا، يزيد من نشاط الخلية لتنتج غذاء الملكات، يفعل هذا ومع ذلك يستجيب له، لإرادة الإنسان وما يريده من النحل، ذللًا؛ مذلل، أو أن الله -تبارك وتعالى- ذللًا للسبل، يسر الله -تبارك وتعالى- لها هذه السبل التي تعمل فيها، {ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}، يخرج من بطون النحل شراب، بطون النحل وكيس العسل يكون تحت؛ في بطن النحلة، شراب؛ سماه الله -تبارك وتعالى- شراب لأنه سائل، قال -جل وعلا- {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}، واختلاف الألوان كذلك فيه تكثير وتجميل وتنويع، واختلاف أنواع العسل اختلاف عظيم، فإنها من الأبيض الناصع البياض اللي هو كالحليب إلى الأسود الغامق الداكن وما بينهما، من الأصفر، من المائل إلى الخضرة، من البني ديَّت، من الأبيض الشفاف الذي ديَّت، من الشفاف، وبينها ديَّت إلى الأحمر، هذه الدرجات من درجات اللون بدءًا بالأبيض الناصع البياض إلى الأسود غامق السواد.
{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}، قال -جل وعلا- {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، فيه شفاء؛ نكرة، للناس، وقد جاء الحديث بأن العسل شفاء، وهذا تقرير لقول الله -تبارك وتعالى-، شفاء أي من الأمراض، من الأمراض البدنية الحسية، للناس؛ ما قال الله للمؤمنين ليكون هذا شفاء للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم؛ لكل الناس، وفي الحديث «أن رجلًا أتى إلى النبي -صل الله عليه وسلم- فقال له يا رسول الله إن أخي إستطلق بطنه»، وإستطلق يعني إسهال، «فقال له النبي إسقه عسلًا، قال فسقاه عسلًا، ثم أتى النبي فقال يا رسول الله سقيته عسلًا فلم يزده إلا إستطلاقًا، فقال له إسقه عسلًا، فسقاه فزاد كذلك، فجاء النبي فقال يا رسول الله قد سقيته عسلًا فلم يزده إلا إستطلاقًا، فقال له النبي إسقه عسلًا، صدق الله وكذب بطن أخيك»، فسقاه العسل المرة الثالثة فشفي وصلح بطنه، الشاهد أن هذا دليل على ما جاء في السنة من أن العسل شفاء، وهذا الشخص الذي إستطلق بطنه إنما كان العسل حلل هذه المواد الفاسدة في بطنه فزادت، ثم كان يحتاج إلى هذه الجرعات حتى يطهر وينظف بطنه، وقد قال النبي -صل الله عليه وسلم- «إن يكن في شيء من دوائكم شفاء ففي شربة عسل، أو في شرطة محجم، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي»، -صلوات الله والسلام عليه-، بتجارب الناس قد رأوا من الشفاء الذي في العسل أمور عجيبة جدًا لكثير من الأمراض وهذا بالتجارب، وقد قال النبي -صلوات الله عليه وسلم- «يا عباد الله تداووا فإن الله ما خلق داءًا إلى جعل له دواء، عرفه من عرفه وجهله من جهله»، فالآن العسل يداوي عند الناس طائفة كثيرة جدًا من الأمراض تداوى بالعسل، بل إن من منافع النحل أنه لا يوجد شيء مما تنتجه النحلة إلا وفيه شفاء، وهذا من بركة هذا المخلوق الذي جعل الله -تبارك وتعالى- فيه هذه البركات، فكل ما ينتجه في نوع من الفائدة والنفع، سواء كان حبوب اللقاح التي يجمعها، الشمع الذي يبنيه، غذاء الملكات الذي يجعله خاصًا بالملكة وهو من أنفع الأغذية، لسعه، بل هذا الحمى الذي في النحلة كذلك فيها ما فيها من الشفاء، فشرابه العسل فيه شفاء للناس، يقول الله -تبارك وتعالى- {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، لو قال الله -تبارك وتعالى- فيه الشفاء للناس بالألف واللام لكان فيه الشفاء من كل داء، لكن قال الله -تبارك وتعالى- {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}.
قال -جل وعلا- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، إن في ذلك؛ في كل ذلك، لآية؛ دلالة عظيمة على قدرة الرب –سبحانه وتعالى- وعظيم خلقه -سبحانه وتعالى-، إذ كيف الله -تبارك وتعالى- يخلق ذباب؛ النحل ذباب من ذباب هذه الأرض، كما في الحديث «كل ذباب في النار إلا النحل»، فهذا ذباب من ذباب هذه الأرض ومخلوق ضعيف، لكن انظر كيف أن الله -تبارك وتعالى- سخره فيما سخره فيه وأقامه فيما أقامه فيه من هذا النفع العظيم، ونفع يعود على الناس نفع عظيم، فإن الآن الأرض يمكن لعله أعظم منتج الآن في الغذاء هو النحل، وهي تنتج الأرض بملايين الملايين من أطنان العسل، مما ينفع الناس من هذا المخلوق الضعيف الصغير، انظر كيف هداه الله -تبارك وتعالى- له، ولو أن الإنسان أراد بنفسه أن يجمع هذا الرحيق وأن يصنعه لهدم الأرض ولأفسد كل شيء، فإن جمع زهور لجمع هذا الرحيق منها وإدخاره وفعله والله لو جمع الإنسان كل قواه ليصنع شيئًا من ذلك فإنه لا يستطيع أن يصنع شيئًا من ذلك، فانظر عظيم خلق الله -تبارك وتعالى- في هذا الأمر، قال -جل وعلا- {إِنَّ فِي ذَلِكَ}، في خلق النحل وتذليلها للإنسان على هذا النحو، {لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، ناس عندهم يعني يعملون فكرهم وعقلهم فيما خلق الله -تبارك وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[النحل:70]، هذا كذلك من فعله -سبحانه وتعالى- وخلقه، وهذا تذكير للإنسان الكافر بأن مآله إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ}، هو الذي خلقكم، أنشأكم من العدم -سبحانه وتعالى- وصوركم هذا التصوير، الخلق؛ التقدير على هذا النحو، {ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ}، الوفاة اللي هو أخذكم وافيًا وذلك بالموت، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}، منكم؛ البعض، نسبة قليلة من البشر ترد إلى أرذل العمر، أرذل العمر اللي هو يعني أتعبه وأثقله، فالأمر الرذيل اللي هو الشاق المتعب البئيس، وأرذل العمر بالنسبة إلى هذه الأجيال من بعد النبي -صل الله عليه وسلم- إلى الجيل هذا، عمر هذا الأمة؛ أمة محمد التي بعث فيها، النبي يقول «أعمار أمتى ما بين الستين إلى السبعين»، هذي أعمار الأمة، قال السلف إن أرذل العمر يبدأ في الخمسة وسبعين، اللي هي بقى الشيخوخة وأعراض الشيخوخة من تناقص الذاكرة، تناقص قوة الإبصار، تناقص القوى الأخرى، القيام والقعود، ظهور الأمراض في بقية أعضاء الجسم، فخلاص يبقى الإنسان حياته عبء على نفسه وعبء على من حوله، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا}، فهذا الذي لا يعلم بعد علم شيئًا ينسى أولاده وينسى من حوله ولا يتعرف على زوجته ولا يتعرف على الناس ولا يتعرف على الأشياء، هذا أشد أنواع العمر بقى رذالة ويصبح الإنسان فيها في وقت الخرف ونسيان ضياع الذاكرة، هذا آية كذلك من آيات الله -تبارك وتعالى-، وتذكير أن هذه الحياة منتهية، وأن الإنسان يعلوا في سلم الخلق ثم بعد ذلك ينحدر في هذه السلم إلى النهاية، {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، عليم -سبحانه وتعالى- علمه قد وسع كل شيء، قدير؛ قدرته -سبحانه وتعالى-، فمن قدرته خلق الخلق من لا شيء على هذا النحو، ثم إيصاله إلى تمام القوة والخلق ثم بعد ذلك تنكيسه بعد ذلك في الخلق إلى أن يكون على هذا النحو، في هذا عبر عظيمة جدًا، أولًا من هذه العبر بيان قدرة الرب -تبارك وتعالى- على خلقه، عبره للإنسان أنه الحياة هذه منتهية وأنه خلاص يتساقط فيها، وهذا خلاص عندما يصل إلى القمة لابد أن ينحدر بعد ذلك إلى السفح مرة ثانية، إذن فيرعوي وليعد إلى الله -تبارك وتعالى- وخاصة عند بداية هذا الإنحدار، وليعلم أن مآله خلاص إلى الذبول ثم التلاشي فيعود إلى الله، فالله -سبحانه وتعالى- عليم قدير وفي هذا آيات عظيمة من آياته -سبحانه وتعالى-، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[النحل:70]، سبحانه وتعالى.
نقف عند هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.