{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:18]، {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:19]، {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء:20]، {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}[الإسراء:21]، يخبر -سبحانه وتعالى- أن من كانت العاجلة وهي هذه الدنيا هي همه، أرادها وأراد أن يعيش لحياته الدنيا فقط، ولم يرفع بصرًا إلى الآخرة، ولم يرجوا رحمة الله -تبارك وتعالى- في الآخرة ولا خاف من عذابه في الآخرة، بل كانت الدنيا هي همه ومبلغ علمه كما هو الشأن في كل الكفار، الذين جحدوا الآخرة أو الذين نسوها وارئهم ظهريًا، من كان يريد الحياة الدنيا، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ}، هذه الحياة الدنيا، قال -جل وعلا- {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ}، من الرزق، فلا يأخذ من الرزق ومن العمر ومن متع هذه الحياة إلا ما كتبه الله -تعالى-، إلا ما شائه الله -عز وجل- ولمن نريد، فليس كل ساعٍ في الدنيا ومريد لها بالغ إياها ومحصل لها، بل لن يحصل إلا على ما يريده الله -تبارك وتعالى-، والله -تبارك وتعالى- قد يريد أن يعطي بعض الساعين ولا يريد ...، يضيق على من يشاء -سبحانه وتعالى-، {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}، ثم في الآخرة لا مصير له ولا جزاء له عند الله -تبارك وتعالى- إلا أن يصلى جهنم، يدخلها مذمومًا مدحورًا، مذمومًا مدحورًا؛ والمذموم هو الذي ناله الذم من كل أحد، ناله الذم من نفسه فهو يمقت نفسه {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر:10]، وذلك عندما يقولون {........ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك:10]، ومذموم ممن حوله من أهل النار، مذموم من إبليس كذلك يذمهم ويشتمهم، فهم يلعن بعضهم بعضًا، مذموم من الملائكة، مذموم من المؤمنين، فالذم حاصل له من كل أحد، مدحورًا؛ مهزومًا رغمًا عنه، فإنه يلجأ إلجاءًا ويضطر إضطرارًا إلى دخول النار، ولا يدخلها إلا بحال من الذل والهوان، كأن يدز دزًا أو يسحب على وجهه أو أنه يؤخذ بناصيته وقدمه {........ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}[الرحمن:41]، {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13]، {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[الطور:14]، هذا الشأن فيمن كانت الدنيا همه ولا يناله منها إلا ما أراده ربه -سبحانه وتعالى-، وهذا مصيره ونهايته.
{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ}، الجنة، {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}، سار في الطريق الموصل إليها وجد في سعيها، وسعيها يبدأ بكل شعب الإيمان من قول لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق؛ هذا هو سعي الجنة، ولها سعي واجب كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج وسعي كذلك مستحب، {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، حال كونه مؤمنًا، {فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}، مزادًا فيه، يزيد الله -تبارك وتعالى- له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال -جل وعلا- {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ........}[الإسراء:20]، كلًا؛ من مريد الدنيا ومريد الآخرة، نمد هؤلاء وهؤلاء؛ فالله هو الذي بيده الخير كله -سبحانه وتعالى- وله العطاء كله وكذلك المنع عنده -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يحلوا ما يشاء، {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ}، أهل الدنيا والآخرة، {........ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء:20]، ممنوعًا، لا يستطيع أحد أن يمنع عطاء الله -تبارك وتعالى- عن أحد، فإذا أراد الله -تبارك وتعالى- {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ........}[فاطر:2].
ثم قال -جل وعلا- {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}[الإسراء:21]، {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ........}[الإسراء:21]، في الدنيا، فإن الله -تبارك وتعالى- فضل بعض الناس على بعض في الرزق تفضيل واسع، فمن الناس من يملك الملايين المملينة والقناطير المقنطرة ومن الخيل والفضة والأنعام المسومة من الحرث يملك، ويتقلب في نعم الله -تبارك وتعالى- تقلبًا عظيمًا، ومنهم من لا يجد إلا قوت يومه ولباس واحد يلبسه، ففي تفاضل جدًا؛ تفاضل في الرزق بين أهل الدنيا، يخبر -سبحانه وتعالى- بأن الآخرة؛ الجنة، {أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}، يعني أن أهل الجنة عندما يدخلونها فإنهم يتفاضلون فيها تفاضلًا عظيمًا جدًا، طبعًا أدنى أهل الجنة منزلة من يقول له الله -تبارك وتعالى- «ألا تحب أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها»، مثل هذه الدنيا وعشرة أمثالها ويعطيه الله -تبارك وتعالى- هذا، فهذا أدناهم منزلة، أدناهم منزلة من يظن أنه ليس هناك في الكون من هو أغنى منه وأسعد منه وأكثر منه عطاءًا من الرب -تبارك وتعالى-، يرضى فيعطى كل أحد، كل واحد يدخل الجنة يعطى حتى يرضى، قال له تمنى تمنى تمنى تمنى تمنى ...، فيتمنى كل ديَّت، يقول له لك هذا، هذا آخر واحد يقول الله لك هذا وعشرة أمثاله؛ عشرة أمثال ما تمنيت، من قصور، من دور، من حور، من أنهار، من بساتين، من مزارع، من كل ديَّت مهما تمنى يعطى، يقول لك هذا وعشرة أمثاله.
لكن هذا إذا قيس بما هو أعلى منه طبعًا تبقى الفارق هائل جدًا، يبقى الفارق هائل جدًا كما قال النبي -صل الله عليه وآله وسلم- «إن أصحاب الجنة يترائون الغرف فوقهم»، يعني في الدرجة التي فوقهم «كما ترون النجم البعيد الغابر في الأفق لبعد ما بين الدرجتين»، فهذا لبعد ما بين درجة ودرجة يرى أهل هذه الدرجة أن الدرجة التي فوقهم، لا يرون الدرجة هذه إلا كما نحن نرى في هذه الدنيا النجم البعيد الغابر في الأفق، والجنة مئة درجة كما قال النبي «الجنة مئة درجة»، مئة درجة أعلاها الفرودس أعلى الجنة ووسطها، وفوقه عرش الرحمن -سبحانه وتعالى-، فهذي التفاضل في الجنة بين أهل الجنة تفاضل عظيم جدًا، بين من هو في الدرجة الدنيا ومن هو في الدرجة العليا، ومن كان في الدرجة الدنيا فكذلك هذا لا يمكن قياس ما هو عليه بما عليه أغنى الأغنياء في هذه الدنيا، فإن متاع الدنيا لو أن إنسان أخذ الدنيا وما فيها وكانت كلها له فهي متاع قليل وجزء قليل للآخرة، يعني قدرًا وقيمة وكذلك متعة وثمنًا، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «لموضع سوط أحدكم في الجنة غير من الدنيا وما فيها»، فموضع السوط فقط يعني ما يغطيه السوط، السوط العصا فقط، هذا الشريط الصغير من الأرض في الجنة هو خير من الدنيا وما فيها، بل يقول النبي -صل الله عليه وسلم- «إن نصيف المرأة في الجنة»، نصيفها؛ ما تغطي به رأسها، «ونصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها»، فكذلك لا مجال للمقارنة والتفاضل بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة، وإنما بيان التفاضل هنا أن التفاضل في درجات الجنة وهذه الدرجات ينالها أصحابها بزيادة الأعمال، كلما زاد عمل المؤمن وزاد إيمانه رفعت درجته في الجنة، {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}[الإسراء:21]، وهذه الآية تجعل ...، تشحذ همم أهل الإيمان إلى السعي لنيل الدرجات العلى.
ثم يأتي فاصل من هذه السورة يبدأ هنا بقول الله -تبارك وتعالى- {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22]، إلى قوله -سبحانه وتعالى- {........ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:39]، هذا الفاصل هو من إرشاد الرب وهدايته إلى كريم الأخلاق، التي هي من معاني قول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء:9]، فهذا من هداية القرآن للتي هي أقوم، مجموعة من المواعظ والنصائح والأوامر والنواهي بها يستقيم حال المؤمن في هذه الدنيا، ويسير على أحسن سنن نحو ربه -سبحانه وتعالى- ونحو خلق الله -تبارك وتعالى- كلهم، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه المواعظ العظيمة بقوله –جل وعلا- {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22]، هذي أعظم الوصايا وأعلاها، {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[الإسراء:22]، الجعل هنا بمعنى الإعتقاد وذلك أن الله -تبارك وتعالى- ليس معه إلهًا أخر، وإنما هذا الذي ...، من جعل مع الله إلهًا أخر فإنما هذا في الظن والوهم والخيال والكذب، من يكذب، يفتري، يتوهم، يتخيل، بأن هناك مع الله إله والحال أنه الله هو الإله وحده -سبحانه وتعالى-، لا إله إلا هو، لا إله يستحق هذا الإسم؛ إسم الألوهية، إلا الله -تبارك وتعالى-، إذ هو الخالق الرازق رب العالمين، ملك الخلق أجمعين المتصرف فيهم -سبحانه وتعالى-، والذي لا شريك له -سبحانه وتعالى- من خلقه في شيء من الخلق، ما شارك الله -تبارك وتعالى- ولا أعانه مخلوق من مخلوقاته في شيء من الخلق قط، لا في خلق نفسه ولا في خلق غيره، قال الله عن الجن {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}[الكهف:51]، فليسوا معاونين ومساعدين لله -تبارك وتعالى-، وكذلك الملائكة لم يساعد الرب -تبارك وتعالى- ولم يعنه ولم يظاهره أحد منهم على شيء من الخلق، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء:26]، {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27]، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:28]، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29]، {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22]، {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.
فالله هو الإله وحده -سبحانه وتعالى- الذي لا إله غيره، فالذي يجعل مع الله إله أخر، يقول لله هناك إله أخر مع الله موجود يستحق العبادة مع الله كما يستحق الله العبادة، يشركه مع الله كقول النصارى في عيسى بأنه إله من إله يخلق ويرزق ويحيي ويميت وبالتالي فهو يعبد، ويدعى كما يدعى الرب -جل وعلا-، أو كقول مشركوا العرب في الملائكة من أنهم بنات الله يعبدون ويدعون وإن كانوا يعتقدون أنهم يُملكون ولا يَملكون، كما كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكًا تملكه وما ملك، أو المشركين من الصابئة وغيرهم الذي جعلوا الشمس إلهة، معبودة عبدوها مع الله -تبارك وتعالى- والنجوم والكواكب، أو هذه الأوهام الكثيرة للبشر فيما إتخذوه ونصبوه إله مع الله -تبارك وتعالى-، من الأوثان والأصنام والجن والشياطين والحيوانات والنباتات والأنهار والأشجار، فإن البشر المشركون لهم في هذا الباب باب الشرك أوهام طويلة لا تنتهي، لا يكاد الإنسان يرى شيء من هذه الموجودات المخلوقات إلى وعبد، بل تخيل الإنسان آلهة بالتخيل الذهني بأمر يتخيله في ذهنه بأنه له وجود في الخارج وليس له وجود في الخارج، كما يتخيل آلهة معينين لا وجود لهم ثم يعبدهم ويتوجه إليهم بالعبادة، وهم وهم لا وجود له، فالذي عبد الشمس؛ الشمس موجودة، لها وجود، لكن الذي إنتحل من ذهنه إله لا وجود له وعبده من دون الله وهذا كثير.
فيقول الله -جل وعلا- {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[الإسراء:22]، لا تعتقد وتنصب لنفسك إله مع الله -سبحانه وتعالى-، {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[الإسراء:22]، فالله هو الإله وحده -سبحانه وتعالى-، {فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}، تقعد مذموم مخذول، مذموم أولًا من الرب -سبحانه وتعالى-، فإن الله يكره الشرك والمشركين ويذمهم -سبحانه وتعالى-، ومذموم من الملائكة ومذموم من أهل الإيمان وهذا الذم حقيقي، وكذلك مزموم من كل ذي عقل، كل ذي عقل له فهم وعقل يذم من يعبد غير الله -تبارك وتعالى-، من يجعل له إله من دون الله -تبارك وتعالى-، فكيف لا يذم من يعبد الشمس أو القمر أو يعبد عيسى أو يعبد العذراء أو يعبد غيرها، فهو مذموم؛ كل ذي عقل يذمه، وهو مخذول، المخذول هو الخائب الخاسر الذي يتعلق بشيء يظن أن فيه نجاته وفيه نفغه، ثم يتبين أنه لا شيء وراء ذلك، فهذا خذلان، فهذا خذلان يخذله وذلك أنه إذا دعاه وإستغاث به ولجأ إليه لا ينصره، لأنه ليس بيده ...، ليس بيد هذا الإله المعبود دون الله لا يملك لعابده نفع ولا ضر، لا يستطيع يضره ولا ينفعه كذلك، فهو لا ينفع عابده ولا يضره ولا يملك له شيء، فإذا إستغاث به، لجأ إليه، توكل عليه، يبقى لا ينصر؛ مخذول، {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22].
ثم قال -جل وعلا- {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، قضى؛ أعلم وأنهى وحكم، حكم شرعي أمري، أمر شرعي وليس أمرًا كونيًا قدريًا، لأن الله -تبارك وتعالى- لو كان قد قضى هذا بالأمر الكوني القدري الذي يقول له كن فيكون فإن البشر لا يكون لهم إله غير الله -تبارك وتعالى-، يلهمون هذا ويعبدون الله وحده -سبحانه وتعالى-، لكن قضى بمعنى قضاء شرعي ديني وهو أنه أمر بذلك وأعلم عباده وأفضى لهم بهذا، وهذا أمر قد قضاه وأمر به وجعل هناك ما يترتب على هذا الأمر من ثواب من يفعله، وهو أن يعبد الله وحده لا شريك له، ومن يتنكب ويخرج عن هذا الأمر، وقضى ربك؛ الله -سبحانه وتعالى-، وإضافة النبي إلى الله -تبارك وتعالى- هنا تشريف، ألا تعبدوا إلا إياه؛ لا تعبدوا إلا إياه، العبادة وصف وإسم جامع، يجمع كل الأعمال والأقوال التي يحبها الله ويرتضيها -سبحانه وتعالى-، منها أعمال وأقوال يرتضيها الله -تبارك وتعالى-، إرتضاها الله -تبارك وتعالى- لنفسه وأمر ألا تصرف إلا له، كالدعاء والطلب فإن هذا لا يكون إلا له، وكذلك أعمال مثل السجود والركوع اللي هي الصلاة فهذه ليست إلا له، شرعها الله -تبارك وتعالى- ليعظم بها العبد ربه -سبحانه وتعالى- ويذكره بها، والصوم أن يصام له والذبح والنذر، وكذلك أعمال كثيرة في القلب كالخشية {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}، والخوف {........ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175]، والحب اللي هو حب تأله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ........}[البقرة:165]، والرغبة فيما عند الله -تبارك وتعالى-، والرهبة في عقوبته، فهذي أعمال للقلوب، دي كلها داخلة في مفهوم العبادة، وكذلك الإتمار بالأمر والإنتهاء عن النهي، استجابتك للأمر الإلهي فإذا قال الله لك إفعل ففعلت هذي عبادة، ولا تفعل فلا تفعل فهذي عبادة، الإتمار بأمره -سبحانه وتعالى-، الإنتهاء عن نهيه، فـ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، كل هذا المعاني بس، هو وحده -سبحانه وتعالى- الذي يستحق هذه العبادة، وهذه العبادة قد شرعها وبينها لعباده -سبحانه وتعالى-.
فلا يصرف من مفردات هذه العبادة ومفردات هذه العبادة شيء لغيره، من صرف شيئًا من هذا بسجود أو ركوع أو محبة كما يحب الله يحب هذه التي نصبها آلهة فقد أشرك بالله -تبارك وتعالى-، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، ثم قال -جل وعلا- {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، يعني أحسنوا بالوالدين إحسانًا، الوالدين؛ الأم والأب، وهنا أجمل الله -تبارك وتعالى- الوالدين وجاء أيضًا في موضع أخر أنه خص الأم بعد الإجمال، كما قال -جل وعلا- {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، ثم قال {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}، فخص الأم بعد إجمال الوالدين لبيان أن حقها يأتي مقدمًا على حق الأب في حسن الصحبة والإحسان إليها، كما في الحديث «يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك»، فوصى الله -تبارك وتعالى- بالوالدين؛ الأم والأب، قال {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وهي جملة قصيرة ولكنها تحمل المعنى كله، يعني أحسنوا بالوالدين إحسانًا، فيدخل فيها الإحسان في القول وفي العمل وكل ما يدخل في باب الإحسان، فإلانة الجانب والقول الحسن والقيام بالخدمة والعناية وكل أنواع البر كل هذا داخل في معنى الإحسان بالوالدين.
ثم أكد الله -تبارك وتعالى- هذا في ظرف خاص بالوالدين وهو حال الكبر، قال {........ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:23]، فهذي فترة من الفترات التي يحتاج فيها الوالدين إلى عناية أكبر، قال {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا}، إذا بلغ عندك يعني وأنت حي الوالدان سواء كليهما أو واحد منهم الأم أو الأب، {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، فلا تقل لهما أف؛ أف يعني هذا إسم فعل معناه إظهار التضجر، فهو من إظهار التضجر وهو الضيق والكراهية لعمل ما، يعني لا تظهر لهما أي تضجر أو كراهة لما هم عليه، أولًا من الكبر وذلك أن وقت الكبر هو وقت إنحدار القوى، {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ........}[يس:68]، والذي يرد إلى أرذل العمر في الكبر فإنه لا يعلم من بعد علم شيئًا، تنهد قواه ومن القوى القوى العقلية، تذهب عنه ويبقى كذلك خرف ذاهب، ويعود في الخرف إلى أقل من حالة الصبي الصغير، ويكون هذا وقوعه من الكبير ثقيل وشاق على من حوله، العناية به والقيام به وتطهيره وتنظيفه وأداء رغباته والإستجابة لمطلوباته، يصبح في أمر فيه مشقة، فالله -تبارك وتعالى- يأمر هنا بأن في هذا الوقت إياك والتضجر من أحوالهما في الكبر، {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}، والنهي عن التأفف نهي هذا بالأقل عن الأكثر، ثم نهى بشيء أكثر منه وهو النهر، والنهر هو الزجر ومنعهم بغلظة عن أمر يفعلانه، يقولوا في خرف، إرادة، نحو ذلك، {وَلا تَنْهَرْهُمَا}، كما هو العادة في نهر الصبي الصغير، فإننا قد ننهر الصبي الصغير إذا فعل ما يعاب عليه كأن شتم، صاح، أظهر عورته، تباذأ، ظلم غيره، فإننا نربيه بالنهر، هنا لا، الأب والأم لا ينهرا لأن هذا ليس هو ما وقت تعليم وإنما يرشدان، لو كان ظهر شيء منه إنما هو باللين وبالرحمة وبلفت النظر إن أمكن وبإحسان القول لهذا، أما أنهم ينهران كما ينهر الصغير ويربى فلا، قال {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، في كل الأحوال، وقل لهما في كل الأحوال قولًا كريمًا، القول الكريم يعني كالقول يا أبتي لما تفعل هذا؟ أو خذ هذا أو أترك هذا أو هذا أفضل أو هذا يعني أحسن لك أو هذا خير ونحو ذلك ...، انتهت الحلقة