{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الرب -تبارك وتعالى- {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}[الإسراء:40]، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}[الإسراء:41]، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}[الإسراء:42]، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء:43]، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء:44]، بعد ذلك الفاصل السابق من السورة والذي ضمنه الله -تبارك وتعالى- مجموعة من الأوامر والنواهي، من الحكمة العالية السامية وإرشاد الرب -تبارك وتعالى- إلى الصراط المستقيم، {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}، والتي بدأها الله -تبارك وتعالى- بقوله {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22]، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، فأمر -سبحانه وتعالى- أولًا نهى عن الشرك وأمر -سبحانه وتعالى- بعبادته وحده لا شريك له، ثم أمر بالإحسان إلى الوالدين قال {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وخص وقت كبرهما قال {........ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:23]، ثم بعد ذلك أمر الله -تبارك وتعالى- بالإحسان إلى الأقارب قال {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ........}[الإسراء:26]، ثم نهى عن التبذير قال {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}، {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ........}[الإسراء:27]، ثم أمر –سبحانه وتعالى- بالإعتدال في النفقة فقال {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[الإسراء:29]، ثم بعد ذلك نهى الله -تبارك وتعالى- عن أكبر ذنب بعد الشرك بالله -تبارك وتعالى-، وهو قتل الإنسان إبنه قال {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}[الإسراء:31]، ثم نهى عن الزنا قال {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء:32]، ثم نهى عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، قال {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا}[الإسراء:33]، ثم نهى عن قربان مال اليتيم قال {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ........}[الإسراء:34].
ثم أمر بتوفية الكيل والميزان فقال -جل وعلا- {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[الإسراء:35]، ثم أمر بعدم الكبر وأمر بالتواضع وأمر بديَّت، قال {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}[الإسراء:37]، ثم قال -جل وعلا- {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}[الإسراء:38]، وختم الله -تبارك وتعالى- هذه الأوامر والنواهي والمواعظ العظيمة والإرشاد البليغ والحكمة العالية، ختم الله -تبارك وتعالى- بالنهي عن الشرك كما بدأها بالنهي عن الشرك فقال -جل وعلا- {........ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:39].
والخطاب وجه في كل هذه إلى النبي -صلوات الله والسلام عليه- وذلك لتشريف الأمر وتعظيمه، وبيان إذا كان النبي يؤمر بهذا ويحذر من هذا فغيره من طريق الأولى والأحرص -صلوات الله والسلام عليه-، وقال {........ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:39]، هذا هو جزاء كل من أشرك بالله -تبارك وتعالى-، ملومًا؛ يلومك كل أحد، والمشرك يلوم نفسه، مدحورًا؛ مهزومًا مرغمًا، فالدحر هو الهزيمة والإلجاء والإضطرار، كما قال -تبارك وتعالى- {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ}[لقمان:24]، ثم نضطرهم إلى عذاب عظيم، فيلجأ إلجاء ويدفع دفع رغمًا عنه، يبعث رغمًا عنه ثم يحشر رغمًا عنه ثم يدز دزًا {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13]، {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[الطور:14]، وقوله -تبارك وتعالى- {........ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}[الرحمن:41]، بعد هذا الفاصل العظيم من الهدى والهدي الرباني العالي، والإرشاد السامي من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين، هذا هو الطريق القويم {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، فهذا هو الطريق القويم الذي من أخذه وسار فيه وقد جمعت كل هذه الأوامر والنواهي، كل ما يحتاجه العبد ليستقيم ولتزكوا نفسه على هذه الأرض.
بعد ذلك بدأ الله -تبارك وتعالى- يوجه الخطاب إلى الكفار المشركين المعاندين المكذبين بهذا القرآن، فناقشهم في ما إعتقدوه وما إنتحلوه بأنفسهم ونسبوه إلى الله -تبارك وتعالى-، فقال -جل وعلا- {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}[الإسراء:40]، أفأصفاكم؛ إختصكم وإختاركم، ربكم؛ وهنا قال ربكم ما قال الله قال ربكم، يعني خالقكم ورازقكم ومتولي شئونكم، فوجودكم منه –سبحانه وتعالى-، الرب الإله الذي خلقكم إختصكم -دون نفسه- إختصكم بالبنين، البنين؛ الذكور من الأولاد، وجعل البنات له، {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا ........}[الإسراء:40]، الملائكة الذين تزعمون أنهم بناته جعلهم بنات، فهل هذا هو حكمكم في حكمة الرب -تبارك وتعالى- وفي قسمته، أن يعطيكم أنتم ما تفضلونه؛ الذكور، ويختص نفسه بالإناث، قال -جل وعلا- {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}، إنكم؛ يعني أيها الكفار، لتقولون؛ يعني بهذه المقالة، قولًا عظيمًا، في القبح والإثم والإفتراء والكذب على الله -تبارك وتعالى-، والسؤال هنا {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}، سؤال للتوبيخ والتقريع والتأنيب، فهذا لبيان قبح وفساد هذا المعتقد الذي يعتقدونه حتى على قياسهم؛ حتى على قياسهم قياس فاسد، أن الله يخص نفسه فيجعل ملائكته بنات ويعطيهم هم ويرزقهم هم بالذكور من الأولاد، من هذا عقله وهذا فكره إذا تأتى منه تكذيب القرآن ورد هذه الحكمة الإلهية لا يستبعد؛ يعني لا يستغرب منه، فإن هذا هو عقله وفهمه ونسبته هذا الأمر؛ النقص إلى الله -تبارك وتعالى-.
قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}[الإسراء:41]، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ}، من هذه الأمثال، صرفنا؛ تنويع الخطاب، يعني نوع الله -تبارك وتعالى- لهم الخطاب وضرب لهم الأمثال على هذا النحو، وخاطبهم بهذا الخطاب الكريم ومن مثل هذا أن ضحد عقائدهم بهذه الصورة من صور البيان، فقول الله {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا ........}[الإسراء:40]، هذي صورة عظيمة من صور البيان، فيها سؤال يرشد من كان في أعمق الغي إلى الهدى، من يعتقد هذه العقيدة وسمع هذا الخطاب لا شك أنه إن كان مبصر يرجع إلى صوابه ورشده، ويعلم أن مثل هذا الإعتقاد لا يصدر إلا من جهل عظيم، ومن نسبة ومن سب وشتم لله -تبارك وتعالى-، كيف يليق هذا! يعني كيف يتأتى هذا! وكيف يليق هذا! فالله يخبر أنه صرف في هذا القرآن من ضرب الأمثال، من أن يضحد ويبين عقائد الكفر بهذا البيان العظيم، مرة عن طريق السؤال، مرة عن طريق التحذير، مرة عن طريق القياس، مرة عن ضرب الأمثال، كل هذا قال -جل وعلا- {لِيَذَّكَّرُوا}، ليذكروا؛ يعني لعلهم أن يتذكروا، ويتذكروا؛ التذكر يعني إستحضار العقل والذكرى والفهم، ليرى أن هذا الذي يقوله بالغ مبلغه في الإساءة للرب -تبارك وتعالى- وشتم الرب -جل وعلا-، أن يكون له ولد وأن يكون له ولد كذلك إختص نفسه بالنقص والكمال يعطيه إياهم، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، ((لا يوجد صوت حتى الدقيقة 11.51)).
ثم بيان أخر لفساد إعتقادهم وضحد لما يعتقدونه، قال -جل وعلا- {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}[الإسراء:42]، قل لهم {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ}، لو كان مع الله -تبارك وتعالى- آلهة كما يقولون، آلهة جمع إله، والإله؛ المعبود، ولا يكون، لا يستحق هذا الوصف مسمى الإله المعبود إلا أن يكون مالك خالق رازق، يملك عابده، له فضل عليه، له إحسان إليه، ولذلك يستحق العبادة، فهذا الإله كيف يؤله؟ موجود ويعبد، يؤله لأنه خلق هذا الـ ...، يكون له فضل على عابده، خلقه، رزقه، أحياه، يميته، يملك نفعه، يملك ضره، إذن هذا الذي يعبد، أما إذا لم يكن فيه هذه الصفات فكيف يكون إلهًا! كيف يكون إله من لا يملك لعابده نفع ولا ضر! لا يستطيع يضره ولا يستطيع ينفعه ولا يملك له شيء، إذن لو إتخذه إله وضع الإلوهة في غير محلها، فالله يقول قل لو كان معه؛ لو كان مع الله -سبحانه وتعالى- آلهة كما يقولون، يعني آلهة حقيقيين يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون ولهم فضل على من يعبدهم ، إذن النتيجة لهم {لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}، ((لا يوجد صوت حتى الدقيقة 14.50))، من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، يعني لو كان هذا موجود بالفعل كما يقولون كل إله يذهب بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، كان كل إله إنفرد بالذي خلقه، هذا خلق المجرات، هذا بيخلق مجرة هنا، هذا خلق شمس هنا، خلق ديَّت، خلق إنسان، هذا ...، كل واحد يخلق فينحاز بمخلوقاته التي خلقها وهو ربها وهو خالقها، ثم لابد أن يحصل صدام بين هذه الآلهة، إذن {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، كان كل إله من هؤلاء الآلهة يعلوا بعضهم على بعض فيقتتلون، حتى ينفرد الأخير بالفردانية الألوهية المطلقة والوحدانية، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء:43]، سبحان الله -تبارك وتعالى- أن يكون له هناك إله حقيقي يخلق ويرزق ويحيي ويميت وله خلق مستقل عن الله -تبارك وتعالى-، ولذلك قال -جل وعلا- {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، لو كان في آلهة حقيقيين إلا الله؛ يعني آلهة خلقوا ورزقوا وأحيوا وأماتوا }، ((لا يوجد صوت حتى الدقيقة 17.50))، كلٌ منهم بعيد عن الأخر بخلقه الذي خلق.
قال -جل وعلا- {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء:43]، سبحانه؛ تنزيهًا له وتسبيحًا له، السبحان؛ التنزيه والإبعاد، يعني الله -تبارك وتعالى- بعيد عن هذا الإعتقاد السيء كل البعد -سبحانه وتعالى-، وتعالى؛ الرب -سبحانه وتعالى-، فهو الرب العلي العظيم ذو العرش الكريم -سبحانه وتعالى-، الذي ذل له كل شيء وخضع له كل شيء وقهر كل شيء -سبحانه وتعالى-، ولا تخرج ذرة عن حكمه وأمره -سبحانه وتعالى- فهو الحكم في كل شيء -سبحانه وتعالى-، له الحكم وإليه المرجع والمآل لكل الخلق؛ راجعون إليه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:3]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:4]، -سبحانه وتعالى-، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ ........}[الإسراء:43]، من هذه الإعتقادات السخيفة الباطلة؛ أن معه آلهة، علوًا كبيرًا؛ عالي علو كبير عن هذه الإعتقادات المفتراة الكاذبة.
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء:44]، هذه حقيقة الرب، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}، ((لا يوجد صوت حتى الدقيقة 20.50))، المقال، ثم قال الله -عز وجل- {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، لا تفقهون؛ الفقه الفهم الدقيق، يعني لا يبلغ فهمكم وفقهم أن يبلغ يعني يعرف كيف تسبح هذه الموجودات كلها لله -تبارك وتعالى-، فإن الله -تبارك وتعالى- هو الذي علم هذه الموجودات كيف تسبح، وهو الذي يعلم كيف تسبح -سبحانه وتعالى-، {يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}، كلٌ من هذه الموجودات قد علم الله -تبارك وتعالى- صلاته وتسبيحه، كيف يصلي وكيف يسبح، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج:18]، قال {إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}، يعني يسبح حال كونه متلبسًا بحمد الله -تبارك وتعالى-، والتسبيح؛ التنزيه والإبعاد، والحمد؛ إثبات، فهم يجمعون في ثنائهم على الله -تبارك وتعالى- بين الحمد وبين التسبيح، بين نفي السوء عن الله -تبارك وتعالى- والنقص بكل معانيه، سواء الشرك، الولد، الزوجة، الند، الشريك، أن يكون له ند أو شريك، أي نقص في صفاته -سبحانه وتعالى-، الغفلة، النوم، الموت، أن يعتريه نقص، الظلم، هذا كله من التسبيح، إبعاد الله -تبارك وتعالى- عن كل نقص وسوء إعتقادًا، ثم إثبات المحامد لله -تبارك وتعالى-، فهو الرب الكبير المتعال الرحمن الرحيم الغفور الودود، كل هذه أسمائه؛ أسماء تتضمن صفات مشتقة، لها معاني، وكل صفاته خير -سبحانه وتعالى-، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء:44]، ختام هذه الآية فيها بيان لمقتضى هذا السياق، إنه كان حليمًا؛ لا يعاجل بالعقوبة، وإلا فهؤلاء المجرمون الكفار الذين نسبوا إلى الله -تبارك وتعالى- هذه النسبة؛ نسبوا له هذه الآلهة، وجعلوا ملائكته في زعمهم بناته وإنهم إناث، الذين يتقولوا هذه الأقاويل الفاجرة الكافرة ونسبوها للرب -تبارك وتعالى- الحال أن هؤلاء يستحقون العقوبة في التو واللحظة لمقالتهم هذه، لكن الله -تبارك وتعالى- حليم، يسب ويشتم ويصبر على الأذى ولا يعاجل بالعقوبة، ويبين وينذر ويعيد القول ويبدأه ويحلم -سبحانه وتعالى-، وقد يعيش هذا الكافر السنين الطويلة وهو يقول هذه المقالات على الرب -تبارك وتعالى- والرب لا يعاقبه، وقد يرجع بعدين في النهاية إلى الله -تبارك وتعالى- ويقبله الله ويغفر ذنوبه ويتجاوز عن كل هذه السيئات، إنه كان حليمًا –سبحانه وتعالى- غفورًا، وإلا فالذي يصدر منه مثل هذه المقالة ويبقى عليها ولو يوم ...، يعني لو أن الله -تبارك وتعالى- لم يكن حليمًا غفورًا لأنزل به عقوبته -سبحانه وتعالى- في التو واللحظة، لهذا المقالة البالغة مبلغها في الوقاحة والكذب والإفتراء على الله وسب الله وشتمه -سبحانه وتعالى-، لكنه حليم -سبحانه وتعالى-، غفور لا يعاجل بعقوبة، كما ذكرنا قد يعيش هذا الكافر سنين طويلة في كفره وعناده، وهو يكرر هذه المقالات ويقولها ويعبد غير الله -تبارك وتعالى- ويقول على الله هذه المقالات العظيمة، والله يعافيه ويرزقه ويمده، ثم إذا تاب بعد ذلك قبله الله -تبارك وتعالى- ومحى عنه كل هذه السيئات، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
ثم قال -جل وعلا- بيَّن السبب ليش؟ لما هؤلاء الناس بها الظلمة؟ وتبين لهم الآيات على هذا النحو ولا يفهمون ولا يرجعون عن هذه المقالات العظيمة، قال -جل وعلا- {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء:45]، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}[الإسراء:46]، هذه هي مصيبتهم، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ}، قرأت هذا القرآن الواضح البيِّن الذي يضحد هذه العقائد الباطلة، وهو نور يكشف الحقائق ويبين الطريق والهدى، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}، كتاب الله -تبارك وتعالى-، سماه الله قرآنًا لأنه أعظم ما قرئ في السماوات والأرض، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء:45]، جعل الله -تبارك وتعالى-؛ صيير، بين النبي ولين الذين لا يؤمنون بالأخرة حجابًا مستورًا؛ حجاب يستر عنهم الفهم، ويجعلهم كأن هذا القرآن يناديهم من مكان بعيد، أبدًا كأنه لغة أخرى غير لغتهم، ولسان غير لسانهم لا يفهمونه، وذلك أنهم لا يؤمنون بالآخرة، وعدم الإيمان بالآخرة سب عظيم لله -تبارك وتعالى-، كيف يليق بالرب الإله -سبحانه وتعالى- أن يخلق خلقه ويجعل الدنيا هذه هي نهاية المطاف، والحال أن في هذه الخلق مؤمن وكافر، صالح ومفسد، مجرم ومؤمن، ويكن على هذا النحو ثم لا يحاكم أحد، وكأن الله -تبارك وتعالى- خلق خلقه عبث وسدى، لا يأمرهم ولا ينهاهم، فالذي لا يؤمن بالآخرة يسب الله -تبارك وتعالى- ويشتمه، وينسب له -سبحانه وتعالى- العبث واللعب وديَّت، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:35]، {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:36]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص:27]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الأنبياء:16]، {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:17]، ما يفعل الله -تبارك وتعالى- هذا، فهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة إذا قرئ القرآن بهذا الوضوح بهذا الوضوح وبهذا البيان وبهذا الشرح فإنهم لا يفهمونه، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يجعل حوالة بينهم وبينه، حجاب بينهم وبينه، {........ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء:45]، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}[الإسراء:46].
نقف هنا، و-إن شاء الله- نعود إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.