الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (341) - سورة الإسراء 59-65

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء:59]، {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}[الإسراء:60]، يخبر -سبحانه وتعالى- أنه لم يرسل في هذه الأمة بالآيات التي إقترحها الكفار حسب أهوائهم، وذلك أنهم إن كذبوا بها أهلكهم الله -تبارك وتعالى-، كما صنيع الرب -تبارك وتعالى- في الأمم السابقة، قال -جل وعلا- {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ}، أي التي إقترحها الكفار، إقترحوا آيات من عند أنفسهم، {إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ}، فالأولون إقترحوا آيات من عند أنفسهم زاعمين أنهم إن جائتهم صدقوا رسولهم، ثم إن عندما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- هذه الآيات كذبوا بها، ولا يكون بعد ذلك إلا العذاب، قال -جل وعلا- {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}، آية مبصرة، فقد إقترحوا قالوا لنبيهم صالح أخرج لنا ناقة من هذا الجبل عشراء نراها، فأعطاهم الله -تبارك وتعالى- الآية كما إقترحوها، بالجبل وتخرج الناقة ديَّت وتعيش معهم، ويقول لهم هذه آية من آيات الله وستنتفعون بها، هذا البئر تشرب منه اليوم وتشربون منه يوم أخر، إجعلوا يوم لشربها فقط، إكرموها لهذا وتشرب القبيلة كلها من لبنها، ومع هذا ضايقوها؛ كانوا يغوروا البئر في اليوم الذي تأتي للشرب منه، وعلمًا أنهم لا ينتفعون منها ولا كلفة لهم فيها، كانت تأكل قال لهم رسولهم {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم كان في النهاية أن عقروها وهذا تعدي على أمر الله -تبارك وتعالى-، خلاص هذا تحدي لأمر الله -تبارك وتعالى-، وكأنهم يقولوا هذه آيتك لا نريدها، فلم يكن بعد ذلك ...، طبعًا رسولهم قال لهم {........ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65]، وإستأصلهم الله -تبارك وتعالى-، فلو أن الله -تبارك وتعالى- أنزل الآيات على النحو الذي يطلبه الكفار في مكة لم يكن عند التكذيب إلى إستئصالهم ونهايتهم، قال -جل وعلا- {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}، ثم قال –جل وعلا- {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}، الآيات التي أرسل الله -تبارك وتعالى- بها لهم سواء كانت هذه الآيات المنظورة؛ أنه يعاقبهم، أو الآيات المقروءة في أن يذكرهم الله -تبارك وتعالى- بمصارع الغابرين، إلا تخويفًا؛ حتى يخافوا أمر الله -تبارك وتعالى-، ويعلموا أن الذي أنزل عقوبته في الأمم السابقة قادر على أن ينزل عقوبته فيهم، ولكن هؤلاء إنطمست بصائرهم وعميت أن تسمع كلام الرب –جل وعلا-.

من هذا كذلك قال -جل وعلا- {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}، وهذا يكفي للخوف والرعب عندما يخبرهم الله -تبارك وتعالى- بهذا، وإذ قلنا لك؛ قول الله -تبارك وتعالى- يقوله وينزله على رسوله محمد ليقرأه على الناس، إن ربك أحاط بالناس؛ علمًا بهم، لا يعمل أحد عمل إلا والله -تبارك وتعالى- مطلع عليه، ألا يكفي هذا نذارة ليخافوا الخوف ويظلوا مرتعبين ليلًا ونهارًا، من الرب القائم عليهم -سبحانه وتعالى- العليم بكل ما يعملون، ولكن مع هذا الإخبار الذي يشمل هذا الوعيد والتهديد الشديد -يتضمن هذا- ولا كأنهم أخبروا بشيء، {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}، وهل رعوه بهذا؟ يعني ما إرتجعوا بهذا، ثم قال -جل وعلا- {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}، وما جعلنا الرؤيا التي أريناك؛ في منامه -صل الله عليه وسلم-، إلا فتنة للناس؛ فالمؤمن يصدق والكافر يكذب، وقد أرى الله -تبارك وتعالى- نبيه -صل الله عليه وسلم- ما أراه في النوم من هذه العذاب، وأراه -صل الله عليه وسلم- أيضًا رؤية بصرية، رأى هذا رؤية بصرية، رأى النار في إسرائه -صل الله عليه وسلم- ومعراجه رأى جهنم كما هي، ورأى الجنة كما هي، ورأى ملائكة العذاب، فرأى هذه الأمور رؤية بصرية، وكذلك أراه الله -تبارك وتعالى- هذا كله رؤية منامية، وأخبر النبي -صل الله عليه وسلم- بهذا، ولكن المؤمن يصدق ويرعوي ويخاف والكافر وكأن هذا الإخبار لا يزيده شيئًا؛ لا يزيده إلا الكفر والعناد، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}، وصفها الله -تبارك وتعالى- وأخبر عنها وأن الكفار آكلون منها، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}[الدخان:43]، {طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:44]، الأثيم؛ فاعل الإثم، {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45]، يعني إذا أكل منها فيصبح هذا ثمارها كالمهل، المهل؛ المعدن المذاب، كأنه رصاص مذاب يغلي في بطنه، كالمهل مو ماء وإنما معدن مذاب، شوف حديد يغلي في بطن صاحبه -عياذًا بالله-، {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}[الدخان:45]، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66]، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67]، {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:68]، والله قال عنها {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64]، {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65]، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66]، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67]، {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:68]، فالله -تبارك وتعالى- ذكر هذه الشجرة الملعونة؛ شجرة الزقوم، وخوفهم بها وخوفهم منها، ولكن هل خافوا؟ الجواب أنهم لم يخافوا.

{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}، قال -جل وعلا- {وَنُخَوِّفُهُمْ}، نخوفهم بكل ذلك، يعني بمصارع الغابرين؛ يخوفهم الله -تبارك وتعالى- انظروا ماذا صنع في هؤلاء، بما رأه النبي ويقصه عليهم أنهم رأه، يقول لهم يا ناس أنا رأيت هذا بالبصر، رأيته رؤية بصرية وكذلك رؤيا منامية ورؤيا النبي المنامية حق، وكذلك وصف الله -تبارك وتعالى- لألوان العذاب التي تكون الآخرة، من هذا وصفه للشجرة الملعونة في القرآن، ثم يقول الله -عز وجل- {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}، الله الذي يخوفهم -سبحانه وتعالى- بكلامه هذا وبإطلاعهم على هذا النحو ولكن لا يزيدهم إلا طغيان، يعني يزيدهم طغيان على طغيانهم، فهم طغاة بغوا وطغوا وجاوزا الحد في العناد، ثم إن هذا الذي يخوفهم به الرب وينذرهم به ويقول لهم ترى في شجر زقوم، هذا كذا، هذا كذا ...، ومع ذلك يزدادون كفرًا وعنادًا، {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}، وهنا في السياق يأتي سؤال، لِما هذا؟ لما يصر الكافر على الكفر إلى هذا النحو؟ ويبتعد عن الطريق على هذا النحو؟ ويخوفه الله -تبارك وتعالى- هذا التخويف ويبين له هذا البيان ثم كأنه لا يسمع هذا وكأن هذا لا يكون، ليه؟ لما الكافر في هذه العماية؟.

فيبين الله -تبارك وتعالى- أن مرد ذلك إلى إتباع الشيطان، فيقول -جل وعلا- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}[الإسراء:61]، {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62]، {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:64]، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء:65]، هذا السبب، السبب هو هذا الشيطان الذي صدق ظنه في هذا الإنسان وأنه نخم؛ هواء، وأنه يعامله كما تعامل البهائم وأنه سيسحبه ورائه، قال -جل وعلا- الرب -جل وعلا- قال {لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، سجود تكريم وتعظيم، أراد الله -تبارك وتعالى- أن يكرم هذا المخلوق الذي خلقه بيديه، وإن كان من هذا الطين لكن الله -تبارك وتعالى- رفعه هذه الرفعة وكرمه -سبحانه وتعالى- بهذا التكريم العظيم، أن أمر ملائكته جميعًا أن يسجدوا له؛ والكل، قال {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[ص:73]، أي في وقت واحد، فالله يقول {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}، هذا الذي كان مع الملائكة وليس منهم فإنه من الجن، كما قال -تبارك وتعالى- {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، ولكنه مأمور بالسجود فيمن أمروا بالسجود، قال؛ أي إبليس، {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}، أ؛ بالسؤال سؤال الإستنكار والإستكبار والعلو، أأسجد؛ يعني يقول لله -تبارك وتعالى- {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}، يعني من خلقته من طين وهذا الطين يقول هابط وأنا خلقتني من النار، وعنده في ظنه وفي قياسه أن النار أفضل، أسجد له؟ أنا الأضل أسجد لهذا المفضول، {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}.

ثم بيَّن إحتقاره لهذا الإنسان {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}، يعني أخبرني، أرأيتك؛ أخبرني، هذا الذي كرمت علي؛ كرمت علي بأن جعلت الملائكة، أمرت الملائكة كلهم بأن يسجدوا له، هذا لم يحصل لملك ولا حصل لأحد أفراد الجن الذين خلقهم من النار، ولم يحصل إلا لآدم -عليه السلام-، {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}، بهذا التكريم أن تسجد له الملائكة، وكذلك كرمت علي بأن أسجد أنا له، فهذا تكريم تعظيم له وتشريف له عني، {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، أي لم تحكم علي بالموت؛ وأخرتني؛ بقيت حيًا إلى يوم القيامة، {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}، أحتنكن؛ أحتنكن مأخوذ من الحنك، الحنك؛ الفم، والدابة عندما تقاد فإنه يوضع لها اللجام والخدمة والمقود في الحنك، لأن هذا أسلس لقيادها، تتضرر بهذا فيكون قيادها سهل فيمن يقودها، وقد صور الشيطان أنه سيستطيع أن يلبس بني آدم هذه الحنكة والمقود ويجرهم ورائه إلى حيث يشاء، لأحتنكن ذريته؛ أولاده، أولاد هذا اللي هو آدم الذي أمرتني أن أسجد له، ثم قال {إِلَّا قَلِيلًا}، سينجوا القليل مني، وكان هذا ظن من إبليس كما قال -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ ........}[سبأ:20]، إن هذا من ظنونه التي نظر لها في المستقبل أنه يستطيع أن يفعل هذا.

وهنا قال له الله -تبارك وتعالى- {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]، اذهب يعني فيما هو أوقفه لنفسه واستكبر عن أمر الله -تبارك وتعالى-، فطرده الله من رحمته وجعله يذهب فيما ذهب فيه، لأن هذا مآله إلى الخسار والدمار له، ثم لكل من تبعه ممن عرف الحق وعرف كيف أن الله -تبارك وتعالى- كرم آدم هذا التكريم، وأن الله يدعوه إلى الهداية وإلى الفوز وإلى النجاة ثم يعلم أن هذا عدوه؛ اللي هو الشيطان، ولكنه يخاف أمر الله -تبارك وتعالى- ويتبع العدو، يسير خلف العدو الذي يريد إهلاكه والذي من البداية أراد أن يهلك هذه الذرية وأن يقودها إلى النار، فهذا إذن يستحق من إختار أن يذهب خلف هذا الشيطان إذن إستحق الدمار فليذهب، {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ ........}[الإسراء:63]، من هؤلاء الذين يريد أن يقودهم خلفه، {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ}، هذا حكم الله -تبارك وتعالى- جهنم جزائكم، جزاء إبليس الذي أبى أن يطيع أمر الله -تبارك وتعالى- واستكبر وعاند، وكذلك جزاء هذا المغفل الضال الجاهل الذي وضع الثقة في عدوه وترك ربه وإلهه ومولاه -سبحانه وتعالى-، لم يؤمن بكلامه ولم يتوكل عليه ولم يتخذ طريقه، ترك طريق الرب -سبحانه وتعالى- الذي يريد له الخير ويريد له الهداية ويريد له التوفيق ويريد له النجاة، وسار في طريق عدو الله –تبارك وتعالى- وعدوه، كما قال -جل وعلا- {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}، كيف! تتخذ الشيطان هو عدو لك وتواليه من دون الله -سبحانه وتعالى-، الله الذي كرمكم هذا التكريم وشرفكم هذا التشريف، {........ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63].

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ........}[الإسراء:64]، واستفزز؛ الإستفزاز هو التحريك بقوة، فز من الأمر بمعنى أنه تحرك وقام بقوة، استفززه يعني حركه إلى ما تشاء بما تشاء من هذه، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}، إما صوت الشيطان المباشر وإما صوت من يطيع الشيطان، فإن أصوات الشر ودعاة الكفر هي صوت للشيطان، وكذلك صوت اللهو وصوت الغناء وصوت الدعوة إلى الفجور هو صوت في النهاية للشيطان، لأن الشيطان منشئها وهو الداعي إليها، بصوتك؛ كل ما صوت ينسب إلى الشيطان، سواء كان صوت الشيطان المباشر في أن يحرك الإنسان بما يحرك به من صوته وسوسته له في قلبه وتحريكه، أو أصوات أبواق الشيطان والتي ينشئها بعد ذلك من البشر الذين يتحركون بأمر الشيطان ويحركون الجموع ويحركون الناس ديَّت، سواء كان بالدعوة إلى الكفر والدعوة إلى الفسوق والدعوة إلى كذا وكذا كالغناء هذا صوت الشيطان، صوت الشيطان الداعي إلى طريقه، {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}، الجلب اللي هو الجمع والإتيان، والجلبة كذلك تأتي بمعنى كثرة الأصوات، أجلب عليهم بخيلك؛ يعني بالخيول التي يكون لها جلبة وصياح، ورجلك؛ رجالك، إما أن يكون هذا حقيقة مما يملكه الشيطان وإما مما يحركه الشيطان من بني آدم، الذين يكون لهم يحركون الجيوش ويحركون الرجال في سبيل الشيطان، حروب الشيطان؛ حروب الشيطان التي يؤججوها، كما قال -تبارك وتعالى- {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:76]، {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:76]، فهذه كذلك خيول الشيطان ورجاله مما يؤجج من هذه الجيوش التي يجمعها ويؤلفها لحرب الدين وحرب الإسلام، {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}، إما مشاركة مباشرة في الأموال والأولاد، كما جاء أنه يأكل في كل طعام لا يذكر إسم الله -تبارك وتعالى- عليه، ويشرب ما لم يذكر إسم الله عليه وما لم يغطى فإنه ديَّت، فهذا مشاركة فعليه في المال، وكذلك في اللباس وفي الفراش كما قال النبي «فراش لك وفراش لزوجك وفراش لضيفك وفراش للشيطان»، فما زاد من الإسراف يكون هذا كذلك كل ما هو من باب الإسراف يكون هذا مشاركة للشيطان، وكذلك قول النبي -صلوات الله والسلام عليه- «لو أن أحدكم أراد إذا يأتي أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر لهما بولد في ذلك لا يضره الشيطان أبدًا»، مفهوم هذا أنه من لا يفعل هذا قد يضره الشيطان ويكون هناك مشاركة للشيطان فيما يأتي من الولد أو قد يمسه الشيطان، كذلك ممكن يكون هنا المشاركة إنما هي بطريق الغير المباشر، وهو أن يكون نصيب الشيطان من هذه الأموال نصيب كبير، فكل مال لم ينفع صاحبه ...، كل مال ليس للمؤمن لا ينفع صاحبه بلغة في الدنيا وإنفاق في سبيل الله يبقى هيكون للشيطان، يكون هذا للشيطان، فمال الإسراف ومال الكافر كل هذا إنما هو الشيطان شاركه فيه، لأن مال الكافر هو مال الله -تبارك وتعالى-، سخره في معاصي الله -عز وجل- فكانت عاقبته وخسارته عليه، وكذلك الولد لو كان ولدًا صالحًا فإن هذا نفعه له ونفعه لأبيه وإنقاذ، أما إن كان ولد غير صالح يبقى هذا حظ الشيطان، هذا حظ الشيطان ونصيبه قد شارك الإنسان في أولاده بأن أخذهم له، جعلهم من عبيده، إنحازوا إلى طرفه، فهنا هذه كذلك مشاركة للشيطان في الأولاد.

قال {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ}، الوعد المكذوب، عدهم كما قال -جل وعلا- {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[النساء:120]، عدهم بالمواعيد الباطلة، يكون ماشي في طريق الكفر ولكن الشيطان يعده بالمغفرة والحظوة عند الله والنجاة، ويكون هو معادي لله -تبارك وتعالى- وقائم في إتلاف دين الله -تبارك وتعالى- وهزيمته ويعده الشيطان بأنه سيحقق هذا، ثم تكون الدائرة عليه كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:36]، {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:48]، فالشيطان يعد أهله بكل الوعود الباطلة، بالنصر، بالتمكين، بعلو دينهم الباطل على دين الإسلام، يعدهم بالأمان، المغفرة في الآخرة، كقول ذلك الكافر {........ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا}[الكهف:36]، والأخر الذي قال {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، والحال أنه لا ينتظر إلا العقوبة عند الله -تبارك وتعالى-، كما قال -تبارك وتعالى- عنهم ما لم يكونوا يحتسبون {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}، وبدا لهم من الله؛ ظهر لهم من الله، ما لم يكونوا يحتسبون؛ فكانوا يحتسبوا شيء أخر، ثم إذا بهم يروا الأمر في الآخرة على خلاف ما تخيلوه لأنهم إتبعوا تغرير الشيطان لهم، {وَعِدْهُمْ} قال -جل وعلا- {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}، تغرير، فالمغرور هو الذي يظن الخير في شيء ويكون هذا الشيء فيه كل الشر، يكون فيه الشر ثم يغرر به، أن يكون هذا الشيء فيه خساره ولكن يزين له أن فيه صلاحه وفيه نجاته وفيه الخير وفيه ...، ثم يكون هو الذي فيه خساره، {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء:65]، إن عبادي؛ هذي الصفوة، وهذه هي القلة التي قال الشيطان فيها {إِلَّا قَلِيلًا}، بالفعل هم قلة وهؤلاء نسبهم الله -تبارك وتعالى- إليه، قال -جل وعلا- {إِنَّ عِبَادِي}، الحقيقيين، نسب الله -تبارك وتعالى- هؤلاء إليه -سبحانه وتعالى-، أنهم عباده المنسوبون إليه؛ إلى الرب –جل وعلا-، {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، نفى الله -تبارك وتعالى- أن يكون للشيطان عليهم سلطان؛ أي سلطة، والسلطان هنا ليس سلطان قهري وكذلك وسوسته ودعوته، أمانيه ونفخه ونفثه ينجيهم الله -تبارك وتعالى- منه، ويحميهم الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ........}[الإسراء:65]، وذلك أنهم عباد الله -تبارك وتعالى- المتوكلون عليه، المحصنون والمخلصون من الله، الذين يخلصهم الله -تبارك وتعالى- وينجيهم من كيد هذا الشيطان، {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}، كفى به وكيلًا، كفى بربك وكيلًا خلاص، يعني مع قيام الرب وتوكله -سبحانه وتعالى- بشيء لا يحتاج مع الرب -تبارك وتعالى- إلى غيره للقيام بالأمر، فكفى به وكيلًا إذا توكل الله -تبارك وتعالى- بعبد من عباده فإن الله -تبارك وتعالى- يكفيه وحسبه -سبحانه وتعالى-، ولا يحتاج مع الرب -تبارك وتعالى- إلى غيره ليقوم بحفظ وصيانة هذا العبد الذي هو قد توكل على الله، ومعنى أنه قد توكل على الله سلم أموره له وجعل همه وفعله كله إلى الله -تبارك وتعالى-.

وهذا الفاصل من السياق هنا من قول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، بعد ذلك الفاصل الذي بيَّن الله -تبارك وتعالى- ظلمة الكافر وأنه مهما أنذر ومهما خوف لا يخاف، {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}، وأخبر الله -تبارك وتعالى- أن السبب هو هذا الشيطان الذي ظن هذا الظن في ذرية آدم، وأنه يستطيع أن يعاملهم كما تعامل البهائم فجرهم خلفه، وأن الله -تبارك وتعالى- قد أطلق يده فيما سار هنا فيه بالنسبة لغواء الشيطان، وذلك أنه قد بيَّن للإنسان طريقه أن هذا عدو وإياك أن تتبع هذا العدو، وإتبع صراطي وطريقي؛ هذا الطريق الموصل للنجاة، فمن أصم أذنه بعد ذلك وأعمى عينه عن طريق الرب -تبارك وتعالى-، ولم يتخذ الله -تبارك وتعالى- وليًا له وإتخذ الشيطان؛ عدو الله وعدو الإنسان، إتخذه ولي فإذن هذا يتخلى الله -تبارك وتعالى- عنه ويبقى موعود الرب -تبارك وتعالى- فيه هذا، يبقى موعود الرب -تبارك وتعالى- فيه {........ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63].

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعصمنا بعصمته، وأن يحفظنا من الشيطان الرجيم، وأن يجمع قلوبنا على الإيمان به ومحبته والسير في طريقه، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.