الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (346) - سورة الإسراء 110-111

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الإسراء:105]، {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}[الإسراء:106]، {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}[الإسراء:107]، {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}[الإسراء:108]، {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء:109]، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}[الإسراء:110]، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111]، يخبر -سبحانه وتعالى- بأن هذا القرآن قد نزل متضمنًا للحق ونزوله حق، فنزوله على النبي -صل الله عليه وسلم- حق، وذلك أنه الرسالة العظمى، كلام الله -تبارك وتعالى-، الكتاب المبارك الذي أراد الله -تبارك وتعالى- به أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه -سبحانه وتعالى-، وأن يكون هذا القرآن ليكون للعالمين نذيرًا {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، وقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1]، {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2]، {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3]، فهذا القرآن قد جاء من الله -تبارك وتعالى- بالبشارة والنذارة وهداية الناس إلى صراط الله -تبارك وتعالى- المستقيم، فنزل نزوله حق وكذلك نزل متضمنًا للحق، فكل ما نزل به القرآن حق سواء من صفات الله -تبارك وتعالى- وعلوم الغيب التي أعلمنا الله -تبارك وتعالى- بها، أو بالأحكام والتشريعات التي شرعها الله -تبارك وتعالى-، أو بإبطال الباطل الذي أبطله ورد على كل شبهات الكفر، فالقرآن كله جاء متضمنًا للحق من الله -تبارك وتعالى-، {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}، وبالحق أنزلناه؛ نزل متضمنًا الحق ونزول القرآن حق، وما أرسلناك؛ أي النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، فهذا الذي كلفه الله -تبارك وتعالى- به أن يبشر أهل الإيمان بما ينتظرهم عند الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة، وأن ينذر أهل الكفران.

وقرآنًا هذا القرآن فرقناه، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- أنزله على سني عمر النبي -صل الله عليه وسلم- الرسالية، منذ أن نزل الوحي من إقرأ إلى أن قبل أن يتوفى النبي -صل الله عليه وسلم- والقرآن يتنزل عليه منجمًا، سورة سورة، أو آيات آيات، أو آية آية، أو بضع آية؛ جزء من آية أحيانًا، قال -جل وعلا- {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ}، على هذه السنين، {........ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}[الإسراء:106]، وكان في هذا حكم عظيمة جدًا، من هذه الحكم أن يظل الوحي على طول متصلًا بالنبي -صلوات الله والسلام عليه-، كما قال -جل وعلا- {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33]، فلا تقع شبهة إلا ويأتي ردها، ولا تقع مشكلة ونازلة وحادثة إلا وينزل الله -تبارك وتعالى- فيها من القرآن ما ينزل، كما وقع في بدر فنزل القرآن في ذلك، وفي أحد نزل فيها قرآن، وفي الحديبية نزل فيها قرآن، وفي تبوك نزل فيها قرآن، وكذلك في الأحداث التي تقع ويفزع الصحابة إلى النبي في حكمها، يسألونك عن الخمر، يسألونك عن اليتامى، فينزل الجواب، يستفتونك قل الله يفتيكم، فهذا كان حكم عظيمة من أن جعل الله -تبارك تعالى- هذا القرآن مفرقًا ولم ينزله كتابًا مكتوبًا جملة واحدة، {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ........}[الإسراء:106]، وبهذا يرتبط القرآن بالأحداث ويصبح كل آية معلوم وين نزلت ولما نزلت وفيمن نزلت، فيرتبط إرتباط في ذهنهم وهذا يسهل عليهم كذلك تعلمه وتعليمه، {وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}.

ثم فاصلهم الله -تبارك وتعالى- بهذا الكلام للكفار {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا}، يعني الأمر عائد في النهاية عليكم، لا تضروا الله -تبارك وتعالى- في كفركم ولن تنفعوه بإيمانكم، بل الله -تبارك وتعالى- هو الغني عن عباده، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- بأنه هيأ لهذا القرآن من يؤمن به، ومن الذين آمنوا به علماء بني إسرائيل وعلماء النصارى الذين وجدوا أنه تمامًا هو القرآن الذي جاء مع المخلص الذي نتظرونه والمبشر به في كتبهم، قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ}، أي من قبل القرآن، {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}، حبًا وشكران لله -تبارك وتعالى- أن جاء المخلص الذي كانوا ينتظرونه ويبشرون به، فيسجدون لله {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}، {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}[الإسراء:108]، وعد الله -تبارك وتعالى- لابد أن يكون، ووعد الله -تبارك وتعالى- لهم في إرسال النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، قد حققه الله -تبارك وتعالى- ببعثة هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه-، {........ إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}[الإسراء:108].

{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ ........}[الإسراء:109]، فرحًا، فرحًا، فرحًا بالذي نالوه وحققوه، أن أمد الله -تبارك وتعالى- في أعمارهم حتى جاء النبي المخلص، فيتبعونه وبذلك يكون لهم الأجر مرتين، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل آمن بنبيه ثم آمن بي»، فهذه منة عظيمة على هؤلاء من الله -تبارك وتعالى- أن أخذوا أجر الإيمان مرتين، مرة بالإيمان بنبيهم والمرة الثانية بالإيمان بمحمد –صل الله عليه وسلم-، فسجودهم لله سجود شكران وعرفان؛ عرفوا الحق ديَّت، {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء:109]، يزيدهم القرآن خشوعًا إلى الله -تبارك وتعالى-، فكأن يقال لهؤلاء العرب الكافرين الجاهلين والذين إمتن الله عليهم بهذه النعمة يعني إذا لم تؤمنوا هناك، من يؤمن بهذا القرآن ومن هداه الله -تبارك وتعالى- ومن عرف حق القرآن هذا فإذا قرئ عليه سجد شكرانًا لله -تبارك وتعالى- وعرفانًا.

ثم قال -جل وعلا- {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}[الإسراء:110]، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111]، هذا ختام هذه السورة العظيمة؛ سورة بني إسرائيل، سورة الإسراء، ختمها الله -تبارك وتعالى- بهذه المواعظ والتوجيهات والتعليم لنبيه -صل الله عليه وسلم- وللمؤمنين، وهذا قد جاء كثيرًا في القرآن أنه تأتي في ختام السور توجيه لأهل الإيمان، كما جاء في سورة البقرة هذا الدعاء العظيم {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}، ثم قوله {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ........}[البقرة:286]، هذي خواتيم البقرة وما فيها من المواعظ ومن توجيه الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان إلى أن يدعوا الله -تبارك وتعالى- بهذا الدعاء العظيم ويشكروه به، وكذلك ختام سورة آل عمران في قول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:200]، أقول جاء كثير في سور القرآن أن يختمها الله -تبارك وتعالى- بمواعظ للنبي وللمؤمنين ليمتثلوا بها، ومن ذلك مثلًا قول الله -تبارك وتعالى- {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق:19]، {........ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}[الروم:60]، موجود هذا بكثرة في القرآن.

من هذا هنا {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ........}[الإسراء:110]، أولًا فيه رد على الكفار الذين أنكروا من أسماء الله -تبارك وتعالى- إسم الرحمن وقالوا هذا لا نعرفه، ولا نعرف وصف الله -تبارك وتعالى- بهذا الإسم، والحال أن الرحمن إسم لله -تبارك وتعالى- كما أن الله إسم للرب -تبارك وتعالى-، وكذلك في الآية توجيه إلى أهل الإيمان أن يدعوا الله -تبارك وتعالى- بكل أسمائه؛ إذ كل أسمائه حسنى، قال -جل وعلا- {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ}، بهذا الإسم، فهذا الله إسمه الأعظم -سبحانه وتعالى- الذي تعرفه به كل الأمم، يعرفون أن الله إذا أطلقت على رب السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، وأنه كل من عبد من دونه لم يتسمى أحد بحمد الله -تبارك وتعالى- بهذا الإسم، فيشرك الله -تبارك وتعالى- في الإسم، وإن كانوا أشركوه في معنى الألوهية والحال أنه لا شريك لله -تبارك وتعالى-، الله لا شريك له، فلذلك كان الله الإسم الأعظم لذات الرب -تبارك وتعالى-، الله هو من أله يأله بمعنى عبد يعبد، فهو المعبود -سبحانه وتعالى- المألوه الذي يألهه كل خلقه -سبحانه وتعالى-، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}، الرحمن إسم لله –عز وجل- وهو مشتق من الرحمة، ورحمة الله -تبارك وتعالى- قد وسعت كل شيء، لا يوجد شيء إلا وفيه من رحمة الله -تبارك وتعالى- {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، كما أن علم الله -عز وجل- قد أحاط بكل شيء فكذلك رحمته، رحته أول شيء من رحمة المخلوق الوجود، فالوجود رحمة؛ إذا أوجد الله -تبارك وتعالى- موجودًا فهذا من رحمته -سبحانه وتعالى-، ثم العناية الإلهية؛ العناية الإلهية بهذا الموجود، فإن هذا الموجود لا يمكن بقائه وإستمراره إلا بعناية الرب -تبارك وتعالى- به، طعامه، رزقه، توجيهه، فهو {........ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، كل شيء مخلوق الله -تبارك وتعالى- خلقه ثم هداه إلى سبيله، كيف يسير في سبيل هداية الرب -تبارك وتعالى-، فالنملة خلقها الله -تبارك وتعالى- ويسر لها السبل التي تسير فيها، وما فيها إيش لون تحضن صغارها وتدخر قوتها وتخفي بيضها وتقاتل عن نفسها، كل هذا يعني هذه كلها من رحمة الله -تبارك وتعالى-، والنبي يقول «إن لله -سبحانه وتعالى- مئة رحمة، أنزل رحمة واحدة فهي التي يتراحم بها الخلق، منها ما ترفع به الفرس رجلها عن إبنها»، هذا جزء من هذه الرحمة الإلهية التي جعلها الله -تبارك وتعالى- في الخلق، «وإدخر تسع وتسعين ليوم القيامة»، الله الرحمن -سبحانه وتعالى-.

فالله يدعى؛ يقال يا الله، أهدني، وفقني، أرزقني، أكرمني، أو يا رحمن إرحمني، فالله له الأسماء الحسنى، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا}، أي من هذه الأسماء، {فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، أيا ما تدعوا من أسمائه فله الأسماء الحسنى؛ المبالغة في الحدية، ليس الحسنة بل الحسنى، فكل أسماء الله -تبارك وتعالى- حسنى، والله -تبارك وتعالى- قد جاء في الحديث «إن لله تسع وتسعين إسمًا من أحصاها دخل الجنة»، منها ما جاء في آخر سورة الحشر {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[الحشر:22]، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الحشر:23]، {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحشر:24]، فهذه من أسماء الرب -تبارك وتعالى-، كل أسمائه حسنى، الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، كل إسم من هذه الخالق، البارئ، المصور، كل إسم من هذه الأسماء أولًا يتضمن معنى، فهي ليست أسماء جامدة وإنما أسماء كلها مشتقة، فكل إسم مشتق من معناه، فالخالق من الخلق والرحمن من الرحمة والجبار من الجبر والعزيز لأنه الغالب الذي لا يغلب -سبحانه وتعالى-، والسميع من السمع والبصير من البصر والمتكبر من الكبر، فكل إسم من أسماء الله -تبارك وتعالى- مشتق من معنى، والله -تبارك وتعالى- بالغ إسمه وصفته في هذا المبلغ ديَّت {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.

{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}، فله المثل الأعلى في كل شيء -سبحانه وتعالى-، في السمع، في البصر، في الكرم، فالله -جل وعلا- له المثل الأعلى، كل إسم يشترك فيه مع المخلوق من باب المشاركة كالكرم والسمع والبصر، إلا أن الله -تبارك وتعالى- الفرق بين ما يتصف الله به وما يتصف به المخلوق كالفرق بين الخالق والمخلوق، فنقول إنه هذا سميع الله سميع والمخلوق سميع، لكن شتان بين سمع الله -تبارك وتعالى- وسمع المخلوق، والله هو العليم والمخلوق قد يوصف بالعلم قال {نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}، لكن فرق بين علم الله -تبارك وتعالى- كالفرق بين ذات الله -تبارك وتعالى- وذوات المخلوقين، {فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، فيدعى -سبحانه وتعالى- بأسمائه، أمر الله -تبارك وتعالى- ووجهنا الله أن ندعوه بأسمائه، وهذا من التوسل لله -تبارك وتعالى- باستجابة الدعاء، يعني طريقة استجابة الدعاء أن نثني على الله، أن نحمد الله، أن نثني عليه، أن ندعوه بأسمائه فيستجيب لنا، فعندما نطلب الرزق نقول يا رزاق، فنطلب منه -سبحانه وتعالى- بمعاني أسمائه، يا رزاق أرزقنا؛ بأسمائه، يا رحمن إرحمنا، يا غفور إغفر لنا، يا عزيز أرزقنا النصر على أعدائنا، فالرب هو العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-، {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، أيًا ما تدعوا؛ بإسم من هذه الأسماء، فأسماء الله -تبارك وتعالى- حسنى فادعوا الله -تبارك وتعالى- بها.

ثم قال -جل وعلا- {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها؛ قيل هنا صلاتك يعني اللي هي الصلاة المعروفة بقرائتك، وفسر أيضًا بصلاتك أي بدعائك، لأن الصلاة في اللغة تأتي بمعنى الدعاء، وتأتي كذلك الصلاة أحيانًا في القرآن والسنة بمعنى الدعاء، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب:56]، فأمر الله -تبارك وتعالى- بأن نصلي على عبده ورسوله محمد أي الدعاء له، كما علمنا النبي -صلوات الله والسلام عليه- قال «قولوا اللهم صلي على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد»، هذا دعاء وإبتهال إلى الله -تبارك وتعالى- أن يصلي الله -تبارك وتعالى- على نبيه، الصلاة من الله ليست دعاء لأن الله لا يدعوا أحدًا -سبحانه وتعالى- فوقه، وإنما الله هو مستجيب الدعاء -سبحانه وتعالى-، فالصلاة من الله -تبارك وتعالى- على أحد من خلقه؛ على نبيه وعلى المؤمنين، هو إستجابة دعائهم؛ أن يستجيب دعائهم -سبحانه وتعالى-، أن يمن عليهم بفضل وإحسانه وكرمه، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب:41]، {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب:42]، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}، فهو الله -تبارك وتعالى- يصلي عليكم؛ يعني يصلى على عباده المؤمنين، بمعنى يستجيب صلاتهم، يستجيب دعائهم -سبحانه وتعالى-، وأما صلاة الملائكة على عباد الله المؤمنين فإنما هو دعاء الملائكة ربهم -سبحانه وتعالى- من أجل المؤمنين، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر:7]، {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[غافر:8]، {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:9]، هذا دعاء الملائكة لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين، الملائكة كلهم الذين يحملون العرش ومن حول العرش من الملائكة يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، والنبي يقول «إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وأن طالب العلم يدعوا له كل شيء حتى الحوت في الماء يدعون ويصلون على طالب العلم».

الشاهد هنا أن الصلاة تأتي بمعنى الدعاء، ومن أجل هذا جاء عن بعض السلف أنه فسر هنا {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ}، أي بدعائك، وجاء ولا تجهر بصلاتك أي بقرائتك، فالقراءة كذلك تطلق عليها الصلاة لأن القراءة تسمى الصلاة بجزء من أعمالها، كما نسميه بالركوع وبالسجود تقول ركعت ركعتين، سجدت سجدتين، وكذلك بالقراءة كما في قول الله -تبارك وتعالى- {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء:78]، فقال الله وقرآن الفجر؛ يعني صلاة الفجر، وسميت قرآن لأن هذا ركنها الأعظم، ركن الصلاة الأعظم؛ صلاة الفجر الأعظم هو القراءة، ولذلك كان النبي -صل الله عليه وسلم- يطيل فيها القراءة، أكثر صلاة كان النبي يطيل فيها القراءة هي صلاة الفجر، {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا}، «جاء عن إبن عباس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صل الله عليه وسلم- كان إذا قرأ القرآن بالليل في مكة رافعًا صوته، يقوم إذا سمعه الكفار سبوا القرآن ومن أنزله، فلما يتخافت به يسمع نفسه فقط كان هناك من يحب سماع قرائته»، يأتي أحيانًا بعض الكفار سرًا وحدهم خوفًا من أن يعرفهم أحد من المشركين الأخرين فينكرون عليهم، فيأتوا لسماع قراءة النبي فإذا أتوا وكان النبي يقرأ في سره لا يسمعون، فأمر النبي -صل الله عليه وسلم- وهذا طبعًا أمر للمؤمنين أن يجعلوا قرائتهم بالليل قراءة متوسطة، ليست عالية فيسمعها الكفار الذين لا يريدون سماعها، وليست منخفضة فلا يسمعها من الكفار من يأتي لسماعها، فأمرهم الله -تبارك وتعالى- بأن يكون صلاتهم يعني قرائتهم وسط، {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، وكذلك جاء أيضًا يعني هذا هو الذي ينبغي أن يكون في صلاة الليل دائمًا، سواء كان الكفار يسمعون ذلك أو لا يسمعون، كما كان الشأن في أن عمر كان يرفع صوته إذا قرأ من الليل، وأبو بكر كان يقرأ سرًا فقالوا له لما تقرأ سرًا؟ قال قد أسمعت من أدعوا ومن أناجي، وقيل لعمر قال أوقظ الوثنان وأطرد الشيطان، فالقراءة تطرد الشيطان وتوقظ الوثنان اللي هو يأتيه نوم، فقيل لعمر إخفض قليلًا وقيل لأبو بكر إرفع قليلًا، فهذه أصبحت هي سنة صلاة الليل هو أن يقرأ فيها قراءة وسط ليست بالمرتفعة العالية وليست بالمنخفضة، {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ}، جهر عالي، {وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، يكون هذه قراءة الليل.

فهذا توجيه من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين أن يدعوه بأسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى-، وأن يقرأوا في صلاتهم في قراءة الليل وسطًا؛ بين الجهر المرتفع وبين الإخفات، وأما الدعاء فإنه قد جاء بأنه الأفضل في الإخفات، كما قال -تبارك وتعالى- {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[الأعراف:55]، فالدعاء الإفضل فيه الإخفات، وقد أمر النبي بالإخفات في الدعاء كما سمع أناث وهو في سفر يدعون بأصوات مرتفعة، فقال لهم «أيها الناس إربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إن الذي تدعونه سمعيًا بصيرًا، هو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»، فقالهم أنتوا تدعوا الله -سبحانه وتعالى- فادعوا الله في أنفسكم، فالدعاء سواء كان في الصلاة أو في غيرها يكون مخافتة، وأما القراءة اللي هي قراءة صلاة الليل فوسط.

ثم قال -جل وعلا- {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111]، هذا ختام عظيم لهذه السورة، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، الحمد بالألف واللام الإستغراقية؛ كل المحامد لله، لأن الله -سبحانه وتعالى- يحمد لصفات العلا ولأسمائه -سبحانه وتعالى- ولذاته الكريمة، فالله -تبارك وتعالى- هو الرب الإله الذي يحمد لذاته والمحمود لذاته -سبحانه وتعالى-، فكل صفاته حسنة وكل أسمائه حسنة -سبحانه وتعالى-، فله الحمد أنه الرب الإله الخالق الرازق المحيي المميت العلي الجبار المتكبر، كل أسمائه حسنى، فالله يحمد ويمدح لذاته، كذلك يحمد لإنعامه وإفضاله، فكل فضل ونعمة إنما هي منه، وكل متفضل ما تفضل بشيء إلا منه -سبحانه وتعالى-، فضل العالم، فضل الرسل، فضل الوالدين، فضل كل ذي فضل على غيره، كله منه -سبحانه وتعالى-، كله منه -سبحانه وتعالى-، فهو مجري النعم كلها -سبحانه وتعالى- الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، كلها منه -سبحانه وتعالى-، فالله هو المحمود، هو الذي له الحمد كله -سبحانه وتعالى-، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، ثم من صفاته {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}، ليس له ولد، ليست له زوجة، {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}، لا كفء له، لا ند له، لا جزء له -سبحانه وتعالى-، الولد جزء والله -تبارك وتعالى- لا جزء له، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]، {اللَّهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص:2]، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:3]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:4]، ولذلك كذب وكفر هؤلاء الذين قالوا لله ولد، من اليهود الذين قالوا العذير إبن الله، من النصارى الذين قالوا المسيح إبن الله وقالوا إله من إله، يخلق ويرزق ويحيي ويميت، فأشركوا في ألوهية الرب وربوبيته المسيح -عليه السلام-، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، ومشركوا العرب كفروا بالله وقالوا الملائكة بنات الله، جزء منه، لهم شيء نصيب في الدعاء، يدعون ليشفعوا عند الله -تبارك وتعالى-، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، فالله لم يتخذ ولدًا قط -جل وعلا-، -سبحانه وتعالى-.

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}، لا شريك معه في ملكه، لا ملك يشرك الله -تبارك وتعالى- ولا عبد ولا رسول ولا ديَّت، بل كل من في السماوات والأرض عبيده، كلهم عبيده -سبحانه وتعالى-، الملائكة عبيده وليسوا بناته أو أولاده كما ظن المشركون، فكل الخلق إنما هو في مقام العبودية له –تبارك وتعالى-، سواء العبودية القهرية كعبودية الكفار أو العبودية الإختيارية وهي عبودية سائر المؤمنين من الملائكة ومن الإنس والجن، فالله لا شريك له في ملكه، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}، لم يكن له وليًا من الذل، يتخذ الله -تبارك وتعالى- أولياء من خلقه لكن لا ليعتز بهم، وإنما يحب الله -تبارك وتعالى- من عباده ويوالي من عباده من يوالي رحمة منه -سبحانه وتعالى-، فالرسل أوليائه وقد إتخذ الله -تبارك وتعالى- إبراهيم خليلًا؛ في أعلى درجات المحبة والولاية لله -تبارك وتعالى-، ومحمد -صلوات الله والسلام عليه-، والله -تبارك وتعالى- يوالي عباده المؤمنين، الله ولي كل مؤمن، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، ولكن الله -تبارك وتعالى- لم يتخذ هؤلاء الأولياء لينتصر بهم وليتقوى بهم، مو من الذل، مو لأن الله ذليل ينصره هؤلاء، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}، وإنما يتخذ أوليائه -سبحانه وتعالى- رحمة -سبحانه وتعالى- منه، ومحبة منه -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين، {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، كبر؛ إعتقد أنه الكبير، الله أكبر من كل خلقه، أكبر من كل خلقه، أكبر من السماوات ومن الأراضين ومن الملائكة ومن العرش ومن كرسيه، فالله -تبارك وتعالى- كل مخلوقات الله صغيرة بالنسبة إليه، «ما السماوات السبع والأراضين في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم»، كما يقول النبي -صل الله عليه وسلم- يكون ديَّت مأثور عن إبن عباس، وصف الله -تبارك وتعالى- هذا فقال {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]، وقال {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104]، فالله هو الكبير -سبحانه وتعالى-، الأكبر من كل خلقه -سبحانه وتعالى-.

بهذا الختام العظيم البديع تنتهي هذه السورة؛ سورة بني إسرائيل، سورة الإسراء، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما فيها من الهدى والعلم، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.