{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله أصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1]، {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2]، {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3]، {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}[الكهف:4]، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5]، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6]، {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الكهف:7]، {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:8]، هذه الآيات هي الآيات الأولى من سورة الكهف، وهذه السورة مكية بتمامها، كل آياتها قد نزلت على النبي -صل الله عليه وسلم- قبل هجرته -صل الله عليه وآله وسلم-، وقد جاء في فضل فواتحها وخواتيمها أحاديث منها أنه من قرأها عصمه الله -تبارك وتعالى- من فتنة الدجال، وأنه كان له نور ما بين هذه الجمعة والتي تليها، وجاء الحث على قرائتها في كل جمعة يعني في يوم الجمعة.
بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بحمد نفسه -سبحانه وتعالى- على إنزال هذا الكتاب القرآن الذي لم يجعل له عوجًا؛ الكتاب القيم، قال -جل وعلا- {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1]، الحمد بهذا الألف واللام استغراق كل المحامد، المحامد؛ الثناء والمدح لله -تبارك وتعالى-، والله يحمد لذاته -سبحانه وتعالى- فهو المحمود لذاته بذاته، ولا يثني عليه أحد كما أثنى هو على نفسه، لأنه لا يعلم الله على الحقيقة إلا الله -تبارك وتعالى-، وكذلك الله -تبارك وتعالى- هو المحمود لأفعاله، كل أفعاله جميلة وكل فعله خير -سبحانه وتعالى-؛ الخير كله بيديه، وكل نعمة بأحد من خلقه إنما هي منه –سبحانه وتعالى-، وكل تفضل لمخلوق ونعمة من مخلوق على مخلوق إنما هي منه -سبحانه وتعالى-، فنعمة الرسل على أقوامهم منه -سبحانه وتعالى-، فالله هو الذي أرسل الرسل، هو الذي أنزل الكتب، هو الذي هدى، هو الذي أقام من دعاة الحق والخير الذي يهدون إلى سبيله، الله هو الذي أقامهم وهذه نعمته -سبحانه وتعالى-، وكذلك كل فضل يجريه الله، كل فضل يجري إنما هو بإجراء الله -تبارك وتعالى-، فهو الرب الإله المحمود على كل أفعاله، كل أفعاله خير -سبحانه وتعالى-، فمن صنيعه الجميل وفعله العظيم -سبحانه وتعالى- إنزال هذا القرآن على عبده ورسوله محمد -صل الله عليه وسلم-، فالله هو الذي أنزل على عبده الكتاب، هو -سبحانه وتعالى- وهذا إنزاله وهذا كلامه -سبحانه وتعالى-، وعبد الله هنا هو محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ووصفه الله -تبارك وتعالى- بالعبودية هنا تشريفًا له وتعظيمًا، فإن العبودية لله -تبارك وتعالى- أشرف المواطن، أشرف شيء يمكن أن يبلغه المخلوق أن يكون عبدًا لله -تبارك وتعالى-؛ هذا أشرف شيء، إذا حقق هذه العبودية تحقيق إختياري إرادي وسار فيه ووفقه الله -تبارك وتعالى- وأقامه في هذا لمقام، هذا قد شرفه الله -تبارك وتعالى- التشريف كله، ومحمد -صلوات الله والسلام عليه- قد حقق هذه العبودية، العبودية الإختيارية لله -تبارك وتعالى- بما هداه الله -تبارك وتعالى- ووفقه، وكان عبدًا حقيقيًا لله -تبارك وتعالى-.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ........}[الكهف:1]، هذا القرآن، سمي كتابًا وسماه الله -تبارك وتعالى- كتابًا لأنه قد كتب في السماء قبل أن ينزله الله -تبارك وتعالى-، وكتب في الأرض، وأمر الله –تبارك وتعالى- بكتابته ويحفظ في الأرض، وهو أعظم كتاب قد حفظه الله -عز وجل- {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]، أعظم ما كتب والذي تضمن كلام الله -تبارك وتعالى-، فهو الكتاب على الحقيقة، الكتاب الذي ينبغي أن يسمى كتاب؛ الكتاب على الحقيقة، هو هذا الكتاب؛ كتاب الله -تبارك وتعالى-، ثم مدح الله -تبارك وتعالى- هذا القرآن وبين صفة من صفاته، قال {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}، ما في هذا القرآن أي إعوجاج، بل كله مستقيم، كله كلام مستقيم؛ في أخباره وفي أحكامه، فهو {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}، فليس فيه أي إلتواء ولا إنحراف عن الحق؛ لا في الأخبار ولا في الأحكام، كله عدل وكله مستقيم، ولم يجعل الله -تبارك وتعالى- في أي ...، الكلام هذا فيه أي عوج، أيضًا لم يجعل له عوجًا في اللسان، بل هو مستقيم كذلك في اللسان، ما في خطأ لساني بياني في هذا القرآن، لأن هذا القرآن أنزله الله -تبارك وتعالى-، هو كلامه معجز، وليس فيه كلمة في غير محلها ولا عبارة في غير محلها ولا شيء هش، بل هو كله قد أحكمت آياته، الإحكام يعني الإحكام بناء الكلمة وديَّت، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي تكلم به، هو الذي بناه هذا البناء منه -سبحانه وتعالى-، الله تكلم به -سبحانه وتعالى- فلم يجعل هناك في صياغة هذا القرآن بهذا الكلام العربي لا عوج فيه، فلا عوج في المعنى ولا عوج في اللغة وفي اللسان، {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}.
قيمًا؛ قيم، ذو قيمة، وقيمته من قيمة من أنزله -سبحانه وتعالى-، فالله -تبارك وتعالى- هو منزله، هو المتكلم به -سبحانه وتعالى-، فهو كتاب قيم؛ ذو قيمة، كذلك قيم؛ قويم، يعني أنه مستقيم ما هو ديَّت، فيكون قيم إذا فسرت أنه جاي من الإستقامة فإنه تأكيد لمعنى أنه لا عوج له، وقيم أنه ذو قيمة فهو كتاب قيم، لا أقيم من هذا الكتاب ولا أبرك منه، الله -تبارك وتعالى- جعل فيه بركات؛ بركاته الهداية، أنه بيان للناس، إقامة الحجة عليهم، التفضل بهذا التشريع الكامل العظيم، فهو المنة السابغة من الله -تبارك وتعالى- على عباده المؤمنين حيث يهديهم إلى الطريق الأقوم، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، وكذلك ما فيه من البشارة وما فيه من النذارة، {........ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2]، فهو كتاب قيم، ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- أهداف وغايات هذا الإنزال؛ هذا الكتاب، قال {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، هذا هدف من أهداف نزول القرآن {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، يعني لينذر الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن المنزل بأس؛ شدة، عقوبة، عاجلة في الدنيا وكذلك آجلة، شديدًا؛ بأس شديد، فإن بأس الله وعقوبته وإنزال عذابه -سبحانه وتعالى- بمن يعاقبه مؤلم، انظر الهلاك المستئصل الذي إستأصل به من مضى من الأمم، إغراق قوم فرعون، إهلاك عاد بالريح العقيم، إهلاك ثمود بالصيحة، قلب قرى لوط على رؤوس أصحابها، هذا ألوان من ألوان أخذ الله -تبارك وتعالى- لأعدائه في الدنيا {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وعقوبته في الآخرة الذي لا عقوبة ديَّت {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25]، {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، لا أحد يعذب كما يعذب الله، ولا أحد يوثق أعدائه كما يوثق الله -تبارك وتعالى- أعدائه، {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، منه، فهذا البأس من عنده -سبحانه وتعالى-، وإذا كان بأس الله الذي ينزل بأعدائه فلينظر أي بأس سيكون، بأس الرب الجبار القوي الممتنع القهار -سبحانه وتعالى-، الذي بيده الأمر كله والذي يطيعه كل ...، يعني لا يتأبى عليه شيء -سبحانه وتعالى-، {لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، فهذا أول شيء والقرآن جاء بهذا؛ بهذه النذارة للعالمين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، يكون هذا القرآن نذير للعالمين، احذروا أيها الناس، تعالوا إن ربكم الله -سبحانه وتعالى- يأمركم أن تتخذوا الطريق إليه وإلا فانتظروا العقوبة الإلهية التي تكون في الدنيا والآخرة، العقوبة كذا وكذا وكذا ...، فهذا أولًا النذارة من الله.
ثم قال {........ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2]، هذا أيضًا هدف من أهداف القرآن أنه نزل بالبشرى، لكن لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين الذين يعملون الصالحات، قال ويبشر؛ أصل البشرى هي الإخبار بما يسر، بما يسر في الدنيا وفي الآخرة، وسميت البشرى قالوا من البشرة، وذلك أن من يخبر بخبر سار فإنها تظهر على بشرته، يشرق وجهه ويستضيء وديَّت، بعكس من ينذر ويبشر بالأخبار السيئة، ينذر بالخبر السيء فإنه يسود وجهه، ينعكس هذا على البشرة كما حال من هو في غم وهم وكرب فإنه يظهر على بشرته كذلك، فمسيت البشارة من هذا، البشارة هي الإخبار بما يسر تظهر أثرها هذي على بشرة الإنسان، ويبشر؛ يخبر بالأخبار السارة المفرحة للمؤمنين، يعني يا أيها المؤمنون ربكم الله، وليكم، ناصركم، اثبتوا معه، هو يثبتكم، هو معكم، فهذي بشارة؛ بشارة بالدين، بشارة بالنصر، سينصركم على أعدائكم، سيرزقكم الرزق الحسن، يحيكم الحياة الطيبة في هذه الدنيا، تنتظرون عنده ما تنتظرون من الرضوان ومن الجنة ومن السرور ومن الحبور ومن ومن ...، هذه الأوصاف العظيمة التي وصف الله -تبارك وتعالى- بها جنته ورضوانه، هذي بشارات، هذه بشارات نزل بها القرآن، ويبشر المؤمنين؛ قال الذين يعملون الصالحات، ربط بين الإيمان والعمل الصالح وهذا كله في القرآن، كما قال الإمام الأجري يقول ((تتبعت آيات القرآن التي تخبر بالجنة، فرأيت أنها في سبع وخمسين موضع قد إرتبط الإيمان بالعمل الصالح))، وهذا حق فإنه لم تأتي البشرى للجنة إلا مقرونه بالإيمان والعمل والصالح، لابد من الإيمان والعمل الصالح، وإذا إقترن الإيمان بالعمل الصالح فإن الإيمان ينصرف إلى عمل القلب، والعمل الصالح ينصرف إلى عمل الجوارح، كما سئل النبي عن الإيمان فقال «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله -تعالى-»، فجعل هذا الإيمان وهي كلها أعمال قلبية، تصديق القلب وعمل القلب بهذا، ثم سئل عن الإسلام فقال «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله»، والشهادة عمل لساني، «وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت»، كلها أعمال هذي ظاهرة، فالصلاة قيام وقعود وركوع، والصوم إمتناع عن الطعام والشراب، والحج أعمال وأقوال في طواف، في سعي، كلها أعمال هذي أعمال جوارح، وأعمال مالية، دفع نفقة معينة وذبح، فالأعمال الصالحة هذي التي قال النبي فيها «الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، هذي شعبة ديَّت، هذي الأعمال الصالحة، كل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به إما في القرآن أو أمر النبي -صل الله عليه وسلم- في السنة، كل أما جاء فيه أن هذا عمل ودين وشرع وقربى هذا كلها صالحة، هذي كلها الأعمال الصالحة، هذي كلها الأعمال الصالحة، والإيمان بالله هو هذه الإيمان «بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله -تعالى-»، وهذا لا يكون الإنسان مؤمنًا إلا إذا كان مصدقًا بهذه الأخبار ثم القلب يعمل بهذا التصديق، فمن صدق بالله -تبارك وتعالى- لابد أن يخافه، لابد وأن يرجوه، لابد وأن يحبه، فهذا كلها فالحب والخوف والرجاء والخشية كل دي أعمال القلب؛ هي نابعة من الإيمان، هذه نابعة من الإيمان، فمن آمن بالله -تبارك وتعالى- حق الإيمان لابد أن يكون عنده هذه الأعمال القلبية.
فالقرآن جاء يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات، فكأن هؤلاء هم المؤمنون، فقال الله {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ}، هذا هو هذا وصف أهل الإيمان {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}، {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3]، عظيم، بشارة عظيمة من الله أن لهم أجر حسن، الله سمى ما يناله أهل الإيمان في الآخرة أجر، والأجر هو أخذ ثمن ومكافأة للعمل، كما نقول هذا العامل عمل يوم فأخذ أجره عشر دنانير مثلًا؛ هذا أجر العامل، وهذا الطبيب كشف على هذا المريض وأعطي أجرته، ها الكشف هذا بخمسين دينار مثلًا هذا أجرة هذا الطبيب، وهذا المهندس عمل هذا التصميم وأعطي مئة دينار لهذا الرسم، أخذ أجره؛ هذا أجر، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يعطي أهل الإيمان أجرهم، وأخبر بأنه يعطيهم أجرهم، وأنه يعطيه أجرهم على كل عمل صالح سواء كان هذا العمل من أعمال القلوب أم من أعمال الجوارح، وأن هذا العمل عظيمًا كان أو صغيرًا جدًا فيعطون، ولا يبخثهم الله -تبارك وتعالى- أجر ولو مثقال ذرة {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40]، فالله يعطي أجر عظيم على كل عمل عمله المؤمن ولو كان شيء يسير، قابل أخاه المسلم فابتسم في وجهه؛ بش فيه، هذه البسمة؛ تبسمك في وجه أخيك المسلم صدقة، كما قال النبي «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، قال لا تحقر هذا، يعني شنو؟ إيش قيمة هذا؟ لا، هذا له قيمة، لأن تبسمك في وجه أخيك المسلم هذا عمل صالح والله -تبارك وتعالى- يعطي الأجر عليه؛ يكتبه، كل عمل يعمله المؤمن من الأعمال الصالحة مكتوب ويثيب عليه؛ ثواب حقيقي، ثواب حقيقي، يعني إليه ثواب حقيقي؟ يعني أجر حقيقي يعطاه، فليس أهل الجنة، أهل الإيمان ليسوا بدرجة واحدة وبغنى واحد في الآخرة، في تفاضل هائل جدًا بين مؤمن دخل الجنة ومؤمن أخر دخل الجنة، تفاضل في الدرجة، تفاضل في مقدار النعيم الذي يأخذ، قد يكون الإنسان في ألف قصر، قد يكون الإنسان في ملايين القصور، قد يكون إنسان في رقعة من رقاع الجنة قدر الدنيا وما فيها؛ هذا أهل واحد، لكن قد يكون قدر هذه الدنيا ملايين المرات من مكان واحد، في الرفعة الرسول يقول «إن أهل الجنة يترائون الغرف فوقهم، كما تترائون النجم الغابر البعيد في الأفق»، لبعد ما بين الدرجتين، فبعد ما بين درجة في الجنة ودرجة، فالجنة تفاضل، كيف تفاضل أهل الجنة في هذا التفاضل العظيم، بين مؤمن في ربض الجنة، مؤمن في وسطها، مؤمن في أعلاها، مؤمن في الفردوس؛ أعلى الجنة، إيش لون هذا الذي نزل الفردوس وهذا الذي نزل في ربض الجنة؟ بالعمل؛ هذا بالعمل، بمقدرا ما أخذ من الأجر، وقد يكون إثنان في العمر سواء والعمل سواء لكن واحد زاد بتسبيحة واحدة عن الأخر يبقى أخذ درجة أعلى من الأخر، وأجر أعلى من الأخر، فالله جعل أعمال أهل الإيمان ...، الله -تبارك وتعالى- جعلها سبب ليأجرهم، ولكن الأجر طبعًا لا يمكن إن إحنا نقيس أجر عطاء الرب؛ أجر الرب لمن يطيع، بأجر أي محسن في الدنيا لمن يعمل له عمل، فقد تعمل عمل لملك من الملوك تبني له قصر، تخدمه خدمة، تكتب له قصيدة تمدحه فيها، تثني عليه بشيء، تقدم له خدمة من الخدمات فيعطيك أجرك، يعطيك أجر القصيدة التي كتبتها له، المدح الذي مدحته به، البناء الذي بنيته له، العدو الذي دفعته عنه، يعطيك أجرك، مهما كان هذا الملك من الغنى ومن الكرم ومن ديَّت، ماذا سيعطي من يعطيه؟ مليون، إثنين مليون، ثلاث ملايين، قصر ديَّت، لا يمكن أن يقاس ما يعطاه عامل لمن يعمل لمخلوق بعامل يعطيه الله -تبارك وتعالى- الأجر من عنده، لأن هذا أجر الله -تبارك وتعالى- وأجر الله ديَّت، فأجر الله؛ الله -تبارك وتعالى- يعطي أجر لا يمكن يخطر بالبال حجمة وبقائه، الله يعطي الجنة، يعطي الجنة التي موضع الصوط فيها خير من الدنيا وما فيها، يعطي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يعطي الخلود الدائم في نعيم دائم لا ينقطع، ماذا تريد؟ خذ، {........ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ}[يس:57]، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}[الزخرف:70]، الله يعطي أهل الجنة، يعطيه أقل أهل الجنة من له زوجتان لو أن واحدة منهن نظرت إلى أهل الأرض لأضائت ما بين السماء والأرض، ولملأته ريحًا، تملأ كل رائحة طيبة من السماء من حيث تنظر إلى الأرض كلها، أمر لا يمكن وصفه، فعطاء الرب -تبارك وتعالى-، أجر الله -عز وجل- لا يمكن أن يوصف وليس كعطاء مخلوق لمخلوق، فالقرآن نزل بهذا.
والقرآن مليء مساحة كبيرة جدًا من القرآن تبين كيف أن الله -تبارك وتعالى- سيكرم أوليائه بما يكرمهم به في جنته ورضوانه -سبحانه وتعالى-، وصف لهذه الجنان ووصف لما فيها من البهجة والحبور والدور والقصور، وصف الله -تبارك وتعالى- الجنة وصف عظيم جدًا في القرآن، وصف أنهارها وأشجارها وثمارها وفرح أهلها ومجالسهم ومتعهم وحبورهم وخيامهم وقصورهم وآنيتهم ولباسهم وخواتيهمهم وحليهم، شيء وصف عظيم جدًا، ثم ما ينالوه من رضوان الله -تبارك وتعالى- ومن البقاء السرمدي الذي {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}، القرآن نزل بهذا، {........ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2]، أجر من الله حسن؛ جنة، التي لا أحسن منها، {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3]، ماكثين فيه، المكث؛ البقاء، يعني باقين في هذا الأجر الحسن أبدًا بلا إنقطاع، شيء عظيم أن يأتي قرآن من الله، كتاب من الله مكتوب ينزله الله -تبارك وتعالى- ويخبر عباده بأن هذا لكم كذا وكذا، والله لا يخلف وعده ولا يقول إلا حقًا وصدقًا هذه ديَّت، هذي أي بشرى، أي فوز، أي وعد كهذا الوعد الذي نزل به القرآن، كيف لا يحمد الرب -تبارك وتعالى- على إنزال هذا القرآن! {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1]، {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، له الحمد أن خوف العباد من هذا البأس الذي ينتظرهم عند الكفر، {........ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2]، {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3].
ثم عاد الله -تبارك وتعالى- إلى تفصيل الإنذار، ومن الذين ينذرون بهذا، أكبر مجرمين يستحقوا نذارة الرب -تبارك وتعالى-، قال {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}[الكهف:4]، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5]، هذا إنذار منه –سبحانه وتعالى- لأكبر مجرمين مفترين على الله -تبارك وتعالى-، الذين سبوا الله وشتموه ونسبوا إليه ما لا ينبغي نسبته إليه بتاتًا وهو أن له ولد، قال {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}[الكهف:4]، نزل هذا القرآن بالنذارة والتخويف لمن قالوا إتخذ الله ولدًا، والقائلون بهذا، أعظم من قال بهذا وأفجر هم النصارى، والذي إدعوا لعيسى أنه إبن لله، قالوا بكره وإبن على الحقيقة، إله من إله، إختلط فيه الناسوت؛ الإنسان، باللاهوت؛ بالله، واختلفوا إرادة واحدة ولا إرادتين، مشيئة واحدة ولا مشيئتين، الخلطة هذي التي قالوها بين اللاهوت والناسوت هل هي خلطة متميزة ولا خلطة ممتزجة كالماء والخمر، أو متميزة كالفول والعدس بعضها مع بعض، وهل إرادة ولا إرادتين من السفاهة والإجرام الذي قالوه، والخبط الذي خبطوه في الله -تبارك وتعالى- خبط طويل، فهؤلاء المجرمون هم أكبر من سب الله -تبارك وتعالى- وشتمه بنسبة الولد إليه، والله -سبحانه وتعالى- هو الواحد الأحد الذي لا ولد له، وقالوا في عيسى ما قالوا أنه إله حق من إله حق وأنه وجد قبل الدهور، كان موجودًا مع أبيه قبل الدهور ولكنه نزل إلى الأرض وتأنس؛ أصبح إنسانًا، وعاش وولد من بطن مريم وعاش ودعى ثم صلب على الخشبة، ثم مات ثلاثة أيام ثم صعد إلى جوار أبيه، ثم سيأتي ليدين الأحياء والأموات، من هذا الإفتراء والكذب والتخبيط على الله -تبارك وتعالى-، وللأسف أنهم أكثر أهل الأرض عددًا لا كثرهم الله -تبارك وتعالى-، وأشر من في الخليقة لأنهم نسبوا إلى الله -تبارك وتعالى- ما لم ينسبه عابد إلى إلهه؛ حتى كل المشركين، نسبوا ما نسبوا، كل عابد جعل إلهه في موقع العز إلا هم جعلوا إلههم في موقف الذل، فجعلوه يضرب على قفاه ويبصق في وجهه ويصلب على خشبة ويستغيث للبشر أن يغيثوه، ليطعموه، ليسقوه، فلا يغيثه أحد، فنسبوا إليه كل نقص، فهم أضل البشر في إلههم، فهؤلاء الذين إفتروا على الله هذا الإفتراء وكذلك مثلهم اليهود الذين قالوا في عذير، ومثلهم مشركوا العرب الذين قالوا في الملائكة، كل هؤلاء الذي قالوا إتخذ الله ولدًا.
قال -جل وعلا- {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ........}[الكهف:5]، يعني كبرت كلمتهم كلمة؛ هنا على التمييز، كلمة هنا على التمييز، يعني إنها كلمة لا أكبر منها ولا أشنع في الإثم والفجور، قال تخرج من أفواههم؛ ما عقلها قلب، ولا يعقلها قلب، ذو قلب حقيقي ما يعقلها، وإنما تخرج من اللسان بدون فهم، {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}، يعني لا يقولون في هذا إلا كذب على الله -تبارك وتعالى-.
لهذه الآيات -إن شاء الله- عودة في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.