الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (351) - سورة الكهف 32-44

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، وإهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}[الكهف:32]، {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا}[الكهف:33]، {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}[الكهف:34]، {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}[الكهف:35]، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا}[الكهف:36]، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف:37]، {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:38]، {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}[الكهف:39]، {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:40]، الآيات من سورة الكهف وهي في سياق رد الله -تبارك وتعالى- وبيانه لهؤلاء الملأ من قريش، الأغنياء الذين إعتزوا بأموالهم وما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- وأنفوا أن يدخلوا الدين مع الفقراء والمساكين، قال -جل وعلا- {وَاضْرِبْ لَهُمْ}، اضرب لهؤلاء، {مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ}، هذا هو الغني والله -تبارك وتعالى- هو الذي جعل هذا، وذلك أنه خالق الخلق -سبحانه وتعالى- وهو مدبر الأمر وهو رازقهم -سبحانه وتعالى-، فهذا الغني ما كان غنيًا إلا بالله -تبارك وتعالى- وبعطاء الله، فالله هو الذي جعل له هذا، قال جعلنا لأحدهما جنتين؛ بستانين، الجنة؛ البستان، {........ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}[الكهف:32]، وهذا من أطيب الثمار وأحسنها في الأرض؛ الأعناب والنخيل، وإذا كانت الأعناب؛ الأعناب تكون إما أرضية أو معروشة، والنخل حولها فيكون المنظر أبهى وأجمل، فإن هذه تكون دون المستوى والنخل يظهر أعلى إمتداد البصر، وقد حف البستان كل بستان من البستانين بالنخل وأصبحت الأعناب في الوسط، منظر بديع جميل، قال -جل وعلا- ثم قال {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}، بين أشجار العنب الزرع اللي هو الصغير، بين الأعناب وبين الأعناب والنخيل، وهذا يعني الساحة والمساحة كلها إمتلأت بالخضرة، فالزرع الصغير بعده الأعناب بعده النخيل في آخره، وفي مد البصر يجد الإنسان البساط الأخضر ممتدًا أمامه.

قال -جل وعلا- {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا}، هذا من تمام النعمة وتمام البهاء والجمال والثمرة، كلتا الجنتين؛ يعني كلا البستانين، آتت أكلها؛ أخرجت ثمرها، الأكل ما يؤكل منها وهو الثمار، عين الزرع كامل الثمرة والأعناب مكتملة الحمل والنخيل مكتملة الثمرة، {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}، تظلم؛ تنقص، يعني ما في نقص، النخل أحيانًا تحمل في سنة أكثر من السنة التي بعدها، تترك تقولوا تريح سنة، تترك سنة ثم يأتي ثمارها في السنة التي بعدها، لكن الله -تبارك وتعالى- أخبر بأن هاتين الجنتين كل الأشجار قد آتت ثمارها كاملة، ولم تظلم منه شيئًا؛ تنقص شيئًا من الثمرة، الظلم هنا بمعنى النقص، قال -جل وعلا- {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا}، وهذا ديَّت، يعني من البهاء والجمال وكذلك من المكنة والبقاء، فالأنهار تجري من بين البستانين.

قال -جل وعلا- {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}، يعني وقف صاحب هاتين الجنتين في الوقت الذي أثمر فيه بستاناه، هذا الآن نجد يعني الله -تبارك وتعالى- يصور لنا المنظر هذا رجل غني صاحب بستانين، والبستانين في تمام الجمال والبهاء والنعمة والثمار، وكذلك القدرة على الإستمرار والبقاء فالنخل من الأشجار المعمرة؛ المثمرة المعمرة، والأعناب كذلك شجر مثمر معمر، والمياه لا تنقل من بعيد وإنما تجري خلال الأشجار، فأرض جيدة، أنهار جارية، أشجار ثابتة، فأمر مستقر، يعني أمر يراه صاحبه أنه باقٍ ومستقر وليس هناك مشقة وتعب في إحيائه وإبقائه على كماله وبهائه، قال -جل وعلا- {ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}، قال لصاحبه؛ الرجل الثاني الفقير، {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، الكبر والتعالي، {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا}، المال؛ كل ما يتمول طبعًا هذا المال، هذا البساتين المثمرة هذه، {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، أعز؛ أكثر وأغلب، نفر؛ أنفار، من حاشيته وخدمه وأعوانه وجماعته الذين حوله، وقاله ديَّت، فهو مفتخر؛ إفتخر بماله، بساتينه، وإفتخر بمن حوله من الأعوان والخدم والحشم، {وَأَعَزُّ نَفَرًا}.

قال -جل وعلا- {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}، ظالم لنفسه بهذا الكبر والتعالي والظن بأن الذي أوتيه إنما هو حظه ونصيبه وإرثه وكرامته التي يستحقها، {........ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}[الكهف:35]، لا يدخل في ظني أن تكون لهذه أن تبيد؛ أن تهلك هذه أبدًا، ليش تهلك؟ يعني كل الأسباب لبقاء هاتين الجنتين الأسباب المادية كلها ميسرة، الماء الجاري، الأرض الجيدة، الأشجار الثابتة، {........ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}[الكهف:35]، ثم {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}، أنكر البعث وأن يكون هناك حياة أخرى بعد هذه الحياة، وما أظن الساعة؛ يوم القيامة، قائمة؛ أن هناك قيام بعد هذا الموت وقيام لله -تبارك وتعالى- وحساب وديَّت، {........ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا}[الكهف:36]، يعني أنه لو حصلت هناك أن يكون هناك لي عودة، يعني على فرض أن يكون كما يقول الرسل والأنبياء أن هناك حياة أخرى بعد هذه الحياة، لأجدن؛ باللام المؤكدة، خيرًا منها منقلبًا؛ سيكون نهايتي ومنقلبي أن أجد خير من هذه الجنة، فهو إستحقاق وجدارة فمادام أنني قد إستحققت ونلت هذا الحظ في الدنيا فسأناله في الآخرة، كما يقول الجاهلون غني الدنيا غني الآخرة، مادام أنه قد أوتي هذا فإنه سيجد هذا كذلك في الآخرة، كما قال العاص إبن وائل السهمي نفس المقالة، هذه مقالة أيضًا رجال من قريش، لما قال لصهيب -رضي الله تعالى عنه- راح يطلب منه مال كان له، خدمة أداها صهيب له وقاله أعطيني أجرتي، فقال له لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقال له لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث، قاله حتى تموت وتبعث بعد ديَّت، يعني أنه لن يكون مني كفر بنبي الله -صلوات الله والسلام عليه-، قال له أونبعث؟ هذا مستهزءًا العاص إبن وائل السهمي، وكان رجلًا غنيًا ذا مال وكان إذا بس غضب غضب له خمسون ألف من قومه، فقال له أونبعث؟ قال نعم نبعث، قال خلاص إذن انتظر إذا بعثت فإنما سيكون لي مال؛ سأعطيك أجرتك، إستهزاء، قال -جل وعلا- {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}[مريم:77]، {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[مريم:78]، {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}[مريم:79]، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ........}[مريم:80]، الذي سيرثه ويأخذه هو جريمته التي أجرمها في هذا، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ........}[مريم:80]، هذا الإرث، هذا الذي سيحمله يوم القيامة نتيجة هذا القول الكافر، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم:80]، فهذا الكافر الذي ضرب الله -تبارك وتعالى- به المثل هنا لكفار قريش، قال {........ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا}[الكهف:36].

هنا بدأ صاحبه الفقير المؤمن يقول له قال له أكفرت، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}، في هذه المحاورة يعني سمع منه ويرد عليه، جاية من حار الأمر يعني رجع، فيرجع إليه الكلام وهو يرجع إليه الكلام، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف:37]، قاله الله -تبارك وتعالى- أنت الآن كافر به، وتظن أولًا أن هذا جدارتك وإستحقاقك وأنك إستحققت هذا الأمر وأنك أخذته هكذا عن جدارة وإستحقاق، وأنك كأنك أنشأت هذا وأوجدته وكان لك على هذا النحو، ولا تظن أن هذا فضل الله -تبارك وتعالى- عليك وإنعامه عليك وهذا عطائه -سبحانه وتعالى-، فقال إنت ماذا كنت؟ أكفرت بالذي خلقك من تراب؛ اللي هو أصل الخلقة آدم -عليه السلام-، ثم من نظفة؛ وهو كل النشأة فأنت من هذا، يعني بدايتنا كلنا من التراب ثم من نطفة أمر صغير ليست فيها هذه القدرة ولا هذا العلم ولا هذا الغنى؛ فنطفة قذرة، ثم سواك رجلًا؛ طورك من هذا الشيء الحقير هذا حتى أصبحت رجلًا، فهذا هو الله -تبارك وتعالى- هو الذي أنشأك، وبالتالي كل ما هو ملك يديك إنما هو إنشاء الله -تبارك وتعالى- لك وعطائه لك، {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}، وهنا كلمة "ثم سواك رجلًا" فيها نوع من التحقير لهذا الغني الكافر والإستهزاء به، أن الله -تبارك وتعالى- هو جعل منك رجلًا لم تكن شيئًا، بقيت عندما صرت رجال تكفر بالله –تبارك وتعالى- وقد كنت على هذا النحو.

{لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}، أما أنا ...، لكن؛ الإستثناء هنا له، {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}، أنا أعتقد بأن الله -تبارك وتعالى- ربي هو خالقي، هو الذي أنشأني، هو الذي أوجدني -سبحانه وتعالى-، {........ وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:38]، ولا أشرك بربي أحدًا، كل ما هو عندي إنما هو عطائه -سبحانه وتعالى-، فأنا به وجدت وهو الذي أوجدي وهو الذي رباني وهو الذي يعطيني -سبحانه وتعالى-، وهو ربي لا إله إلا هو سيدي ومولاي؛ أمري كله إليه، {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}، كل ما يحمله معنى الرب هنا، {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:38]، فيجعله ند كما هو أشرك نفسه لله -تبارك وتعالى-، وجعل نفسه هي الموجدة، الخالقة، الرازقة، كأن هذا هو فعله هو وعطائه هو، فأشرك نفسه بالله -تبارك وتعالى-، فقاله أما أنا فلا أشرك بربي أحدًا.

ثم وجهه إلى الخير قاله {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ........}[الكهف:39]، ولولا؛ هلا، يعني كان الذي ينبغي والذي يتوجب عليك، إذ دخلت جنتك؛ بستانك هذا، قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ هذا الذي يجب أن تقول، ما شاء الله؛ يعني الذي شائه الله -تبارك وتعالى- هو الذي يكون، ما شاء الله؛ كلمة تبريك ونسبة الأمر هذا إلى الله -تبارك وتعالى-، فهذا البستان الذي تجري فيه هذه الأنهار، تحفه هذه الأشجار، ينبت هذه الثمار، كلها بمشيئة الرب -تبارك وتعالى-؛ بخلقه ومشيئته، ما شاء الله؛ الله هو الذي شاء هذا -سبحانه-، لا قوة إلا بالله؛ لا قوة في أي مخلوق إلا بالله، القوة التي في الزرع، القوة التي عندك أنت من المال والمن العطاء، كل هذه القوة من الله -تبارك وتعالى-، لا قوة أي في كل مخلوق إلا بالله -سبحانه وتعالى-، الله هو الذي خلقها وهو الذي أنشأها وهو الذي أعطاها -سبحانه وتعالى-، {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}، فينبغي أن تذكر نعمة الله هذه عليك، ما تشوفني؛ تشوفني أنا أقل منك مالًا وولدًا، كان ينبغي هذا عندما ترى أن هناك غيرك لم يعط الذي أعطيته فإذن هنا تتذكر فضل الله -تبارك وتعالى- عليك، وتقول شوف والله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، أعطاني هذا وغيري لم يعطه الله -تبارك وتعالى-، هذا تفضل منه وإحسان من الله -تبارك وتعالى- لي، فقد تفضل علي وأعطاني فيكون هذا زيادة ...، يعني عندما ترى من هو أقل منك حظًا في هذه الدنيا يزداد شكرك لله -تبارك وتعالى- الذي جعلك على هذا النحو وأنعم عليك بهذا النحو، ولم يجعلك مثل هذا الفقير وأعطاك من هذه الثمرة العظيمة والحسنة العظيمة في الدنيا، قاله {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}.

ثم قاله أنا لا، أنا إن لم أكن أعطيت هذا في الدنيا فإن أملي ورجائي في الآخرة، قال {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، قاله الدنيا ليست هي مطمعي ومطمحي وإنما مطمعي ومطمحي إنما هو في شيء بعد هذه الحياة، فعسى؛ للترجي، يرجوا هذا العبد من الله -تبارك وتعالى-، ربي؛ وهنا ينسب نفسه إلى الله -تبارك وتعالى- الرب الإله الذي بيده كل شيء -سبحانه وتعالى-، {أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، أي في الآخرة أحسن من هذه البساتين، فعطاء الله وما إدخره الله -سبحانه وتعالى- لعباده الصالحين في الآخرة أكبر من هذه، {........ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:40]، أما أنت جنتك هذه الدنيوية هذه مع كفرك آيلة إلى الخراب وإلى الدمار، ويرسل عليها؛ يعني على جنتك هذه، حسبانًا؛ عذاب من السماء، عذاب من السماء يبيدها، {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}، تصبح هذه البستان الذي إعتززت به وإفتخرت به ورأيت أنه لا يبيد، يصبح صعيد، صعيد؛ أرض ما عليها شيء، الصعيد هو الأرض التي ليس فيها نبت، زلقًا؛ الزلق هو الأرض التي تزلق وتذل فيها القدم، ما في شيء، {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ........}[الكهف:41]، يغور الله -تبارك وتعالى- هذه الأنهار الجارية المتفجرة من هذه العيون، الغور هو سقوط الماء غارًا بمعنى ينقص إلى الأسفل، وفار؛ إلى الأعلى، فالنبع الذي للأعلى هذا يغوره الله -تبارك وتعالى-، يجعل ذهاب الماء إلى أسفل الأرض، {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ........}[الكهف:41]، يعني ساقطًا في الأرض، {........ فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}[الكهف:41]، إذا غار مائها وجفت آبارها ووقفت عيونها المتفجرة هذه فإنك لن تستطيع له طلبًا، ما يكون عندك سبيل إلى أن تركض وراء الماء في باطن الأرض لتستخرجه، {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}[الكهف:41]، لن تستطيع لهذا الماء طلب يعني تنبعه وتطلبه من باطن الأرض لتخرجه، وقال أنا شوف أملي في الآخرة وأما بالنسبة للدنيا التي عندك هذه قد في أي وقت ...، ما دام كفرت بالله -تبارك وتعالى- يعاقبك؛ فتبيد بصورة من الصور، يا يجيلها آفة من السماء أو آفة من الأرض.

قال -جل وعلا- {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، أحيط بثمره يعني أنه أهلكه الله -تبارك وتعالى-، ومعنى أنه أحيط به يعني من كل الثمار، يعني كل ما كان له من هذه الثمار أحيط بها من جميع الجوانب وهلكت، وجاء هنا العقوبة سريعة والنص هنا خاطف، أحيط بثمره؛ كلمتين فقط، جملة من كلمتين بالبناء لما لم يسمى فاعله بإهلاك هذه الأرض، والذي فعل هذا؛ هذا أمر الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، بأي صورة من الصور، إما بجائحة، نار شبت فيها من جوانبها، ريح عقيم دمرتها، الله يقول {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، وجاء النص مجملًا وسريعًا ليبين أن الهلاك في لحظة واحدة، ثم يصور الله -تبارك وتعالى- لنا حال هذا الغني الكفور، يقول {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا}، يقلب كفيه؛ يعني يضرب كفًا بكف، مرة يجعل اليمنى فوق اليسرى ومرة اليسرى فوق اليمنى، كحال الذي سقطت به مصيبة كبيرة فيقوم يصفق إحدى اليدين على الأخرى وهو مبلس مبهور، {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا}، أولًا تذكر كل العمل الذي أنفقه فيها، أنفق فيها الأموال، في شق الإنهار، في غرس الأشجار، في تمهيد التربة، الزرع ما يطلع إلا بجهد جهيد، فإنه قد أنفق في بناء هذا البستان أنفق لعله أنفق مدخراته؛ ثمرة عمره، {عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا}، ما أنفق فيها من المال، الله يقول {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}، خاوية؛ فارغة، على عروشها؛ العرش هو السقف، ومعنى ذلك أن السقف سقط وسقطت عليه الجدران، فكأنها ديَّت، وكذلك هذا يصور كذلك رأس وقمة الأشجار تسقط وتسقط عليها الفروع وكذلك الأغصان، فأصبحت خاوية على عروشها، العرش أصبح تحت وما حوله أصبح فوقه، ويقول نادمًا متحسرًا {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}، يا ليتني؛ كلمة للتمني، ليت للتمني، يتمنى ديَّت ولكنه أمر بعيد، لم أشرك بربي أحدًا؛ ما وقع مني هذا، والذي أشرك به نفسه؛ الذي جعلها شريكة لله، لأنه رأها أنها هي الموجدة وهي الخالقة وهي المستحقة، هو الذي إستحق هذا وأخذه بجدارة، نفس قولة مشركي العرب الذين كانوا يظنون بأن الله هو الذي إختصهم بما إختصهم به من الغنى وحرم من حرم من الفقر، ولذلك قاسوا أيضًا عطاء الدين على عطاء الدنيا، قالوا لو كان هذا خيرًا ما سبقونا إليه، لو كان الدين خير ما سبقنا إليه بلال وعمار عبيدنا وأرقائنا، فكما أعطانا الله -تبارك وتعالى- هذا العطاء يعني في الدنيا أو كما أعطينا هذا العطاء في الدنيا؛ العطاء الدنيوي، فكذلك لو كان الدين خير وكا ها ديَّت كنا إحنا أولى وأجدر به.

الله يقول {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ........}[الكهف:43]، النفر الذي إعتز به أنفاره، أولاده وخدامه ومن حوله وحاشيته ما قدروا يدفعوا شيء من عذاب الله -تبارك وتعالى- عنه الذي جائه على هذه البستان، قال ولم تكن له فئة؛ جماعة، {يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، ينصرونه؛ النصر يعني يعتز بهم يقفون ويدفعون عنه هذا البلاء الذي حل به، من دون الله؛ الذي أراد الله -تبارك وتعالى- به هذا الهلاك، {وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا}، بنفسه، لا هو منتصر لا يستطيع أن ينتصر بنفسه، وليست عنده فئة يستطيعون أن ينصرونه من دون الله، قال -جل وعلا- {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ}، هنالك؛ في هذا الوقت، تذكر هذا الكافر أن الولاية لله الحق، الله الحق -سبحانه وتعالى-، الولاية اللي هي الولاء، النصرة، المحبة، الله -تبارك وتعالى- ولي عباده المؤمنين، فهو معهم وهو مؤيد لهم -سبحانه وتعالى-، ومن يتخلى الله -تبارك وتعالى- عنه فلا ولي له ولا ناصر له، فالولاية الحق لله -تبارك وتعالى-، يعني هذا تيقن بأن الرب الإله -سبحانه وتعالى- هو الولي وحده -سبحانه وتعالى-، لكن تذكر هذا بعد فوات الأوان وبعد أن أنزل الله -تبارك وتعالى- به هذه العقوبة في الدنيا، ووقف وحيدًا خاسرًا لكل ما عنده، أو هنالك في الآخرة الولاية لله الحق، يعني الولاية كل من والى الله -تبارك وتعالى- الرب الحق، الحق هنا صفة لله -تبارك وتعالى-، ذلك أن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل، فهناك تظهر من يواليهم الله -تبارك وتعالى-، هل هم أهل الإيمان وإن كانوا من أهل الفقر ومن الضعفة والمساكين، أم هم هؤلاء الذين أعطاهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا وهم كفار محرومون، فهي ليست عطاء هؤلاء الكفار، ما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا ليست دليل ولاية، ليس لأنه يواليهم ويحبهم وينصرهم ويؤثرهم فأعطاهم هذا المال... لا، وإنما هذا كان إبتلاء لهم من الله -تبارك وتعالى- وفتنة لهم من الله هل يشكرون أم يكفرون، وقد كفروا فلا يجدون لهم بعد ذلك عندما تنزل بهم العقوبة في الدنيا وكذلك تنزل بهم العقوبة في الآخرة فيعلمون أن الله هو الولي -سبحانه وتعالى-.

وعندما يرون أن هؤلاء الذين كانوا يحتقونهم ويستصغرونهم أصبحم هم في نعمة الرب -تبارك وتعالى- وفي الجنة، حتى أن أهل الأعراف يقولون لهؤلاء بعد أن يكونوا في النار {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}، يقولوا لهم أهؤلاء دول الفقراء الذين أصبحوا في الجنة الذين أقسمتم أنتم أيها الكفار لا ينالهم الرحمة، {........ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الأعراف:49]، فالله يقول {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ}، هنالك في الآخرة تظهر موالاة الرب -تبارك وتعالى- لأوليائه، وأن ولايته -سبحانه وتعالى- لأوليائه المؤمنين هي الولاية الحقيقية، أعطاهم الله –تبارك وتعالى- أعظم شيء في الدنيا وهو الإيمان به -سبحانه وتعالى- وتقواه وعبادته، هذا أعطاهم الله -تبارك وتعالى- هذا أعظم عطاء، وليس هذا العطاء الدنيوي الذي يعطيه الله -تبارك وتعالى- لمن يحب ومن لا يحب، ثم عطائهم بعد ذلك في الآخرة الجنة، {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ ........}[الكهف:44]، الله، {خَيْرٌ ثَوَابًا}، لا يثيب أحد كما يثيب الله -تبارك وتعالى-، يعمل عمل ويأخذ أجر عليه؛ ثواب عليه، هذا لا يمكن هناك من يثيب كثواب الله -تبارك وتعالى-، إذا كان له أن يثيب فمن يثيب في الدنيا، يعطي ثواب في الدنيا ثواب محدود، أما الله -تبارك وتعالى- {........ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}[الكهف:44]، العاقبة الحسنة مع من؟ كل من كان مع الله فهذي عاقبته حسنة، عرف هذا ديَّت، في النهاية هؤلاء الفقراء المساكين هذه عاقبتهم عند الله -تبارك وتعالى-؛ اللي هم أهل الإيمان، وهؤلاء أهل الكفر الذين إعتزوا بغناهم هذه هي عاقبتهم، {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}[الكهف:44].

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.