الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (352) - سورة الكهف 45-49

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}[الكهف:45]، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46]، {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف:47]، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}[الكهف:48]، بعد أن ضرب الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الكفار المعاندين من قريش؛ من العرب، الذين إعتزوا بما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- من المال والجاه والمكنة، وأنفوا أن يدخلوا دينًا يسوي بينهم وبين عبيدهم وأرقائهم ويجلسون في مجالس واحدة، ضرب الله لهم هذا مثل قال {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ........}[الكهف:32]، المعتز بما أعطاه الله -تبارك وتعالى- والمفتخر على صاحبه ويقول له {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، ورد صاحبه عليه الذي قال له {........ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف:37]، {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:38]، قال له هذا الذي إعتززت به من هذه المال والمتاع ممكن أن يذهب في لحظة، قال {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، هذا مطمعي في الآخرة، {........ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:40]، جنتك، ثم قال الله -تبارك وتعالى- {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:42]، هذا نهاية هذا الغني المعتز بماله، وهذي انظر نهاية المؤمن الصالح قال -تباك وتعالى- {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا ........}[الكهف:44]، الثواب الذي سيعطيه الله -تبارك وتعالى- للمؤمن هذا شيء عظيم جدًا، أكبر من هذه الجنان الأرضية الدنيوية، {وَخَيْرٌ عُقْبًا}، أحسن عاقبة؛ عاقبة أهل الإيمان عند الله.

ثم ضرب الله -تبارك وتعالى- لهم مثل أخر وهي هذا الأمر الذي إعتزوا به وتمسكوا به؛ اللي هي هذه الدنيا، ما دوامه؟ ما بقائه؟ كم ستمتع في هذه الدنيا وكم ستبقى، هذي أمر سريع الزوال، ضرب الله مثل ثاني لهم في سرعة زوال هذه الدنيا وسرعة إضمحلال نعيمها، قال {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، الحياة الدنيا؛ الدنيا هنا إما من الدنائة بالنسبة للآخرة العظيمة، أو من الدنو؛ يعني الداني هذا القريبة، الآخرة؛ البعيدة، {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، أي في سرعة زوالها وسرعة إنقضائها، {كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ}، ماء المطر، {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ}، إذا نزل ماء المطر في هذه الأصعدة والبراري فإنه يختلط بنبات الأرض، وهذا أمر عظيم جدًا، تطلع بقى الزهور هذي حمراء وهذي صفراء وهذي بنفسجية، بالألوان هذي، بألوان المختلفة، فتتزين الأرض؛ تأخذ كده الزينة بهذا الربيع الجميل، {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ}، من الألوان والأشكال، ثم قال –جل وعلا- {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، وأصبح هنا يعني سرعة الزوال، لا يكاد يمضي أسابيع، شهر، شهرين، هذا النبت الذي أخذ زينته تضربه الشمس وإذا به يصفر ويذبل ويجف، ثم يتكسر، ثم تأتي الريح فتذروه؛ تنشره يمينًا وشمالًا حيث تذهب، يووه إنتهى الأمر، فترة ربيع سريعة جدًا، النبت؛ نبت النبات، إستوى، وصل إلى حده، ثم سريعًا ما يبس وجف وتكسر وأذرته الرياح وإنتهت الدورة، هذه هي الدنيا، هذه هي الدنيا وهذا المثل كثيرًا ما ضربه الله -تبارك وتعالى- في القرآن، كقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ}، النبت الذي يأكله؛ يأكل منه الناس والأنعام، {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}، وهذا مثل لإنقضاء الدنيا كلها، وهذا مثل إنقضاء عمر كل إنسان في هذه الدنيا، قال -جل وعلا- {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، كأنه أبو ليلة، يعني كأن الأمر لم يمكث إلا ليلة، يوم، هشيمًا تذروه؛ تفرقه وتنشره في كل مكان الرياح.

قال -جل وعلا- {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}، وكان الله -تبارك وتعالى- هذه صفته –سبحانه وتعالى- على كل شيء مقتدرًا، فهو القادر على أن ينبت هذا الزرع وينشره في الأرض على هذا النحو، وهو القادر -سبحانه وتعالى- بعد ذلك على ضد ذلك؛ يعني نهاية هذا الأمر، فهذا وهذا بفعله -سبحانه وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:1]، {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}[الأعلى:2]، {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:3]، {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى}[الأعلى:4]، {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}[الأعلى:5]، فهو أخرج المرعى، أنبت الزرع والكلأ الذي يرعى فيه الناس، يرعون فيه إبلهم وأبقارهم وأغنامهم؛ أنعامهم يرعون فيها، {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}[الأعلى:5]، جعله بعد ما كان مرعى غثاء، الغثاء هو هذا القش الذي يحمله السيل عندما يسير، أحوى؛ بني يميل إلى السواد، بعد ما كان خضرة وخضرة زاهية وألوان مختلفة من الزهور إذا به يصبح غثاء أحوى، فالله -سبحانه وتعالى- على كل شيء مقتدرًا؛ الحياة والموت.

ثم قال لهم الله -تبارك وتعالى- {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، المال؛ كل ما يتمول، بساتين، أنعام، ذهب وفضة، دور، قصور، مراكب، هذي مال، والبنون؛ الذكور، الأبناء الذكور، زينة الحياة الدنيا؛ هذي زينتها يعني ما تتزين به وتتجمل به الحياة، الحياة تكون جميلة بهذه الأموال، بيت فاره ومركب مريح وبستان فسيح و...، هذه ديَّت، وأبناء حول أبيهم|، هذي زينة الحياة الدنيا، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ما يزين هذه الحياة الدنيا، لكن {........ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46]، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا وهذه الزينة سريعًا ما تذهب، كالربيع ينبت ويزهوا ثم بعد ذلك لا تمضي عليه وقت قليل إلا ويضمحل وينتهي، لكن لا؛ لكن في المقابل الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا، الله يقول مو الجنة هنا... لا، يبين الأسباب التي تصل إلى الجنة، الباقية؛ العمل الباقي في الدنيا، الذي يبقى في الآخرة وتأخذ عليه ثواب خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا، الباقيات؛ الذي يبقى، هذي المال والبنون ما يبقى إما تموت وتذهب عنه أو يموتون، أولادك يموتون، مالك ينتهي، فهذه زينة الحياة الدنيا يتزين من ديَّت في الدنيا، ولكنه سيمضي ويضمحل وينتهي بصورة من الصور الكثيرة للإضمحلال والنهاية، لكن الباقي؛ الباقيات الصالحات هذه باقية لا تفنى، إيش الباقيات الصالحات؟ الباقيات الصالحات قال جمع من السلف هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه الكلمات اللي هي كلمات سهلة على اللسان، لكنها حبيبة إلى الرحمن والله يثيب عليها ثواب عظيم جدًا.

كما قال -صل الله عليه وسلم- «كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، فهذه غراس الجنة، هذه ما يغرس للإنسان ويبقى في الجنة، سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، في حديث الصحيحين «أن أبا موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- كان في سفر يذكر الله -تبارك وتعالى-، المسلمين كلهم يذكروا بذكر وهو يقول ديَّت، يعني لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال له النبي يا عبد الله إبن قيس اللي هو أبو موسى الأشعري، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة، قال له النبي لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة»، يعني هذا أمر تكنزه، لما تقول لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة تصبح لك ثواب عظيم عند الله، كنزت كنزًا في الجنة، هذا الكنز بناء بيت، غراس أشجار، تفجير أنهار، كل هذا لك في الجنة بلا حول ولا قوة إلا بالله، إبراهيم -عليه السلام- لما إلتقى النبي -صل الله عليه وسلم- في معراجه وإلتقاه في السماء السابعة، قال له أهلًا بالإبن الصالح والنبي الصالح، ثم قال له أقرئ أمتك مني السلام؛ سلم على أمتك، هو إبراهيم -عليه السلام-، هو كل خير، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله، قاله أوصفلهم الجنة أنها ديَّت، هذي بستان الرب -جل وعلا-، قاله قول لهم أن غراسها عشان يغرس له في هذا البستان يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، أمر عظيم جدًا، فالله يقول هذه الباقيات الصالحات هذا الذي قاله إبن عباس وجمع من السلف الباقيات الصالحات هذه، جمعًا وأخذًا بأقوال النبي -صلوات الله والسلام عليه- وكذلك قال جمع من السلف إن الباقيات الصالحات هي كل عمل صالح، الصلاة والصيام والزكاة والحج، هذه الباقيات الصالحات وذلك أن صلى يبقى أبقى له عمل في الآخرة، صام باقي عمل في الآخرة، زكى كذلك إدخر العمل في الآخرة، والصحيح أن الباقيات الصالحات كل الأعمال الصالحة، وإنما نص هؤلاء السلف على سبحان الله والحمد لله لأنها بيان أنها عمل يسير، ليس كالذي يريد هذه الدنيا فيكد الكد الكثير، قد يكد حتى نيشئ بستانًا ويكد ويتعب حتى يبني بيتًا ويكد ويتعب حتى يجد مركبًا، أمر فيه شدة وكد وكدح طويل، ثم ثمرة بالنهاية قليلة لأنها بالنهاية زائلة، لن يعيش فيه آلاف السنين ولا ديَّت، أما عمل الآخرة فإنه عمل سهل يسير ميسر ولكن أجر عظيم، فالنبي يقول -صلوات الله عليه وسلم- «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله خير عندي مما طلعت عليه الشمس»، يقول هذا خير من الدنيا وما فيها، بس إني أقول هذه، إني أقول هذه وأوفق لأن أقول هذه وأسبح هذه التسابيح خير من أن أعطى الدنيا وما فيها، وهذا حق لأني إذا أعطي الدنيا وما فيها متاع زائل لو كل الدنيا، لكن هذه لا، هذه سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله هذا متاع باقي، هذا متاع الآخرة، رزق الآخرة، بقاء الآخرة.

فالله يضرب لنا -سبحانه وتعالى- هنا مثل بين هذه الدنيا ومن هؤلاء المتمسكين بها، الذين قالوا إحنا لنا هذه الدنيا، وبين أهل الآخرة الذين عرفوا القيمة الحقيقية، الله يقول {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ........}[الكهف:46]، خير عند الله ثواب، وعند ربك؛ الله هو الذي يثيب، الرب -سبحانه وتعالى-، ثوابًا، يثيب عليها، والله يثيب على مثقال الذرة من الخير، لو أن واحد عمل خير بمثقال ذرة، قدر نملة من الخير فالله لا يضيعها ويحاسبه عليها، وحساب الرب عظيم مو هيعطيه كما يعطى إنسان إنسان أخر في هذه الدنيا... لا، هذا ثواب الرب وعطائه -سبحانه وتعالى-، فقد يدخل الجنة ...، رجل دخل الجنة بسقية سقاها كلب، إمرأة بغي غفر لها بسقية ديَّت، رجل دخل الجنة بأن قطع غصن شجرة وهو في الطريق، رجل ماشي في الطريق فرأى فرع شوك، فقال هذا قد آذى المسلمين لأنزلن فلأنحينه، فنزل وأخذ شيء شال هذا الفرع الذي يؤذي الناس في طريق ذهابهم وإيابهم ونحاه بعيدًا عن الطريق، فالله -تبارك وتعالى- نظر إليه ورأى هذا العمل، هو عمل صغير من أجل الله، الله -تبارك وتعالى- شكر له هذا العمل فأدخله الجنة، يقول النبي فشكر الله له فأدخله الجنة، الجنة هذا الثواب العظيم، الخلود الدائم في دور وقصور وحور وحبور مستمر في مقابل قطع فرع، بس عشان قطع فرع شوك يؤذي المسلمين ونحاه، كم تساوي هذه؟ شوف إحنا عامل يشتغل في الدنيا مثلًا قد ينحي عن الناس هذا ويعمل ويكد وكذا، إذا أعطي أجر دنيوي قد يعطاله عدة دنانير في الشهر وهو يشتغل بهذا شهر كامل في هذا، بس الثواب الدنيوي هو هذا الثواب القليل، لكن انظر ثواب الرب من يعمل لله؛ فهذا عامل لله، فالذي يعمل للدنيا قد يجد أجر هذا لكن لا يمكن أن نقارن بين الأجر الذي يعطيه الله -تبارك وتعالى- وبين الثواب والأجر الذي يأخذه الإنسان في عمله للدنيا.

قال -جل وعلا- هو خير ثوابًا؛ اللي هو الباقيات الصالحات، {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، الأمل ما يؤمله الإنسان وينتظره من الخير في شيء معين، هذا ديَّت، فالأمل فيما عند الله أعظم شيء هذا، أن يأمل أن يثيبه الله -تبارك وتعالى- عن هذا العمل، وأما آمال الناس في هذه الدنيا آمال ممكن يؤمل خير على هذا الولد، ويكون شرير فيعذب به، ويؤمل خير على هذا النقود والذهب والفضة ثم يموت ولا يصرفها ويأخذها وارثه، ما الأمل في هذه الدنيا مهما كانت أمل ضائع، وأما الأمل الحقيقي الباقي هو في الآخرة، {........ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46].

ثم نقلنا بقى الله -تبارك وتعالى- نقلة إلى الآخرة وما يكون فيها حتى يرى الناس حقيقة الأمر، هذا بقى وقوف الناس أمام مصائرهم في الآخرة، قال -جل وعلا- {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف:47]، {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}، نزيحها، ستزاح الجبال وتسير، وهذا الله -تبارك وتعالى- بيَّن هذا في آيات القرآن كيف أن هذه النقلة، أولًا النسف {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}[طه:105]، {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}[طه:106]، {لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا}[طه:107]، لا ترى في هذه الأرض التي ترى فيها هذه الجبال الشاهقة، في كل قارة من القارات جبال شاهقة، والله -تبارك وتعالى- أول شيء ينسفها نسف، {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}[طه:106]، قاع صفصف ما فيها أي علو لشيء، وكذلك قال -تبارك وتعالى- {الْقَارِعَةُ}[القارعة:1]، {مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة:2]، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة:3]، {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}[القارعة:4]، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}[القارعة:5]، الجبال تكون كالعهن؛ الصوف المنفوش، تنسف فتكون مثل هباء مثل الصوف، ثم يأتي الله -تبارك وتعالى- بما يذريها ويزيحها، قال -جل وعلا- {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}، إلى حيث يشاء الله -تبارك وتعالى-، {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً}، ظاهرة، كل الأرض بارزة لأن الجبال هذي بتغطي الأرض اللي بعدها، الأرض كلها تكون بارزة مستوية؛ هذي أرض المحشر، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، حشرناهم؛ جمعناهم، الناس كلهم، كل الخلق من البشر، من آدم -عليه السلام- إلى آخر نسمة تكون على ظهر هذه الأرض، الله -تبارك وتعالى- يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، {........ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}[هود:103]، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، نغادر؛ نترك، منهم؛ من الناس، أحدًا؛ ما في واحد يترك، السقط، طفل صغير، عاجز، هذا كسيح، كبير ذو مكانة، وضيع لا شأن له... لا، كلهم مجموعون، لا يبقي الله -تبارك وتعالى- نفس منفوسة إلا ولابد أن تجمع في هذا الجمع، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، والله نسب الحشر لنفسه -سبحانه وتعالى- وذلك أنه الآمر به -سبحانه وتعالى-، فالنفخ في الصور يكون، ثم الخروج من القبور، ثم تأتي الملائكة تحشر الناس وتجمع الناس إلى مكان واحد.

قال -جل وعلا- {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا}، عرضوا؛ الخلائق، على ربك؛ وهنا يعني جاء هنا عدل الله -تبارك وتعالى- عن إسمه، ما قال وعرضوا على الله قال وعرضوا على ربك صفًّا، هذا ليبين عزة النبي -صلوات الله والسلام عليه- وأنه منسوب إلى هذا الرب الذي سيكون مصائر العباد إليه -سبحانه وتعالى-، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ........}[الكهف:48]، هذا القول الذي سيقال لهم، لقد جئتمونا؛ جئتم الرب -سبحانه وتعالى-، كما خلقناكم أول مرة؛ على النحو الذي خلقناكم أول مرة، طبعًا هذا الخلق الثاني، الخلق أول مرة عندما ولدتم من بطون أمهاتكم، والإنسان يولد من بطن إمه لا مال له، عرايًا، ليس عليه شيء من الثياب، فيأتي على هذا النحو، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «إنكم تحشرون إلى الله –تبارك وتعالى- عراه»، يعني ما في ثياب، «حفاة»، ما في نعال ولا خفاف ولا تساخين ولا جوارب على قدميه؛ نفس القدمين التي ولد بها، «غرلى غير مختونين»، فهذا الختان كذلك الذي كان يرجع كل شيء كما هو؛ يعود كما كان، {........ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104]، {........ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}[الكهف:48]، بل زعمتم؛ أيها الكفار، الزعم؛ القول بالباطل، كانوا يقولون ما في يوم قيامة، لا قيامة للأجساد ولا ديَّت ولا رجوع إلى الله {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}، والحال هذا الموعد، لقد وقع الذي كنتم تدفعونه وتنكرونه وتجحدون به، {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}، لتجتمعوا هنا وليأخذ كلٌ حسابه.

قال -جل وعلا- {وَوُضِعَ الْكِتَابُ}، كتاب الأعمال، الكتاب؛ جنس الكتب هنا، اللي هو الكتب التي تتطاير وآخذ بيمينه وأخذ بشماله كما بيَّن النبي -صل الله عليه وسلم- قال «ثم تتطاير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله»، كما قال -جل وعلا- {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7]، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8]، {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}[الانشقاق:10]، {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}[الانشقاق:11]، عندما يتصفحه وهو يرى المصائب والبلايا وكل شيء فعله موجود فيدعوا بالهلاك على نفسه، {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}[الانشقاق:11]، {وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق:12]، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ}، كتاب الأعمال، كل واحد كتابه قد أخذه، هذا آخذ بيمينه وهذا آخذ بشماله، قال -جل وعلا- {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}، فترى المجرمين؛ فاعلي الإجرام، والإجرام؛ كل معصية من هذه الكبائر الغليظة الذي فعلها هؤلاء المجرمين، الذين فعلوا هذا الإجرام من الكفر والعناد والبعد عن الله وإنكار الميعاد، {مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}، مشفق؛ الإشفاق هو نهاية الخوف، خلاص الخوف الذي يقطع القلب، مما فيه؛ مما في كتابه، وذلك أنه عندما يطلع على كتابه يرى أنه ما في جريمة قد أجرمها إلا وهي مكتوبة فيه؛ الصغير والكبير، وقالوا {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}، قال -جل وعلا- {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وطبعًا سيقال {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:14]، {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}، في كتاب أعمالهم، {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا}، ما قالوا يا ويلنا بل قالوا يا ويلتنا مع الزيادة؛ لبيان الصراخ والإستغاثة، يعني يا هلاكنا ويا مصيبتنا العظمى، {يَا وَيْلَتَنَا}، الويل هو الهلاك، هذا كلمة تفجع، يقولون كلمة تفجع وتوجع، {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}، يعني مال هذا الكتاب؛ ما شأن هذا الكتاب، مال هذا الكتاب على هذا النحو، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة؛ أي مما فعلوه، إلا أحصاها؛ عدها وكتبها، قال –جل وعلا- {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}، قد وجدوا الذي عملوه حاضرًا، كل الذي عملوه حاضر.

قال -جل وعلا- {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، لا يظلم الله -تبارك وتعالى- أحد فيحاسبه على ذنب لم يفعله، يحمل عليه ذنب غيره... لا، وإنما يعاقب كل أحد بذنبه هو الذي إقترفه، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمله الله -تبارك وتعالى- ذنب غيره، ولا يعاقبه بذنب لم يفعله بل بما فعله، ولكن عقوبة الرب -تبارك وتعالى- عقوبة شديدة، فمهما تتصور من العقوبة على ذنب فالله -تبارك وتعالى- عقوبته شديدة، عقوبة الله -تبارك وتعالى- شديدة، {........ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25]، {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، فالكافر الذي كفر بالله -تبارك وتعالى- جزاؤه الخلود في النار، خلود دائم في النار، لا خروج منه، لا راحة فيه، لا هدوء معه، إنما هو بقاء سرمدي أبدي لا ينقطع، فعذاب الله -تبارك وتعالى- عذاب عظيم جدًا، والله -تبارك وتعالى- أخبر بأن هذا العذاب هو موافق للذنب تمامًا، {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، قال –جل وعلا- {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا}[النبأ:17]، {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}[النبأ:18]، {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا}[النبأ:19]، {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}[النبأ:20]، {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}[النبأ:21]، {لِلْطَّاغِينَ مَآبًا}[النبأ:22]، {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[النبأ:23]، لابثين؛ ماكثين فيها، أحقابًا؛ حقب طويلة من الزمان، {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ:24]، كل هذه الحقب المتواطلة ما في وقت راحة، ما في يأخذوا فسحة راحة وساعة يرتاحوا فيها من العذاب، يأخذوا شيء من البرد الذي يذهب هذا الحر، أو شراب يشربوه حتى يرتاحوا ثم يعاد عليهم العذاب... لا، قال {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ:24]، {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[النبأ:25]، والحميم ليس من جنس البرد، لكن هذا الحميم والغساق ...، الحميم؛ الماء الحار المغلي، والغساق؛ عصارة أهل النار، وسمي غساق من شدة سواده، من الغسق، ثم قال الله {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، هذا جزاء موافق ومساوي للفعل، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27]، {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28]، هذه جريمتهم، {........ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27]، كانوا لا ينتظرون الحساب في الآخرة، {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28]، تكذيب ها ديَّت فكان هذا جزاؤهم، فالله -تبارك وتعالى- يقول {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، ما يظلم وإنما سيأخذ جزاء أعماله، وجزاء أعماله سيكون على هذا النحو، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينجينا بالإيمان وأن يحيينا الله -تبارك وتعالى- به ويميتنا عليه، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.