الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}[الكهف:51]، {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا}[الكهف:52]، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}[الكهف:53]، بعد أن صور الله -تبارك وتعالى- لنا وبيَّن لنا الحال الذي سيكون عليه الناس يوم القيامة، وهذا الحال والمآل الذي يكونوا عليه، وهذا في سياق الرد على هؤلاء الأغنياء المجرمين، الذي ردوا رسالة النبي -صل الله عليه وسلم- إستنكافًا أن يكونوا مع الفقراء والمساكين من قومهم، قال -جل وعلا- في بيان يوم القيامة {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف:47]، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ........}[الكهف:48]، أيها المعتزون بغناكم وثراكم في الدنيا، تأتوا الله -تبارك وتعالى- وأنتم عراة حفاة غرل؛ غير مختونين، ما معك شيء، {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ}، كتاب الأعمال، {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ}، اللي هو كتابهم، كل واحد يقول على كتابه، {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً}، أي مما عملناه، {إِلَّا أَحْصَاهَا}، موجودة مكتوبة، قال -جل وعلا- {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، الله لا يظلم أحد وإنما سيؤآخذهم بما عملوه -سبحانه وتعالى-، ولكن العذاب الذي يعذب الله –تبارك وتعالى- به عذاب عظيم، فهو بقاء سرمدي في هذه النار -عياذًا بالله- {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، لأعمالهم وتكذيبهم، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27]، {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28].
ثم يبين الله -تبارك وتعالى- خساسة الكافر، وأنه إتخذ أعدى أعدائه ولي له من دون الله، الله -سبحانه وتعالى- الذي خلقه ورزقه وأعطاه وبوأه وهو المتفضل عليه ومولاه، يترك الرب -سبحانه وتعالى- وينساه ويجحده، ثم يركض وراء من؟ وراء عدوه، أعدى عدوه؛ الشيطان، يتمسك به ويواليه ويسير عليه وينتهج أمره وتشريعه، ويترك الرب -سبحانه وتعالى- الذي هذا صنيعه وفعله بهذا الإنسان، فالإنسان الكافر مجرم، يأخذ عدوه صديقًا له، ويترك الرب -سبحانه وتعالى- الإله الذي خلقه ورزقه وأقامه، قال -جل وعلا- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، اذكروا، اذكر هذا، إذ قلنا للملائكة؛ قال الله -تبارك وتعالى- للملائكة اسجدوا لآدم تكريمًا وتشريفًا له، لهذا المخلوق الجديد الذي خلقه الله -تبارك وتعالى- من طين هذه الأرض وكرمه هذا التكريم، قال -جل وعلا- {فَسَجَدُوا}، كل الملائكة، والسجود هنا كان من الملائكة كلهم كما قال -جل وعلا- {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[الحجر:30]، قال -جل وعلا- {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ}، كان من الجن وكان حضوره هناك مع الملائكة ومتوجه إليه الأمر الإلهي أن يسجد لآدم، والجن قسم أخر من الخلق، الملائكة خلقهم الله -تبارك وتعالى- من النور والجن خلقهم الله من مارج من نار، كما قال النبي وخلق آدم مما ذكر لكم، كما قال -جل وعلا- {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}[الحجر:27]، وقال -جل وعلا- {........ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الرحمن:15]، فهذا خلق الجن، فإبليس الذي كان من الجن الله يقول {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، فسق؛ الفسق الخروج، يعني خرج عن أمر الله -تبارك وتعالى-، ولم يسجد لآدم إستنكافًا منه وإستكبارًا عن أمر الله -تبارك وتعالى-، {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، خرج عن أمر الله له بالسجود؛ قال لا أسجد، {........ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:12].
ثم يوجه الله -تبارك وتعالى- هنا الخطاب إلى هؤلاء، يقول -جل وعلا- {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}، تتخذ الشيطان هذا الذي أول معصيته أنه أبى أن يدخل في التكريم لأبيكم آدم، فأبى السجود لآدم الذي أمره الله به تكريمًا لهذا المخلوق وبيانًا لرفعة شأنه، فتيجي أنت يا إبن آدم يا أيها الإنسان تتخذ هذا العدو ولي لك؛ الشيطان، وتترك الرب -سبحانه وتعالى-، الذي خلقنا على هذا النحو وكرم آبانا، وتكريم أبينا إنما هو تكريم لنا، تكريم للجنس كله، أفتتخذونه وذريته؛ ذرية الشيطان، اللي هم نسله وديَّت أولياء من دوني، وذرية الشيطان يعني كيف يتناسلون؛ هل هم يتناسلون كما يتناسل البشر ذكور وإناث وحمل وولادة على نحو البشر أم لهم تناسل جديد، هذا أمر لا ينبغي ...، بعض الناس يخوض في هذا الأمر ديَّت، لا نعلم من الجن، الجن من الغيب، كذلك لا نعلم منهم إلا ما علمنا الله -تبارك وتعالى- إياه، وتفصيلات هذا ديَّت، ومن الطرائف ما سئل عنه الشعبي أحد كبار التابعين -رحمه الله-، قال له هذا إبليس هذا يلد أم يبيض؟ كيف يتناسل؟ فقال له هذا عرس لم نشهده، قال له هذا عرس إبليس ما حضرناه، كيف يكون ديَّت، لكن أخبر الله -تبارك وتعالى- أن له ذرية، أفتتخذونه وذريته؛ أولاده وأولاد أولاده، أولياء من دوني؛ أحباب لكم وأنصار، من دوني؛ غيري، وهم لكم عدو؛ وهم لكم عدو جملة حالية هنا، يعني والحال أن هؤلاء أعداء لكم، واحد عنده عقل يوالي عدوه ويترك الرب إلهه ومولاه وخالقه ورازقه -سبحانه وتعالى-، {........ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، بئس للذم، للظالمين؛ هذا ظالم، لأنه وضع الولاية في غير محلها، الولاية يجب أن تكون لله، الولاية تحب وتنصر وتطيع من خلقك، من رزقك، من تفضل عليك، من أكرمك، هذا الذي يستحق أن تواليه، وأما أن توالي عدوك الذي يريد أن يأخذك إلى الجحيم، هذا لا عقل، الذي يفعل هذا لا عقل له، فلذلك هم يستحقون كأن الله -تبارك وتعالى- يقول يستحق هؤلاء المجرمون يستحقون المآل الذي يئولون إليه، أفتتخذونه؛ سؤال للتقريع والتوبيخ والتأنيب، أفتتخذونه؛ يعني أيها الكفار، وذريته؛ تتخذون إبليس وذريته، {أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، بئس بدلًا هذا البدل للظالمين أن يستبدلوا ولاية الله -تبارك وتعالى-، ربهم وخالقهم ورازقهم ومتولي شئونهم، أن يستبدلوا ولاية الله بولاية الشيطان؛ العدو اللدود لهم.
ثم قال -جل وعلا- إيش عنده الشيطان؟ ما الذي عندهم؟ {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، ما أشهدتهم؛ يعني أن يشهدوا، أن يحضروا خلق السماوات والأرض، فهم خلق ناشئ يعني هم خلق طارئ كذلك من الخلق، والله -تبارك وتعالى- خلق السماوات والأرض قبل أن يخلق هؤلاء، {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ........}[الكهف:51]، فالله هو الذي خلقهم، وخلق أنفسهم كذلك ما أشهدهم الله -تبارك وتعالى- هذا الخلق، {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}، لم أكن لأتخذ المضلين؛ الشياطين، والله وصفهم بالمضلين لأن هذا هو حالهم وهذا هو عملهم فهم مضلون، شغلهم وعملهم ووظيفتهم الإضلال، فهذا الذي أخذه الشيطان على نفسه {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62]، و{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:82]، {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:83]، وقال {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، يعني أنه سيقعد لهم بالمرصاد في كل باب من الأبواب ليضلهم، فهم مضلون؛ هذا وظيفته، فهذا المضل الذي جعل الإضلال وظيفة له وعملًا له هذا يوالى ويتخذ ولي، الله يقول {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}، سندًا، والعضد هو هذا الجزء من اليد؛ اللي هو فوق الذراع وتحت الكتف، والعضد هو يقوي الإنسان، والمعنى هنا بالنسبة لله لم أكن متخذه عضدًا يعني قوة أتقوى بها، الله لا يتقوى -سبحانه وتعالى- بأحد، ولا يمكن أن يعتضد الله -تبارك وتعالى- ويتقوى بالظالمين، بل الظالمون ليسوا أولياء لله -تبارك وتعالى- ولا أنصار له، {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}، إذن هم ملعونون مطرودون من رحمة الله وبعداء عن الله -تبارك وتعالى- ولا شأن لهم في الخلق، لا لهم شأن أن الله -تبارك وتعالى- أكرمهم، أشهدهم خلق السماوات أو أشهدهم خلق أنفسهم أو أقامهم في أمر من الأمور التي يكون بها نظام هذا الكون... لا، هذا شغلتهم منذ أن كفر أبوهم إبليس شغلهم الإضلال؛ هو والذرية، هذي مجموعة من هذا الخلق لكن لا عمل لهم ...، أصبح لا عمل لهم إلا الإضلال، فكأن القول أنهم لم يقمهم الله -تبارك وتعالى- في عمل من الأعمال الصالحة، وإنما هم قائمون في هذا العمل الخسيس وهو الإضلال، فكيف الإنسان يوالي من هؤلاء صفتهم؛ من هذه صفتهم، {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}.
قال -جل وعلا- {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا}[الكهف:52]، هذا تصوير من الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الذين إعتضدوا وتقووا ووالوا أعداء الله -تبارك وتعالى- من الشياطين، هذا حالهم يوم القيامة، والشياطين مسكوهم بهم ومسكوهم بوهم، آلهة باطلة تمسكوا بها قالوا هذه معبوداتكم، الشمس، القمر، النجوم، الكواكب، الأصنام، الأحجار، الأوثان، الأنهار، ما هب ودب من هذه المخلوقات مسكهم الشيطان بها، وقد يمسكهم ببعض الخلق الطاهر النظيف كالملائكة لكن وهم، هم يعبدوا الملائكة بغير رضاهم، وكعيسى تمسكوا به وقالوا هو الله، هو إبن الله، هو الله أو هو إبن الله، إله من إله يخلق ويرزق ويحيي ويميت ومسكهم الشيطان بهذا المعتقد، وعيسى ليس إلهًا وليس ربًا وهو متبرئ من هذا في حياته ويوم القيامة يتبرأ من كل هذا، فمسكهم الشيطان جعلهم يتركوا ولاية الرب –جل وعلا- الإله الحق ويتمسكوا بهذه الآلهة المزعومة، إما شيء لا شأن له؛ شيء حقير، طواغيت حقيرة؛ أصنام وأوثان، وإما مخلوقات شريفة لكنها هي هذه المخلوقات في عبادة الرب -تبارك وتعالى- وليس لها شأن أن تعبد، ولا شيء منها قال للناس تعالوا اعبدوني، لا الملائكة دعت إلى عبادة نفسها؛ لا يمكن تفعل هذا، ولا هؤلاء الرسل الذين عبدوا من دون الله -تبارك وتعالى- قالوا هذا، الله -جل وعلا- قال {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ........}[آل عمران:79]، كل الناس دعوا إلى أن يكون الناس ربانيين؛ يعبدوا الرب –جل وعلا-، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}، قال -جل وعلا- {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ........}[آل عمران:80]، لا يأمر الله بهذا أبدًا، الله لا يأمر بأن ينصب إله دونه فيعبده الناس، ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، هذا أمر بالكفر والله لا يأمر -سبحانه وتعالى- بالكفر، الله هو يأمر بأن يعبد وحده -جل وعلا- ولا يعبد شيء من دونه.
فالله ينادي هؤلاء الذين عبدوا من دونه وإتخذوا شركاء لله -عز وجل-، الله يقول لهم {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}، شركائي يعني في الأمر أو في الخلق أو في الحق، فالمشركون جعلوا لله شركاء إما في الأمر؛ يشرعون لهم مثل ما يشرع الله -تبارك وتعالى-، وإما في الخلق؛ فقالوا هذا خلق الله وهذا خلق هذا، وأن هؤلاء خلقوا مع الله -تبارك وتعالى-، وإما في الحق؛ حق الله -تبارك وتعالى- أن يعبد وحده -سبحانه وتعالى-، فهؤلاء قالوا لا؛ ها دول يعبدون كذلك، ننذر لهم، نذبح لهم ديَّت، والله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، لا في الخلق ما أحد إشترك معه -سبحانه وتعالى-، فهو الخالق وحده -سبحانه وتعالى-، ولا في الأمر؛ سواء الأمر الكوني القدري، الأمر الشرعي الديني، كله له، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، ولا في الحق اعبدوا الله مخلصين له الدين {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، كل العبادة يجب أن تكون لله، جزء من أجزاء العبادة لا يجوز أن يصرف لغير الله -تبارك وتعالى-، فالله له هذا؛ هذا حقه -سبحانه وتعالى-، أنه واحد في الخلق؛ الخلق له وحده، والأمر له وحده، والعبادة له وحده -سبحانه وتعالى-، فيقول لهم نادوا شركائي؛ اللي إتخذتوهم شركاء، شركاء في الأمر، في الخلق، في الحق، {نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}، الذين زعمتوموهم أنه شركاء لي.
قال -جل وعلا- {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ}، دعوهم، الله يقول ليتمسك كلٌ بما كان يعبده في الدنيا، {فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا}، كلمة عامة أن هذي ما يستجاب لهم، كل ما عبد من دون الله -تبارك وتعالى- يتبرأ يوم القيامة من عابده، تبروئه هو أولًا من عابده إما إن كان هو معبود برضاه يتبرأ {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}، ويلعن بعضهم بعض، الذي عبد برضاه؛ هذا من الطاغوت، الشيطان الذي عبد وهو راضي، هو أمر الناس بعبادته، والطواغيت من الذي قال أنا ربكم الأعلى؛ فرعون، كفرعون والنمروذ وغيره، وكل من نصب نفسه إله مع الله -تبارك وتعالى-، سواء كان قال أن هو شريك لله في الخلق أو أن الخلق خلقه أو أن الأمر أمره أو أن الحق حقه، أمر الناس أن يعبدوه كما يعبد الرب -تبارك وتعالى-، يوم القيامة يلعن بعضهم بعض، كما قال -تبارك وتعالى- {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166]، هذا فيمن عبدوا برضاهم، وأما من عبدوا بغير رضاهم هذا عبدهم الناس ولا شأن لهم بهذا؛ كالملائكة، ربنا يقول للملائكة {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}، {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41]، قالوا ما ديَّت، سبحانك أنت ولينا من دونهم؛ ولايتنا لك، ها دول لا شغل لنا بهم، لم نأمرهم بهذا ولم نرضى عبادتهم لنا على هذا النحو، فكانوا الكفار يعبدون الملائكة لكن في وهم، وكذلك عيسى -عليه السلام- هذا أكبر بشر عبد من دون الله -تبارك وتعالى-، لكن عبد بغير رضاه، لم يأمر بذلك لا في حياته ولا بعد مماته، والله يقول له {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، هذا قدام ...، أمام كل من عبده، {قَالَ سُبْحَانَكَ}، تنزيهًا لك يا رب، {قَالَ سُبْحَانَكَ}، {أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}، أن الله -تبارك وتعالى- عصمه أن يتقول على الله -تبارك وتعالى- غير الحق، {........ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116]، {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117]، {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118]، {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، فهذا يتبرأ عيسى -عليه السلام- وكل من عبد من دون الله -تبارك وتعالى- وهو غير راضٍ بهذا يتبرأ.
كما قال الله -تبارك وتعالى- فيمن عبدوا كذلك من الأولياء والصالحين في قبورهم وهم غافلون عن هذا، قال {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5]، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:6]، فهذا الذي عبد وهو في قبره وقيل له يا فلان، يا فلان ...، سجد له، طيف بقبره، تبرك به، طلب منه ما لا يطلب إلا من الله -تبارك وتعالى-، هو غافل عن هذا، لا سمع هذا ولا درى، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ ........}[الأحقاف:5]، ولو وقف يدعوه إلى يوم القيامة، {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ}، يعني يوم القيامة، {كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً}، كان هؤلاء الموتى الذين عبدوا بغير رضاهم أعداء لهؤلاء {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}، فالله يقول {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا}[الكهف:52]، جعلنا بينهم وبين هؤلاء الذين عبدوه موبق؛ مهلك، وين هؤلاء في النار وأولئك في الجنة، الذين عبدوا بغير رضاهم كالملائكة وين بعيدين عن هؤلاء، وعيسى -عليه السلام- والصالحون وينهم؟ هؤلاء في جنة الله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:101]، {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:102]، أنزل الله هذه الآية بعد قوله -تبارك وتعالى- {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98]، إنكم؛ أيها الكفار، وما تعبدون من دون الله؛ يعني والذي تعبدونهم من دون الله، والذي تعبدونه من دون الله، حصب جهنم؛ يعني ستلقون جميعًا في جهنم؛ أنتم لها واردون.
فقالوا زين ...، مادام نحن ومن نعبد في جهنم فنحن نعبد الملائكة خليهم يكونوا معانا، والنصارى يعبدون المسيح فسيكون معهم، يستهزئون بكلام الرب -تبارك وتعالى-، فقال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:101]، {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:102]، وإنما الذي يحصب هؤلاء في جهنم؛ هم وآلهتهم الباطلة، حجره وإلهه الباطل الذي كان يعبد به كله معه، وكذلك هذا الطاغوت الذي أمر الناس بالعبادة أو عبد وهو راضي يكون معهم، يكون معاهم؛ يحشر هو وقومه، كما قال الله في فرعون {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}[هود:98]، {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ}[الصافات:22]، {مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:23]، احشروا؛ اجمعوا، الذين كفروا وأزواجهم؛ أشكالهم، وما كانوا يعبدون من دون الله؛ الذين كانوا يعبدون من دون الله، كذلك أصنامهم وأحجارهم وأوثانهم هذه التي كانوا يعبدونها من دون الله فكلها تحشر إلى جهنم، كما قال -جل وعلا- {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}[الشعراء:94]، {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}[الشعراء:95]، كل من غوى ممن دعى إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى- أو دعى إلى عبادة نفسه فكلهم مع بعض، {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا}، جعلنا بينهم مهلك، بين هؤلاء الظلمة الكفار وبين من أنجاهم الله -تبارك وتعالى- والذين إتخذهم الكفار آلهة وهم ليسوا آلهة، لم يدعوا إلى عبادة أنفسهم ولا هم رضوا بهذه العبادة.
قال -جل وعلا- {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}[الكهف:53]، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ}، برزت لهم، أظهرت لهم النار، الموقف الأول بدون نار ثم يؤتى بعد ذلك بجهنم، فيراها الكفار فيزهلون، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ}، كما أخبر النبي -صل الله عليه وسلم- أنها يؤتى بها لها سبعون ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها إلى الموقف؛ يرونها، فإذا رأوها وهي تكاد تميز من الغيظ، بركان يغلي ويفور، ويقال لهم أنتم هذا سجنكم وأنتم داخلون إلى هذا المكان، قال -جل وعلا- {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}، الظن هنا بمعنى اليقين، أنهم مواقعوها؛ سيقعوا فيها، حتمت هذا خلاص هذا مصيرهم، فقد بشروا بهذا وأنذروا به وأصبح خلاص إنحدوا الطريق خلاص، الطريق ماشي إلى هذا المكان ولا مهرب، يعني يتلفتون يمينًا وشمالًا فيه مهرب؟ ما في، {كَلَّا لا وَزَرَ}[القيامة:11]، ما في ملجأ، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}[القيامة:12]، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ........}[الكهف:53]، قال -جل وعلا- {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}، ولم يجدوا عنها مصرف؛ المصرف مخرج، يعني طريق للخروج، لا قادرين يرجعوا وارئهم فقط أحيط بهم؛ الملائكة يحيطون بهم من كل مكان، ولا في مهرب يمين، مهرب شمال، هلاك، طريقة يفنوا بها؛ يخرجوا بها، باب من الأبواب، لا مصرف يصرف عنهم هذا العذاب، {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}، كل مصرف، كل الحيل والإمكانات التي يمكن أن تدفع عنهم العذاب يجربوه؛ ولا يكون، الإستصراخ، الطلب في الرجوع، أي شيء نفتدي به، نفتك به، لا مجال، خلة؛ خليل، طيب اللي كان بيعبدوه عشان ينصرهم، ما في أي متعلق ممكن أن يتعلقوا به ليخرجوا به، نصرة، طاب نكذب، ننكر أننا أشركنا، كما يقولوا {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، قال -جل وعلا- {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأنعام:24]، فلا سبيل؛ كل السبل قد أوصدت، ولم يبقى أي سبيل ولا أي مخرج ولا أي مهرب لهم، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}[الكهف:53].
قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك؛ بعد تصوير هذا المنظر وهذا المآل، الشديد المخزي الذي سيئول إليه حال هؤلاء، هؤلاء المعتزون بغناهم وأموالهم والمستنكفون أن يدخلوا الدين مادام دخل فيه بلال وعمار وصهيب وهؤلاء الفقراء، إيش لون ندخل في دين فيه هؤلاء عبيدنا وأرقائنا، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}[الكهف:53]، قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}[الكهف:54]، الله يخبر صرفنا؛ نوعنا في هذا القرآن للناس، عشان نبين لهم الطريق، نحذرهم، نخوفهم، هذا المآل، ليش تتخذ عدوك ولي لك من دون الله، ما في مثل من الأمثال إلا وضربه الله -تبارك وتعالى- لتوضيح هذا الأمر، ومنه هذه الأمثال التي ذكرها الله -تبارك وتعالى- هنا في هذا السياق قبل قليل، مثل الرجل الذي آتاه الله -تبارك وتعالى- جنتين وإعتز بها، ثم كانت عاقبة هذه هلاكه في الدنيا، ومثل الدنيا في سرعة زوالها {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ}، أمثال الله ضربها لتبين هذه الأمور المعنوية؛ تصبح كأنها حقيقة واقعة، ثم الله -تبارك وتعالى- يبين هذا الأمر الأخروي كأننا نشاهده بأم عيننا، ولقد صرفنا؛ نوعنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، ثم قال -جل وعلا- {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، وكان الإنسان؛ جنس هذا الإنسان، أكثر شيء من المخلوقات جدلًا؛ مجادلة، جدل بالباطل، دفع للحق بالباطل، فهذا يعني ما في شيء مما خلقه الله -تبارك وتعالى- من كل هذا الخلق يدفع الحق بالباطل أكثر من هذا المخلوق؛ اللي هو الإنسان، {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، أكثر شيء يعني تصح منه المجادلة، والمجادلة هناك من جدل، يعني يسمع الحق ويرده ويقال له مرة ثانية ويجادل، ويقال له ويجادل، ويجادل من؟ يجادل لدفع الحق من الله -تبارك وتعالى-، يجادل في كلام الرب الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-، هذا إعذار من الله -تبارك وتعالى- وبيان هذا القرآن العظيم، وتذكير بأول هذه السورة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1]، {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، انظر صور هذا الإنذار الذي ينذر الله -تبارك وتعالى- هذا البأس الشديد، وكيف يصوره الله -تبارك وتعالى- ويوضحه هذا الإيضاح، ويحذر الناس من مغبة سلوك غير طريق الحق.
أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.