الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (357) - سورة الكهف 85-100

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، من إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}[الكهف:83]، {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}[الكهف:84]، {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:85]، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}[الكهف:86]، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}[الكهف:87]، {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}[الكهف:88]، {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:89]، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا}[الكهف:90]، {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا}[الكهف:91]، يخبر -سبحانه وتعالى- عند عبد من عباده وملك من الملوك الصالحين وهو ذو القرنين، قال -جل وعلا- {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ}، وتمكينه في الأرض يعني تثبيته فيها بالملك الثابت المستقر، الذي من أدواته جيش قوي ونظام مراعى وأعوان ووزراء وشعب ملتف حوله، فملك ثابت مستقر، قال {........ مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}[الكهف:84]، كل شيء؛ مما يحتاجه الملك القوي، عدة، عتاد، مال، بصيرة، علم، {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:85]، أتبع هذا السبب الذي آتاه الله -تبارك وتعالى- أسباب أخرى من القوة والتمكين.

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ}، في الأرض مشرق ومغرب، جهة الأماكن التي تتجه إليها الشمس في غروبها، {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}، وجد الأرض التي هناك أرض منتنة كأنها سبخات منتنة، ليست أرض طيبة ديَّت، {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ}، قلنا؛ الرب -سبحانه وتعالى- الإله مما أوحى إليه، {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}، الله أطلق يده -سبحانه وتعالى- بالسياسة التي يريدها في إصلاح هذا القوم وحملهم على الطريق، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ}، هذي سياسة الملك التي إتبعها ذو القرنين، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ}، وهنا ظلم أي ظلم، ظلم بالشرك والكفر، ظلم بالتعدي والعدوان على عباد الله، {........ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}[الكهف:87]، ثم إن مكانه عندما يرد إلى الله -تبارك وتعالى- فيعذبه عذابًا نكرًا، عذاب الله –تبارك وتعالى- غير عذاب الملوك؛ عذاب شديد جدًا، الله -تبارك وتعالى- لا أحد يعذب كعذابه، فمهما كان عذاب الملوك لا يمكن أن يكون كعذاب الله –تبارك وتعالى-، فإن السجن عند الله سجن من نار؛ أرضه وغطائه وجدرانه وطعامه، عياذًا بالله -سبحانه وتعالى- من حال أهل النار، {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25]، {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، فهذا الذي يموت ظالمًا كافرًا يرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرًا.

{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ........}[الكهف:88]، عند الله -سبحانه وتعالى- قدم الجزاء هنا، قال {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}، وأما هذا الذي يعني المؤمن الذي يعمل الصالحات فإن له الجزاء الحسن عند ربه -سبحانه وتعالى- في الآخرة، وأما هنا هذا الملك الصالح قال وسنقول له من أمرنا يسرًا، سنعامله بالإحسان وسيكون كل كلامنا له وقولنا له في اليسر، فلا يحمل فوق طاقته ويحسن إليه بكل معاني الإحسان، {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}، قال -جل وعلا- {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:89]، في سعيه وسياحته في الأرض، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا}[الكهف:90]، وجد أن هناك الناس الذين في المشرق إنما يعيشون يعني كأنهم فقراء، ليس بينهم وبين الشمس ستر من أخبية أو أبنية أو أشجار كثيفة، بل أرضهم كأنها أرض قاحلة، لا شيء يقيهم من الشمس، لم نجعل لهم من دونها؛ من دون الشمس، ستر؛ يعني يستترون به، قال -جل وعلا- {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا}[الكهف:91]، كذلك؛ هذا الإخبار من الله –تبارك وتعالى- بما كان من شأن ذي القرنين، أن الله -تبارك وتعالى- قد أحاط علمًا وخبرًا بكل أحواله، {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:92]، في سعيه وسيره في الأرض، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}[الكهف:93]، وجد بين السدين؛ ذكر الله -تبارك وتعالى- أن هناك سدين، وجد ذو القرنين عند هذين السدين قوم، قال -جل وعلا- {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}، يعني أنهم من ضعاف العقول، وأن فهمهم للأخرين فهم ثقيل لا يكاد يفقه قول يقال لهم، {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}.

{قَالُوا}، أي هؤلاء القوم، {يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}، أخبروه عن هذه الطائفة من الناس؛ يأجوج ومأجوج، وهم جنس من الأرض والصحيح أنهم من أولاد آدم، كما جاء في الحديث أنهم من أولاد آدم، وأنهم من سكان هذه الأرض يسكنونها، وأنهم هم الذين يفسدونها في آخر الزمان، ويبدو أنهم في هذا الوقت كانوا ظاهرين على الأرض وكانوا يفسدون فيما حولهم، أما إفسادهم الأخير فإن هذا سيكون إفسادًا عظيمًا، لأنهم سيميلون على الأرض ميلة واحدة، كما قال -سبحانه وتعالى- {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}[الأنبياء:96]، من كل حدب؛ الحدبة اللي هي يعني حدبة الوادي، وراء الأكمة من أكمات الجبال، ينسلون؛ والنسلان هو الهرولة، دون الهرولة، {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:97]، سيأتي ذكر يأجوج ومأجوج بالتفصيل من كلام النبي -صل الله عليه وسلم-، الشاهد أن يأجوج ومأجوج قوم من أولاد آدم لكنهم مفسدون، وكانوا يعيشون بالقرب من هؤلاء القوم الذين وصفهم الله -تبارك وتعالى- بأنهم {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}[الكهف:94]، هل نجعل لك خرجًا؛ الخراج، ضريبة، يعني تفرض علينا ضريبة نجمعها من الناس ونعطيها لك، في مقابل أن تبني بيننا وبينهم سد، سد يحمينا من هجمات هؤلاء؛ من يأجوج ومأجوج.

انظروا فعل الملك الصالح الممكن من الله -تبارك وتعالى-، هنا يرى أمر من الأمور؛ فساد، قوم هؤلاء يأجوج ومأجوج ناس مفسدون في الأرض، يأكلون الأخضر واليابس كما يقال ويعتدون على من عندهم، وهذا الملك الصالح ذو القرنين قد وصل إلى هذا المكان، انظر صنيعه في رد هذا الشر عن الناس، وهم الآن قالوا له إحنا مستعدين بما عندك أنت من القوة والإمكانيات نعطيك خرج، نجمع من المال ضريبة نعطيكها لتقوم لنا بهذا العمل، {........ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}[الكهف:94]، انظروا مقالته، {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}، قال ما مكني فيه ربي؛ أي من القوة والمنعة والمال وما عنده خير، لا أريد خراجًا منكم أريد أن يفعل الخير إتغاء وجه الله -سبحانه وتعالى- لا ليجمع المال من الناس، قال ما مكني فيه ربي؛ أي من التمكين وما أعطاني الله، خير؛ من هذا الخراج الذي ستعطوني إياه، لكن أعينوني بقوة، يعني الآن جندوا منكم من يعينوني بقوة، {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}، أجعل ردم بينكم؛ بين هؤلاء القوم وبين يأجوج ومأجوج.

ثم فكر في هذا الأمر أن الثغرة التي يدخل منها يأجوج ومأجوج إلى أرض هؤلاء أنها ثغرة بين جبلين، فإرتأى أن يبني سد بين هذين الجبلين، صد مصمت على يستطيع أن يعلوه أولئك ولا يستطيعون كذلك أن يخترقوه، قال لهم {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}، زبر الحديد؛ زبره قطعه؛ قطع الحديد الصغيرة، {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}، الصدفين؛ اللي هما قمتا الجبلين، يعني أنه بنى قطع الحديد قطعة قطعة قطعة ...، بناها كهيئة ال ...، إحنا أما نعمل المسلح الآن نضع في الأعمدة أسلاك الحديد، ثم بعد ذلك نصب الإسمنت والصلبوغ والرمل؛ هذي الخلطة، هو صنع شيء أقوى من هذا وأفضل من هذا أمر ديَّت، وهو أن عمل سبيكة من زبر الحديد؛ قطع الحديد، ثم جعل السبك له بالنحاس، وخلط الحديد بالنحاس وإذابته يطلع سبيكة اللي هي البرونز، اللي هي أقوى من الصلب؛ من حديد الصلب، قال {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}، يعني عمل سد يصل إلى صدف الجبل؛ صدفتي الجبل، وهو أعلاه قمته، {قَالَ انفُخُوا}، إنفخوا النار، عمل المنافيخ للنار لتذيب قطع الحديد، {قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا}، جعل الحديد هذا تحول الحديد؛ تحول إلى نار، {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}، آتوني أفرغ على الحديد قطر، والقطر هو النحاس المذاب، وهذا بناء سد على هذا النحو بين جبلين ليس عند البشر في الوقت الحاضر الآلات التي تبنيه، ليس عندنا أفران لصهر حديد بين جبلين حتى يصل من قاعدة الجبل إلى قمته، ولا يملك الناس الآن رافعات ترفع مئات الأطنان ربما آلاف الأطنان من النحاس المذاب لترفعه فوق الجبال ثم تصبه من علٍ، هذا أمر فوق قدرات البشر في وقتنا هذا مع تقدم علوم الناس.

قال -جل وعلا- {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}، ما اسطاعوا؛ كلهم يأجوج ومأجوج، أن يظهروه؛ يعني أن يركبوا فوقه ويعلوه، {........ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}[الكهف:97]، ولم يستطيعوا ينقبوا هذه السبيكة المتينة، أن ينقبوها وأن يفتحوها ليخرجوا منها إلى الإفساد في الأرض، ثم قال لهم هذا الملك الصالح، {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، هذا السد بهذا البناء المحكم رحمة من ربي، رحمة من الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي}، جاء وعد ربي بالأخذ الذي وعد الله -تبارك وتعالى- عباده به، {جَعَلَهُ دَكَّاءَ}، جعل هذا السد دكاء، يدكه دكًا -سبحانه وتعالى-، {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}،  وكان وعد ربي حقًا؛ وعد ربي بالآخرة حقًا لابد أن يكون، فهذا علامة على الساعة أو علامة على قرب الساعة، كما قال -تبارك وتعالى- {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}[الأنبياء:96]، {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:97].

وقد أخبر النبي -صلوات الله والسلام عليه- أن إنفتاح هذا السد سيكون بعد نزول عيسى إبن مريم -عليه السلام-، عيسى إبن مريم ينزل في دمشق؛ عند المنارة البيضاء، يقود المسلمون في حرب ينتصر فيها المسلمون على النصارى إنتصارًا ساحقًا، فإن عيسى مبعوث من الله -تبارك وتعالى- بكسر الصليب وقتل الخنزير وإقامة الصلاة ويضع الجزية، وبعد هذا النصر العظيم لأمة الإسلام بقيادة المهدي -عليه السلام- ثم يكون المسيح -عليه السلام-، ولعل المهدي هو الذي يكون في إمامة المسلمين عند نزول المسيح -عليه السلام-، عند ذلك الله -تبارك وتعالى- يوحي إلى عيسى بأني ...، يقول له «إنحز بعبادي إلى الطور فإني مرسل بعباد لي لا يدان لأحد بقتالهم»، إنحز؛ بمعنى الإنحياز، يعني إلجأ وإجمع من معك من المؤمنين إلى الطور، وقاله سأرسل عبادًا لي ليهلكوا بقية الكفار في الأرض، لا يدان لأحد بقتالهم، ما في أحد عنده قوة لأن يقف أمامهم، لا يدان لأحد بقتالهم؛ يعني حتى المسلمين في زمن عيسى لا يستطيعون أن يجابهوا قوتهم، فينحاز عيسى بالمؤمنين إلى الطور ثم إن يأجوج ومأجوج يستطيعون كسر السد، كسر السد؛ إذا كسر السد عند ذلك يخرجوا منه فيعيثوا في الأرض فسادًا، يخبر النبي -صل الله عليه وسلم- بأنهم تصل أوائلهم إلى طبرية في فلسطين فيشربونها، فإذا أواخرهم مرت تكون قد جفت فيقولون قد كان ها هنا ماء، كان ها هنا في هذا المكان ماء، مما أنهم يبيدون خضراء الأرض، ما يجعلون فيها شيئًا قائمًا، طبعًا يمتحن المؤمنون في هذا الوقت إمتحان عظيم جدًا، حتى يقول النبي -صل الله عليه وسلم- يعني أن المسلمون وهم منحازون في الطور بعيد عن هذا السيل الجارف ليأجوج ومأجوج، يقول النبي «حتى أن رأس الثور لأحدهم خير من مئة دينار لأحدكم»، علمًا أن الشاه كانت بدينار في وقت النبي -صل الله عليه وسلم-، يعني الشاه كانت بدينار فيكون رأس الثور أفضل من مئة شاه في هذا الوقت من شدة الحال.

ثم إنه بعد ذلك يعني يلجأ عيسى والمؤمنون إلى الله -تبارك وتعالى- في شأن يأجوج ومأجوج، فعند ذلك يرسل الله -تبارك وتعالى- عليهم مرض، دودة تأتي في أعناقهم؛ النغف، فتقتلهم ويكون قتلهم كقتل نفس واحدة، قال -صل الله عليه وسلم- «فيموتون فرسًا كنفس واحدة»، يصبح عيسى إبن مريم والمؤمنون وقد أهلك الله -تبارك وتعالى- يأجوج ومأجوج عن بكرة أبيهم مرة واحدة فيخرجون، يخرجون من المكان الذي إنحازوا فيه؛ عيسى والمؤمنون، ولكنهم يجدون أن الأرض قد إمتلأت من زهمهم ونتنهم، أن نتنهم ورائحة أجسادهم قد غطت الأرض، فيلجأ عيسى والمؤمنون إلى الله -تبارك وتعالى- فيرسل الله -تبارك وتعالى- عليهم طير، يقول النبي «أعناقها بالباخات»، يعني هذه الطيور، أعناق هذه الطيور كالباخات، وهذا كأنه تشبيه قريب للطيور السابقة التي كانت في الأرض قبل حياة الإنسان وهي ما يسموها بالديناصورات، فتأخذهم ثم تلقيهم في البحر، تحمل جثث هؤلاء وتلقيهم إلى حيث شاء الله -تبارك وتعالى-، ثم يأمر الله -تبارك وتعالى- السماء أن تمطر، فتمطر أربعين يومًا حتى تصبح الأرض كالزلقة يقول النبي، فتصبح الأرض كالزلقة بعد أربعين يوم من المطر المستمر، كالزلقة يعني كالمرآة، يعني كالمرآة الصافية فتنظف الأرض تنظيفًا كاملًا، ثم يقال للأرض أخرجي بركتكي، يعني طلعي البركة اللي عندك، يقول النبي «حتى إن الرمانة لتكفي الركب»، رمانة واحدة يأكلها ركب من الناس، سبعة ثمانية أشخاص تكفيهم، ويستظلون بقحفها، نصف الرمانة ممكن يجعلوه مظلة لهم، قحف الرمانة لهم، وإن اللقحة من الإبل لتكفي القبيلة، واحدة فقط من الإبل ذوات اللبن تكفي القبيلة، وإن البقرة لتكفي الفخذ؛ تكفي فخذ من القبيلة، فتبارك الأرض ويعيش المؤمنون هذه الحياة الطيبة بعد هلاك يأجوج ومأجوج، ثم تكون بقية علامات الساعة من خروج الدجال، حيث يقتله عيسى إبن مريم -عليه السلام- بعد ذلك، وتبقى الساعة بعد ذلك قريبة، كما قال النبي «والساعة عند ذلك كالحامل المتم»، لا يدرى وين الوقت، الساعة، الحامل التي أتمت شهورها التسع فإنها خلاص تبقى تنتظر يعني أيام، ساعات، لتضع حملها، وهكذا يكون الزمان بالنسبة للساعة، تصبح الساعة خلاص أصبحت يعني الوقت قد أزف، كما قال -جل وعلا- {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:97].

هنا قال ذو القرنين؛ هذا الملك الصالح وهذه سياسته الصالحة، قال بعد أن بنى هذا السد العظيم، الذي حمى الله –تبارك وتعالى- فيه وعزل يأجوج ومأجوج عن بقية الناس، {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}[الكهف:98]، لا شك بوجود هذا السد في الأرض ولكنه من علامات الساعة، ولا يمكن للبشر أن يعني لا يمكن لنا أن نعرفه، لأن معرفته هو إيذان بأمر غيبي لا شك أنه يكون في الوقت الذي يشاءه الله -تبارك وتعالى-، وقد أصبح النبي -صل الله عليه وسلم- يومًا في الصباح وقال «الله أكبر، ويل للعرب من شر قد إقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا، وحلق رسول الله بأصبعه، فقال زينب -رضي الله تعالى عنها- يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث»، قال نعم إذا كثر الخبث، يعني يكون الهلاك، فعلى كل حال لا شك أن بوجود السد وأنه سيأتي اليوم الذي يكسر فيه، وأنه سيخرج هؤلاء الأقوام الذين غيبهم الله -تبارك وتعالى- الآن خلف هذا السد الذي هو موجود حتمًا في الأرض في مكان ما، ويخرجون لليوم الذي شاءه الله -تبارك وتعالى-، وهذا علم من أعلام الساعة أخبر الله –تبارك وتعالى- عنه في القرآن في الآيات التي سمعنا، وكذلك في قوله -سبحانه وتعالى- {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}[الأنبياء:96]، {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:97]، قال؛ أي ذو القرنين، هذا؛ أي السد، {رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي}، أي بالآخرة، {جَعَلَهُ دَكَّاءَ}، دكه الله -تبارك وتعالى-، والدك هو الهدم إلى القاع، {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، وكان وعد ربي حقًا بالآخرة.

ثم قال -جل وعلا- {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ........}[الكهف:99]، وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض؛ تركنا هؤلاء يأجوج ومأجوج يموجون في البشر، يعني أنهم يكونون مثل موجات من هؤلاء، يموجوا في بعض فيقتلون ويهلكون ويفسدون، ثم {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}، ونفخ في الصور؛ الصور القرن، وهو الذي جعله الله -تبارك وتعالى- هذا إيذان وعلامة وحد فاصل لقيام الساعة، والنافخ في الصور ملك من ملائكة الله -تبارك وتعالى- أخبر عنه النبي وهو إسرافيل، وقد قال النبي «كيف أهنى وقد إلتقم صاحب القرن؛ القرن، وأصاغ السمع متى يؤمر بأن ينفخ»، فإسرافيل منتظر من الرب -تبارك وتعالى- الإذن والأمر في أن ينفخ في الصور، والنفخة الأولى في الصور تعنى هلاك وإنفراط هذا العقد المنتظم في السماوات والأرض، {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1]، {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:2]، {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار:3]، {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}[الانفطار:4]، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}[الانفطار:5]، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة:13]، {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة:14]، {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:15]، {وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة:16]، {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17]، فالنفخة الأولى في الصور تأذن بإنفطار السماوات وإندثار وإنتثار النجوم، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1]، {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2]، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير:3]، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:4]، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6]، {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}[التكوير:7]، {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}[التكوير:8]، {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[التكوير:9]، {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}[التكوير:10]، هذا في الآخرة، فالنفخة الأولى في الصور هي لهدم هذا البناء الموجود، والنفخة الثانية {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الزمر:69].

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ........}[الكهف:99]، اللي هي النفخة الأولى، {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}، في النفخة الثانية، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}، أي في النفخة الثانية، {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}، يجمعهم الله -تبارك وتعالى- جمعًا، {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ........}[الكهف:99]، أي النفخة الثانية، {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}، {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا}[الكهف:100]، يعني والناس في المحشر تؤتى جهنم فتعرض على الناس، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم-، «أن لها سبعون ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»، فتأتي وتقرب ويراها الناس، يروا هذا السجن العظيم الذي لا سجن مثله، الذي يكون فيه كل أعداء الله -تبارك وتعالى- يجمعهم فيه، {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}[الشعراء:94]، {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}[الشعراء:95]، يلقى فيها الأقوام فوج فوج وهي تقول هل من مزيد، ولا تكف إلى بأن يضع رب العزة قدمه فيها فيتداخل بعضها إلى بعض وتقول قطني قطني، {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا}[الكهف:100]، أمامهم.

{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}[الكهف:101]، يعني هؤلاء الكفار، {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ........}[الكهف:101]، غطاء؛ يعني يذكر الله -تبارك وتعالى-، يذكرهم الله، يرسل لهم آياته، ولكن كأن الأعين عندها غطاء فلا تذكر الله ولا ترى آيات الرب -تبارك وتعالى-، {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}، لا عيون ترى ولا آذان تسمع لأمر الله -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا}[الكهف:102]، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}[الكهف:103]، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:104]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}[الكهف:105]، ختام هذه السورة كشأن كثير من سور القرآن، فيه مواعظ عظيمة وفيه خلاصة للمعتقد، وهذا -إن شاء الله- نأتيه في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.