الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، أصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }[مريم:72]
يخبر سبحانه وتعالى عن مقالة الإنسان الكافر فى انكاره للبعث؛ فيقول {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}[مريم:66] السؤال يسئله هذا الإنسان الكافر بالبعث، المنكر له، مستبعداً هذا يعني مستنكر، ومستبعد [أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا] مرة ثانية أخرج، وأكون حياً، وقد كان العرب جميعاً المشركون مطبقون على هذا الاعتقاد في أن الموت هو نهاية الأمر، وأنه لا حياة بعد الموت {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}[الإسراء:49] {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ........}[السجدة:10] {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78] فهذه مقالة الإنسان الكافر، من يحيي العظام، وهي رميم يعني لا أحد حتى الرب إن كان هذا الرب استعظموا هذا الرب أن يحيي العظام وهي رميم؛ فهذه مقالة الإنسان الكافر {........أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}[مريم:66] فهنا الله -تبارك وتعالى- رد هذه المقالة، وبين بالبرهان الساطع بأنها مقالة تقوم على الجهل؛ فإستبعاد هذا، وإستنكار هذا الأمر، والظن أن الله لا يقدر هذا؛ فقال: [أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ] هذا الإنسان الكافر [أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا] أوجدك الله -تبارك وتعالى- أيها الإنسان من العدم، لم تكن شيئاً، لم تكن شيئاً موجوداً، ووجدت بكل هذا بكيانك، بحواسك فإذا مت، وأرادك الله تبارك وتعالى أن يعيدك هذا في الموازيين أسهل, لأن إعادة الأمر الذي كان موجوداً في الأساس لا شك أنه أسهل من إيجاده أصلاً، ولم يكن موجوداً؛ فقال أنت لا تذكر [أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا] وهذا ابطال، ورد قاهر ما هناك رد لهذا الأمر؛ فهذا برهان ساطع {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْحَدِيدًا* أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ........}[الإسراء:51] هذا أمر لا يمكن رده، قال -جل وعلا- {........فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}[الإسراء:51] فهذا أمر يعني نقذف بالحق عن الباطل فيدمغه؛ فإذا هو زاهق؛ فهذا أمر يبطل يعني هذا الرد، وهذا البرهان يبطل يعني هذا الباطل الذي يقوله الكافر.
ثم الله -تبارك وتعالى- أتى بالبرهان الجديد، وهو اقسامه، اخباره، واقسامه -سبحانه وتعالى- وحلفه يقسم الرب بأن هذا لا بد أن يكون، قال: [فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ]. وربك يا محمد، يقسم الله بذاته العلية -سبحانه وتعالى- وأنه رب محمد قال: [فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ] الحشر الجمع يعني لنجمعنهم باللام كذلك المؤكدة، والنون نون التوكيد الثقيلة [فَوَرَبِّكَ] فهذه الآية جمعت هذه المؤكدات، القسم من الرب الإله -سبحانه وتعالى- الغني عن أن يقسم، ولكن الله يقسم لبيان أن هذا حق، وليقطع أدنى شيء من الشك يمكن أن يكون عند الإنسان الكافر [فَوَرَبِّكَ] وباللام كذلك، لا، والنون المؤكدة [لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِين] يحشر معهم الشياطين، وذلك أنهم هم من أسباب إضلالهم [وَالشَّيَاطِين] المتمردين، وهنا متمردي الجن، الذين يتمردون على الله -تبارك وتعالى- ولم يؤمنوا بالله، وسعوا فى إفساد هؤلاء، وهم الذين نشروا هذا الشر في هؤلاء يعني {........ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}[مريم:68] نقلنا الله -تبارك وتعالى- إلى صورة هؤلاء المكذبين فى مشهد من مشاهد الذل، والخزي، والعار لهم يوم القيامة [ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ] بعد الحشر، وإخراجهم من قبورهم حول جهنم التي هي هذه البئر العميقة، السجن الذي سيسعهم، ويسع آلهتهم كلها، وكل ما عبدوه [حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا] جاثيين، والجثي هو الوقوف على الركب لا يقف على قدميه منتصب، وإنما يقف على ركبتيه، تبقى ركبتيه. وهذا حال الذليل الخاضع المتطامن [حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا] جاثيين على ركبهم.
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}[مريم:69] النزع الإخراج بقوة يعني يخرج الله -تبارك وتعالى- من هؤلاء من كل شيعة جماعة [أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا] كل أمة، وكل الذين هم عتادها، ومجرموها، وقوادها إلى الشر يجعلهم الله تبارك وتعالى, كما قال الله تبارك وتعالى في قوم فرعون {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ........}[القصص:41] فهذا إمامهم، إمام القوم المقدم لهم فى الإجرام هو يكون هنا {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}[مريم:69] العتي يعني العناد، والعلو، والزيادة فى القسوة، والبعد عن الحق؛ فهذا العاتي، القاسي، الذي قد قسى، واشتد شدة عظيمة فى انكاره للبعث، وعناده هذا يكون هو مقدم القول {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}[مريم:69].
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا}[مريم:70] يقول نحن الله -تبارك وتعالى- معظماً نفسه -سبحانه وتعالى- [أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا] وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قد كان قائماً على كل نفس بما كسبت؛ فما في نفس لا تكسب شئ إلا والله -تبارك وتعالى- قائم عليها، وشاهد لها -سبحانه وتعالى- فالذين [هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا] أولى بأن يصطلوا بالنار يعني يقاسوا حرها، ويكونوا فيها الله أعلم -سبحانه وتعالى- بخلقه كلهم بمن يستحق دخول النار فيلقيه فيها -سبحانه وتعالى- {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا}[مريم:70].
ثم أقسم الله -تبارك وتعالى- قسماً {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم:71] وَإِنْ مِنْكُمْ أيها المخاطبون جميعاً، كفاراً، ومؤمنين [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا] إلا لا بد أن يرد النار [كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا] كان هذا حتم على الله، الحتم هو الأمر الذى لا بد أن يكون المحتوم، المقضي، المفروغ منه لا بد أن يكون مَقْضِيًّا يعني أنه واقع، وقوع لا شك فيه، وهذا الورود، الورود أصله هو حضور، الوصول الى الماء يقول ورد الماء يعني أتاه، والصدور هو الرجوع؛ فالورود هو المجيء إلى الأمر، والصدور هو الرجوع عنه [إِلَّا وَارِدُهَا] إلا حاضر عندها، وأتى عندها؛ فهل واردها داخلها؟ أو واردها حاضر فقط، ومنصرف عنها؟ ابن عباس يفسر الورود بأنه الدخول، ولكنها لا تضر المؤمن؛ ثم يخرج الله -تبارك وتعالى- منها العباد المؤمنين، ويلقي فيها الكفار، وبعض السلف من الصحابة كابن مسعود رضي الله تعالى عنه يفسر الورود بأنه العبور من فوق النار على الجسر وصولاً الى الجنة، وهذا التفسير هو الذى تؤيده الأحاديث التى جاءت في أحاديث يوم القيامة؛ فإن النبي أخبر بأن النار تقرب للناس، وهم في المشهد تأتي ثم تقرب النار فيها سبعون ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يأتون لها للموقف، كما قال -جل وعلا- {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:91] برزت أظهرت، وما كان غائباً من وصف هذا النار خلاص يصبح رأى العين {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ.......}[الملك:8] وهي تكاد تتميز من الغيظ يعني تلهفاً، وشوقاً أن يأتيها أهلها الذين يكونون فيها عياذاً بالله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يضرب الجسر، أو الصراط على ظهرانين جهنم يعني من طرف من جهنم إلى الطرف الآخر؛ فالطرف الذى فيه الموقف الى الطرف الآخر الذ ى فيه الجنة، وهذا الجسر هو ينصب لأهل الإيمان فقط، وأما أهل الكفر فإنهم يردون النار جماعات، وفود يدخلوا من أبوابها كما قال -جل وعلا- {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13] والدع الدز، وقال: {........فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}[الرحمن:41] يؤخذ بنواصيهم، وأقدامهم، ويلقون في النار، هذه من صور الدخول، وقال: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا........}[الزمر:71] فألقوا فيها عياذا بالله؛ فهذه صورة دخول أهل النار فيها أنهم يدفعون، يأتون جماعات؛ ثم تدفعهم الملائكة، وتدزهم إلى أن يتساقطوا فيها، وقد جاء فى الحديث أيضاً أن الله تبارك وتعالى يقول: كل من كان فى أول الأمر، كل من كان يعبد شيئاً فليتمسك به؛ فكل ناس كانوا يعبدون ما يعبده من هذه الآلهة الباطلة تصور لهم آلهتهم، ويأتي يتمسكون بها؛ ثم يدفعون، ويتساقطون فى النار عياذا بالله، الشاهد أنها لها هذه النار لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم، أما أهل الإيمان يبقون في المحشر في النهاية؛ ثم بعد ذلك يقول النبي يضرب الصراط على جنبتي جهنم، قال الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله صفه لنا؛ فقال: -صلى الله عليه وسلم- ضحد مزلة، ضحد، والضحد الذى يعني الزلقة الذي لا تستقر عليه القدم، هذه قدم تقع عليه لا تستقر، قال الضحد مزلة، تزل القدم، لا تثبت عليه عليه خطاطيف، وكلاليب، الخطاف هو هذه الحديدة المعقوفة التى تخطف كما الشأن في هذا الذي يستخدمه الحمالين؛ فإنه خطاف يحمل به الحمل إذا كان حمل من التبن، أو القطن يخطفه يحمله, أو هذا الذي يضعه الجزار ليعلق به اللحم، قال النبي خطاطيف، وأعطى النبي تصويرا لها مثل شوك السعدان، أتدرون ما شوك السعدان؟ يقول لهم النبي إنها شوكة العقيفاء تكون النجد شوكة فى نجد الذي هو السعدان، ولكن هذه الشوكة تعقف، قال النبى غير أنه لا يعلم عظمها، وكبرها إلا الله، هذا الخطاف، خطاف الصراط لا يعلم أحد كبره، وعظمه إلا الله، وهذه الخطاف تحت الصراط يعني يسير السائر فوق الصراط، والخطاف من تحته لا يدري متى ينطلق إليه الخطاف؛ ثم يؤمر الناس بالعبور، والناس يعبرون بحسب أعمالهم كما قال النبي، قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- فيعبرون منهم من يعبر كالطرف، وكالبرق، وكأجاويد الخيل، والركاب، كالطرف يعني لمح البصر يعني في لمح البصر يكون قد عبر، والبرق فيه كذلك كلمحة البرق شوف سرعة البرق كيف يكون بأقصى المكان، وإذا برق خلاص تصل ضوئه؛ فكذلك البرق، وكأجاويد الخيل، والركاب، الخيل الجيدة فى العدو، والركاب الجيدة طبعاً الركاب دون الخيل، وأخبر النبي بأن منهم من يمشي، ومنهم من يحبو، ومنهم من يمشى خطوة ثم يقع خطوة؛ فالناس على حسب أعمالهم؛ ثم تأتي هذه الخطاطيف، والناس ؟؟؟؟؟؟؟؟ عمل الخطاف يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فناجٍ مسلم يعني يعبر، ولكنه يكون سليماً من كل خدش، ومخدوشُ ناجي يعني ينطلق إليه الخطاف من تحت الصراط؛ فيخدشه، ولكنه لا يلقيه فى النار، ويسلم؛ فيكون فيه خدش، وهذا حسب برضه أيضاً يعنى ذنبه، ومخدوش على رأسه فى جهنم هذا يأخذه، هذا يأخذه الخطاف، ولكن يلقيه عياذا بالله فى جهنم؛ فهذا العبور عن الصراط هو الورود، هذا الذي فسر به ابن مسعود رضى الله تعالى عنه.
وطائفة من السلف معنى قوله تعالى: [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا] قال الورود هنا إنما هو مجيء للنار، ولكنهم يعبرون عنها، يعبروا أهل الإيمان عنها فيسلم منهم من يسلم، ويقع منهم من يقع الذي هو من عصاة المؤمنين، وهؤلاء يخرجون منها بعد بشفاعة الشافعين؛ ثم بشفاعة أرحم الراحمين -سبحانه وتعالى- [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا] قال -جل وعلا- {........كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم:71] يعني هذا الأمر حتم لا بد أن يكون، مقضي لا بد أن يكون، كما قال -جل وعلا- خطاب للكل، هذا خطاب للجميع لأهل الإيمان، وأهل الكفر{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }[التكاثر:] سؤالهم عن شكر النعمة؛ فهذا قسم الرب -تبارك وتعالى- هذا قسم الرب -تبارك وتعالى- وأن كل أحد لا بد أن يرد النار.
ثم قال -جل وعلا-[ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا] ينجي الله -تبارك وتعالى- أهل التقوى فعلى قول ابن عباس أنهم يردوها يدخلوها؛ ثم يخرجهم الله تبارك وتعالى منها، وبالقول الثاني الذين يعبرون على الصراط ينجيهم الله تبارك وتعالى {........الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مريم:72] نذر نترك [الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا] جاثيين على ركبهم عياذاً بالله فى النار، والذين يمكثون فيها مكثاً لا ينقطع هم أهل الكفر، والعناد، وأما من يتساقط من أهل الإيمان فإنهم يخرجون فيها بشفاعة الشافعين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا فرغ الناس أي من الصراط يقول ما أنتم بأشد مناشدة لي فى الحق إستبان لكم من مناشدة المؤمنين ربهم يوم إذ، يقولون يا ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا يعني يستجير ويستغيث المؤمنون بربهم -سبحانه وتعالى- ويستشفعونه -جل وعلا- في إخوانهم الذين سقطوا عن الصراط يقول يا ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، كانوا معنا فى المسجد، ولكنهم وقعوا عن الصراط؛ فيقول لهم الرب -تبارك وتعالى- إذهبوا فإذا وجدتم من في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، وعند ذلك الذين عبروا هؤلاء لا تضرهم النار بعد؛ فيدخلون النار، ويتعرفون على من فيه هذا الوصف الذي هو في قلبه مثقال دينار من إيمان؛ فيخرجونهم؛ فقال الصحابة يارسول الله كيف يعرفونهم؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن النار تأكل من ابن آدم كل شيء في جسمه إلا مواضع السجود بس مواضع السجود، هؤلاء لأنهم سجدوا لله -عز وجل- فلا تأكل النار موضع سجودهم هي الوجه، واليدين، والركبتين، والقدمين؛ فيعرفونهم، يعرف إن هذا فلان صاحبه، صديقه، أخوه الذى كان يصلي معه، ويصوم معه، وفيه هذا الوصف الذي وصفه الله -تبارك وتعالى- في هذا درهم، مقدار دينار؛ فيخرجونهم لكن يبقى في النار غيرهم؛ فيرجعون مرة ثانية؛ فيستشفعون الرب -تبارك وتعالى- يقولون ربنا إخواننا كانو يصلون معنا، ويصومون معنا؛ فيقول لهم ارجعوا فمن كان فى قلبه نصف دينار من إيمان فأخرجوه؛ فيخرجون من ينطبق عليه هذا الوصف، ويبقى فيها أناس، ويظلون على هذا النحو، ويستشفعون الرب -سبحانه وتعالى- حتى يقولون فى نهاية المطاف أي ربي، أي ربنا لم يبقى إلا من حبسه القرآن خلاص النار فرغت من أهل الإيمان، ولم يبقى إلا من حبسه القرآن؛ فمن حبسه القرآن ممكن أن يكون من حبسه القرآن الذي كتب عليه القرآن الخلود، الذي ذكر الله -تبارك وتعالى- بأنه باقي فيها بقاء لا ينقطع، وهم هؤلاء أهل الشرك، وأهل الكفر {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ........}[النساء:48] فهؤلاء المشركون الذين ماتوا على الشرك فهؤلاء حكم الله المقضي أنهم مخلدون فيها خلود لا ينقطع؛ فهذا معنى، أو من حبسه القرآن يقول القرآن أنه خالد فيها، إلا أن يشاء الله -تبارك وتعالى- خالد فيها كقول الله -تبارك وتعالى- {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93] فالشاهد أنهم يقولون بعد ذلك يعني يارب لم يبقى إلا من حبسه القرآن، وهذا ينصرف أول ما ينصرف على يعني على الذين ماتوا على الشرك، والكفر عياذاً بالله {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مريم:72] على ركبهم فى النار عياذاً بالله.
ثم بين الله تبارك وتعالى حال هؤلاء المفتونين من الكفار المكذبين بالبعث قال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}[مريم:73] [وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا] هذه المقروءة بَيِّنَاتٍ واضحات مبين الحق، ومبطلة لهذا الباطل الذى هم عليه من الكفر، والشرك؛ فهذا الباطل الذي هم عليه من انكار البعث، أي بيان أعظم من هذا البيان الإلهى فى إبطال هذه العقيدة، لكنهم بعد ذلك ينصرفوا عن هذا، ينصرفوا عن هذه الآيات البينات، ويغشوا، ويغروا بما هم فيه من النعمة فيقولون: [أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا] أي الفريقين الذين هما هم أهل الثراء، والجاه، وهم هؤلاء دائماً هم المعاندون للرسل الكفار؟، والذين آمنوا بالنبى –صلى الله عليه وسلم- يعني في أول الأمر كانوا هم فقراء الناس، الضعفاء، ومن سقط الناس، عبيد، و، وكانوا ينظرون إليهم بنظرة الإحتقار؛ فيقولون [أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ] نحن ولا أنتم؟ نحن الكفار، ولا هؤلاء المؤمنين [خَيْرٌ مَقَامًا] في الدنيا دور، وقصور، وبناء، وأموال، وجاه، ونساء، و، [وَأَحْسَنُ نَدِيًّا] أحسن نادياً، نادي هو الملتقى الذي يلتقون فيه مسامرتهم، وحديثهم، وندوتهم فأولئك، طبعاً المؤمنين ما كان لهم هذه الدور الواسعة، وهذه القصور، وهذه الأموال، وهذا النادي، البيوت يعني هذه المفتوحة فيقولون [أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا] ويستدلون بما هم فيه من هذه النعمة، والجاه، التي هم فيها، أنهم على الحق، والخير، وأن الله تبارك وتعالى قد لما اختصهم بهذا الذى اختصهم به فى الدنيا؛ فهذا لمحبته لهم، ولإكرامه لهم، ولما حرم هؤلاء من هذه المتع الدنيوية فلبغضه لهم، وابعاده عنهم؛ فكيف يكون هؤلاء هم أهدى منهم، وأنهم وفقوا للخير أحسن منهم؛ فاغتروا بهذا، اغتروا بما هم فيه [وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا] يقولوا لهم أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ يعني نحن، أو أنتم [خَيْرٌ مَقَامًا] في هذه الدنيا [وَأَحْسَنُ نَدِيًّا] قال -جل وعلا- ردهم على مقالتهم هذه، وشبهتهم في أن الله -تبارك وتعالى- ما أعطاهم هذا إلا لمحبته لهم، وإكرامه لهم، وما حرم هؤلاء الفقراء إلا ليحرمهم كذلك كل خير ما دام حرمهم من هذا الخير؛ فكذلك لا يمكن أن يكون يعطيهم الهداية [أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا] كيف يكون؟ قال -جل وعلا- {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}[مريم:74] وكم العددية، الكثيرة يعني قرون كثيرة [أَهْلَكْنَا] أهلك الله -تبارك وتعالى- بأنواع الهلاك بغرق كقوم نوح، بالريح العاتية، العقيم، أهلك الله عاد بالصعقة، والصرخة كثمود، بشواظ النار، والحجارة السجيل، و.. كما صنع الله -تبارك وتعالى- بقرى لوط، بيوم الظلة كما فعل بأهل مدين، فقد أهلك الله -تبارك وتعالى- قبلهم من قرن، قرن جماعة، سموا قرن لاقترانهم يعيشون مقترنين في وقت واحد [هُمْ] يعني هؤلاء الذين أهلكهم الله [أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا] الأثاث يصنعه الإنسان ليكون يعني رفقاً له من الفرش، والمقاعد، والأرائك، وكل ما يبثه الإنسان في بيته للإرتفاق به فروشهم، وستائرهم، ومراكبهم، و... فيقول الله -تبارك وتعالى- يخبر بأنه أهلك أقوام هم أحسن أثاثاً من هؤلاء يعني الأثاث الذي كان المجالس، والفرش، والمراكب التي كانت يعني عند قوم فرعون، أين هي مما عند هؤلاء قريش؟ فقريش مهما كانت، والعرب مهما كانوا فى دنياهم لا شك أنها كانت أقل كثيراً، كثيراً مما كان عند عاد، وعند ثمود، وكان عند الفراعنة؛ فهم كانوا أحسن منهم أثاثا [وَرِئْيًا] منظر، وأبهة، وفخامة، كذلك كانوا أعظم, فقد كان عند الفراعنة المراكب الفخمة، والجياد المطهرة، ولباس الذهب، وملابس الحرير، والأبهة العظيمة، والفخامة الكبيرة؛ فكان مرئآهم فى منازلهم، وقيامهم، وملابسهم هم أمر عظيم جداً لا يمكن لا مقارنة بينه، وبين ما كان عليه العرب؛ فالعرب كانت أمة مهما كانت أمة، أفقر كثيراً، وأقل كثيراً مما كان أولئك عليه، وأولئك أهلكهم الله -تبارك وتعالى- {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}[مريم:74].
ثم قال -جل وعلا- {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا}[مريم:75] [قُلْ] لهم [مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ] الذي هو في الضلالة على هذا النحو، ورد الحق بمثل هذه المقالات يعني السخيفة، رد الحق بأنه ما يقدر الله يحيه مكره ثانية، يقولك الله ما دام أعطانا في الدنيا، إذا لا بد أن يكون، لو كان هناك هذا، لو كان هذا كنا نحن أولى به من غيره، من هؤلاء الفقراء [قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ] على هذا النحو [فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا] يمدد له، المد الزيادة؛ فيزيده، ويعطيه من هذا ويمده يعني ضلالة أكثر، ومدة أكثر [فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ] يوم القيامة من هذا الذي يعدهم الله -تبارك وتعالى- بهم من العذاب [إِمَّا الْعَذَابَ] يأتيهم [وَإِمَّا السَّاعَةَ] وهم أحياء [فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا]
لنا عودة إن شاء الله إلى هذه الآية في الحلقة الآتية نقف عند هذا. وأصلي، وأسلم على عبد الله، ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.