الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته الى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا }[مريم:76].
يخبر سبحانه وتعالى عن غرور الكفار بما هم فيه من النعيم، والأبهة، والمال، وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الرب -سبحانه وتعالى- بينات يقرأ عليهم الرسول، ويقرأ عليهم المؤمنون آيات الله، يدعونهم إلى الله -تبارك وتعالى- بهذه الآيات البينات، الواضحات، المنزلات من الرب الإله الذى لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- احتج الكفار على أنهم على الحق بما هم فيه من الغنى، والثراء [قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا] يخاطبونهم [أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ] منا، ومنكم [خَيْرٌ مَقَامًا] في هذه الدنيا [وَأَحْسَنُ نَدِيًّا] من أصحاب الأموال؟، وأصحاب الثروات، والدور، وأصحاب الأندية الواسعة، الفخمة حيث يجتمعون، وأما الفقراء فإنما هم ضعفاء ليس بيدهم شيء، وبالتالي يقولون إن الذي أعطانا هذه، إن الرب الذي أعطانا هذه المكانة، والنعم في الدنيا، وهذا الثراء، وهذا الغنى، هو ما دام قد آثرنا بالدنيا عنهم فلا بد أن يكون، لو كان هذا الأمر، لو كان الدين هداية لآثرنا به كذلك، ولكنا نحن أولى منكم به [أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ] منا، ومنمكم [خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا] أحسن نديا، أحسن نادياً.
وقال -جل وعلا- {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}[مريم:74] كم كثير، قرون كثيرة أهلكها الله، يقول إن الله أهلك قبلهم قرون، قرن هم الجماعة المقترنين فيه مقترنين، مجتمعين في وقت واحد، كقوم نوح، وعاد قبيلة عاد، ثمود، قرى لوط، أصحاب مدين، فرعون، وقومه [وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا] فى بيوتهم من الفرش، والفخامة، والأبهة، و هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا منظر، هؤلاء هم عندما تراهم في مراكبهم، وملابسهم، ومشاربهم، وأنديتهم، وحفلاتهم، هم أعظم مما كان عليه العرب؛ فالعرب أمة كانت أقل أموالا، وجاه من تلك الأمم الكبيرة، الكافرة التي أهلكها الله -تبارك وتعالى-.
[ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا] قل لهم من كان في الضلالة يعني دعاء في ظاهره الجميع يعني نحن، ولا أنتم، أنتم تقولون بأننا يعنى نحن الضالين، نحن الذين افترينا هذا الدين، وليس بحق، بصحيح ما نحن فيه، وأتم الذين على الحق، وعلى الصواب، وأن الله الذي اجتباكم؛ فمن كان في الضلالة منا، ومنكم فليمدد له الرحمن مدا؛| فليزده الرحمن مما هو فيه من ضلالته، وهذا وإن كان طبعاً في ظاهره دعاء يعني على الطرفين، على الطرف الضال، الطرف الضال، ولا شك أنه سينصرف في النهاية إلى هؤلاء الكفار الضالين؛ فهم الذين في الضلالة، وهذا بيان من الله -تبارك وتعالى- أن الله سيزيدهم عقوبة منه -جل وعلا-
قال -جل وعلا- [حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ] إذا رأى هؤلاء الضالون، الذين أمدهم الله في ضلالهم، وأمهل لهم [مَا يُوعَدُونَ] من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- وما يوعدون، قال الله [إِمَّا الْعَذَابَ] الذي يأتيهم في الدنيا، إما بقتل، أو بأسر، ويقتلون كما فعل الله -تبارك وتعالى- فيهم في بدر، وإما بعقوبة تاتيهم من السماء كما يعني عاقب الله -تبارك وتعالى- الكفار السابقين [إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ] وإما يموتون ؛ ثم يبعثون للساعة حيث عقوبتهم معدة، مهيأة [فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا] سيعلمون عند ذلك الوقت من هو [شَرٌّ مَكَانًا] هم أم المؤمنون [شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا] ففي الساعة سيرى الكفار أنهم في شر حال؛ فهم سيساقون إلى عقوبة الرب -تبارك وتعالى- وأما المؤمنون فإنهم سيكونون معززين، مكرمين هؤلاء في عناية الرب -تبارك وتعالى- وإلى جنته، وإلى رضوانه، وكذلك أضعف جندا، هذا النبي ومن معه كانوا في حالة من الضعف، والذلة.
هذه الآيات مكية نزلت والمسلمون في حالة شديدة من الضعف، وهم الكفار مغترون بما هم فيه من القوة، والمنعة، ويرون أن هؤلاء ليس لهم طريق، ولا مستقبل، ليس لهم جنود يقفون، ويحملون سلاحاً في وجه هذا الكفر، يقول الله -تبارك وتعالى- عند ذلك أيضاً سيعلمون لو جاءت عقوبة الرب -تبارك وتعالى- في الدنيا، العذاب من الذى أضعف جنداً؟ جند الله -تبارك وتعالى- ، المؤمنون الذين هم مع الله -جل وعلا- والذين أيدهم الله، أنظر كيف أيدهم الله -تبارك وتعالى- في أول معركة من معاركهم بالملائكة {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[الأنفال:12] وقال -جل وعلا- {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9] فهؤلاء يقول الله -تبارك وتعالى- ويخبر أنه، أنه عندما يحل بهم عذاب الله -تبارك وتعالى- أو تحل بهم الساعة؛ فسيعلمون من هم أضعف جنداً؟ هم أم المؤمنين، وقد تبين لهم، ولا شك أنهم هم أضعف جنداَ، وأن جند الله -تبارك وتعالى- هم الغالبون، ونزول هذه الآيات في مكة من أعظم كذلك الأدلة على أن هذا القرآن منزل من الله -تبارك وتعالى- فهذا إخبار بغيوب مستقبلة، وقد وقعت كما أخبر الرب -تبارك وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا}[مريم:76] يمد كما يمد الله -تبارك وتعالى- الضالين فى ضلالهم؛ فإنه يزيد أهل الهدى في هداهم؛ فكل من خطى خطوة في طريق الخير زاده الله -تبارك وتعالى- منها، سواء هذه الزيادة بفتح المجال لخير آخر، وكذلك بتثبيت معاني الإيمان، وتقويته؛ فالإيمان يزداد مع العلم، والعمل، وكذلك العمل يزداد بالعمل، إذا وفق الإنسان إلى حسنة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يوفقه إلى مثلها، وهكذا؛ فالله -تبارك وتعالى- يزيد أهل الهدى، هدى كما -سبحانه وتعالى- يعني يزيد أهل الضلال من ضلالهم هذه جزاء الرب -تبارك وتعالى- لأهل الطاعة، ولأهل المعصية [وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى] وجاء هنا يعنى إخبار بالزيادة، بزيادة الهداية بالفعل المضارع ليبين أن هذا أمر مستمر [وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى] ثم تتمت الجواب عن هؤلاء المغرورين بالأموال.
قال -جل وعلا- {........وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا}[مريم:76]F وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَات] الباقيات الأعمال الباقيات الصَّالِحَاتُ هذه هي الكنز الحقيقي، وهذا هو الخير الحقيقي، وليس هذا المال الضائع في هذه الدنيا الذاهب، الباقيات الصالحات كل عمل له أجر عند الله -تبارك وتعالى- كل عمل صالح، وكل عمل صالح له أجره عند الله، الله يدخره للمؤمن، ولو كان ذرة من الخير؛ فهذه الباقيات الصالحات تشمل الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وصدق الحديث، وكل عمل من الأعمال الصالحة، وكان بعض السلف عندما يقول الباقيات الصالحات يقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فهذه التسبيح، والتحميد، والتكبير ذكر الله -تبارك وتعالى- من أسهل الأعمال، وهو من أعظم الأعمال أجراً عند الله -تبارك وتعالى- كما جاء فى الحديث « ((كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان الى الرحمن ثقيلتان فى الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) فهذا العمل الذي يعمله المؤمنون، وبعض هذه الأعمال، أعمال سهلة يسيرة، إنما هو جريان لسانهم بذكر الله -تبارك وتعالى- في غير كلفة، ومشقة، هذا ثوابه عظيم عند الله -تبارك وتعالى- وهذه الباقيات الصالحات، هذا خير، خير من هذا المال الذي يفتخر به هذا الكفار، ويقولون {........أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}[مريم:73] فهؤلاء الفقراء الذين تزدريهم عيون الكفار، هم يعني الذين جعلهم الله -تبارك وتعالى- في الكسب الحقيقى؟، وفي الزيادة الحقيقية لأنهم فى تسبيحهم، وتحميدهم، وقيامهم بأمر الله -تبارك وتعالى- وفعلهم لهذه الأعمال الصالحة، هذا كنز، هذا خير هذا [خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابً وَخَيْرٌ مَرَدًّا] المرجع، والنهاية، المرد المرجع، والنهاية، وهذا المرد عند الله -تبارك وتعالى- هذا دار استقرار، هذا الذى سيرد إليه الإنسان في الآخرة، هي الدار الباقية التي لا تضمحل، ولا تنتهي، يمكث الإنسان فيها؛ فأهل الكفر سيردون إلى النار، وهي دارهم، ومأواهم، ومستقرهم شر مرد، وأهل الإيمان الذين عملوا هذه الأعمال الصالحة ووفروها، ويأخذون جزائها يوم القيامة عند الله -تبارك وتعالى- سيردون إليها، وبالتالي هؤلاء الذين كانت عاقبتهم أنهم حصلوا على هذا الثواب العظيم لأعمالهم استفادوا به، أما هؤلاء الذين أشغلوا أوقاتهم، وأفنوا أعمارهم في جمع هذه الدنيا؛ ثم أصبحت يعني في النهاية حطاماً تركوه، بل ورثوا إثمها، وسخط الله -تبارك وتعالى- عليهم بها، وهناك فراق هائل جداً بين هؤلاء، وهؤلاء؛ فكانت هذه الآيات كلها رد على مقالة الكفار {........أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}[مريم:73] مقالة الكفار للمؤمنين عندما يقولوا لهم نحن، ولا أنتم الأفضل، والأحسن؛ فجاوب الله -تبارك وتعالى- أجوبة على هذه المقالة، مقالة الكفار الفاجرة بما يضحدها؛ فأولاً قالوا: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}[مريم:74] ماذا يعنى ما المال الذي أنتم فيه، والجاه الذى أنتم فيه؟، كم من القرون كانوا أفضل منكم، وأحسن منكم أهلكهم الله -تبارك وتعالى- إذاً هذا أمر لا بقاء له، وقد يهلككم الله، ويهلكه في أي وقت؛ ثم {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا........}[مريم:75] هذا أمر يزلزل الكيان يعني إحذروا فإن الرب -تبارك وتعالى- الذي في الضلالة سيزيده فيها [حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ] في ذلك الوقت [مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا}[مريم:76].
ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- حالة لإنسان كافر يعني نزلت بشأن حادثة معينة وقعت. وهو مثل لكل هؤلاء الكفار يعني متكرر، وليس خاصاً بهذا الرجل، قال -جل وعلا- {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا(77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا(78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا(79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم:77-80].
[ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا] هذا اخبار من النبي، من الله -تبارك وتعالى- لنبيه -صلوات الله وسلامه عليه- عن مقالة هذا الكافر الفاجر الذي آتاه صهيب الرومي رضى الله تعالى عنه يطلب منه أجر للعمل، كان صهيب حداد، وعمل عمل للعاص، ومطله العاص، وراح يطلب منه يعني أجرة العمل الذي أداه له؛ فقال له متجبراً، عنيداً، قال له: لا أعطيك، لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، لن أعطيك يعني هذا المال حتى تكفر بمحمد؛ فقال له: والله لا أكفر به حتى تموت، وتبعث، قال له: هه يعني هل سأموت، وأبعث، قال له إذا بعثت عند ذلك أوفيك حقك سيكون لي مال، وأولاد كما يعني في الدنيا، أعطيك أجرة العمل الذي عملته، كل هذا على وجه التجبر، وكذلك الاستهزاء بالمؤمنين، وقياس أنه ما دام أنه هناك بعث، لو كان هناك بعث، طبعاً هم ينكرون البعث إنكاراً كلياً، يرون أن هذا من المستحيلات، وأن الرب الإله -سبحانه وتعالى- أن الله، وإن كانوا يؤمنوا بأنه خالق، هو خالقهم، ورازقهم، متولي شئونهم، ومتولي هذا الكون، لكنه لا يستطيع أن يعيد هذه الأجساد التي أصبحت رميم، مرة ثانية؛ فقالوا طيب ما دام أن تؤمن بالبعث، وأننا سنبعث أقضيك هناك، سأقضيك هناك في الآخرة سيكون لي ولد، ومال، وأقضيك، قال -جل وعلا- {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}[مريم:77] أي في الآخرة، كما يعني أعطيت هنا، سأعطى هناك، قال -جل وعلا- {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[مريم:78] هل اطلع على الغيب هناك، وأن الله -تبارك وتعالى- سيعطيه؟ [أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا] عهد، ميثاق أن يعطيه هذا، وبالتالي هو مطمئن إلى وعد الله -تبارك وتعالى- وعهده؛ فإن الله إذا عاهد، لا شك أنه سيعطى؟، وهذا الحال لا هو مطلع الغيب، ولا هو متخذ عند الرحمن عهد، وإنما هو كاذب، ومفتري.
قال -جل وعلا- {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ........}[مريم:79] كَلَّا اضراب على هذا الكلام الزائف، والكافر الذى قال: [سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ] هذا الكلام الذي قاله على الله، وافتراه على الله -تبارك وتعالى- سيكتب عليه {........وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}[مريم:79] الذي له في الآخرة [وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا] المد في الزمان، والمد في المكان، والمد في تنوع العذاب، كل هذا يمد له؛ فأما في المكان فإن النبي -صلوات الله عليه وسلم- يقول مقعد الكافر في النار، المكان الذي يحوزه، ويأخذه في النار كما بين مكة، والمدينة، مسافة عظيمة أربعمائة كيلو هذا مجلس الكافر عياذا بالله في النار، وضرسه كجبل أحد، وما بين يعني كتفيه مسيرة ثلاثة أيام، وجلده مسيرة ثلاثة أيام، كام تسير ثلاثة أيام، اليوم مسيرة اليوم حوالي أربعين كيلو، مية وعشرين كيلو سماكة الجلد؛ فهذه، هذا حال وضع الكافر عياذاً بالله، المد فى الزمان لا نهاية له، الخلود الذي لا ينقطع، والمد في تنوع العذاب {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرحمن:44] {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص:57] هذا أشربة، [وأخر من شكله أزواج]، آخر من شكله من شكل الحميم، وغساق، أزواج أنواع من صنوف العذاب يعذب بها هؤلاء الكفار عياذاً بالله {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}[مريم:79] مداً عظيماً زماناً، ومكاناً، وأنواعاً عياذا بالله.
[ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ] نرثه ما يقول، هذا المال، والجاه، والمكنة التى هو متمكن فيها في الدنيا، الله -ىسبحانه وتعالى- سيكتب عليه الموت، ويترك كل هذا، والله الذي له ميراث السماوات، والأرض {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم:80] سيأتي الله -تبارك وتعالى- فَرْدًا وحده، وماله، وأولاده، ودوره، وقصوره، وكل هذا الذي كان يفتخر به في الدنيا، هذا راجع إلى الله -تبارك وتعالى- [وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ] لله ميراث السماوات، والأرض [وَيَأْتِينَا فَرْدًا] يوم القيامة يأتي فردا، حتى ماله الذي عنده في هذه الدنيا لن يأتي بشيء منه يعني يوم القيامة، وهذا رد، وبيان، أضر الكافر، الكافر لما قال هذه المقالة، كيف رد الله -تبارك وتعالى- مقالته بهذا الرد الذى يعني يسحق الشبهة، ولا يجعل لهذه الشبهة التي في ذهن الكافر لا يبقى لها مجال، لو كان يعقل، لكن لأن الله -تبارك وتعالى- يطمس قلب الكافر بكفره، بسبب الكفر يطمس قلبه؛ فلا يصبح لهذا الخطاب الإلهي الواضح، والكلام البين كما قال -جل وعلا- {........إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:57] فالله غلف قلوبهم عن الإيمان، وإلا فإن العاص، وغيره لو قرأ هذه يعني الرد من الله -تبارك وتعال- والكلام من الله -عز وجل- على مقالة الكفر التى قالها، كان ينبغي أن ينفتح قلبه، وان يسارع إلى الإيمان بالله -تبارك وتعالى- ولكن تظلم القلوب، فلا يدخلها من نور الوحي شيء.
ثم قال -جل وعلا- {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81]{كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}[مريم:82] هذا من الأسباب التي أيضاً ضلت الكفار، وهو أمانيهم، وتعلق أمانيهم، ورجائهم في الآلهة الباطلة التي عبدوها، وعولوا عليها كل معول، قال -جل وعلا- {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81] [وَاتَّخَذُوا ] أي الكفار [مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً] اتخاذ، طبعاً اعتقاد؛ ثم عمل الاعتقاد، اعتقدوا أن هذه يعنى آلهة، آلهة جمع إله، والإله المعبود، يعني معبودات اتخذوها من دون الله، المشركوا العرب عبدوا الملائكة، وقالوا هؤلاء بنات الله، ونحن نعبدهم ليقربونا من أبيهم، يقربون إلى الله زلفى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وصنعوا أصناما بأيديهم، بالمناسبات هذه الأصنام؛ فالعزة كانت شيطانة فى الطائف، هبل صنم ليس لمثال، ولكن مجرد أنه صنم على هذا النحو عظموه ووضعوه في أشرف مكان في جوف الكعبة، أساف، ونائلة رجلين وقع، رجل، وامرأة، أساف رجل، وامرأة وقع يعني أساف على نائلة في الكعبة؛ فمسخهم الله حجرين؛ فعبدوهم واتخذوا منهم صنمين، اللات كان رجلاً صالحاً إلى الحاج ولما مات بنوا له، صنعوا له تمثالا، هذه الأصنام تصنع لأوهام كثيرة، وظنون كثيرة، واتخذوا آلهة، آلهة شتى، هذا آلهة العرب كان كل قبيلة لها صنم تعظمه، وأحياناً يكون صنم في كل بيت يتخذ ليعظم، غير الأصنام التي وضعوها على الكعبة ثلاثمائة وستين صنما؛ فكان كل منهم يعني صنمه له صنم معظم يضعه على ظهر الكعبة، أما غيرهم من الأمم، والشعوب فكذلك كانت لهم آلهتهم باطلة؛ فإن النصارى ضلوا يعني كانوا في أساس دينهم توحيد الله -تبارك وتعالى- موحدون لكنهم بعد ذلك ضلوا فى حقيقة المسيح، وتغالوا فيه حتى قالوا أنه ابن الله؛ ثم عبدوه، وجعلوه إله، إله يخلق، ويرزق، ويحي، ويميت، وقالوا أن ذاته، ذاته هم ثلاثة. تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا، اليهود لهم كذلك من عظموه، وكان جريمتهم في ذلك, الرب، وشتمه، وسبه -سبحانه وتعالى- وكذلك فيما اتخذوه من عزير، وقالوا أنه ابن الله، ناهيك من أمم الشرك الكثيرة أنهم كل يعني اتخذ له إله، وإذا نظرنا عقائد هؤلاء الناس من الصابئة، والمجوس، وغيرهم نجد أوهام لا تنتهي؛ فليس هناك من شئ إلا وتكاد، شيء من الوجود إلا، وعبد، عبدت الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والريح، والأنهار، والأشجار، وعبد حتى الحيوانات الدنيا الفئران، والبقر، قروض، وعبدت بعض أجزاء من أجزاء الإنسان، هذه أوهام الناس في اتخاذ آلهة دون الله -تبارك وتعالى- أمر لا ينحصر، وكان من سبب اتخاذ الآلهة عند العرب أنهم، عز لهم، منعة، يقولون من عبد العزة اعتز، وكان من آلهتهم كذلك بعض الأشجار، كان فيه شجرة اسمها ذات أنواطبين مكة، والطائف، وكان الكفار اذا أرادوا الحرب يقومون يذهبون يعلقوا سيوفهم ليلة المعركة يأتون تحت هذه الشجرة، ويعلقون سيوفهم في هذه الشجرة، ويعتقدون بأنهم إذا فعلوا هذا، وجاؤوا إلى هذه الشجرة التي هيا المباركة عندهم؛ ثم حاربوا بعد ذلك في صبيحة هذا اليوم الذي يعلقوا فيه يعني سيوفهم؛ فإنهم ينتصرون، ويغلبون غيرهم {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81] يعني تكون هذه الآلهة لهم عزاً، تعزهم، تنصرهم، ويكون لهم بها الغلبة على غيرهم.
قال -جل وعلا- {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}[مريم:82] كَلَّا إضراب عن هذه العقيدة الباطلة، واتخاذهم آلهة من دون الله -تبارك وتعالى- يعبدونهم [سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ] يوم القيامة وإذا حل بهم العذاب [سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ] لهؤلاء الآلهة الباطلة [وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا] الاثنين، تكون هذه الآلهة ضد عليهم، ضد لهم؛ فتتبرأ من فعلهم، وتقول إن كانوا من الرجال الصالحين، والأنبياء كعيسى، وبعض الصالحين؛ فإنهم يتبرأون منهم، ويقولوا يا ربي ما عبدناهم، هم الذين ضلوا هذا الضلال، وساروا هذه السيرة، وإن كانوا من غير ذلك؛ فإن الله -تبارك وتعالى- ينطقهم، ويتبرأون من عبادهم {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}[مريم:82] يكونوا مضادين لهؤلاء، وكذلك نفس هؤلاء سيكفرون بهذه الأصنام عندما يروا أن لا حول لها، ولا قوة، ولا تنفعهم {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ}[الأنبياء:98-99] نقف هنا، وأصلي، وأسلم على عبده، ورسوله محمد.
والحمد لله رب العالمين.