الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }[مريم:95]
يخبر -سبحانه وتعالى- عقوبته بهؤلاء الكفار، وأنه -سبحانه وتعالى- عاقبهم بعقوبة شديدة في الدنيا، وهي أنه سلط عليهم الشياطين، قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] ونسب الله -تبارك وتعالى- هذا الفعل إلى نفسه قال: [أَرْسَلْنَا] الرب -جل وعلا- [الشَّيَاطِينَ]جمع شيطان، والشيطان هو المتمرد، العاتي، والمقصود هنا طبعاً شياطين الجن الذين لهم صلاحيات، وقدرات كثيرة على الكفار، وسوسةَ، وهنا يخبر الله -تبارك وتعالى- بأنهم يزعجون الكفار ازعاجاً، ويحركونهم تحريكاً إلى المعاصي؛ فقد استحوذوا عليهم، وملكوا زمامهم، وأصبحوا خلاص يعني الكافر لعبة في يد الشيطان يصرفها كما يشاء، ويوصله إلى هدفه؛ إلى النار، والعذاب بقدمه {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] [تَؤُزُّهُمْ] تحركهم [أَزًّا] تحريكا يعني تجعله ينطلق في أعمال الشر، والكفر، وهو في نشاطه، وقوته، وعزيمته، وقد يكون بفرحه، وسروره، وهو يسير إلى عذابه، وإلى النار بهذا النحو هذه عقوبة إلهية لأنهم كفروا ألم ترى الشياطين على الكافرين لأنهم كفروا؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يصنع بهم هذا الصنيع كما قال -جل وعلا- {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36]{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:37] الشيطان الجني، العاتي يصد وليه من الإنس عن السبيل، السبيل الحقيقي، السبيل، سبيل الله -تبارك وتعالى- [وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ] يحسب هذا المغفل، الجاهل بل الكافر، المعاند أنه على الهدى، والسلامة، والحال أنه في طريق الغواية، والشر، وفي طريق النار، والعذاب كذلك قال -تبارك وتعالى- {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:129] يعني نجعل الإنسي الذي كفر بالله -تبارك وتعالى- ولي، لمن؟ لعدوه، لأعدى عدوه {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:129] وقال -جل وعلا- يا معشر الجن الله يناديهم يوم القايامة يقول: {........يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:129] ولاهم الله -تبارك وتعالى- جعلهم أولياء، بعضهم بعض، وهو والى بعضهم بعض الإنس والوا الجن في اتبعوهم، واستمتعوا بهم، والجن والوا هولاء الإنس يعني أولياء لهم أصبحوا أولياء لهم، وكلهم قد أخذ بعضهم إلى النار عياذاً بالله؛ [فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ] فهذه الولاية على الشر، وتولي بعضهم لبعض، هذه عقوبة لهم من الله -تبارك وتعالى- بسبب كفرهم {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] جاءت هذه الآية هي في تتمت البيان يعني الرد على، مقالة الكفر التي قالها ذلك الكافر {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا(77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا(78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا(79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم:77-80].
ثم قال -جل وعلا- {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81] يعني الكفار اتخذوا آلهة ليعتزوا بهذه الآلهة، وهم لا يعلمون أن هذه الآلهة التي اتخذوها هي سبب ذلهم، وسبب عذابهم، وسبب هلاكهم، ستكون كل في هذا، ففي ظنهم أنها يعني آلهة ليعتزوا بها، يعبدونها ليعتزوا بها، والحال أن ذلهم، وعذابهم من جراء اتخاذهم هذه الآلهة، قال -جل وعلا- {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}[مريم:82] ثم بين لماذا كان هذا فبين أن الله -تبارك وتعالى- بأن هذا كان عقوبة منه {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] يذهب إلى هذا الصنم يسافر له السفر البعيد تعظيماً له، وقد يقاتل في سبيل نصر صنمه هذا، وإلهه هذا الباطل بكل ما أوتي من قوة، وقد رأينا كيف يقوم المشركون، كل أنواع المشركين، قاموا في نصرة باطلهم بما يشاؤن أنظر تلك الصرخة التي صرخها يعنىي صرخت فى أوروبا، قبر المسيح في خطر، الصليب، قوموا انصروا صليبكم أجريت حروب طويلة، مئات السنوات كله في نصر إله باطل، هذا الصليب المعبود من الله -تبارك وتعالى- الذي لم يكن؛ فعيسى عليه السلام ليس إله، ولا هو رب، ولا صلب، وإنما كل هذا كذب، وزور، ولكن في سبيل هذا الكذب، والزور، والباطل أجريت، وأهلكت أموال شعوب كاملة من الشعوب الأوروبية هلكت في طريقها لنصرها هذا الباطل قبل هذا، وقبل هذا، وقبل هذا الفرس فى باطلهم، الرومان في باطلهم، العرب قاتلوا هذا الإسلام زمان طويلة نصرة يعني لهذا الباطل الذي كانوا عليه، والآلهة الباطلة التى كانوا يعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا- {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6] وهذا أبوسفيان وقف فى أحد يقول: أعلوا هبل، أي هبل، وما قيمته فتحريك حركوا الجيوش، بذلوا الأموال، وبذلوا جهدهم في سبيل نصرة هذا الباطل
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] تحركهم لنصرة شركهم، وكذلك تحركهم إلى المعاصي، وإلى الذنوب فيتحرك إلى الفجور، والزنا، والقتل، والصد عن سبيل الله، ويسعى في هذا بكل طاقته، وكل قوته إتباع الشيطان يدله على الشر، ويأخذه إلى النار عياذاً بالله {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] قال -جل وعلا- [فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ] بالعذاب، والهلاك يعني لا تدعو الله -تبارك وتعالى- أن يعجل لهم العذاب، والإستئصال [فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ] هذا يعني تصبير من الله -تبارك وتعالى- لرسوله أن يصبر على الأمر الذي هو فيه، ولا يستعجل عذاب القوم؛ ثم قال -جل وعلا- {........إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}[مريم:84] {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}[مريم:84] لميعاد هلاكهم، نعد لهم الأيام عد؛ فقد كتب لهم الله -تبارك وتعالى- الوقت يعني هلاكهم، وعذابهم، وازالتهم، وأن هذا أمر أصبح محتوم عند الله -تبارك وتعالى- وأيامهم التي يسيرون فيها أيام معدودة، أيام معدودة، محسوبة عند الله -تبارك وتعالى- فلا تستعجل أن يأتيهم العذاب قبل هذا الميعاد الذى أجله الله -تبارك وتعالى- ووقته لذلك {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}[مريم:84].
ثم بين الله -تبارك وتعالى- حال هؤلاء كيف سيكون في يوم القيامة، قال: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}[مريم:85] يَوْمَ أي يوم القيامة، وسيكون حال أهل التقوى على هذا النحو [نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ] الحشر الجمع، والمتقون هم الذين خافوا الله -تبارك وتعالى- وعبدوه، من هؤلاء المؤمنين الذين يستضعفهم، ويستصغر شأنهم الكفار [يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ ] المؤمنين، الخائفين من الله -تبارك وتعالى- الذين اتقوا عقوبة الرب -تبارك وتعالى- بأن آمنوا به، فعلوا ما يأمرهم الله -تبارك وتعالى- به، انتهوا عن ما نهاهم الله -عز وجل- هذه حقيقة التقوى {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}[مريم:85] إلى الله –سبحانه وتعالى- الرَّحْمَنِ وذكر ربنا -سبحانه وتعالى- باسمه، وبوصفه، [الرَّحْمَنِ] دليل أنهم ذاهبون إلى الرحمن إلى ربهم -سبحانه وتعالى- المتصف بالرحمة الشاملة، الواسعة -سبحانه وتعالى-.
[وَفْدًا[ الوفد دائماً الوافد يرجو الخير يعني هذا دليل على وصفهم الله -تبارك وتعالى- بأنهم وفد دائماً الوفد عندما يذهب جماعة إلى عظيم، و إلى كبير يذهبون وفد؛ فإنما ذاهبين، طامعين فيما عنده -سبحانه وتعالى- وراجين الفضل، والخير؛ فهم سيأتون وفدا يعني أنهم وافدون، قادمون على الرب -تبارك وتعالى- وقادمون على من؟ على الله -سبحانه وتعالى- الرحمن -جل وعلا- قادمون إلى الرحمن {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}[مريم:85] حال كونهم وفدا ، وبالتالي سيكونون يعني منتظرين رجاء، منتظرين، وراجين فى عفوه، ومغفرته، وجنته -سبحانه وتعالى-.
أما الآخرون، قال: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[مريم:86] والسوق هو أن يكون خلفهم الملائكة يسوقونهم بسياط العذاب، ودائماً السوق يكون للقطعان يعني يكون هؤلاء الكفار؛ فإنهم سيعاملون معاملة القطيع الذي يساق، لكن هذا يساق إلى حتفه، مش قطيع يساق إلى المرعى، والكلا، لا، هذا سيساق، والسوق، هو الدفع، والجمع، ويساق لما يساق البشر، يقولون سقت الماشية، ويكون دائماً السوق من الخلف؛ فالملائكة تكون فى إثرهم تدفعهم دفعا، وتشير لهم إلى جهة النار يساقون {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13]{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[الطور:14] {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[مريم:86] [وِرْدًا] عطاشى، يساقون من الملائكة، تضربهم الملائكة في وجوههم، وأدبارهم، وتجمعهم النار أمامهم، وهم ذاهبون حال كونهم عطاشاً عياذا بالله , وهذا يعني عذاب على عذاب، فيه إهانة في أنهم كالقطيع الذي يساق يعني لا إرادة عنده، ما هو بإرادته يذهب، ليس كالوفد؛ فالوفد هذا هو كأنه متخذ يعني إرادته من عنده، وذاهب بنفسه، أما هؤلاء؛ فيساقون سوقاً تسوقهم الملائكة عياذاً بالله؛ ثم يذهبون، وحال كونهم عطاشاً؛ فهم في حال سيء، وما ينتظرهم أمام هو الأسوأ.
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا(86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ] هذا كذلك أيضاً يعني حال أخرى من حال من العذاب، والنكالة بهم، وحال التيئيس، والقنوط {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[مريم:87] الشفاعة أصل الشفع يعني الزوج جمع فرد إلى فرد؛ فالفرد وتر؛ ثم إذا انضم له آخر أصبح شفعا، والشفاعة هنا هو أنه يكون لهم هناك من يطلب لهم من الله -تبارك وتعالى- رفع الضر عنهم، أو جلب الخير لهم ليس هناك لهم شفيع [لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ] وذلك أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملك الشفاعة جميعاً -سبحانه وتعالى- فكل مما أملوه مما يكون لهم شفاع عند الله -تبارك وتعالى- كالملائكة الذي العرب كانت تعتقد أن الملائكة هم بنات الله، وإذا عبدوا الملائكة شفعوا لهم عند الله، الملائكة تشفع عند الله -تبارك وتعالى- طبعاً الذين عبدوا عيسى اعتقدوا أنه هو شافعه، وهو شفيع عند أبيه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وأنه هو الذي يدخلهم الجنة، عبدوا كذلك من دونه من مريم، أو القديسين، وأن هؤلاء يشفعون، وكذلك الذين عبدوا ما عبدوا من الأنبيائ، ومن سموهم بالأولياء ظنوا أنهم يعني شفعاء عند الله، والحال أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملك الشفاعة جميعاً [مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ] وقال الله -تبارك وتعالى- في الملائكة [وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى] لأن حقيقة الشفاعة، بما يعتقده الكفار في الشفاعة، والناس في الشفاعة نقص في ذات الرب -تبارك وتعالى- لا يليق بذات الرب؛ فإن الشفاعة عند أهلها في الدنيا يشفع الشافع، وإن لم يرضى المشفوع عنده؛ فقد يكون ملك أو صاحب سلطان متغيظ من شخص أساء له، سبه، قام ضده؛ ثم يلجأ هذا الذي أساء عن الملك إلى من له مكانة، وحظ عند الملك، كابن له، أو وزير، أو غيره؛ فيأخذه شفيع له عند الملك؛ فالملك أحياناً يقبل الشفاعة، وهو مرغم لا يريد أن يكون هذا الأمر، ولا يريد أن يتقدم هذا الشخص ليشفع في هذا الشخص لأنه يريد أن يقتله، ويريد أن يعذبه، ولكنها يقبلها على مضض، ويقبلها على كره لأنه قد يخاف، أو يرجو من هذا الذي شفع عنده، والله -تبارك وتعالى- لا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلا أن يأذن له؛ ثم لا يستطيع أحد أن يشفع في مشفوع لا عن طريق الله -تبارك وتعالى- إذا كان الله قد أراد وكتب على هذا النار؛ فإن الله -تبارك وتعالى- لا يقبل من أحد أن يشفع عنده في من يريد الله -تبارك وتعالى- عذابه؛ فالله -جل وعلا- له الشفاعة جميعاً {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا........}[الزمر:44] الله هو الذي يقيم الشافع، وهو الذي يرضى عن المشفوع؛ فالاثنين له -سبحانه وتعالى- فإقامة الشافع في من يشفع لا يقوم الشافع إلا إذا أقامه الله -عز وجل- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني وهو صاحب الشفاعة العظمى يقول اسجدوا تحت عرش ربي -جل وعلا- يلهمني الله من تسبيحه، وتحميده ثم يقال ((يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع عند ذلك، فأقول: أي ربي أمتي أمتي فيقول: أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن في الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، يقول؛ ثم أعود مرة ثانية؛ فأسجد، وأدعو الله -تبارك وتعالى- فيقال: يامحمد، ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع؛ فأقول: يارب أمتي أمتي، يقول النبي: فيحد لى ربي حداً؛ فأدخلهم الجنة، قوله فيحد لي ربي حداً يعني حد،؟ حد أدخلهم الجنة؛ يعني هذه إما وصف لأنهم ناس بلغوا من الإيمان كذ، وكذا، وإما اسم يسميهم الله -تبارك وتعالى- من يشفع فيهم؛ فيشفع فيهم، ويدخلهم الجنة؛ فالنبي لا يقترح من عنده لا وصف، ولا اسم، ولا يقترح على الجماعة، ويقول لله أنا أشفع في هؤلاء، لا، بل الله -تبارك وتعالى- هو الذي يحددهم، وكذلك شفاعة المؤمنين، يقول النبي: حتى إذا خلصوا المؤمنين من الصراط، يقول: ما أنتم بأشد مناشدةً لي في الحق استبان لكم من مناشدة المؤمنين ربهم يوم إذ، يقولون ربي اخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا؛ فيقول: اذهبوا؛ فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان؛ فأخرجوه؛ فإن الله هو الذى يحدد لهم الصفة والتي يكون عليها الإيمان؛ فالله هم يناشدون الرب -تبارك وتعالى- ويقولون: يارب إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا دون ذكر لهؤلاء يعني فلان، أو فلان؛ ثم الله -تبارك وتعالى- يحدد لهم يعني الصفة، صفة الشخص، والأشخاص الذين يشفعون فيهم؛ فالشفاعة كلها لله، لا يشفع ملك، ولا نبي، ولا ولي إلا أولا أن يأذن الله له، وأن يأذن -سبحانه وتعالى- على المشفوع فيهم؛ فالله يقول: الكفار ما يملكون الشفاعة، لأنه لن يكون لهم شافع، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قد كتب على الكافر الخلود فى النار {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74] ما دام جاء مجرم، ومات على الكفر؛ فإن الله -تبارك وتعالى- لا يقبل فيه رجاء {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113] خلاص، الكافر الذي مات على الكفر هو من أصحاب الجحيم، ولذلك لا يصلي عليه، ولا يدعي له، ولا يطلب له رحمة، وكل هذا من الشفاعة، خلاص انتهى، والأمر الأول هذا كان بعض الناس إذا أراد أن يستشفع الرب -تبارك وتعالى- في أقربائهم الذين ماتوا على الكفر؛ فأنزل الله -تبارك وتعالى- قوله [مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ] وبدأ بالنبي لأنه قد يظن أن له منزلة عند الله -تبارك وتعالى- وبالتالي؛ فيشفع يعني كما يشاء، قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113] بقول الله -تبارك وتعالى- خلاص؛ فهذا {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ........}[النساء:48] فقال -جل وعلا- عن الكفار أنهم سيأتون يوم القيامة، أولاً يساقون إلى النار عياذاً بالله تسوقهم الملائكة، وأنهم يأتون حال كونهم عطاشى، وأنهم لا رجاء عندهم يتمسكون به، الشفاعة التي ظنوا أنها نافعة لهم، هذا رجاء ليس له وجود [لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ] ثم قال -جل وعلا- {........إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[مريم:87] يعني الشفاعة نافعة لمن له عهد عند الله -تبارك وتعالى- والكافر لا عهد له عند الله لأنه قطع عهوده عند الله، لم يؤمن بالله -عز وجل- أما الذي له عهد مع الله -جل وعلا- فهذا هو المؤمن، هذا هو المؤمن لأن الله -تبارك وتعالى- قد كتب يعني نجاة أهل الإيمان، وأنه أوجب على نفسه -سبحانه وتعالى- يعني مجازاتهم، وادخالهم الجنة؛ فإذا كان في بعض أهل الإيمان هؤلاء قصور، ومعاصي لا ترقى إلى الكفر؛ فهذا فيه وجه لأن يشفع الله -تبارك وتعالى- فيه من شاء من خلقه، يشفع فيه الرسول، يشفع فيه صالح المؤمنين، ينال في النهاية شفاعة الرب -سبحانه وتعالى- وهو أرحم الراحمين -جل وعلا- {........إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[مريم:87] [عَهْدًا] بالنجاة، والخلوص، وهذا ليس للكافر، وإنما هو للمؤمن.
ثم بين -سبحانه وتعالى- يعنى شناعة الكفر الذى في هؤلاء؛ فقال -جل وعلا- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[مريم:88]{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89] وَقَالُوا أي الكفار وقولهم: [اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا] طبعاً طوائف الكفار العظمى في الأرض، كلهم على هذا الأساس؛ فمشركوا العرب نسبوا الملائكة إلى الله -تبارك وتعالى- صورة الإتخاذ عندهم أن الله تزوج بالجن، وولد له الملائكة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، والطائفة الكبرى الثانية التي بعث النبي، وهم موجودون هم ملئ الأرض، هم النصارى، وهؤلاء قالوا اتخذ الله ولداً، وهو عيسى ابن مريم، قالوا إنه إله من إله، كان مع أبيه قبل الدهور؛ ثم إنه يعني أوجده الله -تبارك وتعالى- إنساناً، وُلد من بطن مريم، تأنس، وأنه كان فيه طبعاً لهم أوهام في هذا لا تحصى، ولا تعد، وقد اختلفوا على أكثر من ألف مقالة فى عيسى عليه السلام، هل هو طبيعة لاهوتية، وإنسية، اختلطا، أم امتزجا، بإرادة واحدة، بإرادتين، الجسد إلهى، ليس إلهى، أمور طويلة من الأوهام التى قالوها؛ فهي كذبة كذبوها، وطبعاً تورطوا في هذه الكذبة؛ فكل يحاول أن يفسر هذه الكذبة بتفسير، كذبهم أنهم قالوا أنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراّ؛ ثم بعد ذلك بدأت بأهل البنوة، هل بنوته يعني هذه كيف كانت؟! وكيف بدأت؟! هل بدأ يوم ولد؟! ولا بدأ قبل الدهور؟! هل لما كان عيسى على هذا النحو كان إنساناً إلهاً، بإرادة واحة أم بإرادتين، وإذا كان بإرادتين، وطبيعتين هل اختلطت الطبيعتين، وامتزجتا، امتزجتا كالخمر، والماء أم اختلطتا كالفول، والعدس مثلاً بأوهام لا تنتهي، وكذلك اليهود الذين عظموا نبياً من أنبيائهم عزير عليه السلام؛ فقالوا إنه ابن الله وَقَالُوا طوائف المشركين [اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا] قال -جل وعلا- {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89] جِئْتُمْ بمقالتكم هذه، اعتقادكم هذه [شَيْئًا إِدًّا] بالغ في الوقاحة، والكذب، والزور، والباطل هذا الإد {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89] ]{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم:90] يتفطرن يتشققن يعني هذه المقالة من شناعتها، وبلوغها ما بلغت من الإثم، والقبح، والفجور ينسبوا إلى الله الولد، والله -سبحانه وتعالى- هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة، ولا ولد، ولا ينبغي أن يتخذ له ولد لأنه الواحد الأحد -سبحانه وتعالى- ولو كان له ولد لكان نظيره، وكان شبيهه، وكان شريكاً له، وبالتالي يفسد الكون، قال -جل وعلا- [تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ] من هذه المقالة [وَتَنشَقُّ الأَرْضُ] يعني إعظاماً لهذا الأمر الشنيع [وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا] تخر الجبال من هول هذه المقالة الفاجرة [هَدًّا] تهد هدا، ولا شك أن كل هذه الجمادات يعني لها إدراكات، وأنه يعني لولا الله -تبارك وتعالى- يمسكها لكان منها هذا، من هذه المعصية العظمى، ومن هذه المقالة الشنيعة التى قيلت على الله -سبحانه وتعالى- {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}[مريم:91] يعني أن هذه السماوات تتشقق، وتتفطر، والأرض تتشقق، والجبال تخر كله لقولهم إن لله ولدا {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}[مريم:91].
ثم قال -جل وعلا- {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:92-95] ونعود لهذه الآيات إن شاء الله في الحلقة الآتية.
أستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب.