الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
يقول الله -تبارك وتعالى- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }[مريم:88-95]
يخبر -سبحانه وتعالى- عن أشنع، وأفظع ما قاله الكفار في زعمهم أن لله ولد، وقالو الكفار، صنوف الكفار، صنوف المشركين، مشركوا العرب في مقالتهم، أن الملائكة بنات الله، النصارى في قولهم إن المسيح عيسى ابن مريم هو ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، اليهود في قولهم إن عزيرا ابن الله {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[مريم:88] قال -جل وعلا- لكل هؤلاء {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89] بالغ في الوقاحة، والكذب، والافتراء؛ فهو كذب، وافتراء، وقول على الله -تبارك وتعالى- بغير علم، وما يتبع هذا أولاً من هذا الكذب من الكذب؛ فإنه ما دام أنهم زعموا أن الذي قالوه إنه ولد، سيتقربون إليه، سيعبدونه كما كانت مشركوا العرب يصنعون صنوف من التقربات، والعبادات إلى الملائكة، عبدوا عيسى، واعتقدوا أنه إله من إله إذ يخلق، ويحي، ويميت؛ فنسبوا إليه هذا، وعبدوه بكل أنواع العبادة، وأولئك كذلك يعظمون فكل من قال أن هذا المخلوق ابن الله؛ فلا شك أنه يوجه له العبادة كذلك، وهذا باطل ينبني على الاعتقاد؛ ثم بعد ذلك باطل الاعتقاد أنه يحارب، ويدافع عن هذا الإله الباطل، وهذا القول الباطل، وينفق في هذا مهجه، وحياته؛ فهو شرك، مقالة يعنى فاجرة، كافرة يستتبعها أمور عظيمة جداً من الشر، والفساد [تَكَادُ السَّمَوَاتُ] يخبر الله -تبارك وتعالى- في هذه المقالة الفاجرة، الكافرة [تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ] من هذه المقالة البالغة حدها في الإثم، والفجور، والكذب [تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ] تتشقق [وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}[مريم:91] قال -جل وعلا- {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}[مريم:92] لا ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إذ هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الغني -سبحانه وتعالى- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[مريم:88] سبحانه هو الغني؛ فهو الغني عن كل ما سواه، غير محتاج، المخلوق يحتاج الولد امتداد لحياته، عون له، أما الرب -سبحانه وتعالى- لا، {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:3] هو الرب الإله الواحد -سبحانه وتعالى- ثم لو كان له ولد لكان هذا الولد أصبح شريك، ومثيل، وكان ند، وكان كفوء، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}[مريم:92]
ثم قال -جل وعلا- {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:93] كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وهم خلقه -سبحانه وتعالى- والسماوات، والأرض هذه خلقه كل ما سوى الله هي مخلوقات الله -عز وجل- [إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا] كل من في السماوات من ملائكة، من خلق خلقهم الله -تبارك وتعالى- لا نعرفه، وكذلك في الأرض [إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا] يأتى لله -تبارك وتعالى- عبدا؛ فالملائكة يقول الله -تبارك وتعالى- فيهم {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26)لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:26-28] خائفون منهم كل الخوف {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:93] كذلك كل من في الأرض من إنس، وجن كلهم يأتون الله -تبارك وتعالى- حال كونهم عبيد، عبيد له ما فيهم واحد يقول أنا ابنه {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا}[مريم:94] لقد أحصاهم الله -تبارك وتعالى- كل مخلوقاته هذه أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا الإحصاء هو العد يعني أنه علمه فرداً، فرداً، واحدا، واحدا علمهم الله -تبارك وتعالى- وعدهم {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95] كل واحد من هؤلاء آتي الله -تبارك وتعالى- فردا بنفسه، ليس مع مجموعة، وعزوة، وجماعة، وحاشية، لا، يأتي وحده، ويحاسب وحده {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95] حال كونه فرداً، بس، أما إنه له حراس، وحاشية، وجنود، لا، إنما يأتي فردا، ذليلا، يحاسبه الله -تبارك وتعالى- مهما كان {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95] بعد هذا يعني خلاص بعد هذا البيان الإلهى لعقائد هؤلاء الكفار، المشركون يكون أمر قد سحق هذا الباطل سحق، ودمغ دمغ، وأصبح لا مجال لمشرك أن يتعلق بشيء من شركه بعد هذا، لكن سبحان الله يعني ما في تدبر لهذا القرآن، وما في رجوع الكافر، يظل على عماه بالرغم من هذا البيان الإلهى على هذا النحو، ولكن يظل على العمى الذى هو فيه، ويعبد من دون الله، ويقول هذا ابن الله، ويظل في هذا الباطل يعني إلى أن يموت على ذلك، وطبعاً هذه عقوبة من الله ما دام على كفره، وشركه فإنه يبقى في هذا الباطل.
ثم بين الله -تبارك وتعالى- فى آخر الأمر الصفحة المقابلة، صفحة أهل الإيمان، قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم:96] الله، بشارة عظيمة من الله -تبارك وتعالى- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جمع الله -تبارك وتعالى- بين العملين لهؤلاء الإيمان، والعمل الصالح، ودائماً يقترن هذا بهذا في الجزاء، لا يرتب الله -تبارك وتعالى- الجزاء الأخروي من الجنة، والخلود، والجزاء هنا المقام هنا [سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا] إلا باجتماع الأمرين، باجتماع الإيمان، والعمل الصالح، وإذا اجتمع الإيمان، والعمل الصالح؛ فالإيمان على عمل القلب، وهو الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وما يتسع هذا من مخافته، ومحبته، ورجاءه -سبحانه وتعالى- وتعظيمه، واجلاله، وذكره هي أثر، وتصديق بالرب الإله -سبحانه وتعالى- ثم بعد ذلك ما يأتيه من العمل الصالح، عمل هذا القلب، وعمل الجوارح منها الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وما أمر الله -تبارك وتعالى- أن يؤدي من الأعمال، عمل عبادة يحبها الله ويرتضيها [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] قال -جل وعلا- [سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا] سيجعل لهم الرحمن، وهنا الرحمن ذكر الله -تبارك وتعالى- نفسه هنا في باب في معرض يعني مجازاة هؤلاء العباد باسم الرحمن ليبين عظيم إحسانه لهم، وإفضاله لهم، أنه الرحمن -سبحانه وتعالى- ذو الرحمة الواسعة وُدًّا الود المحبة، الود المحبة، وهذه المحبة جاء تفسيرها بأنها محبة منه -سبحانه وتعالى- لهم، وكذلك محبة من الملائكة لهم، محبة من المؤمنين، يجعل لهم محبة عظيمة، وقد جاء فى الحديث أن الله -تبارك وتعالى- أولاً اذا أحب عبداً، قال: (ياجبريل إنى أحب فلاناً؛ فأحبه) هذا أول شئ، الله يحب العبد المؤمن، وسيأتيه أسباب محبة الله -تبارك وتعالى- لعبد من عباده؛ ثم ينادي جبريل، ملك الرب، والروح المقدسة يخاطبه الله أني أحب فلاناً؛ فأحبه؛ فيحبه جبريل، هذا العبد بأمر الله -تبارك وتعالى- يحبه جبريل؛ ثم ينادي جبريل في الملائكة، جبريل سيد الملائكة، ومقدمهم يقول لهم: إن الله يحب فلاناً؛ فأحبوه؛ فتحبه الملائكة؛ ثم يوضع له القبول في الأرض يضع الله -تبارك وتعالى- لهذا العبد القبول من أهل الإيمان في الأرض يحبه الناس هكذا لله في الله، يضع الله -تبارك وتعالى- محبة هذا العبد الذي أحبه الله -تبارك وتعالى- في قلوب عباده، وانظر كيف يعني مثلاً أحب المؤمنون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيف أحبوا الصحابة، كيف أحبوا أبوبكر، وكيف أحبوا عمر على تباعد المسافات، وتباعد الأزمان، كيف أحبوا عثمان، وكيف أحبوا علي، وسعد ، وسعيد، هؤلاء أصحاب النبي -صلوات الله والسلام عليه- كيف أحب الأنصار، ما في، كثير من الناس ليس بينهم، وبين الأنصار لا نسب، ولا قرابة تجد الإنسان المؤمن في أقصى الأرض، ولكنه آمن بالله -تبارك وتعالى- وعمل ما قام الأنصار به يعنى هذا الأمر فى الدين، أو يوقع الله -تبارك وتعالى- محبة هؤلاء في قلوب عباده؛ فيتحاب أهل الإيمان، يضع الله -تبارك وتعالى- له القبول في الأرض، هذا من الود من الود الذي جعله الله، ود عنده -سبحانه وتعالى- عند ملائكته، عند عباده المؤمنين، والعكس إذا أبغض الله -تبارك وتعالى- عبداً، قال: "ياجبريل إني أبغض فلاناً؛ فأبغضه؛ فيبغضه جبريل؛ ثم ينادي جبريل في أهل الأرض إني أبغض فلاناً؛ فأبغضوه؛ فيُبغض يعنى تناله البغضاء، ويبغض إلى أهل الإيمان"؛ فهذا أولا، أما بالنسبة لولاية الرب -تبارك وتعالى- ومحبته؛ فإن الإنسان يصل إلى محبة الله -تبارك وتعالى- بالإيمان، والعمل الصالح [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] وقد قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- مبيناً كيف يصل الإنسان إلى هذا فقال، يقول الله -تبارك وتعالى- هذا حديث يقوله النبي، وحديث من قول الله -تبارك وتعالى- حديث قدسي يقول النبي: قال الله تعالى: "من عاد لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة» الرب كلام الرب -سبحانه وتعالى- ولا شك أن نصه من الله، ومعناه من الله أن هذا حديث قدسى، والحديث القدسى يفترق عن القرآن، القرآن هذا منزل للإعجاز، والقراءة في الصلاة، أما الحديث القدسي؛ فمنزل للبيان، والنبي يقوله صلى الله عليه وسلم يخبره، ولا يكون قرآناً يتلى به في الصلاة هذا الصحيح من أقوال أهل العلم في الحديث القدسى، يقول الرب -جل وعلا- " من عاد لى ولياً فقد آذننته بالمحاربة» أعلمته بأن حرب له، حرب عليه؛ ثم يقول الرب -تبارك وتعالى- وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه التقرب لله -عزوجل- أولاً بما فرضه الله -عز وجل- ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه فيصبح خلاص هذا العبد في كنف الرب، وفي رحمته يقيم الله -تبارك وتعالى- يعني كيانه في طاعة الله -تبارك وتعالى- وفي محبة الرب -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم:96] وإذا كانوا في مودة الله، الله يودهم، وهو الغفور، الودود -سبحانه وتعالى- الودود المحب -سبحانه وتعالى- ومحبة الله طبعاً صفة من صفات الكمال، وهي لائقة بذات الرب -تبارك وتعالى- وقد جاء هذا في آيات كثيرة من القرآن، كقول الله -تبارك وتعالى- {........إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222] يحب أهل التوبة، ويحب أهل الطهارة الْمُتَطَهِّرِينَ وجاء كذلك في قول الله -تبارك وتعالى- [فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ........}[المائدة:54] فهذا الحب صفة من صفات الرب -تبارك وتعالى- وهي لائقة بذات الرب -جل وعلا- فيخبر -سبحانه وتعالى- بأن هؤلاء أهل الإيمان، والعمل الصالح، قال -جل وعلا- [سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا] بشرى عظيمة، وما دام أن الله -تبارك وتعالى- سيجعل لهم هذه المودة إذا، هذا يحصل في الدنيا، وكذلك تحصل في الآخرة يحبهم الله -تبارك وتعالى- وبالتالي ما يترتب على محبة الرب -تبارك وتعالى- من الرحمة في الآخرة، والرضوان، والجنة، والنعيم كل هذا من آثار محبته -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحعلنا، وإخواننا المؤمنين من هؤلاء.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ........}[مريم:97] فَإِنَّمَا الحال، والشأن، تأكيد من الله -تبارك وتعالى- يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ يسرناه هذا القرآن، إن الله تبارك وتعالى أنزله من عنده كلامه سبحانه وتعالى ويسره ليقرأ بلسان النبي، ولسان النبي العربي يعني باللغة العربية التي يتكلم بها النبي -صلوات الله والسلام عليه- {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا }[مريم:97] [لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ] تبشر هذا الكتاب المتقين، البشرى، هو الاخبار بما يسر، وهنا هي محصورة في أهل التقوى؛ في من اتقى الله -تبارك وتعالى- وخاف الله -عز وجل- [لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا] تنذر الانذار هو الاخبار بما يسوء، قوم الذين هما العرب، قوم النبي -صلى الله عليه وسلم- لُدًّا اللدادة هي يعني شدة الخصومة أنهم أهل عناد، وأهل خصومة، وهذه صفة العرب، إذا خاصموا خاصموا، وتمسكهم بما هم عليه تمسك للنهاية مستعدين أن يبذلوا في سبيل ما يتمسكون به، ويؤمنون به، ويقدسونه، ويعظمونه كل شيء، بل يعني قد انفقوا أموالهم، وبذلوا مهجهم في سبيل الباطل {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6] وكذلك عاندو كل العناد، وجادلوا بالباطل تمسكاً بما هم عليه؛ فهم قوم لد، قوم أهل لدادة، أهل لدد، وخصومة، وعناد، وفي هذا أولاً تثبيت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يقابل قوم عنيدين، وبالتالي يجب أن يعد العدة لذلك، وأن يصبر على هذا الأمر، وأن الله -تبارك وتعالى- قد يسر هذا القرآن، وبلسان العرب يعنى المفروض هذا القرآن الواضح البين على هذا النحو، والذي يبطل كل باطل، ويكسف كل شبهة، ويريد الطريق بلا أي لبس كان المفروض يسارعوا إليه يعني كان المفروض عندما ينزل كلام الرب -تبارك وتعالى- وتقوم هذه الآيات البينات، الواضحات على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد احتف بهذا النبي من أدلة الصدق ما لا يحصى من هذه الأدلة، ما في حال النبي أدنى شك، ولا أدنى شبهة تقول بأنه يكذب، وأنه أتى بهذا الأمر من عند نفسه، بل إن كل الدلائل قائمة على أن هذا الأمر الذي جاء به النبي هو من عند الله -تبارك وتعالى- في كونه أمي، وجاء بهذه العلوم في كون تصديق أهل الكتاب له، في هذا التحدي بهذا الكلام أن يأتوا بسورة مثله؟، ويرون أن هذا كلام عربي ما يقدر عليه البشر، وقد عجزوا بأن يجاروه بأى صورة من صور المجاراة، بما حدثهم عن الغيوب المستقبلة، وكانت، بما حدثهم عن الغيوب السابقة، وهى عند أهل الكتاب، عن المستقبلة، وكانت كما تكون، كل هذه الأمور, رجل منزه عن الغلط، ما جاء يطلب دنيا، ولا يطلب أمر من الأمور، ويتعرض لأشد العداوات؛ فقد جاء بدين يخالف كل ما عليه الناس، قومه على غير هذا الدين الذى جاء به، والنصارى على غير هذا الدين، وكل الأرض كلها على أديان باطلة، وجاء النبي ليكفر هؤلاء الجميع، وبالتالي تتجمع عليه عداوة كل هذه الأمم، والشعوب، ولما كان يضربهم في أعظم مقدساتهم؛ فإنهم بالتالي يحنقون، ويأنفون، ويقومون، ويسعون في قتله، وإزالته بأي سبيل، وكيف، هذا من أعظم أدلة صدقه، كيف واحد يكذب في أمر يجيب له عداوات الأرض كلها، وما وراء هذا الكذب كسب مادي؛ فإذا لا بد أن يكون صادقاً، لا بد أن يكون الذى يتحمل هذا الأمر، لا بد أن يكون صادقاً يروح يكسب عداوة الأمم كلها، والشعوب، وقومه، والأقربين، ويقول مقالة هو كاذب فيها ليكسب العداوة، ما يفعل هذا أحد عنده عقل؛ فبالتالي إذاً هو قد أدلى بهذا الأمر الذي يتحمل فيه هذا الأمر، وثابت فيه على هذا النحو لا بد أن يكون صادقاً في هذا الأمر، هذه أدلة الصدق؛ فالشاهد أن كل أدلة الصدق، محتفة، وقائمة أن رسول الله حقاً، وصدقاً، ومع ذلك ما آمنوا به {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا }[مريم:97]
ثم بين -سبحانه وتعالى- قدرته -سبحانه وتعالى- على إهلاك هؤلاء، وأنه؛ فلينظروا في السابقين {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ........}[مريم:98] وَكَمْ العددية تكثيريه، يخبر -سبحانه وتعالى- أنه أهلك قروناً كثيرة، قبل قوم النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل العرب، قوم نوح الذين ملأوا الأرض، ولم يكن غيرهم، ولما كفروا؛ فإنهم هانوا على الله -تبارك وتعالى- حتى أغرقهم الله -تبارك وتعالى- واستئصلهم، ورفعهم من هذه الأرض، جاءت عاد قبيلة عربية فى جنوب هذه الجزيرة، واشتدوا قبيلة قوية بنوا ما بنوا {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:128-131] بغوا في الأرض، وطغوا، وقالوا من أشد منا قوة؟ فما كان الله -تبارك وتعالى- إلا أن دمرهم بسبب يسير من أسبابه، جند من جنوده، الريح، فتح الله -تبارك وتعالى- عليهم الريح العقيم حتى دمرتهم، قال -جل وعلا- {........فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}[القصص:58] فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.
ثمود القبيلة العربية الأخرى، وقد أهلكها الله -تبارك وتعالى- لما طغت، وبغت، وعتت عن أمر الله -تبارك وتعالى- . مؤتفكات قرى لوط ملأوا الأرض قرى، وزراعة، وقيام، ولكنهم لما عاندوا رسولهم، وفعلوا ما فعلوا من الفظائع، والجرائم دمرهم الله -تبارك وتعالى- وأفك قراهم على رؤسهم، قوم فرعون الذين كانوا في ما كانوا فيه من العز، والمقام الكريم، والأبنية الخالدة، الذهب، والفضة، وحسن اللباس، والريع؛ ثم إن الله -تبارك وتعالى- أخذهم؛ فاستأصلهم، جمعهم جميعاً فرعون، وجنوده، وأغرقهم في اليم؛ قدرة الرب على خلقه عظيمة؛ فهؤلاء أين يذهبون، قال -جل وعلا- {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ........}[مريم:98] هل تحس من أحد، مجرد حس من أحد هذه القرون التي أهلكها الله هل بقي واحد من قبيلة ثمود، هل بقي لهم نسل فيها، أو عاد، أو أحد من الفراعنة، كلهم استأصلهم الله -تبارك وتعالى- إلى النهاية، ما أبقى منهم أحد، كما قال -جل وعلا- {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}[النجم:51]{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}[النجم:52] فأن الله تبارك وتعالى استأصلهم استئصالاً، ولم يبقي منهم أحد {........هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}[مريم:98] أو تسمع لواحد من هؤلاء من هذه الأمم التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- لهم ركز، الركز هو الصوت الخفي يعني صوت خفي بقي لهم، يعني إنه لم يبق منهم حس، ولا أثر، وإنما أهلكهم الله -تبارك وتعالى- وفي هذا بيان إن هؤلاء كذلك القوم اللد هؤلاء سيهلكهم الله -تبارك وتعالى- إن هم ظلوا على هذا النحو، وغيرهم من الأمم، والشعوب التي أرسل الله -تبارك وتعالى- رسوله -صلى الله وسلم- إليهم، وقد كان؛ فإن العرب أهلك الله -تبارك وتعالى- منها من أهلك من المعاندين {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر:95] ثم استأصلهم الله {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16] في بدر؛ ثم بعد ذلك يعني أفاقوا، ورجعوا إلى الله -تبارك وتعالى- الرب -جل وعلا- ثم إن الأمم المستكبرة، العاتية من الفرس، والروم كذلك سلط الله -تبارك وتعالى- عليهم جنده، جند الإسلام؛ فدكوا عروشهم، وأزالوهم يعني عن وجه الأرض، وأقام الله -تبارك وتعالى- دينه، كما قال -جل وعلا- {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[الفتح:28] فهذا أمر الله -عز وجل- ففي النهاية هذه بشرى من الرب -سبحانه وتعالى- وبيان أنه قد أهلك أولئك، وأنه هو القادر -سبحانه وتعالى- على أن يهلك هؤلاء {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}[مريم:98] لا حس، ولا ركز حتى الصوت الخفى هذا لم يبق، ولم تبق إلا أخبارهم، بس تتناقل، وهذا خبرهم يخبره الله -تبارك وتعالى- بهذه تنتهى هذه السورة سورة مريم لله الحمد، والمنة. أستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وصلي الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.