الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (369) - سورة طه 1-8

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده، ورسوله.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- { طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }[طه:1-8]

 هذه افتتاح، وبداية سورة طه، وهذه سورة مكية بتمامها، أي أنها نزلت من القرآن قبل هجرة النبي -صلوات الله والسلام عليه- بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بهذين الحرفين ط، ه الطاء، والهاء وشأن هذه الحروف، كشأن الحروف التي مضت في كثير من افتتاح السور الم، المر، الر، كهيعص، حم، حم عسق، هذه الحروف المقطعة أفضل ما قيل في تفسيرها، وقد ذكرنا هذا مراراً، هو أنها أدوات تنبيه، وإشارة من الرب الإله -سبحانه وتعالى- إلى أن هذا الكتاب المنزل على عبده، ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- ألفت كلماته من هذه الحروف التي يتكلم بها العرب الحروف العربية، وأن فيها إشارة إلى، للعرب الذين شكوا، واتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يعني أتى بهذا القرآن من عند نفسه، أو أملي عليه من قوم آخرين، أو أنه علمه غلام كان يجلس إليه من كل هذه السخافات، والقول المختلف الذي قالوه، إتهام النبى -صلى اله وسلم- أن هذا القرآن هو من جنس كلامهم بلغتهم {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}[الطور:34] [قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ] وعجزوا، وقد تحداهم الله -تبارك وتعالى- [فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ] يعنى أن تأتوا مثل هذا القرآن {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:24].

 {طه}[طه:1] حرفان وليس هذا اسم للنبي -صلوات الله والسلام عليه- كما قاله بعضهم بأن هذا اسم من أسماء النبي -صلوات الله والسلام عليه- ولعل الذي دفعهم ليقولوا هذا اسم، هو توجيه الخطاب بعد هذين الحرفين إلى النبى -صلوات الله والسلام عليه- {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:2] خاطب الله -تبارك وتعالى- رسوله بقوله {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:2] نفى الله -تبارك وتعالى- أن يكون إنزال هذا القرآن العظيم على عبده، ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- من أجل شقوته يعني من أجل أن يحمله مالا يطيق، بل هذا كتاب الله -تبارك وتعالى- قد أنزل هداية، ونوراً، وذكراً لعبده، ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف:44] وأن الله -تبارك وتعالى- لم يكلفه إلا بما كلف به الرسل، أول العزم من الرسل الذين سبقوه، ولهذا جاء في هذه السورة بعد ذلك التجربة العظيمة، والحياة الرسالية العظيمة، بل حياة موسى عليه السلام قبل رسالته، وبعد رسالته، وما احتواه من المحن، والفتن، وتعرضه لصنوف الإبتلائات منذ يوم ولادته، وإلى أن توفاه الله -تبارك وتعالى- فشأن النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- في تكليفه بهذه الرسالة كما كلف الله -تبارك وتعالى- غيره من المرسلين في أن يقوموا، ومعنى أن عليه أن يقوم بواجب هذه الرسالة، وأن يصبر فى سبيلها؛ فإنها عزة له، وسعادة، ورفعة، وهذا كتاب للعالمين، ذكر للعالمين، وليصبر كما صبر أولو العزم من الرسل،

 قال -جل وعلا- [مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ] أي يا محمد -صلوات الله والسلام عليه- الْقُرْآنَ لِتَشْقَى القرآن كلام الله -تبارك وتعالى- المنزل منه، كلامه، سمي قرآناً لأنه يقرأ، أعظم ما يقرأ، يقرأ فى السماء، والأرض، صحف مكرمة {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15]{كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16] تقرأ في السماء بأيدي الملائكة، وتقرأ بلسان النبي -صلوات الله وسلامه عليه- ثم يعلمها؛ ثم يقرأها العالمون، يقرأها أهل الإسلام جيلاً بعد جيل، أناجيلهم في صدورهم، احفظوه؛ فهو أعظم كتاب قرئ في الأرض، وقرئ في السماء [الْقُرْآنَ لِتَشْقَى] تحصل لك الشقوة، شقوة الدنيا من أنواع الشقاء الذي هو الهم، والغم، والابتلاءات، والحمل الثقيل الذي ليس وراؤه إلا المعاناة، والتعب، لا، بل القرآن على غير هذا، القرآن المنزل على نبيه محمد -صلوات الله والسلام عليه- إنما هو البلسم الشافي، إنما هو كتاب الله -تبارك وتعالى- وسراجه المبين، الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- ذكراً للعالمين، وهداية للخلق أجمعين أن يهتدوا به، هداية نور، وإيضاح، وبشرى للمؤمنين، ونذارة للكافرين، إبطال لكل باطل {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ........}[الأنبياء:18] وتثبيتُ للمؤمنين، وتفصيل للطريق الذى يحبه الله -تبارك وتعالى- صراط الله المستقيم.

 {طه}[طه:1]{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:2]{إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:3] يعنى هذا هو سبب نزول القرآن ، وغايته، وهدفه {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:3] يعني أنزلنا عليك القرآن تَذْكِرَةً استحضار في الفكر، وتوجه بهذا الخطاب إلى عبادة الله -تبارك وتعالى- وخشيته؛ فهذا الكتاب يذكر من يخشى {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:3] وحصر الله -تبارك وتعالى- التذكرة، عفوا، بالقرآن في هؤلاء، لأن هؤلاء الذين يستفيدون بكتاب الله -تبارك وتعالى- ويتذكرون به، كما قال -جل وعلا- {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}[الأعلى:10]{وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى}[الأعلى:11] يعني سيستفيد بهذه الذكرى من يخشى الله -تبارك وتعالى- فمن يخاف الله، ويتقيه، ويعلم أن له عقوبة، ويؤاخذ بالذنب، ويحاسب به، وأنه يعاقب عقوبة شديدة؛ فهذا الذي سيتذكر أما من لم يأبه بذلك، وأخذ هذا الكلام على غير محمل الجد، أو رده، أو جحده، أو كفر به؛ فإنه لا تفيده هذه الذكرى {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:3]{تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى}[طه:4] القرآن هو تنزيل مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ تنزيل من الله، ووصف الله -تبارك وتعالى- نفسه هنا بأنه هو الذى خلق الأرض وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى فهو الرب الإله العظيم، خالق كل هذه السماوات ما نراها، وما نعلمه منها، وما لا نلعمه، والأرض التى نعيش عليها وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى بعد ذلك {تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى}[طه:4] وهي سبع سماوات، ولا شك أن حقيقتها، وسعتها لا يعلمها على الحقيقة إلا الرب الإله -سبحانه وتعالى- فهذا الذى خلق هذا الخلق العظيم، الأرض التي نعيش عليها، وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى هو الذى أنزل هذا القرآن على عبده، ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-

 الرَّحْمَنُ الرحمن اسمه -سبحانه وتعالى- وصفته؛ فهو الله، هو الرحمن، والرحمن هذا اسم مشتق، ومتضمن لمعنى الرحمة، وهذا الوزن رحمن يدل على الابتلاء، والله -تبارك وتعالى- هو الذي وسعت رحمته كل شيء؛ فكل خلقه قد وسعتهم رحمته -سبحانه وتعالى- رحمة عامة بالخلق، والعناية، والتربية، والرزق، والكفالة، والقيام بشأن هذا؛ ثم رحمة بعد ذلك خاصة بعباده المؤمنين، المتوجهين إليه يرحمهم -سبحانه وتعالى- بأن يهديهم سبلهم، بأن يوفقهم، بأن يحميهم من عدوهم، بأن يأخذهم في طريق الهدى، والنور إلى جنته، ورضوانه، والجنة إنما هي من رحمته -سبحانه وتعالى- فهو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء -سبحانه وتعالى-

 {........عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5] الْعَرْشِ عرش الله -تبارك وتعالى- وهو سقف هذه المخلوقات، فوق السماوات، ولا يعلم سعة هذا العرش، وعظمته، وزنته إلا خالقه -سبحانه وتعالى- ولا يقدر قدره إلا الله، لا يقدر قدر العرش إلا الله؛ فهو سقف هذه المخلوقات جميعاً، والله -تبارك وتعالى- هو المستوي فوق عرشه، إستواء يليق بجلاله، وكماله -سبحانه وتعالى- لا شك أن كيفية اتصاف الله -تبارك وتعالى- بصفاته لا تعلم، تعلم الصفة، ولا تعلم الكيفية؛ فالله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالرحمة، وصف نفسه بالكلام بأنه يتكلم، وصف نفسه -سبحانه تعالى- بالإستواء، وصف نفسه بالمجيء {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22] ولكن كيفية استواءه، كيفية مجيئه، وكيفية كلامه، وهذه كلها الكيفيات لا يعلمها يعنى الخلق، وذلك أنهم محجوبون عن معرفة ؟؟؟؟؟؟ ذات الرب لا يعرفون ذات الرب -تبارك وتعالى- ومعرفة الصفات، كيفية الصفات، هي فرع عن معرفة الذات؛ فالله هو المحتجب عن خلقه بعظمته، وكبريائه {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:103] {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5] وفي هذا علوه -سبحانه وتعالى- على خلقه جميعاً، وقهره لهم جميعاً؛ فهم جميعاً في قبضته، وتحت قهره، وسلطانه -سبحانه وتعالى- كما قال -جل وعلا- {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ........}[الأنعام:18]  كل عباد الله -تبارك وتعالى- إنما هم تحته وفي قهره -سبحانه وتعالى- وقال عن الملائكة {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل:50] فهذا الرب الإله الرحمن -سبحانه وتعالى- هو الذي أنزل هذا القرآن على عبده، ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- وفي هذا تعظيم لهذا القرآن أن هذا القرآن النازل عليك إنما هو من هذا الرب الرحمن الإله -سبحانه وتعالى- الذي خلق الأرض، والسماوات العلى، والذى استوى على العرش سقف المخلوقات جميعاً.

 {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}[طه:6] هذا الإله، الرب، الرحمن لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ كل ما في السماوات من خلوقات، من موجودات كلها له؛ فهو خالقها -سبحانه وتعالى- وَمَا فِي الأَرْضِ كل ما في الأرض من هذه الموجودات كلها هي لله -تبارك وتعالى- أن الله هو خالقها، وهو متولي لأمورها -سبحانه وتعالى- متصرف فيها -سبحانه وتعالى- فيملكها ملك حقيقى، ملك الله -تبارك وتعالى- لهذه الموجودات كلها ملك حقيقي، ملك غيره ملك عارى؛ فملكه حقيقى لأن الله -تبارك وتعالى- يملك رقبتها أولاً، يملك ذاتها، هو الذي أوجدها من العدم، وهو كذلك يملك تصريفها، لا يتصرف يعني مخلوق من هذه المخلوقات، ولا موجود من هذه الموجودات، أي تصريف ما بدون أمره الكوني، القدري؛ فالشمس لا تتحرك حركة، والقمر لا يتحرك حركة، والبحر، والنجم، والإنسان، والحيوان، والنبات كل حركة، وكل سكون يقع من هذه الموجودات إنما هو بأمر الله الكوني القدري، ما يخرج شيء عن أمره الكوني القدري -سبحانه وتعالى- ولذلك ملكه لهذه الموجودات، ملك حقيقي، ملك الرقبة، ملك الذات، وملك التصريف {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62] خلقه، وهو متوكل به، هو متوكل به لا يتصرف أي مخلوق من إنس، وجن، وملك، وحيوان، ونبات، وجماد أي تصريف يقع حركة، سكون من المخلوق إلا بأمر الله الكوني، القدري -سبحانه وتعالى- لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ما بين السماء، والأرض.

 [وَمَا تَحْتَ الثَّرَى] وماتحت الثرى، الثرى هي تربة الأرض الأولى, ما تحتها إي تحتها من بذر، من نبات، من طبقات يعنى إلى جوف الأرض السفلى، كل هذا أيضاً هو ملك لله -تبارك وتعالى- ليس هناك شيءمن هذه يملكها غيره، أو خلقها غيره، أو لغيره شرك فيها، بل هذه كلها لله -تبارك وتعالى- لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ما بين السماء، والأرض وَمَا تَحْتَ الثَّرَى.

 {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:7] وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ لتسمع؛ فاعلم أن الله -تبارك وتعالى- [يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى] السر الكلام الخفي، الكلام الخفي لا بين اثنين كالمناجاة [وَأَخْفَى] وما هو أخفى من السر، وما أخفى من السر كخطرات القلوب، خطرات القلوب، وساوس النفوس، ما يوسوس به الإنسان، ولا يخرجه على لسانه، وإنما أبقاه حبيساً فى صدره، ما تكلم به، ما أفصح به؛ فهذا أخفى من الكلام، السر، الكلام السر ممكن أن يتكلم الإنسان مع غيره سراً لا يسمع الآخرين؛ فهذا سر يعلمه الله، وما هو أخفى من هذا، مما هو حبيس الصدر، الذي هو ذات الصدر، ما يجري في نفس الإنسان، وفي صدره، ومن خواطره، مما لم يفصح به، ولم يكلم به أحداً، الله يعلمه -سبحانه وتعالى- {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:7] أي من السر .

{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] اللَّهُ هذا العلم الأكبر على ذات الرب -تبارك وتعالى- اسم الله الأعظم، الذي ترجع كل الأسماء بعدذلك إليه، وهذا الاسم الاسم العلم لله الذي يعلمه كل خلقه بهذا الاسم، ولم يتسمى به غيره -سبحانه وتعالى- لم يتسمى موجود من الموجودات، ولا مخلوق من المخلوقات بهذا الاسم، بل هذا الاسم يطلق، أطلقه يعنى يطلق، وأطلقه البشر، علمه الله -تبارك وتعالى- إذا أطلق؛ عند الجميع يعني هو خالق السماوات، والأرض رب العالمين -سبحانه وتعالى- سواء من يجحد الرب -تبارك وتعالى- ومن يؤمن به -جل وعلا- يعلمون أن اللَّهُ أنه رب العالمين، خالق السماوات، والأرض -سبحانه وتعالى-

[ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ] لا إله إلا هو، الإله في لغة العرب هو المعبود كل ما يعبد تسميه العرب إله حقاً كان، أو باطلاً يعني عبادة حق، أو باطلة؛ فإن صنع صنم، وعبده الناس بأنواع العبادات كالتقديس، تنزيه الصنم، الإجلال، الإكبار،الطلب منه، الدعاء له، تقديم القربات له، يذبح قربة لهذا الصنم، التبرك به، والتمسح به، والطواف حوله، العكوف عنده كل هذى صور من صور العبادة؛ فإذا كان صنم على هذا النحو، أو حجر نصب ينصب نصبا كما كان عادة العرب ينصبوا نصبا، ويتعبدون عندها، عبدوا الأحجار يجد الإنسان حجر جميل؛ فينصبه، ويتعبد له، أو نبات كشجرة؛ فإن من العرب مثلاً كانت تعبد الأشجار ترى أن هذه الشجرة فيها نوع من القدسية، والخاصية التي هيا فوق الأسباب ليست خاصية مادية في أوراقها، في ثمارها، لا، خاصية فوق الأسباب كالنصر كما كان للعرب مثلاً ذات أنواط، ذات أنواط يسموها شجرة، وكانوا إذا أرادوا القتال يذهبون إلى هذه الشجرة؛ فيبيتوا عندها يعلقون أشجارهم، يعلقون سيوفهم بهذه الشجرة، وفي الصباح يعلموا أنهم إذا فعلوا هذا؛ فإن هذه الشجرة تهبهم النصر، تنصرهم على أعدائهم أصبحت هذه معبودة، عبدت بهذه الاعتقاد الذي جاء فيها أنها فيها هذه الخاصية التي هي فوق الأسباب، وأنها تنصر، والحال أنها لا تملك شيء، عبد أشيع موجود الملائكة، عبدوا ظنوا أنهم هم بنات الله، وعبدوهم، عبد البشر كالرسل كمن دعيت له الألوهية ، كل هذه، كل ما يعبد العرب تسميه إله، وليس بالضرورة أن يكون هذا المعبود يعني عندهم يخلق، أو يرزق، يحيي، أو يميت؛ فإن كل الذين عبدوا الأحجار، والأوثان ما اعتقدوا أنها تحيي، أو تميت، ولكن عبدوها لمعنى بمعنى أن هذا الذي تنفع عابدها نفع فوق أسبابها، فوق خواصها التي منها؛ فالحجر حجر خاصته أنه حجر ممكن أن نستفيد به في بناء، في صناعة شيء، لكن أنه يدل الطريق، يرشد إلى الخير، ينهى عن الشر، ينفعك نفع ما في حياتك بأن يوفقك في عملك، يمنع عنك الضر، والشر، لا، كل هذا فمن أخذ هذه الخرزة، يعلقون الخرز فيعتقدون في أن هذه خلاص إذا علقها تنفي عنه يعنى العين، والحسد، والشر، لا، هذه عبادة؛ فهذه عبادة عبد هذا الحجر كل هذه، كل معبودٍ من هذه المعبودات العرب تسميه إله، ولذلك لما جاء النبي، ونهى هؤلاء عن عبادة كل ما يعبد من دون الله، كل عبادة لا تكون إلا لخالق السماوات، والأرض -سبحانه وتعالى- هو الذي يستحق العبادة؛ فإن الخير كله بيديه، وهو القادر على أن يضر، ضر العباد كذلك بأمره -سبحانه وتعالى- فهو الذى يملك الخير لهم يملك ضرهم -سبحانه وتعالى- هو الذى يملك حياتهم، هو المتفضل عليهم بالوجود؛ فوجود الموجودات من الله، ورزقها من الله، وتصريفها من الله؛ فهو وحده الذى يستحق أن يشكر، وأن يعبد، وأن يصلي له، أن يسجد له، وأن تصرف كل أنواع العبادة له؛ فلما دعوا إلى هذا، قالوا: أجعل الألهة إلهاً واحداً؟! كيف هذه نحن نعبد هذه كل هذه المعبودات التي يعبدونها لمنافع شتى عندهم، ونحصل عبادة في الله وحده فقط هذا الذي يستنكره؛ فالإله هو المعبود، بقرة عبدت تسمى إله في اللغة، لكن هل هي إله على الحقيقة؟ يعني هل هى إله يستحق هذا على الحقيقة؟ لما عبدت عبدت بحق؟ الجواب، لا،عبدت بالباطل فكل عبادة لغير الله -تبارك وتعالى- فهي باطل، والعبادة الحق إنما هي للإله الحق، الإله الذى يستحق أن يكون إلهاً يعني أن يكون معبوداً وحده هو الله -سبحانه وتعالى- فقول الله اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لا إله إلا هو على الحقيقة، وليس في الوجود، وإلا في الوجود آلهة كثيرة، ما في شئ في الأرض، وفي الموجودات إلا عبد؛ فقد عبد الناس، عبد العابدون من المشركين كل ما في السماوات، وكل ما في الأرض عبد الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والجبال، والأشجار، والأنهار، والبشر، والجن عبد كل شيء، لكن لا إله ليس موجوداً لا إله حقاً إلا الله -سبحانه وتعالى-

ثم قال -جل وعلا- {........لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] لله -تبارك وتعالى- الأَسْمَاءُ يسمى بالأسماء الحسنى التي هيا البالغة الغاية في الحسن، والله -تبارك وتعالى- له أسماء كثيرة، وكل اسم من هذه الأسماء هو بالغ الغاية في المعنى الذي يتضمنه؛ فالرب -تبارك وتعالى- عندما يقال الكريم، والسميع، والعليم له من كل هذا الاسم معناه، وهو كل أسماؤه معنى حسن، وهو بالغ الغاية لا حد -سبحانه وتعالى- فسمع الله -تبارك وتعالى- وسع كل الأصوات لا ليس هناك صوت في الكون إلا هو بسمعه -سبحانه وتعالى- وبصر الله -تبارك وتعالى- وسع كل الموجودات لا يغيب شيء عن بصره -سبحانه وتعالى- وعلم الله -تبارك وتعالى- وسع كل الخلائق؛ فهو الذى قد أحاط بكل شيء علماً، لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات، والأرض، لا توجد ذرة موجودة لا في السماوات، ولا في الأرض إلا هي معلومة بعلم الله -تبارك وتعالى- وكذلك لا توجد حركة للموجودات، أي موجود، أي حركة إلا بعلمه -سبحانه وتعالى- فلا تسقط ورقة من شجرة، أي شجرة في كل الوجود، وهذه تساقط أوراق الأشجار عمل دائم، ودائب في الخريف، وفي كل الأوقات تتساقط، أشجار تلقي أوراقها، لكن لا تسقط ورقة من هذه الأوراق إلا بعلم الله -تبارك وتعالى- فالله له الأسماء الحسنى إذا قيل العليم؛ فهو المعنى الحسن، والمعنى اللائق بذات الله -تبارك وتعالى- والذي لا حد يعنى لهذا الوصف، وهذه الصفة التي يتصف بها الرب -سبحانه وتعالى- {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] وقد قال -صلى الله عليه وسلم- «إن لله تسعاً وتسعين إسماً من أحصاها دخل الجنة»  عدها، عرفها، عرف معانيها، آمن بذلك، الله لا إله إلا هو الحى القيوم ذو الجلال، والإكرام -سبحانه وتعالى- السميع، العليم، البصير، هذه أسماء الله -تبارك وتعالى- الحسنى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] إذا هذا اخبار من الرب الإله -سبحانه وتعالى- إلى عبده، ورسوله محمد -صلوات الله وسلامه عليه- أنه يتلقى القرآن من هذا الرب الذي هي صفاته -سبحانه وتعالى- {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:6] -سبحانه وتعالى- هذه مقدمة يعنى عظيمة لهذه السورة يخاطب الله -تبارك وتعالى- فيها نبيه {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:2] إِلَّا تَذْكِرَةً نزل القرآن {........تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:3] تَنزِيلًا هذا القرآن {........مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى}[طه:4]{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5]{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}[طه:6]{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:7] فهو العليم بكل هذه الموجودات سرها وعلانيتها {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] ختم الله -تبارك وتعالى- هذا الفاصل بقوله {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] ليدل بعدذلك أن لله أسماء حسنى لم تذكر هنا كل أسماء الله -تبارك وتعالى- حسنى؛ ثم يأتي بعد ذلك يعني تذكير برسالة موسى عليه السلام ليكون هذا تذكيراً لنبيه، وللمؤمنين، واستفادة عظيمة من هذه الرسالة العظيمة لموسى النبي عليه الصلاة والسلام، ونأتي لهذا إن شاء الله في الحلقة الآتية.

أستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب.