الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[طه:9-16]
بعد أن خاطب الله -تبارك وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- محمداً في أول هذه السورة بقوله -جل وعلا- {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }[طه:1-8]
أخبره -سبحانه وتعالى- أن هذا القرآن نازل من عند الرب الإله الذي هذه صفته، وأن هذا القرآن نازل تذكرة منه -سبحانه وتعالى- لمن يخشى، وفي هذا رحمة عظيمة جداً لأن هذا القرآن ينشر، ويخرج هؤلاء الذين يتذكرون إلى طريق الرب -سبحانه وتعالى- الرب الإله الذي هذه صفته -سبحانه وتعالى- {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8] إذا فالقرآن ليس نازلاً لشقوته يا عبدنا، ورسولنا محمد -صلوات الله والسلام عليه- ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك حديث طويل عن موسى ينتظم عامة الآيات في هذه السورة ليكون هذا يعني نموذج لهذا النبي، الرسول، لأولي العزم من الرسل موسى عليه السلام ابن عمران، رسول بني إسرائيل الذي كانت رسالته، حياته الرسالية حياة فيها من التكاليف العظيمة، والمحن الكبيرة، والفتن العظيمة، والتحمل العظيم، وكذلك أيضاً حياته قبل الرسالة؛ فإنه قد تعرض لفتن، وابتلاءات عظيمة جداً؛ فكأن الله -تبارك وتعالى- يضع هذا النموذج الرسالي ليكون أسوة، وقدوة، ويتأسى به النبي -صلوات الله وسلامه عليه- كما قيل للنبي {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ........}[الأحقاف:35] ويكون أيضاً قدوة لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين يقتدوا، ويأتسوا، وياخذوا العبر، والدروس من حياة هذا النبي الكريم وكذلك ماجرى على من معه من المؤمنين، وكذلك يأخذوا العبرة من كيفية معاملة الله -تبارك وتعالى- لمن عاندوه من الجبارين، المتغطرسين فرعون، وغيره.
بدأ الله -تبارك وتعالى- حديث موسى، قال للنبي: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}[طه:9] وهذا سؤال يراد به التقليل، وأنه قد جاءه هذا الحديث، حديث موسى النبي، موسى بني إسرائيل، أعظم رسول أرسل فيهم، والمنزل عليه التوراة، وهو من أولي العزم من الرسل، وهو المخلص الذي خلصهم الله -تبارك وتعالى- به من ذل الفراعنة، وأخرجهم إلى أرض سيناء تمهيداً ليقيم لهم ملكاً في بلاد الشام، أرض فلسطين {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}[طه:9]{إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا........}[طه:10] بدأت القصة يعني ما يقصه الله -تبارك وتعالى- عن موسى من هنا، وهي هذه النقطة الفاصلة، هذه النقطة الفاصلة في حياته، بداية خطاب الله -تبارك وتعالى- له بالوحي، وكان بدء هذا عندما رأى ناراً، وكانت رؤيته لهذه النار عند عودته من مدين إلى مصر، مدين التي ذهب إليها فاراً من القبط في مصر بعد أن قتل نفساً منهم، وسعوا في أن يقبضوا عليه، ويقتلوه؛ فخرج فاراً عاش في مدين عشر سنوات، تزوج فيها، وبعد هذه العشر سنوات رجع مع أهله في ظنه أنه قد تقادم الأمر، وأنهم ربما نسوا هذا القتل القبطي، ويرجع لأهله أمه، وأخيه في أرض مصر؛ فهم في أثناء عبوره من مدين التي هي أرض الأردن الآن إلى مصر، في سيناء رأى ناراً في الليل، ليلة شاتية، باردة، مظلمة؛ فرأى عن بعد نارا؛ فقال لأهله أي زوجته امكثوا مكانكم يعني أبقاهم في المكان الذي هما نازلين فيه [إِنِّي آنَسْتُ نَارًا] آنست من بعيد رأيت نارا من بعيد، وآنس حصل له أنس إن في ناس موجودين، ما دام في نار موجودة إذاً في حولها ناس؛ فيستأنس بهم في هذه الوحشة، وفي هذه الصحراء، والتي ليس فيها أحد؛ فحصل له أنس بهذا [إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ] لعلي اذا جئت إلى هؤلاء الذين أشعلوا النار أطلب منهم قبس، القبس الذي هو قطعة من النار، تقبس منها، تؤخذ منها {........أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}[طه:10] من يدلني الطريق، قيل أنه قد ضاع منه الطريق، طريق العودة، ويريد من يدله على الطريق [أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى] قال -جل وعلا- {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى}[طه:11] لما جاء النار، وإذا بهذه النار نور تضيء، قيل، جاء في بين الكتب التي بين يدي بني إسرائيل أنها كانت شجرة من أشجار العليق، وأن النار تشتعل فيها، وهي خضراء كما هي، وينبعث منها نور، ونودي من هذه الشجرة {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى}[طه:11] نُودِيَ بالبناء لما لم يسمى فاعله، والذي ناداه الله -تبارك وتعالى- بدليل قوله -تبارك وتعالى- {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الشعراء:10] {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى}[طه:11] ناداه الله -تبارك وتعالى- باسمه يَا مُوسَى {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ........}[طه:12] كان أول شيء أن يعرفه الله -تبارك وتعالى- يعني مصدر هذا النداء، قائد هذا النداء، وأنه هو الله -سبحانه وتعالى- قال:[ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ] ما قال الله أولاً، وذلكم ليؤنسه -سبحانه وتعالى- فهو ربه، ربه، إلهه، وخالقه، وبارئه -سبحانه وتعالى- [إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ] أمره أولاً أن يخلع نعليه ليكون في مقام الخشوع، والتواضع للرب الإله -سبحانه وتعالى- فإن الإحفاء لا شك أنه أكمل في الذل، والخضوع .
قال {........فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}[طه:12] إِنَّكَ الآن في مقامك هذا في وادي مقدس، الوادي الذي هو يكون الأرض منخفضة بين الجبلين، والمقدس المنزه، وتقديس الله -تبارك وتعالى- للوادي، أولا هذه البركات للنور الذي أشرقه الله -تبارك وتعالى- فيه، ولملامسته كلام الرب -سبحانه وتعالى- فنداء الرب قد تردد في أصداء، وأجواء هذا الوادي يسمع موسى عليه السلام [إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى] اسم الوادي؛ فعرفه الله -تبارك وتعالى- بالمكان أنه مكان مقدس، ويجب أن، وأنه سيخاطبه ربه -سبحانه وتعالى- وأنه هو الذي يخاطبه، وعليه أن يخلع نعليه ليقف متذللاً، متخشعاً ليسمع كلام الرب -سبحانه وتعالى- أمر عظيم جداً هذا أمر عظيم، ورفعة عظيمة، وتمنن، وإفضال عظيم من الله خالق السماوات، والأرض رب العالمين -سبحانه وتعالى- على عبد من عباده يريد أن يصطفيه، وأن يختاره ليرسله رسولاً إلى تخليص بني إسرائيل، وكذلك دعوة إلى فرعون، وقومه إلى الإيمان بالله -تبارك وتعالى- الواحد الأحد،
قال: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}[طه:13] بعد أن عرفه الله -تبارك وتعالى- أنه هو الذي يكلمه، وأمره أن يقف بهذه الهيئة بين يديه -سبحانه وتعالى- وعرفه المكان الذي هو فيه، أخبره -سبحانه وتعالى- بالغاية التي من أجلها كلمه؛ فقال له: [وَأَنَا اخْتَرْتُكَ] أنا الرب -سبحانه وتعالى- وَأَنَا اخْتَرْتُكَ وله الاختيار -سبحانه وتعالى- يعني أنه اصطفاه، واختصه -سبحانه وتعالى- [فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ] أمره بالاستماع لما يوحيه الله -تبارك وتعالى- إليه، والوحي هو طبعاً الإعلام بطريق خفي، وذلك أن هذا النداء لم يسمعه من كل هذه الموجودات إلا موسى عليه السلام فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إليك {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}[طه:14] هذه هي القضية الكبرى، والقضية المركزية، عرفه الله -تبارك وتعالى- به من هو الله الذى يخاطبه، وما حقه -سبحانه وتعالى- عليه، قال: إِنَّنِي الله -جل وعلا- أَنَا اللَّهُ اسم الله -تبارك وتعالى- الأعظم، المعرفة التى لا أعرف منها [إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا] لا معبود بحق إلا أنا، كل ما يعبد من دونه مما يسميه الناس إله لا يمكن أن يكون إلهاً، بل إله باطل يسمونه إله، وليس بإله، ولكن الإله الحق الله -سبحانه وتعالى- [إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ] حق إِلَّا أَنَا ما في إله على الحقيقة إلا الله -سبحانه وتعالى- وكل إله غيره باطل، لا يمكن أن يكون إله، كذب،زور تدعى له الألوهية وليس بإله، اسمه في اللغة يسميه الناس بلغتهم إله، ولكنه ليس بأله؛ فالله هو الإله الحقيقى -سبحانه وتعالى-.
[ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي] ما دام أن لا إله إلا هو يستحق العبادة، إلا هو خالق الكل، خالق الجميع، ومتصرف فيهم؛ فهو الذى يستحق -سبحانه وتعالى- وحده العبادة. [وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي] أمره الله -تبارك وتعالى- أمراً عاماً بالعبادة، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال، والأفعال، والهيئات، وهي مأخوذة من العبادة في لغة العرب هي الذل، والخضوع، يقولون هذا طريق معبد يعنى داسته الأقدام، ومهدته، ويجعلون ملك اليمين عبد لأنه مشترى، وهو ملك لسيده، مذلل فيه، وعبودية الرب -تبارك وتعالى- لا تكون عبودية الرب إلا بالإيمان به، وطاعته -سبحانه وتعالى- طاعة مع الذل، والخضوع، والمحبة ليست طاعة فقط عن كراهية، الطاعة عن كراهية لا تكون عبادة، لا تكون عبادة إلا اذا كانت مع الذل، والخضوع، والمحبة للآمر، والمحبة للأمر الإلهى الذى يأمر به؛ فهذه العبادة على الحقيقة.
[ فَاعْبُدْنِي] وخص الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك الصلاة بعد، من جملة العبادات لأنها أشرف، وأعلى العبادة، إذ العبادة أفراض كثيرة، أقوال، وأعمال كثيرة؛ فالصلاة هي أفضلها، وأشرفها، وأعلاها [وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ] أقم الصلاة ليس مجرد آداؤها، وإنما إقامتها، وكلمة أقم الصلاة، إقامة كلمة مختصرة تشمل كل ما تحتاجه الصلاة لتكون على أحسن صورة؛ فيدخل في هذا شرائطها، كل ما يشترط لها حتى تكون؛ فيدخلون في الإقامة شرائطها من تطهر لها، طهارة في البدن، في الثوب، في المكان، ستر عورة، استقبال وجهة بعد ذلك يدخل فيها أركانها هيئاتها، خشوعها، دخول القلب فيها؛ فهذه كلها يدخل في معنى الإقامة وَأَقِمِ الصَّلاةَ بدل ما يقول اعمل شروطها، وأركانها؛ فأقم الصلاة، أدها على الوجه الذي تكون فيه مستقيم، قائماً لِذِكْرِي لهذا كذلك هدف الصلاة، هذا هدف الصلاة، وغايتها أنها ذكر لله -تبارك وتعالى- لتذكرني بذلك؛ فالصلاة تقام بذكر الله -تبارك وتعالى- ولذلك كانت الصلاة إنما هي دعاء تسبيح، وتحميد، وتمجيد، وثناء على الرب -سبحانه وتعالى- وخضوع له بالقيام بين يديه، قيام الذل، والركوع صورة من صور الخضوع للرب، والسجود الذي هو أعظم صور ذل العبد بين يدى إلهه، ومولاه -سبحانه وتعالى- [وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي].
ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15] إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ بعد أن بين الله -تبارك وتعالى- له الغاية التي من أجلها أوجده، واختاره أنه يعبد الله -تبارك وتعالى- بين الله -تبارك وتعالى- الميقات الذي وقته لعباده -سبحانه وتعالى- فأخبره أن الساعة آتية [السَّاعَةَ] يوم القيامة سميت بالساعة لأن لها وقت محدد، ساعة محددة؛ فهي ساعة [إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ] آتية ستجئ [أَكَادُ أُخْفِيهَا] أكاد يعني أن الله -تبارك وتعالى- قد أخفاها على كل خلقه -جل وعلا- لم يعلم أحد قط بالساعة، ولا يعلم بها أحد؛ فهي لا يعلمها إلا الله -تبارك وتعالى- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ........}[الأعراف:187] لا يخرجها، ويجليها، ويأمر الملك بأن ينفخ ليكون هذا بداية الساعة إلا الله -سبحانه وتعالى- فلم يخبر عن ميعادها، ووقتها ملك مرسل، ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل جعلها الله -تبارك وتعالى- يعني معلومة عنده -سبحانه وتعالى- وجاء في بعض القراءات [أَكَادُ أُخْفِيهَا عن نفسي]، ولا شيء يخفى على الله -تبارك وتعالى- لكن هذه صورة بيان أن الله -تبارك وتعالى- لم يخبر، ولا يخبر بالساعة أحد قط، قال: {........لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15] يعني أن الساعة آتية لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى هذه الغاية من قيام الساعة حتى يعطي الله -تبارك وتعالى- كل نفس جزائها خيراً فخير، شراً فشر؛ فكل ساعٍ يأخذ جزاؤه، إن سعى بالخير فيأخذ جزاؤه عند الله -تبارك وتعالى- وإن سعى بالشر؛ فكذلك ينال جزاؤه عند الله [لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى] بما تسعى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:7] إلى الجنة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:10]
قال -جل وعلا- ]{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[طه:16] هذا تعليم، وتوجيه من الله -تبارك وتعالى- لعبده، ورسوله موسى في هذا الموقف العظيم أول موقف يقفه، ينبأ فيه، يرسل فيه، يخاطبه الله -تبارك وتعالى- تلامس أذناه خطاب الرب الإله -سبحانه وتعالى- قال له هذه الساعة [فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا] إياك أن يمنعك، الصد المنع، يمنعك عن هذه الساعة الإيمان بها، والعمل لها [مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا] من الغافلين، من الشاكين، من الجاحدين [وَاتَّبَعَ هَوَاهُ] دائماً الذي لا يريد الساعة، ويرفضها، ويجحدها يتبع هواه هذه متلازمة يلزمها، يتبع هواه في هذه الدنيا يتبع هواه شهوته الذي أهواه في هذه الحياة هو الذي يتبعه، ويسير خلفه، وينسى الساعة التي وقتها الله -تبارك وتعالى- ليأخذ كل جزاؤه . [فَتَرْدَى] تهلك إذا استمعت لمن لا يؤمن بها، وإلى هؤلاء المتبعين لأهوائهم، وصدوك عن الساعة تردى، تهلك، تسقط في النار، والردى الهلاك {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[طه:16] هذا درس، درس عظيم، وتعليم عظيم من الرب الإله لعبده، ورسوله موسى تمهيداً له ليرسله بهذه الرسالة؛ ثم أراد الله -تبارك وتعالى- أن يؤنسه، الوحشة , ومفاجأة له أنه يأتي إلى هذا، ما كان عنده قبل أن يخاطبه الله -تبارك وتعالى- هذا الخطاب أدنى علم بأنه سيلتقى بخطاب الرب -تبارك وتعالى- وأن هذا الموقف سيسمع فيه كلام الرب -تبارك وتعالى- ما عنده أي تمهيد لهذا الأمر، وإنما جاء وضع أهله في هذا المكان؛ ثم جاء وجته أن يذهب لهذه النار التي رآها ليأخذ قبساً يصطلي هو، وأهله به، ويسأل من حول النار عن الطريق، كان هذا فقط هو الذي في ذهن موسى، وفي وجهته عندما يتوجه لهذه النار؛ ثم فوجئ بعدذلك أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يخاطبه، حصل له طبعاً من الرعب، والخوف، والوحشة شيء عظيم، أراد الله -تبارك وتعالى- أن يؤنسه، وقال له:
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}[طه:17] سؤال يراد به الإيناس حتى يتكلم، يتكلم موسى، ويتكلم عن شيء موجود ما هو فقال له: وَمَا تِلْكَ هذه بالإشارة بِيَمِينِكَ بيدك اليمنى يَا مُوسَى فموسى بدأ يشرع في الكلام، وعلم أنه يعني الرب -تبارك وتعالى- يؤنسه بهذا؛ فقال: والمعلومة ليست معلومة صعبة، أمر {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:18] قال للرب الإله -سبحانه وتعالى- قَالَ هِيَ عَصَايَ بأنها عصاي أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا التوكؤ هو أن يتعكز عليها، يضغط عليها عندما يريد أن يقوم، عندما يريد أن يصعد شيئاً مرتفعاً؛ فهذا التوكؤ عليها [وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي] أهش أما بالإشارة يهش بها حتى يجمع أطراف الغنم، وكذلك الهش هو أن يضرب بها كما هو صنيع الرعاة اذا كانوا في تحت الشجرة؛ فإنه يهش الشجرة، يضرب الشجرة؛ فيتساقط الأوراق؛ فيطعم غنمه [وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي] أي في الأشجار ليتساقط أوراقها [وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى] وجد موسى أنه تبسط في كلامه مع الرب -سبحانه وتعالى- و سار، وتكلم عن أمر لا شك أنه معلوم للرب -جل وعلا- لكن إنما يعنى هو أنس بحديث الرب الإله -سبحانه وتعالى- ثم أراد أن يختصر هذا [وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى] لي في هذه العصا كذلك مَآرِبُ أُخْرَى كونه يدفع بها عدو جاء، يسبر بها الماء في مخاضه؛ فللعصا منافع أخرى كثيرة غير هاتين المنفعتين التي ذكرهما موسى عليه السلام أتوكؤ بها، وأهش بها على غنمي، وهذا كذلك من أدب موسى عليه السلام أنه اختصر بعد ذلك بعد أن تبسط في الأمر، اختصره وقال: [وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى] قال الرب -تبارك وتعالى- الذي أراد منه الإيناس، وأراد منه كذلك يجيب هو نفسه عن هذه العصا التي سيكون لها شأن عظيم {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى}[طه:19] أَلْقِهَا ألقي عصاك، قال -جل وعلا- {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}[طه:20] هذه العصا التي ذكر موسى أنها هي عصاه، وليست نازلة من السماء، وأنها هي يعمل بها ما تعمل بالعصا يعنى يصنع بها ما يعمل بالعصا ؟؟؟؟؟؟؟ يهش بها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأنه يتوكؤ بها؛ فقال: أَلْقِهَا فألقاها ففجأة، قال: فَإِذَا الفجائية بهذه العصا تتحول، وتنقلب حية تسعى، ثعبان عظيم، ويسعى يتحرك يسير؛ فليست مجرد حية صورة، وإنما حية حقيقية؛ فهي حية حقيقية، وتسعى {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى}[طه:21] قال الله -تبارك وتعالى- لموسى خُذْهَا خذ هذه العصا [وَلا تَخَفْ] وقد بين -سبحانه وتعالى- في موضع آخر أنه لما ألقاها على هذا النحو ولى مدبراً، ولم يعقب، وأنه رعب لذلك رعباً شديداً عندما رأى هذه الحية؛ فناداه الله -تبارك وتعالى- أن عد، وخذ يعني الحية، امسكها مرة ثانية؛ فإنها ستتحول بأخذك لها تتحول إلى عصا، إلى عصاك نفس العصا مرة ثانية [قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ] خذ هذه العصا التي هيا أصبحت حية، ولا تخف أي منها [سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى] سنعيدها بالتو، واللحظة، وبمجرد أن يأخذها سِيرَتَهَا يعنى سيرها الأول كما كانت أولاً الأُولَى وهي أن تعود العصا كما كانت {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ........ }[طه:22] أضمم التي هو القبض، جمع يدك إِلَى جَنَاحِكَ جناح الإنسان هو جانبه [تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ] اذا أخرجتها مرة ثانية؛ فإنها تخرج بيضاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يتغير لون اليد، لون الجلد، موسى كان رجلاً آدم، أسمر اللون؛ فإذا وضعها خرجت؛ فتخرج هذه اليد بيضاء [مِنْ غَيْرِ سُوءٍ] السوء الذي هو البرص، بياض البرص، والبهاق هذا بياض مرض، أما البياض الذي هو بياض الجسم العادي كالإنسان الأبيض، إنسان بلون آخر غير البياض الأسمر، أو الأسود؛ فيكون على هذا النحو تتغير في هذه اللحظات التي هي إدخالها إلى جيبه، وأن يضمها إلى جيبه، وجناحه؛ ثم يخرجها؛ فإذا بها يتغير لونها في التو، واللحظة، وهذا أمر يعني خارق للعادة، مخالف للعادة تماماً، فأن هذه الصبغة صبغة الجلد لا تتغير بتاتاً، ولا يمكن تغييرها تغيير طبيعى بأن يتغير هذا؛ فإنه لا يتغير؛ فكون أنها تتغير بهذه اللحظة؛ فهذا دليل آخر معجز من دلالات قدرة الرب -سبحانه وتعالى- {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى}[طه:22] آيَةً أُخْرَى مع الآية الأولى مع آية هذه العصا التي تتحول حية، وهذه الأخرى كذلك تتحول إلى يد بيضاء {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى}[طه:23] يعنى أننا أريناك هذا {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى}[طه:23] فهذه آيات كبرى؛ ثم بعد ذلك، كذلك يكون هذا تمهيد لما سيراه من آيات الله -تبارك وتعالى- الكبرى العظيمة، الكبيرة التي فيها دلالة على قدرة الرب -سبحانه وتعالى- وعلى أنه لا يعجزه شئ -جل وعلا- وهي كذلك برهان يحمله ليكون ليكون برهاناً له عندما يأتي فرعون، ويخبره أنه رسول الله -تبارك وتعالى- المرسل من قبل الرب الإله، وهذه قدرته، أن هذه أمور لا يقدر عليها إلا الرب الإله -سبحانه وتعالى- نقف هنا، ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية.
أستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وصلى الله على عبده، ورسوله محمد.