الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (373) - سورة طه 50-68

الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله -تبارك وتعالى- {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}[طه:49-59].

 الآيات في سياق دعوة موسى عليه السلام لفرعون، وأنه عندما عرض موسى دعوته لفرعون وقال له: [إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ] هو، وهارون {........فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}[طه:47]{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه:48] يعني احذر أن ترد هذه الدعوة الواضحة، البينة؛ فتكون من أهل العذاب بالتكذيب، والتولي، ولكن فرعون تجبر، وقال باحتقار، واستصغار [فَمَنْ رَبُّكُمَا] ربكما، ربكما ما هو ربه، علماً بأنهم قالوا: [إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ] يعني يا فرعون {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}[طه:49] فعند ذلك قال: {........رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50] جواب كامل، شامل لصفة الرب -تبارك وتعالى- بهذا الإجمال، وهو كقول الله -تبارك وتعالى- {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:1] هذا الرب الأعلى بدء {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}[الأعلى:2]{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:3] وكذلك كقول الله -تبارك وتعالى- {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62] فأول تعريف، ومعرفة بالرب أنه خالق كل ما سواه؛ ثم أن كل هذا الخلق، كل مخلوق قد سيره الله -تبارك وتعالى- وأجراه الله، وأمشاه الله -تبارك وتعالى- في مساره [الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ] قال: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ كل مخلوق أخذ خلقه، سواء خلقه هذا في الكبر، في الصغر، في الدقة، فى... الشمس الكبيرة، النملة الصغيرة، المجرة العظيمة، النهر الجارى؟، العصفور على شجرته، الدودة في الأرض كل مخلوق بصفته، وخواصه هذا خلق الله تبارك وتعالى هو [أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى] هدى كل مخلوق إلى سبيل معاشه؛ فكيف مخلوق هذا يعرف طريقه، ويعرف كيف يحافظ على نسله، يحافظ على بيضه، يحافظ على طعامه، يخزنه هذا كله أقام كل مخلوق من الذي خلقه، هداه الله -تبارك وتعالى- سبيله، وطريقه هو [الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى] كل مخلوق إلى أن يسير في مساره يحافظ على نفسه، يحافظ على نوعه، يدفع عن نفسه الأعداء أمر عظيم جداً؛ فالله خالق كل شيء، وكذلك هو على كل شيء وكيل، هو المتوكل بكل شيء -سبحانه وتعالى- {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى(1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:1-3].

 وكان هذا الجواب كافي ليعرف، ويعلم فرعون من هو الله -سبحانه وتعالى- رب العالمين -جل وعلا- لكنه حاد، وخرج عن الموضوع، ولم يناقش هذا الأمر في هذا الأمر الواضح، البين الذي لا مجال لرده {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى}[طه:51] فما بال القرون الذين سبقونا الأولى وكانوا يخبر بأن القرون الأولى آباؤه، وأجداده كانوا على هذا الدين الذي نحن عليه، الملة، وكانو، على هذا النحو لم يكونوا ممن قد قالوا، واعتقدوا هذه المعتقد الذي يخبر عنه موسى عليه السلام؛ فأجابه كذلك موسى عليه السلام بالجواب المختصر حيث لا يذهب في ثنايا هذا الموضوع الذي أراد فرعون أن يشتت يعني الذهن فيه، والكلام فيه؛ فقال موسى عليه السلام [قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ] كل هذه القرون السابقة الله -تبارك وتعالى- يعلمها وقد أحصى عليها عملها، وهي موجودة عنده في كتاب [قَالَ عِلْمُهَا] علم هذه القرون عِنْدَ رَبِّي إلهي، مولاي -سبحانه وتعالى- [فِي كِتَابٍ] كتاب أعمالهم {........لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:52] لا يَضِلُّ عن أي شيء من الوجود، والحق؛ فالله شاهد على كل شيء، ولا ينسى شيء، بل أحصى عليهم كل عملهم، وكل فعل، وسيجازي كل إنسان إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ فهم قد أفضوا إلى ربهم -سبحانه وتعال- تلك أمة قد خلت لها ماكسبت، ولكل يعنى من يأتى ما اكتسب، ولا تسأل عن عملهم خلاص انتهى هذا الأمر حتى لا يدخل، وهذا حتى لا يدخل موسى معه في نقاش حول هل هذه القرون كانت على حق؟ أو لم تكن على حق، من الذي سيدخل منهم يعني يحاسب يدخل الجنة؟ أو من الذي سيدخل النار؟ قال كل هذه القرون {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:52].

 ثم شرع موسى يبين عناية الرب -سبحانه وتعالى- وصفته، وعنايته بخلقه -سبحانه وتعالى- ويبين هذه أننا نعيش في ملك الله -تبارك وتعالى- وفي ما يسره -سبحانه وتعالى- من المعايش للخلق؛ فقال: [الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا] الرب الذي أدعوك إليه، وأن تعبده -سبحانه وتعالى- هو الذي جعل الأرض ممهدة على هذا النحو، بسط الأرض على هذا النحو [وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا]ي جعل فيها سبل في مسارات في الجبال هنا، وهنا حتى يمكن للإنسان أن يخرج من هذا الوادي إلى ذلك الوادي، من هذا الإقليم إلى هذا الإقليم، مسارات، وسبل في هذه الأرض [وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ] الذي هو ماء المطر {........فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى}[طه:53] فَأَخْرَجْنَا الرب -سبحانه وتعالى- نسب الإخراج إليه, أزواجا، الزوج هو كل ما له نظير من جنسه؛ فهو زوج يعنى أنها أشكال متناسقة، و [مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى] نبات كثير لا يكاد يعد، ولا يحصى؛ فأنواع النباتات أكثر من نوع من النباتات موجودة يعني على هذه البسيطة {........فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى}[طه:53] [كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ] كلو من هذه النباتات [وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ] يعني نباتات يأكلها الإنسان، ونباتات ترعاها الأنعام، وهذه الأنعام هي أنعام الإنسان، وكذلك الإنسان يعيش على هذه الأنعام على لحومها، وألبانها {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى}[طه:54] إن في ذلك خلق الله -تبارك وتعالى- وتيسيره المعايش للناس على هذا النحو آيات لكن لِأُوْلِي النُّهَى أولي النهى أصحاب العقول الراجحة التي تنهاهم عن القبيح سمي العقل من النهي لأنه ينهى عن القبيح سمي عقل لأنه يعقل صاحبه عن أن يقع في الأمر القبيح، وسمي حجر لأنه يحجر على صاحبه كذلك أن يعني الأمور القبيحة التي لا تفيد؛ فهذه الملكة، ملكة الفهم سميت بالعقل، سميت بالحجر، سميت بالنهى [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى] أصحاب العقول العظيمة.

 [مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ] منها من هذه الأرض خَلَقْنَاكُمْ تذكير من الله -تبارك وتعالى- وحديث موسى هنا أصبح حديث مباشر للرب -تبارك وتعالى- لأنه في هذا القرآن المنزل حديث للناس جميعاً، ودعوة من الله -تبارك وتعالى- للناس جميعاً؛ فما قاله موسى هي دعوة الله -تبارك وتعالى- إلى كل العالمين، وبيانه آياته -سبحانه وتعالى- إلى كل العالمين مِنْهَا أيها الناس خَلَقْنَاكُمْ  من هذه الأرض؛ فأبونا آدم أبو البشرية كلها خلقه الله -تبارك وتعالى- من طين هذه الأرض [وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ] بعد الموت، يموت الإنسان فلا بد أن يرجع إلى هذه الأرض  {........وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه:55] من هذه الأرض يخرجنا الله -تبارك وتعالى- نُخْرِجُكُمْ أيها الناس تَارَةً أُخْرَى مرة ثانية، وهذه القيام الثاني لرب العالمين للحساب؛ ثم بعد ذلك ليس هناك موت بعد ذلك إنما هو دار قرار إما في الجنة لأهل الطاعة، والإيمان، وإما في النار لأهل الكفر، والعصيان {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه:55]

 قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى}[طه:56] أجمل الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك الآيات التي عرضها موسى على فرعون من عصاه التي تصبح حية، ومن يده البيضاء، وكذلك الآيات التي جاءت بعدذلك أظهرها الله -تبارك وتعالى- على موسى من الأنواع العذاب التي ضرب الله -تبارك وتعالى- بها الفراعنة؛ فاخبار من أن فرعون ظل على كفره، وعناده إلى النهاية {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى}[طه:56] كذب الحق، وأبى عن الانقياد؛ فكذب الصدق، والحق الذي جاءه أن الله هو ربه، رب العالمين -سبحانه وتعالى- وأنه خالق هذا الكون، وأنه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم أتى، وادعى أن كل هذا له لفرعون، وأبى أن ينقاد للحق، وأن يذعن له [فَكَذَّبَ وَأَبَى] ورد كل هذه المقالة، مقالة موسى، وظهور الآيات التي أظهرها الله -تبارك وتعالى- على يديه بأن نسب ماعند موسى إلى السحر {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى}[طه:57] بدأ هنا هذا الخبيث يعني يجعل دعوة موسى أنها مؤامرة، وأن له غاية، وهدف يخفيه، وأن هذا الذي عنده ليس، إنما هو نوع من السحر؛ فنسب الآيات إلى السحر، ونسب دعوة موسى الواضحة، البينة، الخالصة إلى ان له هدفاً آخر يخفيه وراء ذلك {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى}[طه:57]  لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا من أرض مصر بِسِحْرِكَ بهذا السحر الذي أتيت به [يَا مُوسَى] يناديه بهذا النوع، وطبعاً على وجه الاحتقار يَا مُوسَى يناديه باسمه هنا محتقراً له، وأنه من قوم هم في منزلة عبيده، وأرقائه [فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ] فلنأتينك بسحر يبطل سحرك هذا {........بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى}[طه:58] اضرب ميعاد [فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ] هو يلتزم فرعون بأن ما يخلفه نَحْنُ وَلا أَنْتَ تتهرب منه تأتي [مَكَانًا سُوًى] مكان سوى مكان متعارف عليه سواء بيننا، وبينك متفق عليه، وماكن سوى مستوٍ يجتمع عليه الجميع، ويكون الجميع على قدم المساواة يعنى كل من يحضرون من شيعة موسى، أو من قوم فرعون [سُوًى] يجتمع الجميع في مكان واحد مستويين، والجميع يحضر، ولا نتخلف نحن، ولا تتخلف أنت، وكان هذا طبعاً هو الذي يريده موسى حتى تظهر هذه آية الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الجموع كلها، ولعلها في ظهور آية الرب -تبارك وتعالى- دعوة لهم إلى الدخول في الإيمان.

 وقد أجمل الله -تبارك وتعالى- هذا هنا بين فى مواضع أخرى أنه فرعون عرض على ملأه {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}[طه:63] وأن أشار يعني أشاروا عليه قال أرسل في المدائن حاشرين {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}[الشعراء:37] وأن إذا جاء السحرة؛ فإنهم سيغلبوا سحر موسى، ويظهروه، وأنه أتفق هو، وإياهم على هذا الأمر، وقال لموسى هذه المقالة وأنه اتفق على هذا الأمر، قال {........فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى}[طه:58]

عند ذلك،  قال موسى [قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ] يعني اليوم الذي رأى أنه يصلح لهذا الأمر هو يوم الزينة، وهو يوم عيدهم الذي يخرجوا فيه زينتهم، ويتفرغون فيه عن الأعمال، ويكون يوم الذي هو يوم لهو هم، ويوم لعبهم {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}[طه:59] اختار موسى هذا اليوم، يوم فراغ من العمل يحضر الناس، وكذلك اختار وقت الضحى لأن هذا الوقت ظاهر، الشمس يعني ساطعة وقت النور، ولا يستطيع السحرة أن يخفوا شيء، وقت الظلام ممكن يعني صناعة الخداع فيه، أما تحت ضوء الشمس؛ فإن كل أمر يكون ظاهر [قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ] يجمع الناس ضُحًى وقت الضحى، قال -جل وعلا- طبعاً فض المجلس، وهناك ميعاد ليجتمع الناس على هذا النحو.

 قال -جل وعلا- {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى}[طه:60] تولى يعني ذهب في طريقه، طريق العناد فَجَمَعَ كَيْدَهُ كيده السحرة، وحمسهم، ورغبهم إذا غلبوا موسى فسيكون لهم ما يكون، يكونون من المقربين، وسيعطيهم الجائزة العظيمة بدأ يكيد، بدأ يكيد فرعون، ويجمع كيده، ويؤلف مؤامرته لإبطال هذا الحق بكل ما يستطيع [ثُمَّ أَتَى] ثم أتى يعنى بسحرته، وبجنده، وبما أعده من التفكير كذلك في ما الذي يمكن أن يكون حتى يستعد لكل موقف ثُمَّ أَتَى {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}[طه:61] بدأ موسى عليه السلام محذراً إياهم يعني الكبراء، والشعب من أن يعني يفتروا على الله الكذب، بأن موسى ليس رسوله، وأنما الآيات التي عنده إنما هي من السحر، وأنهم سيبطلون هذا؛ فقال لهم: [لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا] تكذبوا على الله -تبارك وتعالى- الكذب على الله  إنهم هذه أرضهم، وهذه بلادهم، وهذا فرعونهم، وإلههم كل هذا من افتراء الكذب أن هذا إلههم، وأن طريقته هي المثلى، وأن موسى ليس على الحق، وأنه مبطل، وأنه يريد أن يخرجهم من أرضهم هذا بسحره كل هذا من الكذب [لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ] السحت الذي هو يعنى الإزالة، والإستئصال يسحتكم بعذاب يهلككم هلاكاً مستئصلاً بعذاب من عنده [وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى]  خاب من افترى، صاحب الفرية، الكذاب خائب مهما ظن أنه بكذبه يفلح، وينجح، إلا أنه هو خائب لا بد أن يظهر الله -تبارك وتعالى- كذب الكاذب [وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى]

 قال -جل وعلا- {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}[طه:62] في هذا الوقت الذي يستعدون فيه لهذه المنازلة بدأوا كلهم يعني يفاوض الآخر يتنازع أمره يقول كلام، وهذا يقول آخر [فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ] ما هي الطريقة يعني عندهم الصحيحة التي يبطلون بها حجة موسى [وَأَسَرُّوا النَّجْوَى] أسروا النجوى، النجوى الحديث السري تكلموا سراً فيما بينهم قَالُوا متفقين على هذا الأمر [إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ] إن هذان إشارة إلى موسى، وهارون ساحران بالتأكيد [يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا]  هذه نيتهم، وهذا مقصدهم، وهذا هدفهم المخفي الذي يخفيانه [يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ] يعني أيها القبط، قوم فرعون [بِسِحْرِهِمَا] بهذا السحر؛ فيتغلبوا عليكم يقولون هذا آيات الله، ويذعن الجميع؛ ثم بعد ذلك يجعلون قومهم فوق ناس يحاولوا أن يخرجوا يعني الشعب من أرضه {........وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}[طه:63] يذهب موسى، وأخوه بِطَرِيقَتِكُمُ طريقة الحياة التي انتهجوها التي لا مثيل لها؛ فهي المثال الأعظم في نظم الحياة، وهذا كذلك من الكذب؛ فإن الطريقة التي عاشوا عليها، طريقة تجعل الأسرة الحاكمة هي هم الآلهة، وتجعل بقية الشعب هم في محل العبيد، والأرقاء، ويسخر الفرعون كل الشعب في خدمته في بناء مقابره، بناء المقبرة التي سيدفن فيها يشتغل الشعب كله السنين الطويلة حتى يبني مقبرة للملك، ويشتغل بالسخرة؛ ثم عبادة لهذا البشر الذي جعل نفسه إلها من دون الله؛ فسموا هذه الطريقة التي يعيشون عليها، والنظام الذي يعيشون عليه كله قهر، وذل، وظلم,  قال سموا هذه هي الطريقة المثلى [وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى] غش، وكذب من هؤلاء المتألهين، المتعجرفين لهذه الشعوب الفقيرة، المسكينة

 {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[طه:64] هنا يدفع فرعون، وقومه في هذه الشعوب لأن نحن ينبغي هاذه مؤامرة كبرى جاء بها موسى، وهارون، وأننا يجب أن نقف صفاً واحداً كلنا الحكام، والمحكومين يجب جميعاً  أن نقف صفا واحدا أمام هذه المؤامرة التي تستهدفنا جميعاً لنبطل هذه المؤامرة [فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ]  كيدكم  كل ما تستطيعون أن تكيدوا به موسى، ومن معه [ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ] كونوا جميعاً كلكم صفا واحدا خلف الحاكم خلف الفرعون [وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى] من استعلى اليوم هو الذي سيفلح إن غلبنا موسى وقومه؛ فهؤلاء هم الذين سينالوا الأمر، وإن غلبناهم فسيكون الأمر لنا [وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى] جاء طبعاً السحرة الذين جمعهم فرعون من كل البلدان، السحرة المهرة، وعرضوا على فرعون يعني الأجر، و عنده {........أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}[الشعراء:41]{قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الشعراء:42] وأعد السحرة سحرهم، وكيدهم، كل ما قدروا عليه من فنون السحر أتوا به، وهيأوه، وحضروه؛ فلما جاؤا إلى هذا اليوم قالوا أي السحرة {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى}[طه:65] عرضوا على موسى يعني من الذي يلقي سحره على قولهم في البداية، من الذي يبدأ يلقي العصى، والحبال من الذي يبدأ؟ من الذي له نقطة البدء؟ [إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ] يعني ما عندك عصاك التي جئت بها، والتي  تكون حية، وإما أن كون نحن [أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى] وهذا فيه شيء لعله شيء من يعني الإنصاف في أنهم عرضوا على موسى من الذي يلقي أولاً؛ فألهم الله موسى في أن يعرض عليهم يبدؤوا  هم بالأمر [قَالَ بَلْ أَلْقُوا] ألقوا أنتم أولا.

 قال -جل وعلا- {........فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[طه:66] المشهد الآن الذي نحن فيه الأمة كلها مجتمعة، قد حشر الناس من كل مكان الساحة الواسعة، الفرعون جالس في شرفته، متصدر لهذه الجموع، وحاشيه، وجنوده موسى جاي هو، وأخوه ليس معه يعني أحد ما معه إلا عصاه الجموع كلها تهتف، وتشجع السحرة الذين كل جاء معه جرابه فيه يعني آلات سحره، لا شك أنه نفس المنظر قبل أن يبدأ، تبدأ هذه المباراة فيها رهبة لموسى؛ فإن موسى يعني هو، وأخوه ما معهم أحد، وهؤلاء كلها جموع الملك، والحاشية، والناس، والأمة، والتشجيع كله، القلوب كلها مع فرعون، وقومه، والسحرة، وأنهم واقفين وراء السحرة، واقفين كلهم بإسنادهم وراء السحرة ألقي السحرة قال لهم موسى بَلْ أَلْقُوا قال -جل وعلا- {........فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[طه:66] فَإِذَا إذا الفجائية مجرد ما ألقوا، كل واحد ألقى حبله، وعصاه؛ فإذا هذه الحبال، وهذه العصي، موسى نفسه رسول الله [يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ] من سحر هؤلاء السحرة [أَنَّهَا تَسْعَى] أنها بالفعل حيات عظيمة، وثعابين عظيمة تسير في الساحة؛ فإذا كان هذا حال موسى؛ فلا شك أن حال جميع ممن يشاهدون هذا المنظر أكثر من هذا، كما قال -تبارك وتعالى- {........سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف:116] كل الناس عيونها سحرت، وأصبحت ترى أن هذا الذي يجري في الساحة إنما هي ثعابين حقيقية تسير هنا، وهنا [وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ] صار في الناس رهبة، وخوف عظيم من إنه خلاص الوادي كله، والساحة كلها قد امتلأت بالحيات، والثعابين، ووصل الخوف إلى موسى عليه السلام، قال -جل وعلا- {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}[طه:67] موسى أوجس في نفسه خيفة أن ربما تضيع يعنى هذه الآية وسط هذه الجموع الهائلة من الحيات، والثعابين يعني إذا كان ثعبان سيكون واحدا من هؤلاء ضاعت يعني الآية، وكذلك أوجس خيفة من إن الأمر أصبح تشييع، وهذا عمل، وهذا كذا يعني الكثرة هذه الكاثرة يعني قد تغلب يعني الآية التى جاء بها {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}[طه:67].

 قال -جل وعلا- {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى}[طه:68] تطمين من الرب -تبارك وتعالى- وبيان [لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى] تأكيد من الله -تبارك وتعالى- أنه الأعلى على كل هؤلاء الذين اجتمعوا لنصرة الباطل، وأن الحق لا بد أن يعلو.

لنا عودة إن شاء الله إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.