الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (374) - سورة طه 68-76

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى}[طه:65-76]

 يخبر -سبحانه وتعالى- أن السحرة، قالوا لموسى بعد أن اجتمع الجمع، وجلس فرعون في مقدمة الجموع، وتهلل الناس، وهتفوا لسحرتهم، وأن السحرة عرضوا على موسى بأن يكون، إما أن يكون هو الذى يتقدم؛ فيلقى عصاه، وإما أن يلقوا هم عصيهم، وحبالهم {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى}[طه:65] فقال لهم موسى بل ألقوا أنتم، ابدؤا الأول فإذا يقول -جل وعلا- {........فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[طه:66] يعني عندما ألقوا حبالهم، ألقوا حبالهم، وعصيهم؛ فإنها قد أصبحت في عين موسى خيلت إليه أنها تسعى بالفعل، وأنها أصبحت حيات حقيقية، وليس موسى وحده بل كلٌ جميع الحاضرين، كما قال -تبارك وتعالى- {........وسَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف:116] سحروا أعين الناس جميعاً، وأصبح الناس يرون أن هذه الحبل الذي ألقاه كل منهم، والعصا التي ألقاها أنها أصبحت عندما يعني نزلت في الساحة أصبحت يعني ثعابين حقيقية [يُخَيَّلُ إِلَيْهِ] أي يا موسى [مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى] قال -جل وعلا- {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}[طه:67] أتاه هاجس، وواجس من أن، خاف موسى على يعني الآية التي أرسله الله -تبارك وتعالى- بها [قُلْنَا] الله -جل وعلا- أوحى له في هذا الموقف العصيب.

{ قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى}[طه:68] لا تتوجس من أمره [إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى] الظاهر على كل هؤلاء سيعليك الله -تبارك وتعالى- على جميع هؤلاء [وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ هى عصاه، هذه كل الذى أتى به {........تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[طه:69] هنا تحولت آية موسى، العصا ليس لمجرد ثعبان فقط، بل ثعبان حي يبطل كل هذا السحر بنفسه [تَلْقَفْ] اللقف هو البلع بسرعة يعني أن تفتح فاها، ثعبان يفتح فاه، ويجمع هذا الزور، والباطل من هذه الحبال، والعصي؛ فيلقفها، ويبتلعها [وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ] على هيئة ما يفتح الثعبان الكبير فمه، الثعبان لا يمضغ، وإنما يبتلع على طول يأخذ ما يأخذه، ويبتلعه [تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا] ما صنعوا كل الذي صنعوه [إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ] يعني إن الذي صنعوه إنما هو كيد ساحر، والساحر كل عمله في أن يعني يغش الناس، ويخيل الأمر في أعينهم، ولا يفعل فعل حقيقي يحول، ليس من قدرة السحر أن يقلب الأعيان يجعل حجر خبزا مثلاً، أو أن يجعل حبلاً حيةً يستحيل هذا, هذا أمر مستحيل الساحر لا يفعل هذا، لا يقلب الأعيان لا يجعل النحاس ذهباً، ولا الحجر تمرا، لا، إنما كل الذي يستطيع أن يفعله هو أن يخيل للناظر أنه قلب هذه العين من حال إلى حال [إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] الساحر لا يفلح، لا يجعل، لا ينجح الله -تبارك وتعالى- عمله قط لأنه عمله كله في الشر، عمل الساحر كله إنما هو في الشر، والتخييل، والتزييل، والكذب؛ فلا يجعل الله -تبارك وتعالى- فلاحاً لعمله [وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] في أي وادٍ يكون، وفي أي عمل يكون لا، ليس من وراء السحر نفع قط كما قال -جل وعلا- في أولئك [فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ] هذا أكثر ما يفعلونه [وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ] وكان هذا آية باهرة، ظهور لآيات الله -تبارك وتعالى- على أكمل صورها إن عصا موسى هذه التي هي في يده قدام الجموع كلها عصا يلقيها؛ فتتحول إلى هذا الثعبان العظيم الذي يتحرك في الساحة كلها؛ ثم يجمع، يجمع، يجمع كل الذي أفكه هذا، والذي كذبوه، ويبتلعه كله، ويفنيه تماماً، ويقف بعد ذلك هو الثعبان الوحيد الذي أبطل هذا كله.

 طبعاً لما رأى السحرة هذا, فوجئ السحرة بهذا الأمر، وهم أهل الصنعة، ويستطيعون أن يفرقوا بين الحقيقة، والخيال، بين السحر الذي هو كذب، وبين الآية الإلهية الحقيقية؛ فهذا رأوها أنه آية حقيقية من الرب لا يقدر عليها إلا خالق السماوات، والأرض الرب الإله -سبحانه وتعالى- فعند ذلك لما رأوا الآية على هذا النحو؛ فأنهم مباشرة ألقوا فقال -جل وعلا- [فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا] ألقي بالبناية لما لم يسمى فاعله، ما هم الذي ألقوا أنفسهم، كأن هناك من حملهم، وألقاهم يعنى ساجدين [فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا] يعني أنهم حتى بدون إرادة منهم ألقوا، يعني ألقوا على الأرض سُجَّدًا ساجدين لله -تبارك وتعالى- وليس سجداً يعني لموسى، وقبل ذلك كانوا يسجدون لكن لفرعون لكن هنا سجود لأول مرة لله -تبارك وتعالى- بعد أن رأوا آية الله -تبارك وتعالى- عياناً بياناً، وتحققوها من يعني صميم قلوبهم فَأُلْقِيَ يعني أثر لهذه الآية أن السحرة، وهم أهل الصنعة عرفوا الحقيقة فألقوا، وسجدوا لله -تبارك وتعالى- قالوا حال سجودهم {........قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}[طه:70] آمَنَّا إعلانا لهم جميعاً أنهم آمنوا برب هارون، وموسى ليس بفرعون [بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى] ربه، إلهه، خالقه، الذي أرسلهم -سبحانه وتعالى- وهذه هي صورة عظيمة جداً من صور الإيمان إن يعني أول شيء إن أهل الكذب، والزور، والبهتان السحرة هم أهل الكذب، وأهل الزور، والبهتان، وكانوا على كذبهم، وزورهم، وبهتانهم يعني إلى قبل لحظات؛ ثم إذا بهم يروا الآية؛ فيؤمنوا، ويتحولوا تحولاً كاملاً في هذا الوقت السريع بمجرد ظهور الآية لهم، ولا يشذ منهم أحد، بل جميعهم يؤمنون؛ فهذه يعني صورة مذهلة من صور الإيمان، وهو هذا التحول يعني المفاجئ، والذي ليس بينه وقت، ما أخذوا وقت يتداولون فيه أمرهم، أو يقولون هذا بل مباشرة, وهذا يدل على إنهم يعني خبروا هذه الآية، وتحققوها تحققاً، وأنها آية الله -تبارك وتعالى- بالفعل، وكان ينبغي أن يكون هذا إيمان السحرة هو يعني بمثابة البرهان العظيم لكل الحاضرين، وعلى رأسهم فرعون إن بالفعل هذه شهادة، شهادة صدق، ويقين من أن هذا ليس سحراً، وأنه آية من الله -تبارك وتعالى- وأن هؤلاء يؤمنون؛ فيجب أن تقاد الجميع، ويقاد الجمع كله إلى الإيمان بالله -تبارك وتعالى- ولكن من العجب أن فرعون الصلف، المجرم استطاع أن يحول هذا المشهد، مشهد الإيمان كله بعد أن كاد الناس أن يدخلوا في الإيمان جميعاً يحوله مرة ثانية إلى الكفر، والعناد، ويتغلب على الجميع بدهائه، مكره، وخبثه.

 [قَالَ] أي فرعون، وهذا يدل كذلك على يعني سرعة يعني بديهته، وسرعة امتلاكه للأمور فلم تأخذه كذلك المفاجأة لم تأخذه، ولم يفكر في الأمر، ولم ينتظر، وإنما مباشرة لفق الأمر، وافترى، وكذب، وقلب الأمر كله يعني إنقلاب نحو الكفر، والعناد [قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ] فبدأ الأمر الأول يبين أن الجريمة إن هؤلاء دخلوا في الإيمان دون أن يستأذنوه، وكان المفروض قبل أن يعلنوا هذا الإيمان يستأذنوا فرعون لأنهم تابعون له في الأول [قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ] وهنا أخذهم بأمر إجرائي يعنى أمر, وقد يسود هذا على الجموع، إنه نعم إنه كان ينبغي أن يستأذنوه الأول، ويرجعوا إلى ملكهم الذي أقامهم في هذا الأمر، وأعطاهم الأجر، وأعطاهم كذا، وهو الذي أتى بهم إلى هنا؛ فإذا قد رأوا أن هذه آية؛ فكان ينبغي الأول أن يرجعوا له، ويقولوا ياسيدنا إن هذه يعني إن الذي جاء به موسى إنما هو آية من الله، وأنه يجب أن نرجع , أما أنهم هكذا يؤمنون بموسى، ويتحولون إلى معسكر آخر معسكر موسى دون أن يرجعوا إلى رئيسهم، ملكهم؛ فهذا تعدي، وافتراء على الحاكم.

 [قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ] ثم انتقل إلى أمر آخر أن يلبسهم تهمة عظيمة؛ فقال هذا كبيركم الذي علمكم السحر، هذا أنتم  الأمر هذا قد بيتموه بالليل، وليس هو ابن الساعة، وأن إيمانكم الآن هذا الظاهري، لا، كذب أن قد بيتم هذا الأمر، وقد اتفقتم مع موسى قبل أن تأتوا إلى هذا المكان، قال: [إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ] هذا السحر الذي أخذتموه هو إنما أخذتموه من هذا، من موسى؛ فهذا هو صاحب هذا السحر هو الذي أخذ منكم تلاميذ عنده؛ ثم عند ذلك أصدر الحكم مباشرة حتى لا يدع إنسان يفكر [فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ] أصدر حكمه يعني أقام المحكمة، وأصدر الحكم النهائي خلاص، واختار لهم أسوأ أنواع العقوبة، وهو قال: [فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ] تقطيع الأرجل، والأيدى من خلاف يعني اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، أو العكس وذلك حتى يكون الإنسان على كلى جانبيه لا يستطيع أن يستريح على جانبه حتى يموت على هذا النحو؛ ثم لا يكتفي بهذا بل يصلبه على الرجل الواحدة الباقية في جذوع النخل، ولا يختار يعني مثلاً شجرة تسند، يسند هذا المقطوع اليد، والرجل ظهره إليه؛ فلا تؤثر فيه، لكن يصلب في جذوع النخل، وفي جذوع النخل كأنه يدخله فيها بأن إذا حزم فكذلك كرب النخل، ويعني شوكه يدخل كذلك في ظهره، أو بطنه عندما يصلبه على هذا التصليب، وتصليبه أن يكون مثل الصليب بأن يشبح فيها؛ فيربط جسده، وكذلك تشبح يداه؛ فيكون على هيئة الصليب.

 {........وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى}[طه:71] وَلَتَعْلَمُنَّ بهذا العذاب الذي سأنزله عليكم أَيُّنَا من هذا، أو من هذا الإله الذي يعني يدعيه موسى [أَشَدُّ عَذَابًا] لأعدائه وَأَبْقَى عذاباً أنا، أو هو، وهذا يدل على طغيانه جداً في الإجرام، والكفر، وتلفيق التهم، ويعني امتلاك، امتلك المشهد، كله كان متحول إلى الإيمان، وبإيمان هؤلاء السحرة لو أن الأمر سار على مساره لآمن كل الشعب، وذلك أنهم أيضاً أصلا خيروهم، قالوا يعنى إن تعالوا انظروا المباراة، والذي يغلب خلاص  {........وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[طه:64] والذي يغلب سيكون له الحق، لكن فرعون لما رأى أن أنه قد دحض باطله، وغلب. حول المشهد كله يعني هذا التحويل ثبت الله -تبارك وتعالى- السحرة على إيمانهم، وردوا على فرعون يعني ردا عظيما، قالوا أي السحرة {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:72] لَنْ التي تنفي كل الفعل في المستقبل [لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ] نؤثرك مثلاً أن نقدم عطائك، وقربك، وأجرك، وأن نبقى معك [عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ] قد جاءنا من البينات التي هي الأدلة الواضحات على أن هذه آية من الله -تبارك وتعالى- [لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا] والذي فطرنا كي يكون قسم منهم بربهم -سبحانه وتعالى- والله الذي فطرنا لا يمكن أن نؤثرك [عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ أو - لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا يعني على الله، أن نؤثرك على الله -تبارك وتعالى- فنقدم طاعتك على طاعة ربنا الإله -سبحانه وتعالى-[فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ] يعني أحكم بأي حكم تريد فينا القتل، الحرق، صلبنا في جذوع النخل، كل الذي في عندك من الإجرام، ومن العقوبة التي تريد أن تنزلها بنا؛ فأنزلها [فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ] سلموا أمرهم لله -تبارك وتعالى- وقالوا افعل بنا ما تستطيع، طبعاً هم لم يستطيعوا... مجموعة من السحرة، وهذا فرعون بجنوده، وأعوانه، وقواته، و... لا حيلة لهم في أن يصنعوا شيء؛ فاستسلموا لأمر الله -تبارك وتعالى- واستسلموا لقضائه، وقالوا لفرعون [فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ] أحكم فينا بأي حكم تشاء [إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا] حكمك فينا إنما هو للدنيا؟؟؟؟؟ ماذا تملكنا ، تملك أن تصنع فينا إلى أن نموت بعد أن نموت خلاص فررنا منك، وذهبنا إلى ربنا، وإلهنا، ومولانا -سبحانه وتعالى- {.......فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:72] قضاؤك إنما هو في هذه الدنيا، ولكن في الآخرة القضاء سيكون عليك يعني قضاء الرب -سبحانه وتعالى- هو الذي سيكون عليك، ولا يكون عليك حكم بعد ذلك، ونحن نكون قد فررنا بأرواحنا إلى ربنا، ومولانا -سبحانه وتعالى- [إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا] خلاص يعني كلام لا رجعة فيه [إِنَّا تاكيد آمَنَّا بِرَبِّنَا صدقنا ما جاءنا من الله -تبارك وتعالى- وأيقنا بذلك، وخفنا الله -تبارك وتعالى- ورجوناه، وسرنا على  طريقه [إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا] إلهنا، ومولانا الرب السيد، المالك، الخالق -سبحانه وتعالى- [لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ] تذكروا ماضيهم السابق في الإثم، والسحر، والكذب، والإفك[لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ] وهذا السحر الذي أكرهتنا عليه، إكراههم عليه قد يكون إكراه بالتهديد أنه أتى بهم هنا، وأنه جاؤهم بالتهديد، وجاؤهم كذلك بالوعيد؛ فجاءهم بالوعيد أن يملكهم، وأن يعطيهم، وأن يقربهم، وربما جاءهم كذلك بالتهديد بأن الذي يتأخر عن هذا الأمر ممكن أن يعاقب، وممكن، ممكن أن ينزل به بطشه {........وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:73] الله -سبحانه وتعالى- خير ؟؟؟؟؟؟ كل الذي تعطنا إياه لا شيء بما عند الله -تبارك وتعالى- خَيْرٌ وَأَبْقَى جزاء الله -تبارك وتعالى- أبقى لأن جزاؤه، وعطاؤه الجنة، والجنة باقية لا تنتهي.

 ثم من جملة قولهم {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74] إِنَّهُ الشأن، والحال مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا الذي يموت، ويأتي الله -تبارك وتعالى- مجرماً، يعني يموت، ويأتي الله يوم القيامة، وهو حال كونه مجرماً، مجرم هنا بالكفر، والعناد والصد عن سبيل الله [فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا] فإن له جهنم، وجهنم هذا السجن الذي أعده الله -تبارك وتعالى- لأعداءه، السجن الناري، كله من نار فراشه من نار {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ........}[الأعراف:41]  وحوائطه من نار [إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا] فالسرادق النار، وهو جدرانها قد أحاطت بهم من كل مكان؛ فهي سجن من نار كل ما فيه، ومقامع الحديد التي فيه، وأشجاره أشجار النار من نار، إنها شجرة شجرة الزقوم {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] فهي تنبت في أصل النار {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65] {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66]{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67]{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:68] الماء الذي يشربونه ماء بارد يشربونه، بل ماء حميم واصل حده في الحرارة، فقد غلا بهذه النار حمى بها حتى وصل حده في الحرارة، وهو ماء ليس ماء شفافاً خفيفاً كماء الدنيا قوامه، لا ماء غليظ، ماء كالمهل، كالمعدن المذاب، يشوى الوجوه، فهذه جهنم [ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا] لا يموت؛ فيستريح، ولا يحيا حياة نافعة تسمى حياة، بل هو في عذاب دائم، كما قال -جل وعلا- [وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ] كل سبب من أسباب العذاب في النار كاف للموت، النار وحدها تكفي أن يوضع فيها من يوضع فتقتله، وتذهب روحه لكن ما يموت [كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ] فالسبب، الموت سبب يعني النار سبب ممكن أن يؤدي إلى الموت لكن لا يموت به، وهذا الماء الذي يشربه، ويتجرعه، ولا يكاد يسيغه سبب للموت، لكن لا يموت يقطع أمعائهم لكن لايموت [فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا ] لا يموت؛ فيستريح، ولا يحيا حياة نافعة.

 {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى}[طه:75] وأما من جاء الله -تبارك وتعالى- مؤمناً حال كونه مؤمناً، مؤمن بالله -تبارك وتعالى- إيمانه بالله التصديق يعنى الإيمان بالغيب، تصديقه لموعود الله -تبارك وتعالى- والعمل بمقتضى هذا التصديق قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ دائماً يقترن هذا، دائما يقترن هذا في الجزاء، لا بد يقترن الإيمان، والعمل الصالح الصَّالِحَاتِ جمع صالحة، وهى كل عمل صالح، وكل شعب الإيمان عمل صالح «الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»  كل عمل الإيمان عمل صالح  الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والصدق، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود؛ فهذه كلها أعمال الصالحات [قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى] فأولئك، واشارة للبعيد تنويهاً، وإعلاءً لشأنهم [لَهُمُ] لهؤلاء الدَّرَجَاتُ الْعُلى الدرجات في الجنة، الدرجة منزلة [الْعُلى] العالية في الجنة، كما قال الله، ووصف الجنة، قال {........جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}[الحاقة:22] فهي عالية، سامية، في السماء، في علو السماء سقف الجنة عرش الرحمن -سبحانه وتعالى- [جَنَّاتُ عَدْنٍ] جنات عدن، الجنات بساتين، الجنة هي البستان [عَدْنٍ] إقامة يعني أنها بساتين الرب -سبحانه وتعالى- وقد جعلها مقيمة، لا تنتهي، ولا يرحل أهلها؛ فهي لا ترحل، وأهلها كذلك لا يرحلون، ولا يسافرون، ولا يموتون، ولا ؟؟؟؟؟؟؟ [جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] من تحتها تحت قصورها، ودورها، وخيامها، وتحت كذلك السائرين فيها؛ فهي تحت أشجارها؛ فالأشجار تسير الأنهار تتفجر الأنهار تحت الأشجار، وتحت القصور [تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] من تحت هذه الأشجار [خَالِدِينَ فِيهَا] ما كثين فيها مكثاً لا ينقطع، الخلود أصل الخلود هو البقاء، خالد الخالد هو الباقي . وهنا هذا الخلود في الجنة خلود لا ينقطع يعني مكث طويل ليس له حد ينتهى عنده [وَذَلِكَ] يعني هذا المذكور من هذه النعم {........جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى}[طه:76] جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى جزاء عطاء من الله -تبارك وتعالى- مجازاة من الله، وعطاء من الله -تبارك وتعالى-  يعطيها [مَنْ تَزَكَّى] تزكى تطهر، الزكاة الطهارة تطهر من الأدناس، وأعظم الأدناس هو الشرك، الشرك بالله -تبارك وتعالى- أعظم دنس[ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ] لأنه تنجيس للقلب، لأنه كل شرك إنما يقوم على الكذب أولاً بأن لله ندا، له شريك، له يعني هناك من يستحق أن يعبد معه هذا  كذب؛ فإن الله ليس له شريك -سبحانه وتعالى- يقوم على الكذب؛ ثم يقوم على الجحود، وجحود الرب -سبحانه وتعالى- لأنه إذا صرف العباده لغيره؛ فقد جحد حق الرب -جل وعلا- فهو جاحد، ولم يقم أيضاً بما أمره الله -تبارك وتعالى- ثم إن الشرك لا شك أنه يولد المعاصي يولد المعاصي، والخساس؛ فيولد أولاً معصية الرب -تبارك وتعالى- في أمره لعباده، وفي نهيه عما نهاه عنه عباده، أما هؤلاء من أن أشركوا بالله -تبارك وتعالى- وجعلوا إله مع الله يشرع لهم، يأمرهم، ينهاهم، يتقربون إليه لا بد أن يشرع لهم الحرام، وعلى غير عكس مرضاة الرب -تبارك وتعالى- وتشريع الحرام، الحرام نجس، كل ما حرم الله -تبارك وتعالى- لا شك أنه ينجس، ينجس النفس، وكذلك هو نجاسة في ذاته، وفي ما يستتبعه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ........}[النحل:90] كل ما نهى الله -تبارك وتعالى- عنه، إنما هو أمر فاحش، وأمر منكر، وبغي، وظلم، وعدوان؛ فلذلك الدين زكاة، الدين الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- لعباده زكاة، وطهارة، وعكسه النجاسة؛ فقالوا ذلك، يعنى فأولئك لهم [وَذَلِكَ] الدرجات العلى، جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار، خالدين فيها.

 كل هذا [جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى] بالإيمان، والعمل الصالح، من تزكى بالإيمان، والعمل الصالح؛ فزكت نفسه؛ فهذا جزاؤه عند الله -تبارك وتعالى- وكان هذا كلام هؤلاء السحرة الذين كانوا قبل دقائق من كلامهم هذا مجرمين، عتاة، متآمرين، مع فرعون على أن يبطلوا يعني برهان الرب -تبارك وتعالى- وآياته، وإذا بهم بعد أن تجلت لهم آيات الرب -تبارك وتعالى- وعلموها انقلبوا هذا الانقلاب الكامل، وتحولوا من الكفر إلى الإيمان، وتركوا هذا المعسكر، وتحملوا في سبيل ذلك ما توعدهم به فرعون من التقتيل، والنكال، ولكنهم صمدوا لذلك، وصبروا، وهذه ظاهرة من يعني ظواهر الإيمان لعلها لم تتكرر في التاريخ كله إيمان السحرة الفجائي، والعجيب بهذا النحو، وثباتهم على الأمر، واستقرارهم عليه، وكان هذا من أعظم يعني الأدلة لقوم فرعون لو كانوا يعني يريدون الحق، ولكن مع العناد، ومع الاصرار، وظهور، ظهرت لهم هذه الآيات، ولم يؤمنوا بها؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، نقف عند هذا، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.