الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه:77-82].
يخبر -سبحانه وتعالى- أنه بعد أن ظهرت آية الله -تبارك وتعالى- وخذل فرعون، وانقلب السحرة إلى الإيمان ساجدين لله -تبارك وتعالى- عندما تبين لهم أن الآية التي مع موسى آية من الله -تبارك وتعالى- وليست سحراً كما كان يظن، ويتهمه من يتهمه، وأن فرعون بعد ذلك هددهم بالقتل، وقال: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:71-72].
بعد أن ظهرت هذه الحجة فرعون طبعاً قلب المشهد كله لغطرسته، وكبريائه، وأنه الإله الواحد، وبدأ، تهدد هؤلاء السحرة على هذا النحو، وأن هذه مؤامرة إنما هي قد حاكوها هم، وموسى قبل ذلك، وأنهم أرادوا أن يضلوا الشعب بهذا، وللأسف أنه لما قال هذا رضي الناس عنه، ووافقه الناس كما قال -سبحانه وتعالى- { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }[الزخرف:51-54] خطب فرعون هذه الخطبة، وقال أنا خير من موسى، وعقد مقارنة بينه، وبينه، وهدد هؤلاء الذين آمنوا، وانجلى الموقف بعد ذلك أن هذه الآية الظاهرة، البينة طبعاً افلحت في ظهور الآية، والحجة على الجميع آمن السحرة، وأخذوا طريقهم إلى الرب -سبحانه وتعالى- هل نفذ بعد ذلك فرعون فيهم وعيده بأن قتلهم كما قال، أم لم ينفذ هذا أمر مسكوت عنه لكن تهددهم بهذا ربما ماتوا بعد ذلك شهداء لله -تبارك وتعالى- ونالوا ما عند الله -تبارك وتعالى- من الأجر، والمثوبة لم يستطع فرعون أن يلاحق موسى بعد ذلك بقتل، ولا بتهديد، وعند ذلك أوحى الله -تبارك وتعالى- إلى عبده موسى إلى أن يعد العدة، وبنوا إسرائيل جميعاً ليخرجوا من أرض مصر، وليخرجوا ليلاً دون أن يحس بهم يعني أهل مصر، واعدهم يوم على هذا النحو يخرج الجيمع، يتهيأ الجميع، ويخرج يعني ينهي أشغاله، وأغراضه؛ ثم يخرج الجميع في ليلة واحدة متوجهين إلى جهة البحر ليعبروا البحر إلى يعني خارج مصر، قال -جل وعلا- [وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي] السري هو الذهاب ليلاً، وعباد الله تبارك وتعالى هنا هم بنو إسرائيل الذين آمنوا به، وأتى موسى عليه السلام ليخلصهم، ويخرجهم من هذا الذل الذي هم فيه [فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا] اضرب لهم طريقا في البحر، وهذا الطريق يبس يعنى أنه جاف، اليابس هو الجاف، وهذا معجزة متعددة الجوانب من معجزات الرب -تبارك وتعالى- فكيف يضرب طريق في البحر، وتكون المياه على الجانبين، وباطن البحر، قاع البحر إنما هو مليء بالطين، وحال البحر هو ... يخبر -سبحانه وتعالى- أنه سيكون طريقاً يابساً [لا تَخَافُ دَرَكًا] من العدو دَرَكًا يعني أن يدركك جند فرعون {........وَلا تَخْشَى}[طه:77] ولا تخشى شيء يعني من البحر، ولا من أي أخطار؛ فإن الله -تبارك وتعالى- سيحفظهم، وينجيهم، قال -جل وعلا- {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[طه:78] فصل الله -تبارك وتعالى- هذا الأمر، وهو أن بنو إسرائيل لما خرجوا ليلاً، وقام يعنى الفراعنة من نومهم؛ فوجدوا أن بنوا إسرائيل قد خرجوا بكليتهم، ولا حس لهم، ولا أثر؛ فعند ذلك اغتاظ فرعون غيظاً شديداً، وكان يمكن أن ينتهى الأمر عند هذا الحد لو أنه مكث لكنه يعني أراد أن يعني رأى أن هذا يعني يفقده كبريائه، وغطرسته، وأنه هو الإله ... وكيف يخرج هؤلاء على هذا النحو سالمين دون أن يبقيهم في ذله، وقهره.
فعند ذلك أرسل قال -جل وعلا- {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء:53] وذلك ليجمعوا الناس، قال: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}[الشعراء:54]{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ}[الشعراء:55]{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[الشعراء:56] علماً أن الأمر يعني لا حذر بعد ذلك؛ فإنهم قد خرجوا، وذهبوا؛ فيذهبوا كان المفروض أن يقول؛ فليذهبوا إلى حيث شاؤا، وتخلصنا منهم، لا، قال نحن{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[الشعراء:56] وكأنه هدد الناس أنهم سيتجمعون؛ ثم يعودون مثلاً؛ فيغظونهم مرة ثانية إذا لا بد أن نذهب في إثرهم، ولنأتي بهم مرة ثانية إلى الذل، والقهر، وكان هذا يعني الذي فعله فرعون بكيده، ومكره، وكبريائه، وغطرسته إنما هو من تدبير الرب -تبارك وتعالى- ليخرجه من أبهته، ومكانه، وملكه ليذله أعظم ذل؛ فيلقيه هو، وجنوده فى البحر، قال -جل وعلا- {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الشعراء:57]{وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}[الشعراء:58] أخرجه الله -تبارك وتعالى- بهذه الطريقة بما كان في قلبه من الغيظ، ويعنى الكبر أخرجه الله -تبارك وتعالى- جعل الله -تبارك وتعالى- هذا سبب لأن يجمع جموعه، ويجمع جنوده، وأن يخرج في إثر بني إسرائيل، قال -جل وعلا- [فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ].
قال -جل وعلا- {........فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[طه:78] طوى الله -تبارك وتعالى- صفحة الأحداث، وبينها هنا بسرعة، قال: فَغَشِيَهُمْ يعنى بسرعة أن غشيهم من اليم، الغاشية هي التغطية، غطاهم من اليم، البحر مَا غَشِيَهُمْ يعني الذى غشيهم، والذي غشيهم أشياء كثيرة الماء بلجته، حال البحر، وطينه، وتهاويله، وحيتانه يعني البحر جائهم بكل ما فيه ليغشاهم هذا مع النكد، والغم، والغيظ كل هذا غشيهم في وقت واحد، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- بتفصيل ذلك، وأن موسى، وقومه عندما انفصلوا عن أرض مصر، وذهبوا إلى جهة البحر، والبحر هنا هو البحر الأحمر، {........قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:61] أصحاب موسى قالوا لا، يعنى لا نجاة لنا؛ فهذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد أتى بجنوده خلفنا سيحيطوا بنا، ويرجعونا مرة ثانية إلى الذل، والقهر، والعبودية؛ فعند ذلك قال موسى {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:62] قال -جل وعلا- [فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ] قال -جل وعلا- {........فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[الشعراء:63] كل فرق من البحر [كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ] كالجبل العالى العظيم {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء:65] دخل موسى عليه السلام هو، وقومه في هذا الطريق الواسع، طريق لا يقول ... [فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا] ليس زقاق، ويعني ضيق يعبرونه، لا، بل طريق في البحر يبسا [لا تَخَافُ دَرَكًا] من عدو [وَلا تَخْشَى] آية عظمى من آيات الله -تبارك وتعالى- يعني تفطر القلب الذى يقدر آيات الله -تبارك وتعالى- وقدرة الله -تبارك وتعالى- على الخلق فهذا البحر المائع بضربة هذه العصى هذا أمر فقط، لا، ليس سبباً من الأسباب التي جعلها الله -تبارك وتعالى- تؤدي إلى هذه النتيجة، وإنما هى إشارة فقط، وقدرة الرب -تبارك وتعالى- هي التي أثرت هذا التأثير، وشقت البحر على هذا النحو لينزاح عن الطريق، وليقف، ولتقف لجة الماء وقوف، كالسد المنيع لا تتحرك فهذا البحر المائع يقف على هذا النحو، وهذه قدرة، قدرة الرب -جل وعلا- أقول آية عظمى من آيات الله -تبارك وتعالى- كان المفروض يعني لفرعون أنه عندما يرى، رأى هذه الآية أن يقول هذه لا يمكن أن يفعله سحر , السحر لا يفعل هذا، هو رجل خبر السحر، وكان ملكاً، والسحرة حوله، ويستعين بهم، وهم يعني من جنوده لا السحر أمر معروف، والساحر قدرته، الساحر لا يغير شيئاً، ولا يقلب الأعيان كان المفروض أن يعلم أن هذه آيات الله -تبارك وتعالى- وقد علم لكن ؟؟؟؟؟؟؟ البصائر خلاص كما قال له موسى قبل ذلك {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ........}[الإسراء:102] يعني الآيات التي مع موسى {........إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}[الإسراء:102] لا بد تهلك؛ فكان هذا ثبوره أنظر كيف غمي عليه، غطى على عينه يعني سار الأمر في حتفه سيظل فيه على هذا النحو، ودخل، رأى بني إسرائيل دخلوا في هذا الطريق فى البحر؛ فكذلك اقتحم البحر خلفهم بهؤلاء الجنود الذين يسيرون كذلك عميان وراء هذا القائد المجرم الذي يقودهم إلى الهلاك، والدمار، كما قال -جل وعلا- {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ}[القصص:41] فهو إمام يدعو قومه إلى النار، والعذاب على هذا النحو، ولا يفيد أن يرى ما يرى من الآيات، قال -جل وعلا- [فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ] أتبعوهم إلى الدخول يعني خلفهم في البحر، قال -جل وعلا- {........فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[طه:78] فصل الله تبارك وتعالى هذا، وهو أن موسى عندما نظر خلفه ليرى هذه الجموع كذلك فرعون مندفع فخشي؛ فأراد أن يضرب يعني البحر بعصاه يطبق عليهم حتى يجعل فاصل بينه، وبينهم؛ فقال له الرب -تبارك وتعالى- {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ}[الدخان:24] أنت سر، وأترك يعني هذا الأمر [إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ] يعني لا بد أن يدخلوا حتى يغرقهم الله -تبارك وتعالى- {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[طه:78] وهذا تعبير الرب -تبارك وتعالى- بقوله: [فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ] تجهيل الذي غشيهم، وتعظيم ما غشيهم ليبين أن الإجمال، والتجهيل هنا أكثر يعني تهويل، وهذا من التفصيل؛ فالذي غشيهم هذا لا شك ليذهب يعني الفكر كل مذهب فيما غشيهم، ومعلوم أن الذي غشيهم الماء الذي غطاهم، الطين، وقد جاء في الحديث أنه حال البحر كذلك، أوحى له، وذلك عندما جاء في الحديث أن فرعون لما أطبق البحر عليه، وبدأ يشرب من الماء، وأدركه الغرق قال: [آمنت أنه لا إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل، وأن من المسلمين]؛ فكان جبريل يأخذ من حال البحر، ويدس في فمه يريد أن لا يكمل قوله حتى لا تدركه رحمة الله -تبارك وتعالى- من تغيظ جبريل على هذا المجرم الذي فعل كل هذه السلسلة الطويلة من الإجرام، وهذا من جملة ما غشيهم [فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ] اليم البحر [مَا غَشِيَهُمْ].
قال -جل وعلا- {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}[طه:79] أضلهم من البداية، وكان يمكن، وقد رأى الآية أمامه، آية موسى، ودعوته الكريمة له إلى الإيمان، لو أنه آمن، وقال نعم هذا هو الحق، وأنت رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله لكان قاد قومه إلى السعادة، وإلى الجنة، وإلى الاستقرار، وإلى ثبات ملكه، واستقراره وكل الخير يعني الذي يتأتى بعد ذلك من وراء الإيمان، لكنه اتخذ طريق العناد، اتخذ طريق العناد، والمعاندة، والكبرياء، والتعالي على أمر الله -تبارك وتعالى- فكان من أمره ما كان إنه أصبح قائدا، وإماما لقومه لكن إلى النار [وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ] بهذه السلسلة الطويلة من الكذب عليهم، وإضلالهم عن حقيقة الأمر [وَمَا هَدَى ] ما هداهم إلى طريق الرشد، وكان في مكنته لو أراد، وقد علم الحق، وعلم أن هذه آية الله -تبارك وتعالى- أن يقود قومه كذلك إلى الهداية، ولكنه ضل، وأضل من خلفهم.
انطوت صفحتهم وبدأ الله -تبارك وتعالى- يوجه الخطاب إلى بنى إسرائيل أولاد يعقوب؛ فقال: [يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ] هذا تذكير من الله -تبارك وتعالى- إلى بني إسرائيل يناديهم الرب -سبحانه وتعالى- هذا نداء مباشر منه -جل وعلا- إلى بني إسرائيل [يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ] قد للتحقيق [أَنجَيْنَاكُمْ] النجاة هنا ضد الهلاك [مِنْ عَدُوِّكُمْ] عدوكم فرعون الذي أراد بكم الضر على هذا النحو أنجاكم الله، أولاً من أسره، وذله، وقهره، والعبودية التى كنتم فيها عنده، وكذلك أنجاهم الله -تبارك وتعالى- من القتل، وأن يرجعوا مرة ثانية كل هذا قد أنجاهم الله -تبارك وتعالى- .
{........وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}[طه:80] وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ كانت هذه موعدة الرب -تبارك وتعالى- للقائد الذي يقودهم، والمخلص الذي يخلصهم، وهو موسى عليه السلام؛ فإن الله -تبارك وتعالى- جعل له موعدة في هذا جانب الطور الأيمن حيث حمله الله -تبارك وتعالى- هذه الرسالة ليكون مخلصاً لهم [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى] عندما خرجوا إلى البرية، برية سيناء ؟؟؟؟؟ صحراء، الشمس فوق رؤسهم، والأرض أرض رملية قاحلة، وهيأ الله -تبارك وتعالى- لهم أن يعيشوا في هذا المكان القفر يعني العيشة الطيبة؛ فظلل عليهم الغمام، وأرسل لهم المن، وهو عسل رُب ينزل ليلاً على الأشجار، وعلى الصخور؛ فيجمعونه على هيئة الدقيق، وهو حلو مثل العسل؛ فإذا صادوه، وخلطوه بالماء أصبح شراب، وكذلك تأتيهم السلوى، وهي طيور السماني تأتيهم لا تفر منهم يصطادونها بغير كلفة؛ فيأخذونها، ويأكلون لحمها {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}[طه:80] العسل، واللحم أفضل، وأشرف أنواع الأطعمة، وكل هذا يأتيهم بلا كلفة، ولا سعي، ولا ترويض نحل، ولا تربية هذه الطيور، إنما تأتيهم بدون كلفة لا تفر منهم [كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ] كلوا أمر من الله -تبارك وتعالى- للإباحة، وبيان النعمة مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ من هذه الطيبات لا أطيب، ولا أفضل من هذا الطعام الذى يأتيهم على هذا النحو.
{........وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}[طه:81] وَلا تَطْغَوْا فِيهِ في هذه الطيبات من الطغيان، كراهته، والتعري عنه، وقد فعلوا، ومن الطغيان كذلك اكتنازه، وخزنه؛ فإن الله لم يأمرهم بخزن، ما يحتاجون أن يخزنوا لأن هذا يأتيهم كل يوم كل يوم يأتيهم رزقهم على هذا النحو العسل الرُب هذا الموجود المن، والسلوى التي تأتيهم كل يوم الطيور تأتي لكنهم يعني الله نهاهم أن يكتنزوا، ويدخروا للأيام القادمة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- قد تكفل لهم بهذا الأمر يعنى يومياً؛ فكانوا يأخذوه، وكذلك يخفونه يخبئونه؛ فضرب الله -تبارك وتعالى- هذا اللحم الذي يخبئونه بالنتن، وكان هذا بداية ظهور انتان اللحم في الأرض قبل هذا كان اللحم إذا بقى لا ينتن لكن لما فعلوا بني إسرائيل على هذا النحو عوقبوا بهذه العقوبة؛ ثم أصبحت عقوبة يعنى سائرة في الأرض، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- « ولولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم» وخنزه هو ظهور يعني النتن، ورائحته يعني المنتنة الخبيثة عندما يعني يمكث مدة في الأرض « لولا حواء لم تخن أنثى زوجها قط، ولولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم»
[كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ] لا تطغوا بنعمة الله -تبارك وتعالى- كان ظهر للأسف طغيانهم، طغيانهم بأنهم قالوا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ........}[البقرة:61] قالوا هذا طعام واحد، وهذا متكرر، كل يوم أمامنا فقط إلا هذا نحن نريد، قالوا أنت أتيت لنا هذا قالوا كما جاء في التوراة أخرجتنا من أرض مصر، وكنا الآن نجلس، والقدور تفور باللحم عندنا ما عندنا، وقالوا: [وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ] فالله وعظهم في هذا الطعام الذي أعطاهم إياه، وكان الله -تبارك وتعالى- هيأ لهم هذا، لما امتنعوا عن الدخول؛ فبقيوا أربعين سنة، حكم الله تبارك وتعالى عليهم بأن يبقوا في أرض سيناء أربعين سنة يتيهون في الأرض، قال: [قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ] التي هيا أرض فلسطين {........أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[المائدة:26] قال الرب -تبارك وتعالى- {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي........}[طه:81] يحل الحلول هو الحدوث، والنزول، واستقرار يأتيكم غضب الله -عز وجل- {........وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}[طه:81] من يحل عليه، ويهبط، وينزل عليه غضب الله -تبارك وتعالى- فَقَدْ هَوَى هلك، الهوى هو الذهاب، والهلاك؛ فهذا تحذير لهم أن يأخذوا نعمة الرب -تبارك وتعالى- وأن يشكروه عليها -سبحانه وتعالى- ولا يطغوا فيما رزقهم الله -تبارك وتعالى-.
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه:82] كما أن الله -تبارك وتعالى- يعاقب، ويغضب على العاتي، العاصي، المعاند؛ فإنه -سبحانه وتعالى- غفار وَإِنِّي لَغَفَّارٌ غفار كثير المغفرة، وأصل الغفر هو الستر يعني أنه يستر العيب، عيب من يأتيه، ويطلب منه -سبحانه وتعالى- ويطلب منه الستر، والمغفرة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يستر هذا العيب ويحاسبه به -سبحانه وتعالى- [لِمَنْ تَابَ] تاب رجع يعني من رجع إلى الله -تبارك وتعالى- عن ذنبه، وأناب إلى الله -عز وجل- فأن الله -تبارك وتعالى- يزيل، ويغفر، ويستر يعني هذا الذنب الذي سلف منه تَابَ وَآمَنَ آمن بالله -تبارك وتعالى- وَعَمِلَ صَالِحًا لأن هذه هي يعني أركان التوبة، أركان التوبة أن يقلع عن الذنب، يكون مؤمناً بالله -تبارك وتعالى- عازم على أن يتمسك بالحق ثم بعد ذلك يصلح يعني في عمله [وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى] ثم اهتدى استقام على أمر الله -تبارك وتعالى- هذه هي شرائط التوبة، وأدلة أن هذا الذي تاب قد تاب حقاً، وصلح حاله {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه:82] خرج بنو إسرائيل من أرض مصر، أنجاهم الله تبارك وتعالى من قوم فرعون أسكنهم الله -تبارك وتعالى- في برية سيناء في البر رزقهم الله -تبارك وتعالى- ما رزقهم بهذا الرزق، هيأ لهم يعني حياة طيبة، كريمة في هذا المكان القفر في الصحراء الغمام متواصل يظلهم، الماء يتفجر بضرب موسى عليه السلام للحجر؛ فينفجر من الحجر أثني عشر عينا لكل قبيلة منهم، ولكل سبط من أسباط عين خاصة ليكون هذا أدعى إلى الأنس، والراحة في أن الإنسان هو، وأقاربه يشربون من عين خاصة حتى لا يختلطوا بكليتهم على الماء؛ فيكون هذا لكل قبيلة عين ماء خاصة تشرب منها؛ ثم طعامهم الذي يأتيهم عسل، ولحم بدون كلفة؛ فهيأ الله -تبارك وتعالى- لهم يعني سبيل العيش في هذا المكان على أفضل، وأتم الوجود.
ثم إن الله -تبارك وتعالى- واعد موسى موعدة لينزل عليه التوراة، ويعلمه، ويربيه، فترة تربية، وتعليم التي تكون هذه تأهيل له للتربية الجديدةو، وقيادة بنى إسرائيل، وتربيته؛ فهو الرسول المعلم، موسى ترك قومه وسارع إلى وعد الرب -تبارك وتعالى- يعني قبل أن يحين الميعاد الذي وقته الله -تبارك وتعالى- له، فقال له الرب -جل وعلا- {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى}[طه:83] ما أعجلك يعني بالمجيء إلى وعد الرب -تبارك وتعالى- كما قال -جل وعلا- {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً........}[الأعراف:142] يعني ليخلو بالرب -جل وعلا- وعده [وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً] قال -جل وعلا- مخاطباً موسى {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى}[طه:83] [عَنْ قَوْمِكَ] الذين هم بنى إسرائيل ما أعجلك بالمجيء، وتركت قومك يعني خلفك، وجئت [يَا مُوسَى] نداء من الله {قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه:84] [هُمْ أُوْلاءِ] يعني هؤلاء قومي [عَلَى أَثَرِي] يعنى يسيرون على أثري في المجيء إلى المكان [وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى] وعجلت إليك جئت قبل الميعاد الذي وقته من باب المسارعة إلى الله -تبارك وتعالى- شوقاً إلى الله -تبارك وتعالى- ورغبة في سماع كلام الرب -تبارك وتعالى- واشتياقاً إلى هذه الموعدة التي وعده الله -تبارك وتعالى- بها، وفي ظني أن هذا أنه سعيٌ في رضوانك {قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه:84] أي لترضى عني في أن أتيت مسرعاً إلى ميعادك،.
نقف هنا إن شاء الله، ونكمل في الحلقة الآتية. وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله محمد.