الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 . 26 نوفمبر 2024

الحلقة (376) - سورة طه 82-96

الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبد الله، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}[طه:90]

 يخبر -سبحانه وتعالى- أنه نادى عبده موسى عليه السلام عندما أتى إلى موعدة الرب -تبارك وتعالى- قبل الميعاد الذي وقته الله -تبارك وتعالى- فارق بني إسرائيل تركهم في رعاية أخيه هارون النبي، ووصاه بهم، وأتى  موسى إلى الميعاد الذي كان الله -تبارك وتعالى- قد ضربه له ثلاثين ليلة يبقى، يخلو، وأتم الله -تبارك وتعالى- هذا الميعاد بعشر كذلك؛ فأصبحت أربعين ليلة، كما قال -جل وعلا- {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف:142] هذه وصية موسى لأخيه هارون [اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي] كن خليفة يعني قائم برعاية، وقيادة بني إسرائيل في غيبتي هذه [وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ] إياك أن يأتونك عمل المفسدين؛ فلا تتبع هذا السبيل تمسك بالحق الذي يعني هو عليه؛ فيخبر -سبحانه وتعالى- أنه قال لموسى الذي قدم، وتقدم على ميعاد الرب {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى}[طه:83]{قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي........}[طه:84] [هُمْ أُوْلاءِ] يعني قومه الذين هم بني إسرائيل {........عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه:84]  يعني أتيت لميعاد قبل وقته ليكون هذا في رضاك، مسارعة إلى مرضاة الرب -تبارك وتعالى-

 قال، أخبره الله -تبارك وتعالى- [قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ] اختبرناهم، وفتنا في هذه الفتنة ما فتن [قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ] قومك الذين هو بنو إسرائيل، فتنهم الله، اختبرهم الله -تبارك وتعالى- اختبار {........وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}[طه:85] السامرى قد أضلهم، وهو أحد بني إسرائيل.

قال -جل وعلا- [فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا] لما أخبر بهذا الخبر بعد هذه الموعدة، وأخذه ما أخذ من كتاب الله -تبارك وتعالى- وصاياه التي كتب الله -تبارك وتعالى- له هذه الوصايا في ألواح من الطين مكتوبة في السماء ونزلت عليه، أخذ موسى الألواح، ورجع إلى قومه، وأخبره الله -تبارك وتعالى- بما صار في غيبته عند قومه حتى لا يفاجأ بالأمر، ويستعد لهذا الحدث العظيم؛ فأخبره الله بهذا؛ فرجع، وهو غضبان، غضبان هنا بغضبان مليء بالغضب، قد امتلأ غضباً، وأسفا،ً آسف أن يقع قومه في هذه الفتنة، وأن يسقطوا فيها هذا السقوط لما وصل موسى، ورأى الأمر على هذا النحو نادى قومه قال: [أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا] ذكرهم هنا بموعود الرب -تبارك وتعالى- وأنه وعدهم وعداً حسناً بالنصر، والتمكين، وإقامة دولة، وأمة عابدة لله -تبارك وتعالى- وأن يزيل عدوهم، وأن يملكهم أرض فلسطين [أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ] طال عليكم عهد الله -تبارك وتعالى- وتأخر تنفيذ هذا  فبدأتم بإخلاف وعدكم مع الله تبارك وتعالى أن تكونوا على الدين، وعلى الإيمان، وعلى التقوى لتنالوا موعده، ورضوانه.

 [أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ]  أم أردتم أن يحل عليكم غضب من الله -تبارك وتعالى- بوقوعكم فيما وقعوا فيه من هذا الشرك الشنيع {........فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي}[طه:86] أخلفتم موعدي الذي واعدتكم به أن تسيروا على أمر الله -تبارك وتعالى- وتستقيموا عليه، ولا تحدثوا حدثاً حتى آتيكم، وتسيروا على ما تركتكم عليه من الإيمان، والعمل الصالح.

 {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}[طه:87] هناك بدأوا يعتذرون عن الأمر هذا الذي وقع، وأن هذا كأنه فوق إرادتهم، وفوق طاقتهم، وبدأوا يشرحوا ما الذى فيه [وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ] حملنا بالبناء بالمجهول، ولا شك أنهم هم الذين حملوا هذا لكن يبدوا أن هذه المقالة انتشرت فيهم، كما جاء في التوراة أنهم لما عزموا على الخروج من أرض مصر أرادوا أن يسلبوا المصريين ذهبهم عند الخروج؛ فذهبت كل امرأة منهم، امرأة من بني إسرائيل يعني نساء الفراعنة تطلب منها أن تعيرها ذهبها لتتزين في عرس، عندها هذا تتزين فيه؛ فتعطيها الفرعونية تعطيها يعني ذهب؛ فأخذوا ذهبهم؛ ثم بعد ذلك خرجوا به لعل هذا يفسر هنا قول الله -تبارك وتعالى-[وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ] سموها أوزار لأنها ذنوب [مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ] من ذهب القوم، ذهب القوم هنا القوم هنا يعني قوم فرعون [فَقَذَفْنَاهَا] فقذفناها ألقيناها، وكان هذا بأمر هارون أنه لما علم بعد ذلك هارون النبي أنهم قد معهم الذهب الذي سلبوه، وأخذوه من المصريين عند خروجهم، قال لهم إن هذا لا يحل لكم، لا يحل لكم الذي أخذتموه على وجه الغش لهم، وإذا كانوا كفارا لكن لا يجوز أن يؤخذ مالهم خلسة على هذا النحو؛ فألقوه قال لهم: ألقوه طبعاً هذا ما في سبيل لرده إلى قوم فرعون الذين غرق رجالهم، وبقي نساؤهم يعني في أرض مصر قال لهم: ألقوه؛ فألقوه قالوا: [فَقَذَفْنَاهَا] يعني ألقينا هذا الذهب من أيدينا، وقذفناه لأنه يعني لا يحل لهم.

 قال -جل وعلا- [فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ] السامري منهم رأى هذا الذهب أخذ هذا الذهب؛ فجمعه، وكان صائغاً؛ فصهره، يعني أخذه في النار، وصهره، وفي أثناء صهره كان قد رأى شيء من أثر جبريل عليه السلام، كانت الفرس التي يركبها جبريل كلما مست شيء من الأرض اخضر ما تحتها؛ فوجد يعني إنه أمر عجب؛ فأخذ شيء من أثر يعني جبريل، أخذ شيئاً من التراب أثر جبريل، أخذه، وأبقاه معه؛ ثم جاءت فكرة عندما ألقى يعني في الذهب هذا أخذ هذه القبضة، وألقاها في هذا الماء الذهب؛ ثم صنع به أخرج بعد ذلك صنع من هذا الذهب المتجمع صنعه على شكل عجل البقر، والبقر هم حيوان بني إسرائيل المفضل؛ فصاغه من صورة عجل من عجول البقر أراد الله تبارك وتعالى أن يختبرهم؛ فالعجل تحول إلى جسد، وله حركة، وله خوار، حي يعني دبت فيه الحياة علماً أنه مصنوع من الذهب، ولكنه دبت فيه الحياة، وطلع عجل ذهبي يبرق، يلمع، وله هذا الخوار، وله هذه الحركة؛ ففتنهم، فتنهم، وقالوا هذا يعني هو الله، قال -جل وعلا- [فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ] ألقى السامري ما أخذه، كما سيأتي في قول الله -تبارك وتعالى- قال {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}[طه:95]{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ........}[طه:96] أنا رأيت شيئاً لم يبصر به غيرى [فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ] أخذت قبضة من أثر الرسول، والرسول الذي جائهم هو جبريل عليه السلام الذي قاد مسيرتهم ليخرجهم من أرض مصر [فَنَبَذْتُهَا] فنبذتها نبذها في هذه الجفنة، الجفنة التي يصهر فيها الذهب {.......وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}[طه:96] وَكَذَلِكَ على هذا النحو سولت لي نفسي أن أفعل هذا، وكأن هذا ليكون يعني ليتم لهم هذا الاختبار، وهذا الابتلاء حتى لعلهم يعني يفرق، يفرق بين الإله الحق الذي لا إله إلا هو، وهذه المعبودات المصنوعة من يصنعها الإنسان.

 قال -جل وعلا- {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ........}[طه:88] أخرج السامري لهم عجلا، وكلمة عجل لا تقال إلا لذكر البقر الصغير الجسد، أكد الله -تبارك وتعالى- بأن هذا العجل جسد، وليس صنماً جماداً، وإنما جسد، والجسد لا يقال إلا للجسم الحي؛ ثم قال -جل وعلا-[ لَهُ خُوَارٌ ] له خوار، والخوار هو صوت البقر هذه التأكيدات، وذلك ليبين أنه كان فيه حياة، وليس مجرد تمثال ذهبي فقط جامد، لم يكن جامداً، كما قال بعض المفسرين أنه فقط أخرج لهم تمثالاً ذهبياً منحوتاً، وأما أنه [لَهُ خُوَارٌ] قالوا يعني إذا أدراه جعل فيه فتحة يعني من الفم، وفي الجوف، وفي الدبر بحيث اذا دخلت، وجهه وجهت جريان الريح؛ فإذا جرى الهواء من فمه، وخرج يقوم يخرج هذه الأصوات، هذا ليس بصحيح كل هذا ليس بصحيح، وإنما يعني كما قال الله -تبارك وتعالى- بهذا الوضوح، والتأكيد بأنه أخرج لهم جسدا حي لكنه هذا أصله من هذه الذهب، ومن الأثر الذي أخذه السامري من أثر جبريل، ووضعه في هذا السائل الذهب لتتم لهم الفتنة، والاختبار؛ فقالوا عندما أخرج هذا العجل على هذا النحو هذا إلهكم لما رأوه يعني هذا العجل اللامع، والمعمول من الذهب هذا إلهكم؛ فإنهم بعقولهم السخيفة،  وتصورهم المريض لم يشاهدوا في حياتهم شيء على هذا النحو العجل البقري من لحم، ودم، ومعروف إما أن يكون العجل بهذا الجمال ومن الذهب، وعلى هذا النحو، ويقفز هنا، وهناك يخرج هذه الأصوات طبعاً بهرهم، وبعقولهم الصغيرة، قالوا هذا إله، هذا هو الله الذى انقذنا، وأخرجنا من مصر، وجرت كل هذه الآيات جرت هنا، طيب موسى قالوا موسى نسي، نسي أن إلهه هنا، وإنما خرج ليبحث عنه في الجبل، والحال أنه هنا {........فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه:88] قال هذا من عجائب الأمر يعني كيف أمة، وشعب يجري الله -تبارك وتعالى- على أيدي رسولهم هذه الآيات، ويشاهدوا هذه الآيات الباهرات للرب -سبحانه وتعالى- عصا موسى، يده، انتصار هذه الآيات الباهرات على فعل السحرة ما ضرب الله -تبارك وتعالى- به يعني الفراعنة من أجلهم {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ.......}[الأعراف:133] آية الدم كان يراها كل أحد منهم، نساؤهم تذهب المرأة يعنى الإسرائيلية تغترف من ماء النهر في جرتها، في إنائها، وتذهب به إناء إلى بيتها، تذهب الفرعونية لتغترف من النهر؛ فإذا غرفت من النهر ماء؛ فإذا وضع في جرتها يصبح دما!! تقول الإسرائيلية ضعي لي من الماء الذي عندك في جرتي؛ فتصب لها؛ فإذا صبته ينزل ماء من جرة الإسرائيلية لكنه إذا وصل إلى جرة الفرعونية يصبح دماً.

 رأى هؤلاء بنو إسرائيل هذه الآيات الباهرات للرب الإله الذى لا إله إلا هو، خالق السماوات، والأرض، وقد جاء موسى برسالة يخبرهم أن الله هو خالق كل شيء، هو خالق السماوات، والأرض هو رب العالمين -سبحانه وتعالى- ثم كيف بعد ذلك يصنع لهم عجلا فيقولون أن هذا هو الله رب العالمين، رب السماوات، والأرض هذا في غاية العجب من عقول هؤلاء، وأعجب منه أنهم عندما خرجوا {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ........}[الأعراف:138] مباشرة حسدوا من رأوهم يعبدون الأصنام، والأوثان، وأرادوا أن يكونوا مثلهم، وطلبوا من رسولهم أن يصنع لهم آلهة مسبوكة يعبدونها كما هؤلاء الأقوام المشركون يعبدون أصنامهم فهذا أمر عجب من بني إسرائيل تدل على انحطاط عقولهم، وسخافة تصوراتهم، وعدم تفريقهم بين الرب الإله الذي لا إله إلا هو ملك السماوات، والأرض، خالق الكل، وبين هذه الآلهة التي لا تنفع، ولا تضر.

 قال -جل وعلا- [فَأَخْرَجَ] أي  السامرى [لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا] المجموعة هذه التي عبدت العجل، وفتنت به [هَذَا إِلَهُكُمْ] هذا بالإشارة له هذا المحسوس المرئي هذا إلهكم، معبودكم [وَإِلَهُ مُوسَى] ليس إلهنا فقط الذي نعبده بل إله موسى هو الذي أرسله، وهو الذي يعني إلهه {.......فَنَسِيَ}[طه:88] يعني أن الإله هنا، وذهب يخاطب الرب يظن أن الرب -تبارك وتعالى- سيخاطبه في الجبل.

 قال -جل وعلا- {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[طه:89] هذا سؤال ليبين التبكيت، والتأنيب، بيان فظاعة، فظاعة هؤلاء المشركون الجاهلون [أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا] إن هذا العجل لو كلموه، سلموا عليه لا يرد سلاماً كلموه بشيء ما يرد عليهم، لو طلبوا منهم هدى لا يهديهم، كيف يكون هذا إله، ورب، وهو أبكم لا يتكلم إلا بهذا الخوار، ولا ينفع عابده بشيء [أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا] إذا قالوا قول ما يرجع لهم القول هذا [وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا] ما يملك لهم أي ضر فما فيه ضرر, ولا نفع لا يستطيع أن ينفعهم بشيء أين الرب الإله -سبحانه وتعالى- خالقهم، ورازقهم، والذي أنقذهم من فرعون، وشق لهم البحر، كيف يكون هذا؟ كيف يجعلون هذا الرب الإله -سبحانه وتعالى- هو هذا المخلوق الخسيس الذي صنعوه بأيديهم هو إلههم، سبحان الله العظيم {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[طه:89].

 ثم قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}[طه:90]  يبين الله -تبارك وتعالى- مقالة هارون هنا الذي غلبه قومه يعني على أمره، وبدأ يخاطبهم، وأن هذا الأمر الذي يفعلونه أمر فظيع، قال لهم هارون النبي الذي معهم، الذي خلفه موسى ليكون خليفته عليهم [يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ] ياقوم يناديهم ياقوم نداء حبيب هو منهم، وهو أخوهم [إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ] إنما بالحصر [فُتِنتُمْ بِهِ] فتنة فتنهم شيطانهم، وعقولهم المريضة، وتصرفاتهم السخيفة به، بهذا الأمر [وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ] ربكم الذي يجب أن تعبدوه, الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء الخالق كل خلقه؛ فالرحمن صفة من صفات الرب -تبارك وتعالى- لأنه هو الذي خلق كل هذه المخلوقات وسعتها رحمته، ملك السماوات، والأرض -سبحانه وتعالى- [وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي] يعني لا تعبدوا هذا اتبعوني فيما أدعوكم إليه إلى أن تعبدوا إلهكم الرحمن -سبحانه وتعالى- {.......وَأَطِيعُوا أَمْرِي}[طه:90]  قَالُوا أي هؤلاء المشركون، الجاهلون الذين اندفعوا وراء هذه الفتنة بكليتهم [لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ] لا يمكن أن نتخلى عنه [لَنْ] التي تنفى فعل المستقبل [نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ] سنظل عاكفين على هذا العجل، والعكوف هو المكث المستمر حوله ليل، ونهار سنظل ليلنا، ونهارنا عاكفين على هذا؛ فقد شغفوا به، وأحبوه من كل قلوبهم, كما قال -تبارك وتعالى- [وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ] أشربوا في قلوبهم تشربت محبة هذا العجل في قلوبهم وصلت إلى أشغاف القلوب؛ فقالوا:[قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ] أن نتمسك به للنهاية لا بد من عكوفنا حوله؛ فما سهروا ليلهم عنده، ونهارهم باقون عنده حتى يرجع إلى مصر [حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى] ويعني كأنهم يخبرونه أن هذا هو الإله {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}[طه:91] وإذا كان عنده أمر آخر يخبرنا بهذا الأمر الآخر، قال الرب -سبحانه وتعالى- عن موسى {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا}[طه:92]{أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}[طه:93] كان أول توجه من موسى عليه السلام لهذا الأمر الفظيع الذي جاءه؛ فأحنقه حنقاً على حنق، وأغضبهع غضباً على غضب؛ فبدأ بأخيه [قَالَ يَا هَارُونُ] ناداه [مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا}[طه:92]{أَلَّا تَتَّبِعَنِ........}[طه:93] ما الذي منعك عندما رأيتهم قد ضلوا هذا الضلال بعبادتهم غير الله -تبارك وتعالى- وادعائهم أن هذا العجل هو الرب الإله -سبحانه وتعالى- [أَلَّا تَتَّبِعَنِ] فيما أمرتك به بالالتزام، بالحق، وعبادة الرب -تبارك وتعالى- والثبات عليه، وأن لا تتبع هذا سبيل المفسدين {.......أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}[طه:93] يعني هل عصيت أمري الذي أمرتك به؛ فبدأ هارون عليه السلام يعتذر لموسى, لأخيه [قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي] ناشده بالرحم، وقال: [يَبْنَؤُمَّ] أم أب واحد، وأم واحدة لكن ناشده بالأم لأن الأم أرحم، لأن الأم أبناء الأم أرحم يعني رحم الأم، التقاء الأخوة في الأم أكبر من التقاء في الأب لأنهم يعني مشتركون في رحم واحدة؛ فقال: [يَبْنَؤُمَّ] يا ابن أمي أنت أخي ابن أمي [لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي] وذلك أن موسى من غضبه أخذ أخاه يعني قابض عليه بشعر رأسه، وشعر لحيته يجره إليه كما قال -تبارك وتعالى- بأنه يعني أخذه يجره إليه؛ فقال له: لا تأخذ لا بلحيتى، ولا برأسى هذا الجذب هذه {........إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[طه:94] قال له: إني خشيت إن عاقبت هؤلاء، وأخذتهم بالنكال أن تقول لي فرقت بني إسرائيل، وشققت بني إسرائيل إلى شقين، ولم ترقب قولى فيهم بالإصلاح، وأن يبقى على وحدتهم، ولا يشق عصاهم حتى تأتي أنت, فأردت أن أبقي الأمر يعني على ما هو عليه وكان أنكر قولا، ولم ينكر بعد ذلك باليد يعني اكتفى هارون عليه السلام بأن أنكر لهم إنكاراً قولياً فيما فعلوه، ولم ينكر باليد لأنه خشي أن ينكر باليد؛ فيعاقب هؤلاء، ويقتل العجل؛ فيؤدي إلى فرقة بني إسرائيل، ويتقاتل بعضهم مع بعض؛ فيحصل فتنة لا يستطيع وحده أن  يوقفها؛ فأراد أن يبقى الأمر على ما هو حتى يرجع موسى عليه السلام.

 قال هارون لأخيه {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[طه:94] توجه عند ذلك، قبل يعني موسى عليه السلام اعتذار هارون؛ ثم بدأ يأتي برأس الفتنة، وهو السامرى {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}[طه:95] خبرك، وأمرك لما كان هذا الأمر {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}[طه:95] قال السامري مبيناً قصة هذا الأمر [قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ] يعني رأيت شيئاً لم يره غيري وذلك أنه أثر جبريل عليه السلام [فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ] قبضت قبضة، قبضة التي هيا ملأ اليد الواحدة [مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ] من أثر جبريل [فَنَبَذْتُهَا] نبذها في السبيكة، في مصهور الذهب {........فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}[طه:96] قال بهذا هذه فكرة يعني جاءتني [سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي] سولت بمعنى أنها وسوست له، وأوحت له نفسه بهذا، ولم يأخذ هذه المسألة من أحد ولم يقرأها في كتاب، وإنما سولت له نفسه أن يأخذ هذا الأثر، وإذا وضعه في السبيكة؛ فما الذي يكون؛ فكان من الأمر ما كان، قال: {........وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}[طه:96]

[قَالَ] أي له موسى عليه السلام [فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ] قال له: يضربك الله -تبارك وتعالى- بهذا الداء، وهو داء إحساس متزايد للبدن بحيث أنه اذا سقطت عليه ذبابة كأنه سقط عليه جبل، وهذا مرض معروف إلى يومنا هذا شدة الإحساس بحيث الإنسان لا يطيق أن يقع شيء على جسده، ولا يطيق ثيابه يكون إحساسه بهذه الأمور الخارجية إحساسا شديدا جداً؛ فلذلك ينطلق في البرية، ويقول لا مساس، لا مساس يعني لا يمسني أحد، لا يسمني أحد لأن أي أحد لو مسه فقط مجرد مس؛ فكأنه كالمطارق تنزل على جسده؛ فيبقى بهذه الألام المستمرة حتى يموت. {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا(97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[طه:97-98].

 لنا عودة إن شاء الله إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية.

أستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم- على عبده، ورسوله محمد.