الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (377) - سورة طه 96-110

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

قال -جل وعلا- { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا }[طه:98].

 يخبر -سبحانه وتعالى- أن موسى ابن عمران رسول بني إسرائيل -صلوات الله والسلام عليه- لا جاء الى قومه من موعدة الله -تبارك وتعالى- ورأى أن قومه قد ضلوا بعبادة العجل وخاطب هارون بما خاطبه به، قائلاً له: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا}[طه:92]{أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}[طه:93]{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[طه:94] ثم أتى بالسامرى، وقال له: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}[طه:95]{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ........}[طه:96] يعنd رأيت شيئاً لم يره أحد من كل بني إسرائيل عند خروجهم من مصر، وهو أنه رأى شيئاً من أثر يعني يهتز خضرة من أثر جبريل عليه السلام، قال: [فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا] نبذها في هذا الذهب المسبوك الذي جمعه من زينة القوم عندما قذفوها، وألقوها عنهم بنو إسرائيل، أخذها هذا، وسبكه، ووضع فيها، وأخرج، العجل خرج، وفيه الحياة من هذا فتنة لهم ليفتنهم الله -تبارك وتعالى- فيه، ويختبرهم هذا الاختبار {........وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}[طه:96] أن هذا الذي فعلته هو من تسويل نفسي، ولم يعني أن يأخذه من أحد، ولم يقرأه، وإنما جاء هذه فكرة جائته في نفسه على هذا النحو، قال له موسى: [فَاذْهَبْ] طرده من مجموع الشعب، وقال له: [فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ] لك بقاء أن تعيش، وأنت تقول لا مساس يفر فى البراري، والقفار بعيداً عن الناس خوفاً من أن يمسه أحد، لأن أي أحد يمسه مجرد مس؛ فإنما يقع عليه أي شئ يقع على جلده، كأنما تقع الصخور، والحجارة، والثقل الشديد عليه فرط الإحساس مرض معروف إلى يومنا هذا.

 ثم قال له: [وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ] وبالعقوبة، هذا الموعد هو العقوبة الإلهية على ما جنت يداه من صناعة هذا العجل، وقوله إن هذا إله موسى، وأنه هو الله الذي لا إله إلا هو [وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا] قبل ما تذهب انظر معبودك [الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا] ليلاً، ونهاراً أصبح  لهذا المعبود العجل [لَنُحَرِّقَنَّهُ ] بالتأكيد يعني تحريق بعد تحريق {........ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}[طه:97]  يحرق، ويصبح حمم تجف؛ ثم يدق ثم ينسف في اليم نسفا يعني أنه سيذروه، يذروا ذراته في البحر، وهذا كذلك من أعظم الأدلة على لأن هذا العجل الذهبى تحول إلى جسد لأن الذهب إذا حرق فإنه يبقى كالمعدن، إما أنه يحمر، وهو معدن كما هو، وأما إذا زيدت عليه النار ووضع فيه هذا؛ فإنه يذاب أما أنه ينسف في اليم نسفا، ويصبح يعني ذرات فلا لا بد أن يكون هذا جسد هذا دليل على أنه هذا العجل أصبح جسدا بالفعل كما قال الله [عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ]. {........ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}[طه:97]  نذروه في البحر حتى ترى بعينك أن هذا إلهك هذا مصيره، وأن الإله لا يصنع به هذا الصنيع.

 ثم قال للقوم:[ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ] إنما إلهكم بالحصر الله إلهكم معبودكم الذي يجب أن تعبدوه إنما هو الله اسم على ذات الرب -سبحانه وتعالى- [الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ] لا معبود، لا معبود بحق في الوجود كله إلا هو؛ فالعبادة له هي الحق، وأما العبادة لغيره؛ فباطل لأن غيره ما يستحق العبادة ما في غير الله -تبارك وتعالى- يستحق أن يعبد، لأن كل ما سوى الله -تبارك وتعالى- مخلوق، مربوب، لا يملك لنفسه دفعاً، ولا ضرا، ولا يملك لغيره بالتالي نفعا، ولا ضرا فكيف يكون هذا إله يعني تكون هناك فرض على الناس عبادته، أو طاعته، والحال أنه لا يملك لا لنفسه، ولا لغيره نفع، ولا ضر؛ فالمستحق للعبادة الله وحده -سبحانه وتعالى- {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[طه:98] صفة عظيمة من صفة الرب -تبارك وتعالى- تجعل هناك الفرقان، والبرهان بين الرب الإله الذي لا إله إلا هو، وبين ما يعبد من دونه أن كل هذه كل شيء قد وسعه الله علماً، هي في علم الله -تبارك وتعالى- وهذا وصف لا ينطبق بتاتاً على معبود من المعبودات بل كل ما عبد ملك، ولا لارسول، ولا شمس، ولا قمر ما كان؛ فإنه يبقى علمه محدود, أما الرب -سبحانه وتعالى- فإنه الذي وسع علمه كل موجوداته، كل الموجودات في هذا الكون فقد وسعها الله -تبارك وتعالى- علما لا يعزب مثقال ذرة لا في السماوات، ولا في الأرض [وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ] فلا شيء إلا وهو بعلمه -سبحانه وتعالى-. انتهى  حديث الرب -سبحانه وتعالى- عن ما قصه عن موسى عليه السلام، وذكرنا في أول هذه السورة أن الله -تبارك وتعالى- يعني أولاً افتتحها بأن قال للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:2] هذا القرأن المنزل عليك {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:3] أنزله الله -تبارك وتعالى- تذكرة لمن يخشاه -سبحانه وتعالى- وبالتالي هذه الأمانة التي حملها النبي -صلى الله عليه وسلم- بحمل هذا الدين إلى العالمين أمانة عظيمة لأنه تذكرة لمن يخشى الرب -تبارك وتعالى- فيتذكر به، ويتخذ طريق الرب -جل وعلا- {تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى}[طه:4]{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5] هذه رسالة عظيمة من الرب الإله خالق السماوات، والأرض، وأن حملها تشريف عظيم أن يحملها النبي -صلى الله عليه وسلم- يحمل هذه الرسالة تشريف عظيم من الله الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- وكأن الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك قص على نبيه قصة موسى، وكيف حمله الله -تبارك وتعالى- الرسالة يعني إلى بني إسرائيل، وأنذر بها، وقام فى هذه الرسالة بما قام به، وتعرض لما تعرض له من هذه الابتلاءات العظيمة، الابتلاءات المتواصلة يعني أبتلي بها موسى عليه السلام بدءً طبعاً ما قبل الرسالة؛ ثم كانت هذه الرسالة حمل بمجرد ما أخذها، حمل لأنه التقى بفرعون أكبر طاغية في وقته، طاغية ظالم  في وقته مع ماضي موسى من قتله الفرعوني، وأنه يلاحق، وأنه يمكن أن يؤخذ يعني عند الفراعنة بما جعلوه جريمة سابقة، كما قال له فرعون {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}[الشعراء:18]{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الشعراء:19] وبدأ يعيره، ويؤاخذه بأموره السابقة؛ ثم بعث إلى قوم غلاظ، عميان يتبعون حاكمهم بدون دليل ولا بينة، ويظلوا على هذا؛ ثم بعد ذلك أبتلي موسى بشعب كذلك صلب الرقبة كما جاء في التوراة إنكم شعب صلب الرقبة يعني إقامته على الدين أخذت جهد جهيد من موسى عليه السلام، وكان آخر إلتوائهم، وعوجهم هو عبادتهم العجل أن عبدوه على هذا النحو، وأن قالوا هو الله، وأن موسى قد نسي أن إلهه هنا هنا، وذهب ليعبد الله -تبارك وتعالى- في الجبل ويناجيه، وهذا إلهه موجود؛ فرأى من المحن، والمصاعب، والمشاق أمر عظيم من أعداءه، وكذلك من أتباعه من بني إسرائيل رأى منهم المتاعب الجمة العظيمة نموذج، ومثال، وكأن الرب -تبارك وتعالى- يقول لعبده، ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- أن هذه الرسالة التي جاءتك، وفيها هذا الحمل يعني انظر لك سلف يعني من الرسل هذا موسى عليه السلام قام يهذه الرسالة، رسالة الرب، وقد لاقى في حمله الرسالة هذه الابتلاءات العظيمة.

 قال -جل وعلا- لرسوله فى نهاية هذه ما قص من شأن موسى عليه السلام، قال: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ........}[طه:99] [كَذَلِكَ] كهذا القصص المفصل، المبين بكلام الرب -سبحانه وتعالى- المعجز، الحلو، العذب {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا}[طه:99] هنا اشادة من الرب -تبارك وتعالى- بهذا الذكر الحكيم الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- على عبده، وسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- [وَقَدْ آتَيْنَاكَ] أعطيناك يا محمد [مِنْ لَدُنَّا] من عندنا عندنا من؟ الرب الإله، الرب الإله، الرحمن خالق السماوات، والأرض -سبحانه وتعالى- الذي له الأسماء الحسنى [مِنْ لَدُنَّا] من عندنا ذِكْرًا ذكراً للعالمين، ذكر من الله -تبارك وتعالى- كلام الله -عز وجل- المذكر بطريق الرب، المذكر بصراط الرب -تبارك وتعالى- {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}[طه:100] من أعرض مَنْ من صيغ العموم كل من أعرض عن هذا الذكر كتاب الله -تبارك وتعالى-[ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا] {خَالِدِينَ فِيهِ........}[طه:101] سيحمل يوم القيامة، وزر ذنب [خَالِدِينَ فِيهِ] تحت الذنب هذا سيظل تحت ذنبه هذا حاملاً ذنبه حملاً لا ينقطع {خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}[طه:101] أسوأ حمل ممكن أن يكون أن يحمل العبد المجرم هذا الذي ترك طريق الرب، وترك تذكرة الرب هذا الحمل لأن ما في حمل أسوأ من هذا الحمل الذي سيبقيه في جهنم يبقى خالداً سرمدياً لا انقطاع له، إذا أنت يعني قد جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- رسالة في غاية الخطورة ماذا يترتب عليها، يترتب عليها أمر عظيم جداً هذه رسالة للعالمين، وأي معرض عن هذه الرسالة سيعرض نفسه لأكبر عقوبة موجودة، هذا اشادة من الرب -تبارك وتعالى- بهذه الرسالة العظيمة التي يرسلها لعبده، ورسوله محمد أنت جاي برسالة هذا شأنها، شأنها هكذا في العالمين، ليس يعني كتاب أي واحد يقرأه، ويستفيد منه بعض الفوائد إذا تركه ما عليه منه شيء، لا، هذه رسالة أي من هؤلاء الموجودين الذين أرسلت إليهم للعالمين يعرض عن هذه الرسالة يا ويله، يا ويله، هذا أمر عظيم جداً {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}[طه:100] سيحمل يوم القيامة وزر ذنب {خَالِدِينَ فِيهِ........}[طه:101]  ليس فيه فكة لا يفك منه، باقي فيه تحت هذا الوزر بقاء لا ينقطع {.......وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}[طه:101] أسوأ حمل يمكن أن يكون سيحمل هذا شيء لا حمل أسوأ منه [وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا].

 ثم بين الله -تبارك وتعالى- كيف سيكون؟ كيف سيكون هذا الذى حمل هذا الوزر بأعراضه عن هذا الذكر النازل على محمد -صلوات الله والسلام عليه- [يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ] هذا اليوم الذ هو يوم القيامة  [يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ] ينفخ بالبناء لما لم يسمى فاعله، وقد جاء بأن النافخ ملك من ملائكة الله -تبارك وتعالى- هو إسرافيل يلتقم القرن ينفخ فيه فيكون هو الإعلان لهدم هذا الكون {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ(1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ(2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ(3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}[الانفطار:1-4] هذا بهذا النفخ {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(13) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:13-15] [يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ] يخرب هذا؛ ثم النفخة الثانية {........فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68]  {........ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68] لرب العالمين -سبحانه وتعالى-.

 {........وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:102] نحشر نجمع الْمُجْرِمِينَ فاعلي الإجرام، وفاعلي الإجرام هنا أكبر إجرام الذي هو الكفر بالله -تبارك وتعالى- والعناد، والإعراض عن هذا الذكر الذي نزل للنبي -صلوات الله والسلام عليه- يحشرون زرقا حال كونهم زرق، الزرقة لون، والعرب تسمى الأسود الغارق في السواد أزرق، أزرق؛ فالأزرق هو السواد الغامق، الخالص في السواد، وما زال العرب الآن من أهل السودان مثلاً الشخص إذا كان أسود شديد السواد يسموه أزرق، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- بأن هذا سواد، كما قال -تبارك وتعالى- {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا........}[يونس:26-27] [كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ] غطيت وجوههم بقطع من الليل، والليل أسود [مُظْلِمًا] مظلم أسود {........وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:102] قد وصلت يعني وجوههم إلى الحد الأعلى من السواد، وهذا يكون من  الغيظ، والاشفاق الشديد مما هو مقدم عياذاً بالله من العذاب، والنار.

 {........وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا(102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ........}[طه:103] يصور الله -تبارك وتعالى- حالهم هذا حال أشكالهم؛ ثم حديثهم [يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ] يعني يتكلمون في الخفوت، في السر بينهم {........إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه:103] ما قعدنا إلا عشر أيام في الدنيا، كل عمرنا الذي قعدناه بس عشرة أيام، كأنهم عشرة أيام!!! مر علينا العمر عشرة أيام؛ فيصغرون، ويحتقرون مدة بقائهم في الدنيا، قد يكون بعضهم مضى مائة سنة، أقل من ذلك من أعمار هذه الأمة، أكثر من غيرهم من الأمم السابقة بس يرون كل الذي مكثوه في الدنيا عشرة أيام.

 قال -جل وعلا- {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ........}[طه:104] فالله يعلم هذا الذي سيكون كما هو كائن -سبحانه وتعالى- {........إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104] [إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً] أمثلهم، أعلاهم، وأفهمهم، وأكثرهم تقديراً للأمور [إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا] يقول عشرة لا؟!! نحن هو يوم واحد يعني الذي جلسناه مضى، وكأنه يوم واحد إِنْ لَبِثْتُمْ أي في الدنيا إِلَّا يَوْمًا وطبعاً كل هذا استقلال منهم لمدة بقائهم في الدنيا، وأنها ذهبت سريعاً، كأنها مضت، بل أخبر -سبحانه وتعالى- بأن منهم من يقسم بأنه ما لبث إلا ساعة {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ........}[الروم:55] يعني ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة فقط، هي التي لبثوها، وجاء أيضا في قول الله -تبارك وتعالى- : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:112-116] فهؤلاء يستقلون، ويستصغرون الوقت الذي أمضوه في الدنيا، ولا شك أنهم محقون في ذلك لأنها راحت كأنها ساعة، لأن وقت عمرهم في الدنيا أفنوه في اللعب، واللهو، وكذا كأنه ساعة من نهار {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104]

 ثم قال -جل وعلا- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}[طه:105] إنما يحدث هؤلاء الناس بالبعث، والنشور، وأن هذا الكون سيذهب، طبعاً تنصرف أذهانهم، وأفكارهم المريضة إلى هذه الجبال الشامخة ما الذي يزيل هاذه [ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ] يعني هل هذه الجبال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحدث عن يوم القيامة، وأنه سيكون أرض واحدة ليس فيها عالم لأحد، وأنهم يبعثون في هذه الأرض فيكف؟ كيف الجبال أين تذهب هذه الجبال العالية الشامخة؟ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}[طه:105] النسف هو أن تتفجر وتتحول من هذه صخورها العظيمة إلى أن تصبح هباءات، وذرات صغيرة، كما قال -جل وعلا- {الْقَارِعَةُ(1) مَا الْقَارِعَةُ(2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ(3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ(4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}[القارعة:1-5] العهن المنفوش، والعهن هو الصوف المنفوش، وقال: {........وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}[المزمل:14] أول شيء تكون كالكثيب المهيل، الهايل الرمل الذي يهيل بعضه على بعضه، ولا يتماسك بعضه على بعضه؛ ثم بعد ذلك الله -تبارك وتعالى- يكون كهباء تذروه الرياح {........فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}[طه:105]{فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}[طه:106] تأتيها الرياح تذروها، وقد أصبحت هباء في الجو، وتبقى أرضها قاع، قاع الأرض المستوى [صَفْصَفًا] ما في شيء، الصفصف هو الفارغ، فارغ من كل شيء لا بقت صخرة، ولا بقت شجرة، ولا بقى شيء، وإنما قاعا صفصفا يعني صافي ما فيه أي يعني علم، ولا شيء ظاهر {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}[طه:106]{لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا}[طه:107] لا فيها عوج حفرة يعني نازلة في الأرض، ولا أمت يعنى ربوة، وشيء مرتفع من الأرض، بل أرض مستوية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « أنكم تحشرون على أرض بيضاء ليس فيها عالم لأحد»

 {لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا}[طه:107] [يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ] في هذا اليوم يتبعون هؤلاء الناس، هؤلاء المجرمين، المكذبين، المعاندين الآن في الدنيا يتبعون الداعي أين يقول لهم الداعي، الداعي من الملائكة هنا، اذهبوا إلى هنا حيث يأمرهم الداعي يسيرهم الجهة التي يسيرون إليها؛ فيتبعون الأمر دون أي إعتراض منهم عليه [يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ] لا أحد يعوج، يعوج في الطريق بأنه يميل يمنة، أو يسرة، وإنما يسير حيث يؤمر بالمسير.

[ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ] الخشوع بمعنى الخضوع، والسكون أصوات كل الأصوات تخشع للرحمن -سبحانه وتعالى- الذي يكون الرب -سبحانه وتعالى- هو القاهر فوق عباده، وهو يعني المخاطب لهم لا يتكلموا -سبحانه وتعالى- إلا هو، ومن يأذن له الرحمن بالكلام [وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ] كلها سكوت من رهبة الرب -جل وعلا- {........فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه:108] فلا تسمع من هؤلاء القوم، الأمم هذه كلها المحشورة إلا همس، الهمس هو الكلام السري، وهو أن يهمس يعني واحد في أذن الآخر فقط همس خوفاً من أن يرفع صوته بشيء {........وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه:108]{يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}[طه:109] [يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ] على النحو الذي كان يظنه الكفار، وهو أن هناك من يشفع لهم، يطلب لهم الحماية، يطلب لهم النجاة من عند الرب -تبارك وتعالى- يطلب لهم الإنقاذ ما ينفعهم أحد، يقربهم من الله -تبارك وتعالى- زلفى، يخاطب الرب -تبارك وتعالى- في إسقاط ذنوبهم، في ادخالهم الجنة ما في شفاعة تنفع عند الرحمن إلا بأمرين [إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا] إلا من أذن له الرحمن بأن يشفع له [وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ] الشافع؛ فمن أذن له الرحمن في الشفاعة؛ فهذا في الشفاعة فيه هو الذي يعني يشفع فيه [وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا] من الشافع، أو إلا من أذن له الرحمن من الشافع يقول له هو الله يقيمه، كما يقيم الرسل، يقيم الملائكة الله الذي يقيمهم -سبحانه وتعالى- ويأمرهم بالشفاعة [وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا] يعني كذلك أن يرضى قوله أن يشفع الشفاعة التي يحبها الله -تبارك وتعالى- ويحددها الله -جل وعلا- له، أما إذا شفع فيما لا يحبه الله -تبارك وتعالى- ولا يرضاه الله؛ فإنه لا يقبله كما جاء في الحديث أن يعني قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وقد سربل بسربال من قطران، وقد عانت وجه آزر غبرة، وقترة؛ فيقول إبراهيم لأبيه يا أبت ألم أقل لا تعصني؛ فقال: يا بني الآن لا أعصيك؛ فيقول، يشفع، يحاول إبراهيم عليه السلام أن يشفع في أبيه؛ فيقول رب قد وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي من أبي الأبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- يا إبراهيم إني حرمت الجنة على الكافرين، وانظر تحت قدميك؛ فإذا هو ؟؟؟؟؟ ملطخ بالدماء؛ فيؤخذ من قوائمه؛ فيلقى في النار"؛ فهذا لو فرض أن تكون هناك شفاعة فى هذا اليوم بقول لا يرضاه الله -تبارك وتعالى-  حكم الله -تبارك وتعالى- على صاحبه بالنار؛ فإنه، فإن هذه الشفاعة لا تقبل [يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ] على نظام الكفار إلا بهذه الشروط [إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ] ليشفع [وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا] في المشفوع فيه؛ فإذا قولاً في مشفوع فيه لا يرضاه الله -تبارك وتعالى- كأن تكون شفاعة في مشرك، فيمن جاء على الشرك، والكفر الله تبارك وتعالى قد حكم حكماً لا يرد، ولا يستثنى، ما في استثناء يعني من كلام الله -تبارك وتعالى- إني حرمت الجنة على الكافرين؛ فهي حرام عليهم، ولو، لا إستثناء لأمر قط {يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}[طه:109] من الشافعين ملائكة، أو رسل.

 {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:110] يَعْلَمُ الله -تبارك وتعالى- [مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ] ما قدموه، وما أخروه، وما يقولونه الآن، وما سيقولونه بعد من كلام هؤلاء الشافعين الذين ظن  العرب، المشركون أنهم يعني شفاعتهم مقبولة عند الله بكل حال، وهم الملائكة؛ فيخبر -سبحانه وتعالى- أنه يعلم ما بين يدي الملائكة، وما خلفهم [وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا] لا يحيطون علماً بالله -تبارك وتعالى- الله يحيط علماً بكل مخلوقاته، وليس هناك مخلوق من مخلوقات الله يحيط علماً بالله، ولا الملائكة؛ فالملائكة أنفسهم لا يحيطون علماً بالله يعني لا يعرفون الله -تبارك وتعالى- ويعلمون الله. الله -جل وعلا- لا يعلم الله على الحقيقة، ولا يحيط علماً بالله إلا الله -سبحانه وتعالى- وأما غيره من كل خلقه؛ فإنه لا يحيطون علماً به، وإنما يعلمون به على المقدار الذي علمهم، وفي حدود طاقتهم في العلم، وأما الرب -تبارك وتعالى- فإنه أعظم، وأجل، وأكبر أن يحيط أحد من خلقه علماً به كيف؟! وما هو دون الله -تبارك وتعالى- من بعض مخلوقاته لا يحيط أحد من الخلق علماً به إلا الله كالعرش؛ فعرش الله -تبارك وتعالى- لا يحيط أحد يعني علماً به، وأن يقدره قدره، لا يقدره قدره إلا الله فكيف بالله، الرب الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- [يَعْلَمُ] أي الله [مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ] أيدي هؤلاء الملائكة الذين يظنوهم شفعاء {........وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:110] -سبحانه وتعالى- جل شأنه.

نقف هنا، والحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله الأمين.